يمثل الإرهاب أحد أبرز التهديدات الأمنية المتصاعدة التي تواجه دول آسيا الوسطى، (أوزبكستان وكازاخستان وقيرغيزستان وطاجيكستان وتركمانستان)، في ظل الفراغ الأمني الذي أنتجه الانسحاب الأمريكي التدريجي من أفغانستان، وتنامي خطر تنظيم "داعش"، والجماعات المتطرفة الأخرى في الإقليم.
ولا تقتصر الظاهرة الإرهابية في آسيا الوسطى على بُعدها المكاني، إنما تتسم بقدرتها على تجاوز الحدود الوطنية واختراق مناطق النفوذ الإقليمية، في استغلال تام للدوافع الأيديولوجية، والبيئة الداخلية الحاضنة، والمحفزات الخارجية.
وبدت تأثيرات هذا الخطر الإرهابي في تداعياته الممتدة إلى دول وأقاليم أخرى، وهو ما يظهر في تزايد عدد مقاتلي آسيا الوسطى المنضمين لصفوف التنظيمات الإرهابية المتورطة في صراعات الشرق الأوسط وأبرزها "داعش" في سوريا، وتورط مواطنين من هذه الدول في هجمات إرهابية تم تنفيذها على مدار الأشهر القليلة الماضية في تركيا وروسيا والسويد.
مؤشرات الانتشار
تظهر ملامح ومؤشرات انتشار الإرهاب في منطقة آسيا الوسطى، من خلال 3 مستويات من التحليل، مرتبطة بخريطة أبرز التنظيمات الإرهابية في هذه المنطقة، واتساع نطاق الهجمات الإرهابية من قِبل العناصر التي تعتنق أفكار تلك التنظيمات، وكذلك التدابير التي اتخذتها دولها للحد من التمدد الإرهابي.
1- أبرز التنظيمات الإرهابية: تعتبر "حركة أوزبكستان الإسلامية" واحدة من أبرز التنظيمات الإرهابية والمتطرفة في منطقة آسيا الوسطى، حيث يمتد نفوذها في واد فرغانة الذي تتقاسمه كل من أوزبكستان وطاجيكستان وقيرغيزستان.
وكانت المرحلة الانتقالية التي شهدتها أوزبكستان، بعد وفاة الرئيس إسلام كريموف في سبتمبر 2016، عاملاً محفزاً لهذه الحركة في اتجاه تصعيد هجماتها الإرهابية وتمديد مجالات نفوذها، خصوصاً أنها بايعت تنظيم "داعش" في أكتوبر 2014 بعد التأكد من وفاة الملا عمر، زعيم "حركة طالبان".
وكانت "حركة أوزبكستان الإسلامية" قد شهدت انشقاقين مهمين، أولهما في عام 2002 بتأسيس الجناح الداعي للجهاد العالمي، لتنظيم إرهابي تحت مسمى "اتحاد الجهاد الإسلامي" ومعقله في منطقة وزيرستان الباكستانية، حيث تبنى الهجمات الإرهابية في كل من طشقند وبخارى في عام 2004، واستهدف مطار كراتشي الدولي في يونيو 2014 وهو ما أسفر عن مقتل 39 شخصاً. في حين تبنت "جماعة جند الخلافة"، المحسوبة على اتحاد الجهاد العالمي، عدة هجمات في كازاخستان عام 2011.
وكان الرابط بين هذه الجماعات المنشقة عن "حركة أوزبكستان الإسلامية"، هو ولاؤها لـ "حركة طالبان" وتلقي أعضائها التدريب والتسليح من قِبل الحركة في الأراضي الأفغانية والباكستانية.
أما الانشقاق الثاني، فتمثل في تأسيس الجناح الطاجيكي في "حركة أوزبكستان الإسلامية"، لـ "جماعة أنصار الله" في عام 2006، حيث تبنت الجماعة الهجمات التي عرفتها مدينة خجند الطاجيكية في عام 2010، ولجأت بعدها السلطات الطاجيكية إلى تضييق الخناق على الجماعة، وتصنيفها كمنظمة إرهابية تتلقى تمويلاً من تنظيم "القاعدة" في مايو 2012، قبل أن تكشف الحكومة الطاجيكية، في يناير 2016، عن مقتل قائد الجماعة "الملا أمر الدين تباروف"، في أفغانستان.
