تمكنت الجبهة الشعبية لتحرير التيجراي في الفترة الممتدة من 31 أكتوبر وحتى 3 نوفمبر 2021، من تحقيق مكاسب استراتيجية على حساب الحكومة الإثيوبية، مع تزايد اقترابها نحو العاصمة الإثيوبية، خاصة بعد سيطرتها على مدينتي ديسي وكومبولتشا، وذلك في الوقت الذي يستمر رئيس الوزراء الإثيوبي في تعبئة المواطنين للقتال رافضاً وقف إطلاق النار والتفاوض مع جبهة تيجراي، على عكس المناشدات الإقليمية والدولية.
تصاعد حدة الصراع:
تعددت المؤشرات على تمكن جبهة تحرير تيجراي على توسيع مناطق سيطرتها، واتجاهها للسيطرة على العاصمة أديس أبابا، وهو ما يمكن توضيحه على النحو التالي:
1- سيطرة تيجراي على ثلاث مدن استراتيجية: استطاعت الجبهة الشعبية لتحرير تيجراي الاستيلاء على مدينتي " ديسي" و"كومبولتشا" في 30 – 31 أكتوبر 2021، كما استطاع جيش تحرير أورومو، المتحالف مع جبهة تيجراي، في السيطرة على عدة مدن في جنوب كومبولشا أخرها مدينة كاميسي، والتي تقع على بعد 327 كيلومتراً من أديس أبابا. وتقع المدن الثلاث في إقليم أمهرة، والتي توجد بها إثنية الأمهرة، الداعم الأساسي لرئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد.
وتتمتع هذه المدن بأهمية كبيرة، لوقوعها على الطريق السريع (A2) الذي يربط عاصمة إقليم تيجراي، ميكيلي، بالعاصمة أديس أبابا، كما أن هذا الطريق السريع يربط أديس أبابا بجيبوتي، حيث يتواجد الميناء الذي يتم من خلاله شحن غالبية واردات وصادرات إثيوبيا.
وتمثل سلسلة الانتصارات الأخيرة للتيجراي وأورومو نذير شؤم للحكومة الإثيوبية، لأنها تعيد ذاكرة الحرب الأهلية في أواخر الثمانينات من القرن العشرين، حينما تمكنت جبهة تحرير تيجراي وجبهة أورومو من السيطرة معاً على مدينة ديسي في مايو 1991، وذلك بعد سنوات من القتال، ثم الزحف بعدها على العاصمة أديس أبابا، وتمكن ميلس زيناوي، زعيم جبهة تيجراي حينها من تولي الحكم منذ ذلك التوقيت، وحتى وفاته في عام 2012.
2- تشكيل تحالف سياسي – عسكري معارض: شكلت تسع مجموعات معارضة "الجبهة المتحدة للقوات الفيدرالية والكونفدرالية الإثيوبية"، والتي يعد أبرزها جيش تحرير أورومو، وكذلك جماعات معارضة من أقاليم عفر وجامبيلا والصومال. ويلاحظ أن الجبهة المتحدة هو تحالف سياسي عسكري يستهدف إسقاط حكومة رئيس الوزراء آبي أحمد، سواء بالقوة أو بالمفاوضات، وتشكيل حكومة انتقالية.
فقد أوضح العضو البارز في الجبهة الشعبية لتحرير تيجراي، غيتاتشو رضا، أنه: "إذا سقطت الحكومة الفيدرالية، سيكون لدينا بالتأكيد ترتيبات مؤقتة"، في إشارة إلى وجود توافق على إقرار حكومة بديلة لحكومة آبي أحمد.
3- إعلان أديس أبابا حالة الطوارئ: على الرغم من أن الحكومة الإثيوبية لم تعترف بسقوط مدينة كاميسي، فإن الإجراءات التي اتخذتها تكشف عن مصداقية المعارضة بالسيطرة عليها، فقد أعلنت أديس أبابا حالة الطوارئ لمدة ستة أشهر، والتي تسمح للحكومة بتوجيه الأوامر للمواطنين البالغين بتلقي التدريبات العسكرية للمشاركة في القتال ضد تيجراي. كما ستتيح حالة الطوارئ للحكومة الإثيوبية اعتقال أي شخص يُشتبه بتعاونه مع جبهة تيجراي، والتي صنفتها الحكومة كجماعة إرهابية في شهر مايو الماضي.
كما دعت السلطات الفيدرالية الإثيوبية السكان لترخيص وحمل السلاح خلال الفترة القادمة للدفاع عن مناطقهم. كما أشارت وسائل الإعلام التابعة للدولة إلى أن حكومات أربع من أقاليم إثيوبيا العشر دعت الإثيوبيين إلى التعبئة للقتال ضد قوات التيجراي. كما دعا الجيش الفيدرالي الإثيوبي العسكريين السابقين للانضمام إلى صفوف الجيش ضد الجبهة الشعبية لتحرير تيجراي، وحددت مهلة للتسجيل حتى 24 نوفمبر.
