يترقب الأوروبيون نتائج الانتخابات الرئاسية الأمريكية المُقررة في 5 نوفمبر 2024؛ لما لها من تداعيات على أوروبا والشراكة عبر الأطلسية، خاصةً في ظل أهمية هذه الشراكة واختلاف المرشحين للرئاسة الأمريكية – كامالا هاريس ودونالد ترامب - في التعامل معها سواء في خبرة الحكم السابقة لهما أم تعهداتهما خلال الحملة الانتخابية. وتتجسد أهمية العلاقة مع الولايات المتحدة بالنسبة لأوروبا، في اعتماد الأخيرة على الضمانة الأمنية الأمريكية من خلال حلف شمال الأطلسي "الناتو"، بالإضافة إلى المصالح الاقتصادية المتشعبة؛ إذ تُعد الولايات المتحدة أكبر شريك تجاري واستثماري لأوروبا، علاوة على اشتراكهما في منظومة القيم الليبرالية الغربية.
وقد شهدت العلاقات الأمريكية الأوروبية فترات سابقة من التوتر، من بينها الانقسام الأوروبي حول التدخل الأمريكي في العراق عام 2003، وكذلك خلال فترة إدارة ترامب (2017-2020) وتشكيكه في جدوى حلف "الناتو". وهناك تخوف أوروبي من أن عودة ترامب المحتملة إلى البيت الأبيض مرة أخرى ستكون لها تبعاتها السلبية على أوروبا.
قضايا مشتركة:
تطرح الانتخابات الرئاسية الأمريكية تساؤلات عدة حول بعض قضايا السياسة الخارجية المهمة للجانب الأوروبي، والتداعيات المُحتملة لفوز أحد المرشحين على دول هذه القارة. ويُمكن عرض بعض هذه القضايا على النحو التالي:
1- الأمن الأوروبي ومستقبل التحالف عبر الأطلسي: يُعد مستقبل الضمانة الأمنية الأمريكية أهم ما يشغل أوروبا في الانتخابات الرئاسية الأمريكية الحالية، خاصةً في ظل الحرب الروسية الأوكرانية؛ فهناك قلق أوروبي من عودة ترامب للبيت الأبيض، وتداعيات ذلك على التزام واشنطن تجاه حلف "الناتو" ودعم كييف. وقد عبّر عن ذلك بعض صُناع القرار الأوروبي بقولهم إن عودة ترامب تعني أن "أوروبا أصبحت بمفردها". فخلال فترة رئاسته الأولى، وحالياً في خضم حملته الانتخابية، يتبنى ترامب موقفاً مُعادياً للناتو، مُشككاً في جدواه، وواصفاً إياه بأنه "مات". وانتقد ترامب، مراراً، الدول الأعضاء في الحلف لعدم الوفاء بالتزاماتها بتخصيص 2% من ناتجها المحلي الإجمالي للدفاع، ووصفها بأنها "راكب مجاني" مستفيد من المظلة الأمنية للناتو دون تحمل أعبائها.
وبالنسبة للدعم الأمريكي لأوكرانيا، صرح ترامب بأنه لا يمكن الاستمرار في دعم أوكرانيا، مؤكداً ضرورة إنهاء الحرب الحالية. وإن كان الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، قد صرح في مقابلة مع قناة "فوكس نيوز" الأمريكية، بُثَّت يوم 28 سبتمبر 2024، بأنه تلقى "معلومات مباشرة للغاية" من ترامب تشير إلى أنه سيدعم أوكرانيا في الحرب ضد روسيا إذا أُعيد انتخابه في انتخابات نوفمبر المقبل؛ ومن ثم، تظل هناك مخاوف غربية في حال فوز ترامب من أن يُقلص الدعم الأمريكي لكييف، وأن يتجه للضغط عليها للوصول إلى تسوية مع موسكو قد تنطوي على تنازلات ضخمة.