ومن ناحية أخرى، يعد "حزب التحرير الإسلامي"، الذي يتوزع أتباعه ما بين أوزبكستان وطاجيكستان وقيرغيزستان، مثالاً للتنظيمات المتطرفة التي اختارت تكفير الأنظمة السياسية والدعوة لتطبيق الشريعة الإسلامية والتأسيس للخلافة، ويُصنّف في عدد من دول آسيا الوسطى وروسيا، بـ "المنظمة الإرهابية".
2- ظاهرة الذئاب المنفردة: تزايدت العمليات الإرهابية في آسيا الوسطى عن طريق الخلايا النائمة و"الذئاب المنفردة"، حيث شهدت مدينة أكتوبي الكازاخية عمليات إرهابية في يونيو 2016، وتم الربط بين مُنفذيها والجهاديين الكازاخيين المنضمين لتنظيم "داعش" في سوريا.
بينما عرفت العاصمة القيرغيزية "بيشكيك" هجمات إرهابية بسيارة مفخخة استهدفت السفارة الصينية بها في أغسطس 2016، وهي عمليات تم ربطها بخلايا نائمة تدين بالولاء لـ "كتيبة التوحيد والجهاد" في سوريا والمرتبطة بـ "جبهة فتح الشام"، والتي تضم عناصر من الأويغور الانفصاليين من إقليم شينجيانغ شمال غرب الصين.
وبالتالي، فإن ارتفاع أعداد المقاتلين من دول آسيا الوسطى في سوريا والعراق، مع تنامي أدوار هؤلاء المقاتلين واحتلالهم مناصب قيادية في "داعش" و"جبهة فتح الشام"، أدى إلى تكثيف هذه التنظيمات لوجودها وعملياتها في آسيا الوسطى.
3- إجراءات للحد من التمدد الإرهابي: تعاملت دول منطقة آسيا الوسطى مع معضلة انتشار الإرهاب بتنفيذ القرارات الدولية الخاصة بمكافحة الإرهاب، وذلك بسن قوانين داخلية تجرم مشاركة مواطنيها في نزاع مسلح خارج حدودها الجغرافية.
وفي هذا الصدد، أصدرت كازاخستان قانوناً، في أبريل 2014، يقضي بالسجن ما بين 3 و7 سنوات، لكل من شارك بشكل إرادي في نزاع مسلح خارج حدود البلاد. وقام الرئيس القيرغيزي "ألمازبيك أتامباييف"، في يوليو 2015، بالتوقيع على نص قانون بتعديل للقانون الجنائي تصل فيه عقوبة السجن إلى 12 سنة لكل من ثبت تورطه في أعمال إرهابية خارج البلاد.
وفي السياق نفسه، أصدرت طاجيكستان مرسوماً رئاسياً، في 24 يوليو 2014، يفرض عقوبة السجن لمدة تتراوح بين 12 و20 سنة، لكل من ثبت تورطه في أعمال إرهابية، أو قام بتجنيد مقاتلين للقيام بها.
ولم تقتصر الإجراءات التي اتخذتها دول آسيا الوسطى على الجانب القانوني، إنما امتدت للجانب الأمني، بالتنسيق والتعاون الإقليمي بين هذه الدول لمجابهة التهديدات الأمنية، وذلك من خلال عضويتها في منظمات مثل "منظمة شنغهاي للتعاون" و"منظمة معاهدة الأمن الجماعي".
مُحفزات التمدد
يرتبط انتشار الظاهرة الإرهابية في آسيا الوسطى، بأسباب متعددة، منها الآتي:
1- العامل الأيديولوجي: يمثل التشبع بالفكر السلفي الجهادي عاملاً أيديولوجياً محفزاً لانتشار التطرف والإرهاب في آسيا الوسطى، وذلك بين 3 تيارات رئيسية، هي:
أ- تيار ينظر للجهاد الوطني كأساس لقلب النظام السياسي "الكافر"، على حد وصفه، وتأسيس دولة تستند في حكمها إلى الشريعة الإسلامية. ومثال على ذلك، "حزب التحرير الإسلامي".
ب- تيار ثانٍ يجعل من الجهاد العالمي منطلقاً فكرياً يتجاوز الحدود التقليدية لدول آسيا الوسطى، ويجعل من العنف أساساً لسلوكه على الصعيد الدولي. ويتجلى في تنظيم "اتحاد الجهاد الإسلامي".