4- الدعم العسكري التركي للحكومة الإثيوبية: أعلنت تركيا دعمها للحكومة الإثيوبية في مواجهة جبهة تيجراي. وطلبت إثيوبيا شراء طائرات مسيّرة من تركيا من طراز بيرقدار "تي بي 2".
وعلى الرغم من أن توظيف الطائرات المسيرة قد يساعد الحكومة الإثيوبية في حربها ضد المعارضة، فإنه من الملحوظ أن أديس أبابا امتلكت طائرات مسيرة إيرانية، ولم تنجح في كبح تقدم المعارضة، وهو ما يرتبط باستخدام جبهة تيجراي لصواريخ إيغلا أرض – جو المحمولة على الكتف، والتي تمكنت من توظيفها في المعارك الماضية في إسقاط طائرة "ميج 23"، وطائرة شحن من طراز "إل– 100-30"، وطائرة هليكوبتر من طراز "مي 35"، كما يحتمل أن تتجه لتوظيفها ضد الطائرات المسيرة.
ويعني ما سبق أنه حتى لو تمكنت إثيوبيا من الحصول على الطائرات المسيرة التركية، فإنها قد لا تتمكن من قلب اتجاه المعارك لصالحها، خاصة أنه من الواضح أن جبهة تحرير تيجراي تتمتع بخبرة قتالية واسعة، بالنظر إلى كونهم في الأساس القوام الأساسي للجيش الإثيوبي، وهو ما مكنها من الصمود ليس فقط في مواجهة جيش إثيوبيا وميليشيات الأمهرة، ولكن كذلك في وجه الجيش الإريتري، والقوات الصومالية التي تم نشرها في بداية المعارك ضد جبهة تحرير تيجراي.
5- دعوة الدول الأجنبية رعاياها لمغادرة إثيوبيا: نصحت السفارة الأمريكية والسعودية والقطرية والكويتية، مواطنيها مغادرة إثيوبيا بسبب التدهور الأمني. وتأتي هذه الدعوات لتقدم مؤشراً قوياً على وجود إدراك بأن القتال قد اقترب بشدة من العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، وأن هناك إمكانية حقيقية لانهيار حكومة آبي أحمد.
تداعيات داخلية وإقليمية:
خلفت الحرب الأهلية الإثيوبية تداعيات جسيمة داخلية وإقليمية، وهو ما يمكن توضيحه في التالي:
1- تداعيات إنسانية ممتدة: تسبب الحصار الذي فرضته أديس أبابا على إقليم تيجراي في منع وصول المواد الغذائية والإمدادات الإنسانية إلى هناك. وتشير التقديرات الأممية إلى حاجة ما يصل إلى 5 ملايين شخص إلى إغاثة غذائية عاجلة وأن حوالي 400 ألف، على الأقل، يعيشون في ظروف تشبه المجاعة. وفيما يتعلق بالخسائر البشرية، فتشير بعض التقارير إلى مقتل آلاف الأشخاص، بالإضافة إلى فرار أكثر من مليوني شخص من منازلهم منذ اندلاع الحرب الأهلية في شهر نوفمبر من العام الماضي.
2- أزمة اقتصادية مزمنة: تدهورت أوضاع الاقتصاد الإثيوبي جراء الحرب الأهلية، حيث ارتفع معدل الدين إلى أكثر من الضعف منذ اندلاع الأزمة الإثيوبية في نوفمبر 2020، فقد خفضت وكالة موديز لخدمات المستثمرين التصنيف الائتماني للبلاد في أكتوبر للمرة الثانية منذ مايو الماضي إلى (Caa2)، مشيرة إلى التأخر في إعادة هيكلة الديون المقررة للبلاد.
كما أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية تعليق إعفاء الصادرات الإثيوبية من الرسوم الجمركية، بموجب قانون النمو والفرص في إفريقيا، الذي تقوم إثيوبيا بموجبه بتصدير المنسوجات وغيرها من السلع إلى الولايات المتحدة من دون رسوم جمركية. والجدير بالذكر أن إثيوبيا قد صدّرت بضائع بقيمة 245 مليون دولار إلى الولايات المتحدة العام الماضي بموجب هذا القانون، أي ما يقرب من نصف صادراتها إلى أمريكا. وفي ظل استمرار المعارك، قد تتدهور الأوضاع الاقتصادية أكثر، خاصة إذا ما تمكنت جبهة تيجراي وأورمو من قطع الطريق السريع الذي يربط أديس أبابا بجيبوتي، والذي تمر من خلاله أغلب تجارة إثيوبيا.
