أعلنت المحكمة في مدينة مانهاتن بولاية نيويورك الأمريكية، في 30 مايو 2024، إدانة الرئيس السابق والمرشح المُحتمل للانتخابات الأمريكية المُقبلة دونالد ترامب في القضية الجنائية التاريخية المعرفة باسم "أموال الصمت"، التي يُحاكم فيها بتهمة دفع أموال تُقدر بقيمة 130 ألف دولار لممثلة أمريكية لكسب صمتها، وعدم الإفصاح عن علاقته بها، حتى لا تؤثر سلباً في حملته الانتخابية لعام 2016، ثم وافق ترامب بعد ذلك على مُخطط احتيالي لإخفاء سداد تلك التكاليف.
وقد أعلن القاضي خوان ميرشان، الذي رأس المحاكمة أن العقوبة بحقّ ترامب ستصدر في صباح يوم 11 يوليو 2024، وقد أمهل فريق دفاع ترامب حتى 13 يونيو لتقديم دفوعه، والنيابة العامة حتى 27 من الشهر ذاته للرد على هذه الدفوع. وهكذا، أصبح الأمريكيون أمام حالة من عدم اليقين جراء معادلة انتخابية هي الأولى من نوعها؛ إذ سيُصبح ترامب أول رئيس أمريكي سابق يُدان بارتكاب جريمة بينما يسعى لولاية ثانية في منصبه؛ الأمر الذي يثير العديد من التساؤلات حول مستقبله الانتخابي، ومستقبل الانتخابات الأمريكية برمتها.
معركة قضائية لغير صالح ترامب:
صدر حكم الإدانة بالإجماع بعد يومين تقريباً من المداولات بين سبعة رجال وخمس نساء في هيئة المحلفين، وعلى الرغم من أنه شكل صدمة لعامة الناس، ولاسيما جمهور ترامب الانتخابي، فإن بعض الذين شاهدوا القضية عن كثب لم يتفاجؤوا؛ لأن كل الأدلة، والتي وصلت إلى حد 34 تهمة جنائية، كانت ضد ترامب، كما أسهم عدد من العوامل في الوصول إلى هذه النتيجة، وذلك كما يلي:
1. تشدد النظام القضائي في نيويورك: يرى أحد القانونيين أن خطأ ترامب هو ارتكاب تلك الأعمال في مانهاتن بولاية نيويورك؛ إذ تُعد تلك الولاية من أكثر الولايات تشدداً من حيث النظام القانوني/ القضائي، فبموجب قانون نيويورك، يُعد تزوير السجلات التجارية "جناية" وليس "جنحة" عندما يتم تغيير السجلات بقصد الاحتيال، ولكي يتم اتهام الشخص بأنه ارتكب "جناية"، كان يجب على المدعين إثبات أنه كان ينوي "ارتكاب جريمة أخرى" أو "المساعدة على أو إخفاء" جريمة أخرى عند تزوير السجلات. وفي قضية ترامب، قال ممثلو الادعاء إن "الجريمة الأخرى" كانت انتهاكاً لقانون الانتخابات في نيويورك، الذي يجعل من غير القانوني "لأي شخصين أو أكثر" "التآمر لتعزيز أو منع انتخاب أي شخص لمنصب عام بوسائل غير قانونية"، وقد أكد الادعاء أن ترامب تسبب في تزوير سجلات الأعمال، وأنه "فعل ذلك بقصد الاحتيال الذي يتضمن نية ارتكاب جريمة أخرى" وهو الأمر الذي فشل الدفاع في دحضه؛ مما جعل ترامب يواجه قضية جنائية مُكتملة الأركان وليست جنحة تتعلق بتزوير سجلات فحسب.
2. الافتقار إلى الحجة الدفاعية: كان فريق ترامب الدفاعي يفتقر إلى خطاب مضاد لدحض الأربع وثلاثين تهمة جنائية؛ إذ قيل إن استراتيجية الدفاع كانت معيبة وغير قادرة على تبرئة ترامب، بل وأثبتت ضعف موقفه القانوني، ولاسيما مع استدعاء 20 شاهداً وتقديم عشرات الوثائق المهمة، بما في ذلك شيكات لمحامي ترامب مايكل كوهين تحمل توقيع ترامب؛ إذ كان كوهين آنذاك هو الوسيط بين ترامب والممثلة الأمريكية.