أما في حال فوز هاريس، فمن المُتوقع أن يحد ذلك من المخاوف الأوروبية؛ نظراً لموقفها الداعم للناتو ولأوكرانيا ولتقوية شبكة التحالفات الأمريكية الرئيسية. لكن بغض النظر عن نتائج هذه الانتخابات، ثمة ملامح مستمرة في سياسة الولايات المتحدة لها تبعاتها على أوروبا. فواشنطن تطالب، منذ إدارة الرئيس الأسبق باراك أوباما، بعدالة توزيع الأعباء بين أعضاء حلف الناتو ورفع الإنفاق الدفاعي للدول الأوروبية بعد سنوات من السياسات التقشفية على خلفية أزمة اليورو. وفي حال فوز هاريس، وبالرغم من تأييدها لدعم أوكرانيا، من المُتوقع أن تطالب الدول الأوروبية بتحمل مزيد من عبء الدعم، خاصةً وأن ذلك يرتبط بسعي واشنطن لتحويل تركيزها من أوروبا والشرق الأوسط (خاصةً قبل حربي أوكرانيا وغزة) نحو آسيا والإندوباسيفيك، رغبةً في احتواء الصين وباعتبارها المسرح الذي ستتوقف عليه مآل النظام العالمي. ومن بين ما يؤكد ذلك، توقيع إدارة الرئيس الحالي جو بايدن اتفاقية دفاعية جديدة مع بابوا غينيا الجديدة في مايو 2023، وإقامة التحالف الرباعي "كواد" الذي يضم بجانب الولايات المتحدة كلاً من أستراليا والهند واليابان. ويفرض التركيز الأمريكي على الصين ضغطاً على الاتحاد الأوروبي لتطوير قدرته الدفاعية التي تعاني من عدة تحديات، وستصبح القضية أكثر إلحاحاً إذا فاز ترامب في الانتخابات الرئاسية.
2- التعددية في مقابل الأُحادية، ومستقبل النظام الليبرالي العالمي: يُعد الدور العالمي للولايات المتحدة وأهمية المؤسسات متعددة الأطراف، من بين نقاط الاختلاف الواضحة بين ترامب وهاريس. ويأتي ذلك في سياق يواجه فيه النظام الليبرالي العالمي، الذي تقوده الولايات المتحدة والغرب، تحديات جمة وفترة تحول. وفي ظل احتدام التنافس مع الصين، والحرب الروسية الأوكرانية، وانتشار القوة بين فواعل من الدول وغير الدول؛ تتزايد الضغوط على فاعلية أُطر التعاون متعددة الأطراف، ويتخوف البعض داخل الولايات المتحدة وأوروبا من تنامي مُعاداة هذه المؤسسات للمصالح الغربية.
فبالنسبة لترامب، يُعد تبني الأُحادية والضرب بعرض الحائط بالترتيبات متعددة الأطراف إذا تعارضت مع المصالح الأمريكية، أحد ملامح عقيدته "أمريكا أولاً". وهو لا يرى حاجة لبذل الوقت والجهد للإبقاء على النفوذ في هذه المؤسسات. فإبان فترة ولايته الرئاسية، انسحبت الولايات المتحدة من عدة اتفاقيات ومؤسسات متعددة الأطراف، منها منظمة الصحة العالمية أثناء وباء كورونا، واليونسكو، ومجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، واتفاقية باريس للمناخ، ومجموعة من الترتيبات الأمنية الدولية كمعاهدة الصواريخ النووية متوسطة المدى مع روسيا، ومن المُتوقع مزيد من الانسحابات في حال فوز ترامب.
على النقيض، تتبنى هاريس رؤية مختلفة، ظهرت بوضوح خلال فترة إدارة بايدن؛ إذ عادت الولايات المتحدة لعضوية العديد من المؤسسات والاتفاقات الدولية التي سبق وانسحبت منها خلال فترة إدارة ترامب. ولهذه المواقف المتباينة تداعياتها على أوروبا؛ ففي حال فوز ترامب، ستواجه تخلي واشنطن عن التعاون متعدد الأطراف في مجالات عدة كتغير المناخ والطاقة المتجددة؛ مما قد يضع ضغطاً سياسياً أكبر على أوروبا لإبطاء عملية التحول نحو الاقتصاد الأخضر والطاقة المتجددة.
3- العلاقات مع الصين: هناك اتفاق جمهوري ديمقراطي على أن الصين هي التحدي الأكبر أمام الولايات المتحدة، وهو ما ظهر في استراتيجية الأمن القومي لعامي 2018 و2022، وإن اختلفتا حول كيفية التعامل مع هذا التهديد؛ لكن من المُتوقع اتباع واشنطن نهجاً متشدداً تجاه بكين بغض النظر عمن سيفوز في الانتخابات الرئاسية.