3- تهديد وحدة الدولة: ينذر امتداد الحرب الأهلية في إثيوبيا بإمكانية تعرض الدولة للتفكك والانفصال، لاسيما في حالة اندلاع الصراع بين جماعتي الأورومو والأمهرة، وهما أكبر الجماعات الإثنية مقارنة بالجماعات الأخرى، خاصة أن آبي أحمد يعتمد على الدعم الإثني من جانب إثنية الأمهرة.
وتعاني إثيوبيا من العديد من المشاكل، فإلى جانب المشاكل الانفصالية، فإن هناك مناطق متنازع عليها بين الأقاليم المختلفة، مثل الصراع القائم بين إقليمي تيجراي وأمهرة على مناطق حدودية بينهما، كما أنه في بداية الصراع مع تيجراي أواخر العام الماضي، طالبت الحركة بحكم ذاتي موسع. وفي حالة إخفاق تيجراي في السيطرة على أديس أبابا، فإنها قد تتجه في التفكير جدياً في الانفصال، خاصة بعد استعانة أديس أبابا بإريتريا لقتال تيجراي.
4- تداعيات إقليمية على القرن الإفريقي: تتصاعد المخاوف بشأن امتداد الصراع إلى القرن الأفريقي، خاصة في ظل الدعم العسكري الإريتري – الصومالي لحكومة آبي أحمد في مواجهة جبهة تيجراي، إذ إنه من شأن تمكن تيجراي من السيطرة على السلطة في أديس أبابا إلى إعادة صياغة خريطة التحالفات الإقليمية من جديد، بما ينذره ذلك من إمكانية تصاعد التوتر من جديد بين إثيوبيا وإريتريا.
سيناريوهات الصراع الإثيوبي:
من الممكن تصور أربع سيناريوهات لتطور الصراع، والتي يمكن أن يهدد بعضها بقاء الدولة الإثيوبية، والتي تتمثل في التالي:
1- نجاح التمرد المسلح: يتمثل هذا السيناريو في انتصار متمردي تيجراي والأورومو على الجيش الإثيوبي، والذي يتعرض إلى انهيارات متتالية، والإطاحة بحكومة آبي أحمد، وتشكيل حكومة جديدة، ولعل إعلان تيجراي تأسيس "الجبهة المتحدة" من تسع جماعات من المعارضة السياسية والمسلحة، فضلاً عن نجاح الجبهة الشعبية لتحرير تيجراي في الوصول إلى مدينة كاميسي، والتي تبعد عن العاصمة الإثيوبية بحوالي 327 كيلومتراً يعد مؤشرين على إمكانية تحقيق هذا السيناريو.
2- التسوية التفاوضية: قد يعد هذا السيناريو مرجحاً في حالة أخفقت جبهة تيجراي وحلفائها في السيطرة على أديس أبابا، فضلاً عن فشل الحكومة الإثيوبية في إلحاق هزيمة بهم. وتوجد مفاوضات سرية بالفعل بين ممثلي كلا الجانبين في العاصمة الكينية نيروبي، ولكن لا يوجد تقدم يذكر، ويرجع ذلك جزئياً إلى أن كلا الفريقين يضم متشددين يرون أن التسوية خيانة. كما أن مثل هذه التسوية ستكون صعبة، نظراً لأنه سبق وأن طلب زعماء تيجراي بالحصول على حكم ذاتي موسع.
3- الانقلاب العسكري: يفترض هذا السيناريو أن يتجه الجيش للانقلاب على رئيس الوزراء، آبي أحمد، خاصة في ضوء إخفاقاته المتتالية. ولن يؤدي الانقلاب بالضرورة إلى حل الصراع، خاصة أن الجيش الإثيوبي يعاني من انقسامات داخلية، وعاجز عن هزيمة الجبهة الشعبية لتحرير تيجراي وجيش تحرير الأورومو.
4- الجمود العسكري: يتمثل في استمرار حماية القوات الإثيوبية العاصمة، مع تأمين خط الإمدادات الذي يربط أديس أبابا بجيبوتي، ولكن تفشل الحكومة في استعادة أي من الأراضي التي تسيطر عليها قوات التيجراي والأورومو. وفي حال حدوث ذلك، سيتعرض آبي أحمد لضغوط أكبر للتوصل لتسوية تفاوضية، وإلا فإنه في حالة الجمود العسكري، فإن الأمر قد تترتب عليه مخاطر انفصالية لبعض الأقاليم الإثيوبية.
وفي الختام، لا تلوح في الأفق بوادر حل للصراع الإثيوبي في المدى القريب في ضوء تشدد طرفي الصراع، خاصة الحكومة الإثيوبية، كما أن السيناريو الأكثر ترجيحاً هو تمكن متمردي تيجراي وحلفائهم في الاستيلاء على أديس أبابا، خاصة إذا ما استمر الأداء المتواضع للجيش الإثيوبي.