أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يصدر العدد الثاني من مجلة "اتجاهات آسيوية"
  • أ. د. نيفين مسعد تكتب: (عام على "طوفان الأقصى".. ما تغيّر وما لم يتغيّر)
  • د. إبراهيم فوزي يكتب: (بين موسكو والغرب: مستقبل جورجيا بعد فوز الحزب الحاكم في الانتخابات البرلمانية)
  • د. أيمن سمير يكتب: (هندسة الرد: عشر رسائل للهجوم الإسرائيلي على إيران)
  • أ. د. حمدي عبدالرحمن يكتب: (من المال إلى القوة الناعمة: الاتجاهات الجديدة للسياسة الصينية تجاه إفريقيا)

تونس والانتخابات الأخيرة.. تراجع رئاسي وخطر عودة "النهضة"

02 يناير، 2023


بانتخابه في عام 2019 رئيساً للجمهورية، مثّل الرئيس التونسي قيس سعيد المفاجأة السارة لقطاعات واسعة وعريضة من التونسيين، الذين عقدوا عليه الأمل، للقطع مع النظام السياسي الذي قام على أنقاض ما خلفه نظام الرئيس السابق زين العابدين بن علي في عام 2011. وبين 2019 و2021، تقاذفت التونسيين أحداث وتطورات خطيرة وسريعة أفضت في نهاية المطاف إلى انتخاب برلمان جديد، لخلافة السابق الذي جمده سعيد في يوليو 2021، باعتباره المؤسسة التي كانت السبب الأول في الانحدار والتدهور الخطير الذي عرفته البلاد.

وبعد أن تعطش التونسيون لطي صفحة برلمان النهضة وحلفائها، لم يتمكن الرئيس سعيد من حشد أغلبية التونسيين وراء مشروعه الذي وعد به، وذلك بالنظر إلى الإقبال الضعيف على التصويت في الانتخابات التشريعية التي شهدتها البلاد في 17 ديسمبر 2022.

تفسير التراجع:

إن تراجع نسبة المصوتين في هذه الانتخابات التشريعية، والتي بلغت 11.2%، أي ما يمثل مليوناً و25 ألف ناخب من مجموع 9 ملايين و163 ألفاً مسجلين باللوائح الانتخابية، وفق الهيئة العليا للانتخابات؛ ربما يعكس مزاجاً عاماً ونتيجة متوقعة لما سارت عليه الأمور في تونس منذ عام 2021، وثمرة مسار ربما انحرف عن بعض أهدافه لأسباب كثيرة، لعل من أبرزها توالي الأزمات والمشاكل في تونس التي كانت تعاني أصلاً وضعاً اقتصادياً ومالياً صعباً، بعد انهيار ثقة المقرضين الدوليين، وتراجع مداخيل الدولة ومواردها من تصدير بعض المواد الاستراتيجية، مثل الفوسفات الذي توقف تقريباً بشكل كامل على امتداد سنوات، وتدهور التدفق السياحي، ثم تداعيات جائحة كورونا، لتضرب الحرب الروسية - الأوكرانية آخر ما تبقى من أسباب تماسك الاقتصاد التونسي.

ولكن هذه العوامل على أهميتها وخطورتها، لا تفسر وحدها تراجع نسبة التصويت في الانتخابات البرلمانية، وعدم قدرة الرئيس سعيد على تحويل هذه الانتخابات إلى مناسبة يجدد فيها العلاقة التي جمعته بالتونسيين. والواقع أن الرئيس سعيد الذي كسب الرهان بالإطاحة بحركة النهضة وحلفائها من سدة البرلمان ومن المشهد السياسي، ربما لم يكسب في الانتخابات الأخيرة "الامتحان الأصعب"، بتحويل خياره ومشروعه السياسي إلى مشروع سياسي مجتمعي يشترك فيه التونسيون من مختلف الانتماءات.

فعندما بادر الرئيس سعيد بتجميد البرلمان استجابةً لمطالبة شعبية متنامية، كادت تفضي إلى صدام بين أنصار ومعارضي حركة النهضة، قبل 25 يوليو 2021، لم يتمكن من إطلاق مشروعه السياسي الذي لم يكن قد اكتمل وقتها، ولا يبدو أنه اكتمل اليوم بعد الانتخابات الراهنة. وعندما اُنتخب سعيد رئيساً في عام 2019، دخل قصر الرئاسة في قرطاج بتأييد من 1.5 مليون صوت، ولكنه عندما أراد إعادة فتح البرلمان لم يلب دعوته للتصويت سوى نحو 1 مليون ناخب، ما يعني أنه خسر في الطريق أكثر من نصف مليون صوت، بالرغم من تعزز قاعدة الناخبين بما يعادل مليون ناخب إضافي بين عامي 2019 و2022.