ويظهر هذا التوافق بوضوح على الصعيد الاقتصادي في ظل سعي واشنطن للنجاح في المنافسة التكنولوجية مع بكين. فقد فرض ترامب، خلال فترة رئاسته، رسوماً جمركية تجاه بعض الواردات الصينية، ووضع قيوداً على صادرات التكنولوجيا المتقدمة إلى الصين، ما وصفه البعض بـ"الحرب التجارية". وقد استمرت إدارة بايدن على نفس النهج، ففرضت رسوماً جمركية إضافية على مجموعة واسعة من الواردات الصينية بما في ذلك السيارات الكهربائية وأشباه الموصلات، ووضعت مزيداً من القيود على الصادرات الأمريكية التكنولوجية إلى بكين خاصةً المتعلقة بصناعة الرقائق الدقيقة والمتطورة.
ومن المُتوقع إبقاء هاريس على نفس السياسة حال فوزها، فتصريحاتها تؤكد استياءها من إغراق الصين السوق الأمريكية بمنتجات أقل من المستوى، وسرقتها لحقوق الملكية وتشويهها للاقتصاد العالمي بمنتجات مدعمة، كما تشدد هاريس على أهمية فوز الولايات المتحدة في المنافسة التكنولوجية.
وهذا النهج الأمريكي المتشدد، واحتدام التنافس بين الولايات المتحدة والصين، سيزيد من الضغوط الأمريكية على الحلفاء بما في ذلك أوروبا لاتخاذ مواقف أكثر حزماً وأكثر وضوحاً تجاه بكين؛ ومن ثم ستجد أوروبا صعوبة في سعيها للنأي بنفسها عن أن تصبح في منتصف الصراع الأمريكي الصيني، وستصبح في موقف أكثر هشاشة نظراً لانكشافها الاقتصادي الأكبر على الصين. ويمكن في حالة فوز ترامب أن يتخذ إجراءات أُحادية، بل ويعاقب الحلفاء في أوروبا إذا لم يتخذوا مواقف حاسمة، فضلاً عن احتمالية أن تجد أوروبا نفسها غارقة بالمنتجات الصينية الساعية لسوق بديلة لتجنب الرسوم الجمركية الأمريكية، وغيرها من التداعيات المحتملة. فحالياً، لا يبدو أن واشنطن وأوروبا متفقتان حول النظر لبكين باعتبارها الخطر الأهم وكيفية التعامل معها، ويمتد هذا الانقسام إلى داخل الاتحاد الأوروبي، فالموقف الجمعي الأوروبي قائم على النظر للصين كشريك، ولكن أيضاً كمنافس استراتيجي ينبغي تقليل مخاطر الاعتماد الاقتصادي عليه وحماية السوق الموحدة، لكن ثمة خلافاً واضحاً بين بعض أعضاء الاتحاد الأوروبي حول كيفية تنفيذ ذلك.
4- الاتجاه نحو "الحمائية التجارية": اتجه ترامب إلى "الحمائية التجارية" خلال فترة رئاسته؛ إذ فرض رسوماً جمركية على بعض الواردات الصينية وعلى واردات الصلب والألومنيوم من جميع الدول تقريباً بما في ذلك الواردات الأوروبية، بالإضافة إلى انتقاده منظمة التجارة العالمية وتهديده بالانسحاب منها. وتعهد ترامب، خلال حملته الانتخابية الحالية، بفرض رسوم جمركية تتراوح بين 10% و20% على معظم السلع المستوردة، وقد تصل إلى 100% على الدول التي تحاول التجارة خارج النظام المالي القائم على الدولار الأمريكي.