ويرى المراقبون أن الدفاع جادل فقط بأن ترامب دفع تلك الأموال لحماية عائلته، وليس للاحتيال على الناخبين، كما أن تلك المدفوعات التي حصل عليها كوهين كانت مقابل عمله كمحامٍ لترامب، وليست كتعويضات عن مدفوعات الممثلة الأمريكية، إلا أن ذلك لم يقنع هيئة المحلفين، والتي اعتقدت أن فريق الدفاع يحاول فقط "إثارة الغبار في الهواء لإرباكها" دون تقديم أسانيد قانونية قوية، وحتى عندما تمت الاستعانة بشهادة المحامي روبرت كوستيلو، لتقويض بعض مزاعم كوهين، تناقضت تلك الشهادة مع رسائل البريد الإلكتروني الخاصة به.
3. عامل كوهين: كانت أفضل فرصة لنجاح جهود فريق دفاع ترامب، هي تشويه سمعة وشهادة الشاهد الرئيسي في تلك القضية محامي ترامب السابق مايكل كوهين؛ إذ تُعد شهادته بالغة الأهمية بالنسبة للادعاء؛ إذ اعترف الأخير بأن ترامب قد وجّهه إلى دفع مبلغ لشراء صمت ممثلة أفلام إباحية، خشيةً على سير حملته الانتخابية في عام 2016، وأضاف أن ترامب آنذاك اعتقد أن كوهين كان قد سوّى المسألة قبل خمس سنوات من ذلك التاريخ، وتابع أن ترامب كان يرغب في إطالة أمد المفاوضات مع الممثلة الأمريكية قدر الإمكان، لحين اجتياز الانتخابات؛ فإذا فاز لن يكون لهذه المشكلة أثر، وإذا خسر فإنه لن يبالي بتلك المشكلة.
ويرى مراقبون أنه على الرغم من أن كوهين ذو سمعة سيئة أمام المحكمة، وأنه أدين في ثماني تُهم جنائية، بينها جرائم ضريبية، وأعمال نصب واحتيال، فإن دفاع ترامب وخصوصاً محاميه تود بلانش، لم يستطع الطعن على شهادة كوهين قانونياً، فكل ما فعله الدفاع هو قيامه بوصف كوهين بأنه "أعظم كاذب في كل العصور".
ردود الفعل:
يمكن استعراض أبرز ردود الفعل على النحو التالي:
1. توبيخ ترامب للمحاكمة: وصف الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، الحكم بإدانته بأنه "وصمة عار" على جبين النظام القضائي في نيويورك، وأشار في تصريحات له لشبكة فوكس نيوز، إلى أنه سيواصل القتال وسيكون يوم الانتخابات الرئاسية المقبلة أهم يوم في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية. وأضاف: "أنا بريء من التُّهم، وهذه المحاكمة تم تزويرها، وحكم الإدانة الصادر بحقي عار، وسوف نواصل النضال" مستطرداً بأن "أمريكا مستمرة في الانحدار.. والأمريكيون سيصدرون حكمهم بالانتخابات الرئاسية المقبلة".
2. الديمقراطيون ما بين التريث والتطاول: اختلف المحللون السياسيون حول ردود فعل الديمقراطيين على إدانة ترامب، فبينما رأى البعض أن الرئيس والعديد من الديمقراطيين يتمسكون بالحذر، خشية أن يستغل الحزب الجمهوري تلك التصريحات لتأكيد تسييس المحاكمة؛ لدرجة أنه قيل أن الرئيس أصدر تعليماته لمساعديه بالابتعاد عن التعليق على الأمر، رأى البعض الآخر أن الديمقراطيين غير قادرين على صناعة سردية بشكل مثالي، فعلى سبيل المثال، سخر الرئيس بايدن عندما سأله الصحفيون حول اتهام ترامب له بأنه وراء إدانته في قضية "أموال الصمت"، قائلاً: "لم أكن أعلم أنني بهذه القوة"، وفي سياق آخر، وصف بايدن رد فعل ترامب عقب إدانته بأنه "رد متهور، فمن غير المسؤول أن يقول أي شخص أن هذا تم تزويره، لمجرد أن الحكم في غير صالحه". وعلى صعيد آخر، كان رد مدير اتصالات حملة بايدن أكثر تصعيداً؛ إذ قال إن أمريكا شهدت للتو دونالد ترامب المرتبك واليائس والمهزوم وهو يتجول حول مظالمه الشخصية ويكذب بشأن نظام العدالة الأمريكي، مضيفاً أن هذا الرجل لا يمكن أن يكون رئيساً للولايات المتحدة.