وربما كان ضعف إقبال الناخبين لتأييد الرئيس سعيد بالتصويت لمشروعه مُنتظراً منذ أشهر، في ظل تمسك الرئيس بخطاب المرشح الذي كان في عام 2019، فالتونسيون كانوا قد عقدوا الأمل في أن يمضي الرجل من القول إلى التنفيذ، فعندما كان مرشحاً للانتخابات كان خطابه الفريد جذاباً لقطاعات واسعة من الشباب والمهمشين والساخطين على الأنظمة السابقة، والمحبطين من الطبقة السياسية التي حكمت البلاد بعد 2011.

وأملاً في التجديد، ورهاناً على التغيير من جهة، أقبل عدد من التونسيين على التصويت لسعيد، ليكون بديلاً عما عرفوه في "عشرية الخراب" الماضية، لكن الرئيس، ولأسباب تعود في جزء كبير منها للأزمة الاقتصادية العالمية الناتجة عن تداعيات جائحة كورونا والحرب الأوكرانية، واجه صعوبات في حل المشاكل الاقتصادية للشعب التونسي، خاصةً الطبقة الدنيا التي تضخمت وسحبت إلى أسفل جزءاً كبيراً من الطبقة الوسطى، حتى وجد التونسيون أنفسهم في الأشهر القليلة الماضية يعانون الارتفاع الكبير في أسعار السلع الأساسية. كما لمس التونسيون، كما تعكسها مواقفهم أو تصريحاتهم سواء عبر وسائل الإعلام التقليدي أو التواصل الاجتماعي، أن أجهزة الدولة غير قادرة على معالجة هذه الأزمة الاقتصادية. 

إن هذه الصورة كفيلة وحدها، بتفسير انخفاض نسبة التصويت في الانتخابات الراهنة، ذلك أن القناعة التي تسللت إلى تونسيين كثيرين، فيما يُمكن وصفه بالإحباط الوطني المشترك، أن لا فائدة من التصويت لمرشحين لبرلمان لا أحد يعرف هويته، ولا صلاحياته، ولا قدرته على المساعدة في حل مشاكلهم، خاصةً بعد التعديلات الكثيرة التي طالت دستور البلاد ومؤسساتها.

إن التونسيين الذين قاطعوا بكثافة انتخابات 17 ديسمبر 2022، نوعان؛ الأول محبط من السياسة ومن الساسة وهو الأغلبية الساحقة، والثاني معارض للرئيس سعيد الذي ترك فرصة إعادة التشكيل والانتظام بعد يوليو 2021، لامتصاص الصدمة التي خلفها قرار تجميد البرلمان لكن من دون إجراءات وقرارات سريعة كانت الطبقة السياسية من خارج الدوائر المتكسبة من النظام البرلماني السابق والمتربحة منه، تنتظرها بسرعة، مثل حل البرلمان نهائياً، والدعوة إلى انتخابات سابقة لأوانها، وتشكيل حكومة كفاءات وطنية.

أزمة قادمة:

إن النتائج التي أفرزتها الانتخابات التشريعية الراهنة، وبدلاً من أن تضع تونس على طريق الخروج من أزمتها، قد تُمهد على ما يبدو لأزمة جديدة. ويمكن القول إن ضعف المشاركة في هذه الانتخاب قد يكون مقدمة أو عنواناً لما يمكن أن يكون عليه الوضع في الاستحقاق الرئاسي المقبل.

والأخطر في الأمر أن حركة النهضة والإسلام السياسي من جهة، والمتطرف الإرهابي، الذي ترعرع في حضنها من جهة ثانية، قد يجدان في الإحباط واليأس المتنامي في نفوس التونسيين مجالاً خصباً يسمح لهما بالتعافي واستعادة الأنفاس، لتنظيم الصفوف وتعديل المظهر، للعودة من جديد للساحة السياسية في تونس. ففي عام 1988، عند تشكيل التجمع الدستوري برئاسة الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي، على أنقاض الحزب الاشتراكي الحاكم السابق، بالتحالف مع بعض اليساريين السابقين، ووجوه اليمين الليبيرالي المحافظ، والمعادي للإسلاميين، كان شعار المرحلة وقتها إما هذا التجمع أو الإرهاب. ومستقبلاً، سيكون شعار الإسلاميين إذا انقضوا على السلطة في إطار التحالف مع أعداء الرئيس سعيد، إما النهضة أو "الخراب" على حد زعمهم.