أما هاريس، وخلال المناظرة الأولى مع ترامب في 10 سبتمبر 2024، فقد انتقدت خطته لفرض رسوم جمركية شاملة، واصفة إياها بـ"ضريبة مبيعات" يتحملها المواطن الأمريكي. لكن المفارقة هي استمرار تبني إدارة بايدن هاريس تدابير حمائية. فمثلاً، تم استبدال حصص وقيود تصدير طوعية بالرسوم الجمركية على واردات الألمنيوم والصلب من الاتحاد الأوروبي، وهناك العديد من التشريعات التي تؤكد هذا الاتجاه الحمائي، لعل من أهمها قانون الحد من التضخم الذي يتضمن حزمة مالية في شكل إعانات وتخفيضات ضريبية في مجالات كالسيارات الكهربائية والبطاريات ومشروعات الطاقة المتجددة.
ولمواجهة المنافسة الدولية، وفي ظل تراجع التصنيع، وما تعانيه الطبقة العاملة؛ هناك اتفاق جمهوري ديمقراطي على ضرورة اتخاذ بعض التدابير الحمائية – وإن اختلفوا في طبيعتها - لتحقيق الأمن الاقتصادي الأمريكي بهدف تعزيز وحماية وظائف الطبقة العاملة من خلال استعادة قدرة الولايات المتحدة التصنيعية وتشجيع التصنيع المحلي ودعم تنافسيته، والنظر لبعض الصناعات والتكنولوجيات باعتبارها استراتيجية لا بد من توطينها داخل البلاد وعدم نقلها للخارج.
وقد أدى هذا التوجه نحو الحمائية إلى توترات في العلاقات الأمريكية الأوروبية، فعلى خلفية قانون الحد من التضخم وما به – على سبيل المثال، من خفض ضريبي للسيارات الكهربائية المُصنعة في أمريكا الشمالية مع بطارية محلية الصُنع؛ مما يعني استبعاد السيارات المُصنعة في الاتحاد الأوروبي - اتهم الأخير واشنطن بممارسة الحمائية المتعارضة مع قواعد التجارة العالمية واتخاذ إجراءات تمييزية بتقديم دعم استثنائي للشركات المُنتجة على أراضيها بما يضر بالشركات الأوروبية، ودعت رئيسة المفوضية الأوروبية إلى ما وصفته بـ"الرد الهيكلي" على السياسة الصناعية الجديدة للولايات المتحدة. وهذه الخلافات مرشحة للزيادة بصورة أكبر إذا فاز ترامب.
تأثر أوروبي:
قد تمتد تداعيات الانتخابات الرئاسية الأمريكية الحالية في حال فوز ترامب لتؤثر في الاتحاد الأوروبي والوضع السياسي الداخلي للعديد من الدول الأوروبية، كما يلي:
1- إمكانية إعطاء دفعة وشرعية للأحزاب اليمينية المتطرفة الشعبوية: تقف أوروبا على مشارف موجة ثانية من مد الأحزاب الشعبوية اليمينية المتطرفة التي تتبنى خطاباً ضد المؤسسات القائمة، ومتشككاً في الاتحاد الأوروبي، ومعارضاً للهجرة والتعددية الثقافية. وقد نجحت هذه الأحزاب إما في زيادة حصصها الانتخابية أو المشاركة في الائتلافات الحاكمة، بل والوصول إلى رئاسة عدة حكومات، من أهمها إيطاليا. وقد امتد ذلك إلى انتخابات البرلمان الأوروبي التي جرت في يونيو 2024؛ إذ استطاعت أحزاب اليمين المتطرف تحقيق نجاحات ضخمة في دول مثل: فرنسا وألمانيا وإسبانيا وإيطاليا والنمسا وغيرها.
ومن ناحية أخرى، صمدت بعض دول المركز أمام هذا الزحف اليميني المتطرف بترتيبات تبدو هشة، كالتحالف الحاكم في ألمانيا (بقيادة المستشار الألماني الحالي أولاف شولتس وحزبه الديمقراطي الاشتراكي وشريكيه حزب الخضر والحزب الديمقراطي الحر) الذي يعاني من خلافات متكررة بداخله، ويواجه موقفاً صعباً بعد الفوز الذي وُصف بالتاريخي لحزب "البديل من أجل ألمانيا" اليميني المتطرف في الانتخابات المحلية في ولاية تورينغن شرقي البلاد في مطلع سبتمبر 2024، وذلك قبيل الانتخابات الفدرالية العام المقبل. وفي فرنسا، تمكنت أحزاب اليمين واليسار من منع اليمين المتطرف من الوصول للسلطة في الانتخابات التشريعية المُبكرة التي أُجريت في 30 يونيو و7 يوليو الماضيين، ولكن يبدو أن البلاد على مشارف أزمة سياسية في ظل غياب أغلبية مطلقة في البرلمان. وفي البرلمان الأوروبي، وعلى الرغم من تحقيق أحزاب اليمين المتطرف مكاسب واضحة، استطاع يمين الوسط الحفاظ على مكانته كأكبر كتلة في البرلمان.