3. الجمهوريون والاصطفاف بقوة خلف ترامب: اصطف الجمهوريون عقب قرار المحكمة على نحو غير مسبوق خلف ترامب، فقد خرج أغلبهم -سواء أكانوا من مؤيديه أم معارضيه- بتصريحات لتشويه سمعة العملية القضائية، فعلى صعيد مجلس الشيوخ، قال سناتور فلوريدا ماركو روبيو، إن "المحاكمة أجراها قاضٍ مؤيد لبايدن بشكل علني"، وبالمثل قال سناتور تكساس تيد كروز ساخراً إن القاضي "كان يجب أن يرتدي قبعة حملة بايدن أثناء جلوسه على منصة الحكم"، وأشار زعيم الأقلية الجمهورية في مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل إلى أنه سيدعم ترامب في انتخابات عام 2024. وعلى صعيد مجلس النواب، قال رئيس مجلس النواب مايك جونسون إنه كان "يوماً مخزياً في التاريخ الأمريكي" وأن التُّهم كانت "سياسية بحتة"، في حين وصف النائب عن ولاية لويزيانا ستيف سكاليز القرار بأنه "هزيمة للأمريكيين الذين يعتقدون أن العدالة الأمريكية ما زالت عمياء ولا تخضع لأي تسييس".
4. أنصار غاضبون: غمر أنصار دونالد ترامب الغاضبون من إدانته من هيئة محلفين في نيويورك صفحات المواقع المؤيدة للرئيس السابق بدعوات للتحريض على ثورة وأعمال شغب ورد عنيف. فقد وصل الأمر إلى دعوة بعض المؤيدين إلى استهداف أعضاء هيئة المحلفين، فيما طالب البعض الآخر بإعدام القاضي خوان ميرشان، وذهب آخرون إلى حد الدعوة إلى تمرد مسلح.
5. دعم دولي: أظهر بعض القادة في الخارج دعمهم لترامب، فعلى سبيل المثال؛ أعرب نائب رئيس الوزراء الإيطالي ماتيو سالفيني، ورئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان، وهما زعيمان بارزان لليمين المتطرف في أوروبا عن دعمهما لدونالد ترامب بعد إدانته الجنائية، فقد وصف سالفيني القرار بأنه تحرك سياسي، قائلاً إن الرئيس الأمريكي السابق كان "ضحية للمضايقات القضائية". في حين، وصف أوربان ترامب بأنه "رجل شرف"، معرباً عن دعمه الكامل لصديقه المقرب. ومن جهته، اعتبر الكرملين، أن إدانة الرئيس الأمريكي السابق غير المسبوقة بتهمة تزوير سجلات تجارية تظهر أن البيت الأبيض "يقصي خصومه السياسيين".
دلالات سياسية:
يمكن الوقوف على أبرز الدلالات المتعلقة بتلك القضية على النحو التالي:
1. الجميع تحت طائلة القانون: يرى المراقبون أنه بغض النظر عما يدعيه ترامب، فإن حكم الإدانة كان تاريخياً. وأصبح ترامب أول رئيس سابق يُدان بتُهمة جنائية، وعلى الرغم من أنه سيستأنف القرار بالتأكيد؛ فإن ترامب من الآن سيواصل حملته الانتخابية لعام 2024 كمجرم مُدان أمام القضاء الأمريكي. ويحمل الحكم رسالة مفادها أن النظام القضائي الأمريكي ما يزال قوياً، وأن النخب الحاكمة ليست بعيدة عن حكم القانون.