ج- تيار ثالث يطمح إلى تأسيس ما يُسمى بـ "دولة الخلافة الإسلامية"، وينقسم لاتجاهين: الأول يربط الخلافة في بُعدها الإقليمي بتوحيد تركستان الشرقية (إقليم شينجيانغ) وتركستان الغربية (آسيا الوسطى) تحت راية "الخلافة الإسلامية"، ويرتبط هذا الاتجاه أساساً بالحزب الإسلامي التركستاني (الحركة الإسلامية لشرق تركستان سابقاً). والاتجاه الثاني يذهب إلى تقسيم العالم لولايات تابعة للخلافة الإسلامية، ويتمثل هذا التيار في "حركة أوزبكستان الإسلامية" بعد مبايعتها تنظيم "داعش".
2- بيئة داخلية حاضنة: لا تخلو أسباب تمدد الإرهاب في آسيا الوسطى من العوامل الداخلية المحفزة، وذلك بتوافر البيئة الحاضنة للتطرف والإرهاب، في ظل عدم الاستقرار السياسي وقمع المعارضة وتفشي الفساد في بعض هذه الدول، فضلاً عن العنف الاقتصادي الممارس على الفئات الهشة بها من فقر وتهميش وعزلة وغياب التوزيع العادل لعوائد التنمية.
ولذا تحاول التنظيمات المتطرفة والإرهابية الاستفادة من الظروف الداخلية غير المستقرة، سياسياً واقتصادياً، في بعض دول آسيا الوسطى، بهدف تجنيد عناصر جديدة في صفوفها، واستغلالها في تنفيذ عملياتها الإرهابية.
3- مُحفزات خارجية: تمثل المحفزات الخارجية عنصراً أساسياً في انتشار الظاهرة الإرهابية بمنطقة آسيا الوسطى، وذلك في ظل تنامي المد الإرهابي في العالم. وبالتالي تعد الصراعات المسلحة في أفغانستان وسوريا والعراق، تهديداً مباشراً للأمن الإقليمي لدول آسيا الوسطى، حيث تعمل "حركة طالبان" وتنظيما "القاعدة" و"داعش" على استقطاب مقاتلين من دول هذه المنطقة، والقيام بتدريبهم وتسليحهم، وهو ما دفع بهؤلاء المقاتلين إلى نقل تجربتهم لعناصر أخرى داخل المنطقة.
تداعيات واسعة
يمثل انتشار التنظيمات الإرهابية في آسيا الوسطى، خطراً كبيراً على دول الجوار وكذلك منطقة الشرق الأوسط، حيث إن اتساع مصادر تمويل هذه التنظيمات، وارتباطها بشكل وثيق بـ "حركة طالبان" وتنظيمي "القاعدة" و"داعش"، في ظل تنامي الإرهاب كظاهرة عابرة للحدود بمحفزاتها وتداعياتها، ينتج اتجاهين رئيسيين من التهديدات، هما:
1- يرتبط الاتجاه الأول بظاهرة تجنيد المقاتلين الإرهابيين الأجانب، ومدى تأثيرها على الحرب ضد الإرهاب في منطقة الشرق الأوسط، حيث يمثل مقاتلو آسيا الوسطى قوة لا يُستهان بها بين المقاتلين الأجانب في سوريا والعراق.
وفي هذا الصدد، أظهر تقرير صادر عن المعهد الوطني للدراسات الاستراتيجية بواشنطن (INSS)، في أكتوبر 2016، أن عدد المقاتلين الإرهابيين من آسيا الوسطى الملتحقين بجبهات القتال في سوريا يتراوح ما بين 4000 و5000 مقاتل؛ غالبيتهم من أوزبكستان، وهو ما يمثل محفزاً لاستمرار النزاع المسلح في سوريا، وتمدد الإرهاب في الإقليم، خصوصاً بعد اختراق "داعش" لأفغانستان وفتحه جبهات جديدة.
وعمد هؤلاء المقاتلين إلى التميز عن باقي الإرهابيين الأجانب، وذلك من خلال تشكيل كتائب وجماعات إرهابية في سوريا على أساس عرقي ولغوي، حيث أسس المقاتلون الأوزبك "كتيبة الإمام البخاري" في أواخر عام 2013، المرتبطة بـ "جيش الفتح" التابع لـ "جبهة فتح الشام" (جبهة النصرة سابقاً)، فيما تأسست "كتيبة التوحيد والجهاد" على يد القرغيزي سيراج الدين مختاروف في أواخر عام 2014، وتضم مقاتلين من قيرغيزستان وباكستان وأويغور من إقليم شينجيانغ شمال غرب الصين، حيث بايعت هذه الكتيبة "جبهة فتح الشام" في سبتمبر 2015، دون أن تتخلى عن أفكارها الداعية للجهاد في آسيا الوسطى.