في هذا السياق الهش الذي صمد فيه البرلمان الأوروبي وبعض الدول الرئيسية أمام الزخف اليميني المتطرف، يتزايد التخوف من أن عودة ترامب المحتملة إلى البيت الأبيض قد تعطي دفعة وتضفى مزيداً من الشرعية على أحزاب اليمين المتطرف الشعبوية؛ مما يزيد من الضغط على التيارات الرئيسية الوسطية في أوروبا سواء يميناً أم يساراً ويدفعها نحو تبني خطاب وسياسات أكثر تشدداً في قضايا عدة، ولاسيما الهجرة والاندماج الأوروبي. وتُعد الأحزاب اليمينية المتطرفة حليفاً طبيعياً لترامب، وهذا ما عبّر عنه بنفسه في مناظرته الأولى مع هاريس؛ إذ أشاد بفيكتور أوربان، رئيس وزراء المجر اليميني، المتشكك في الاتحاد الأوروبي والمعارض لسياسات الاتحاد في العديد من المجالات. وهذا القلق تدعمه بعض الدراسات التي تتناول السلوك الانتخابي؛ إذ تشير إلى أن نجاح الأحزاب المتشابهة أيديولوجياً في الخارج قد يؤدي دوراً في نجاح الأحزاب المماثلة في الداخل، والعكس صحيح.
بالإضافة إلى ما سبق، هناك قلق أوروبي من الضرر الذي قد يلحقه وصول ترامب بالقيم الديمقراطية في الولايات المتحدة وفي العالم. فهذه القيم جزء من الهوية الأوروبية، ونجاح ترامب قد يزيد من زخم الاتجاهات غير الليبرالية في أوروبا خاصةً في وسط وشرق القارة؛ مما يمثل تهديداً وجودياً للاتحاد الأوروبي.
2- خطر تعزيز الانقسامات داخل الاتحاد الأوروبي: يذهب معظم الخبراء ومتخذي القرار في العديد من العواصم الأوروبية، إلى أن الحل في التعامل مع الفجوة الآخذة في الاتساع في العلاقات عبر الأطلسية، والمرشحة للزيادة إذا وصل ترامب لسدة الحكم؛ هو صياغة استجابة أوروبية موحدة. ويرى البعض أن فشل تحقيق ذلك سيؤدي إلى مزيد من الانقسام داخل أوروبا، خاصةً من قِبل دول وسط وشرق القارة التي تعتمد بشكل كبير على المظلة الأمنية الأمريكية وقد تسعى لعقد ترتيبات ثنائية مع ترامب، وأيضاً الدول ذات التوجهات الأطلسية والتي تختلف رؤيتها حول مقاصد الاستقلال الاستراتيجي لأوروبا.
فالاختلاف حول التعامل مع الولايات المتحدة له قدرة أكبر على تقسيم الاتحاد الأوروبي عن الاختلاف حول التعامل مع الصين أو حتى روسيا؛ وذلك لأهمية وعُمق العلاقات الأمريكية الأوروبية، ولعل الانقسام الأوروبي على خلفية الحرب الأمريكية على العراق عام 2003 خير دليل على ذلك.
ختاماً، من اللافت للانتباه أنه بغض النظر عن الاختلافات بين هاريس وترامب حول التحالف عبر الأطلسي وتغير المناخ وغيره، هناك تغير في الاستراتيجية الكبرى الأمريكية، والاختلاف آخذ في الاتساع في الأولويات والرؤى والمصالح بين الولايات المتحدة وأوروبا؛ لذا تطرح العديد من أوساط صناعة القرار ومراكز الفكر الأوروبية تساؤلات حول كيفية التعامل مع ذلك في ظل الانقسامات الداخلية وغياب قيادة أوروبية.