2- يتعلق الاتجاه الثاني من التهديدات بمدى تأثير شبكات التواصل الاجتماعي في ترويج التنظيمات الإرهابية لفكرها السلفي الجهادي بين مواطني آسيا الوسطى، وانعكاس ذلك على تجدد عمل الخلايا النائمة داخل دول المنطقة، وتحفيز "الذئاب المنفردة" في دول الجوار، وهو ما شهده الثُلث الأول من العام الجاري 2017، حيث وقعت 3 هجمات إرهابية متفرقة نفذها مواطنون من آسيا الوسطى في مدن إسطنبول (تركيا) وسان بطرسبرج (روسيا) وستوكهولم (السويد).
وتظهر أساليب وأدوات القيام بهذه الهجمات الإرهابية ونتائجها، التباين الواضح بين "الذئاب المنفردة" في كل عملية. فهجمات إسطنبول، التي استهدف خلالها أوزبكي ملهى ليلي وأسفرت عن مقتل 39 شخصاً وإصابة 65 آخرين في يناير الماضي، عكست التدريب الكبير الذي تلقاه منفذها في ساحات القتال في أفغانستان. بينما عبَّرت هجمات ستوكهولم، التي كانت عن طريق الدهس بشاحنة وأسفرت عن سقوط 4 قتلى و15 مصاباً في أبريل الماضي، عن غياب الكفاءة الميدانية لمنفذها الأوزبكي وانعكاس لحالة اليأس لديه. فيما أظهرت هجمات محطات مترو سان بطرسبرج، التي نفذها انتحاري قيرغيزى وأسفرت عن سقوط ١٤ قتيلاً وأكثر من 50 مصاباً في أبريل الماضي، حرفية أكثر وعنف خطير.
آثار اقتصادية
تتلخص معوقات النمو الاقتصادي في منطقة آسيا الوسطى، حسب صندوق النقد الدولي، في تأثير انخفاض أسعار النفط على الدول المصدرة له، وتراجع الاستثمارات الأجنبية المباشرة في هذه الدول، إضافة إلى أعباء الديون والعجز في الميزان التجاري.
وتشكل عملية تحفيز الاستثمارات الأجنبية، وتوفير البيئة الملائمة لاستقطاب رؤوس الأموال إلى دول منطقة آسيا الوسطى، استجابة ناجعة لمواجهة هذه التحديات. غير أن انتشار الظاهرة الإرهابية في هذه المنطقة، يرفع من مستوى تأثير متغيرات البيئة الإقليمية على اقتصادات دولها، في ظل ارتباط مؤشر جاذبية الاستثمارات الأجنبية بعوامل، مثل التوترات السياسية، والتقلبات الاقتصادية، والانفلات الأمني.
وعلى الرغم من أن منطقة آسيا الوسطى تلقى اهتماماً متزايداً من العديد من القوى الدولية والإقليمية، وتحظى بتنافس كبير حول مواردها من معادن وبترول وغاز وطبيعي، وتشهد استثمارات مهمة في بنيتها التحتية، فإنه يُتوقع أن يشهد النمو الاقتصادي بها تباطؤاً خلال الفترة المقبلة. ويعزى هذا الأمر إلى تردد المستثمرين الأجانب وعدم يقينهم من الاستقرار السياسي والأمني في دول آسيا الوسطى، على ضوء تصاعد الهجمات الإرهابية وتمدد نفوذ الجماعات المتطرفة والإرهابية.
ختاماً، إن أي محاولة لمحاصرة تمدد الإرهاب في منطقة آسيا الوسطى، لن تستقيم إلا بمعالجة البيئة الداخلية الحاضنة للفكر المتطرف، ووجود مزيد من التعاون الأمني الإقليمي للحد من المحفزات الخارجية لانتشار الإرهاب. كما أن تطوير دول هذه المنطقة لنموذج اقتصادي يهدف لتحقيق التنمية الشاملة، يعد ركيزة أساسية لتوفير الموارد الأساسية لحماية حقوق المواطنين الاقتصادية والاجتماعية، ومحفزاً لتمكينهم من حقوقهم المدنية والسياسية، ومنطلقاً لمناخ سليم تتلاشى فيه دوافع التطرف.