2. لامبالاة الجمهور الأمريكي: على الرغم من مرور أسابيع من الشهادات، وملايين الصفحات من الوثائق، وكاميرات البث التلفزيوني المباشر التي تصطف في الخارج لتسجيل المشهد التاريخي لمحاكمة رئيس أمريكي سابق، فإن الرأي العام الأمريكي يبدو منفصلاً عما يجري، ويُستدل على ذلك من خلال استطلاع للرأي أعدته مؤسسة يوجوف/ياهو نيوز YouGov/Yahoo News، كشفت فيه عن أن 16% فقط من المشاركين في الاستطلاع يتابعون محاكمة ترامب "عن كثب"، في المقابل فإن ثلث المشاركين أبدوا اهتماماً بسيطاً جداً بمتابعة تلك المحاكمة. وتُرجع التحليلات السياسية لامبالاة الجمهور الأمريكي إلى أمرين: الأول هو أن ترامب شخصية مثيرة للجدل دائماً؛ كما أن سلوكه غير التقليدي هو جزء من علامته التجارية المميزة، ويرتبط الأمر الثاني باعتقاد بعض الأمريكيين أن تلك المحاكمات ما هي إلا أداة سياسية تستخدمها النخب الحاكمة ضد بعضها بعضاً، ولعل أزمات الفضائح الجنسية تستخدم بكثرة لتشويه سمعة الخصم.
وفي هذا الصدد، يرى بعض المحللين أن محاكمة ترامب الحالية تشابه إلى حد كبير الادعاءات التي وجُهت ضد الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون في أواخر التسعينيات، عندما تم اتهامه بالكذب للتستر على فضيحة جنسية مع المتدربة في البيت الأبيض مونيكا لوينسكي، وخلال هذا التوقيت كان الأمريكيون من خلال استطلاعات الرأي يعتقدون أن المسألة عادية، ومن الواضح أنها تصفية لحسابات سياسية، وهكذا، ينظر الأمريكيون إلى تلك القضية على أنها الأضعف على الإطلاق بين القضايا الأربع التي يواجهها ترامب، فهي مبنية على جريمة محاسبية؛ أي تزوير مزعوم في حسابات المبالغ المالية المدفوعة لمايكل كوهين، وأنها كانت رسوماً قانونية دفعها ترامب له؛ ومن ثم فهي أقرب إلى جنحة إلا أن تحويلها لجناية يعني إنها محاولة صريحة للتأثير بشكل غير لائق في ترامب في السباق الانتخابي.
3. مأزق سياسي لحملة الخصم: كان من المفترض أن تحتفل الحملة الانتخابية للرئيس بايدن بقرار المحكمة، إلا أن فريق بايدن يواجه بعد قرار الإدانة موقفاً صعباً؛ إذ سيتحول التشابك بين ما هو قانوني وما هو سياسي إلى بايدن الأسبوع المقبل، عندما يُحاكم ابنه هانتر بتهم تتعلق بالأسلحة النارية، في ويلمنغتون بولاية ديلاوير الأمريكية؛ وفي هذا السياق يخشى الديمقراطيون من أن فتح النار حالياً على ترامب ربما سيمنح الجمهوريين الفرصة لمزيد من الهجوم على بايدن وعائلته وحملته الانتخابية، وخاصة مع وجود مخاوف من أن يكشف المُدعون الفدراليون خلال المحاكمة تفاصيل مروعة عن إدمانه الكوكايين، والتي يمكن أن توفر مادة قوية لمعارضي محاولة إعادة انتخاب والده، وعلى وجه الخصوص أنه إذا أدين، سيكون هانتر أول ابن لرئيس في منصبه يصبح متهماً جنائياً؛ ومن ثم يفضل قادة الحزب الديمقراطي التريث خلال هذا التوقيت الحساس لعدم إثارة الجمهوريين حتى لا يفقد الرئيس الحالي مزيداً من قاعدته الانتخابية، خاصة وأنه يكافح من أجل كسب دعم الناخبين الذين يواجهون التضخم، وأولئك الذين يرفضون دعم واشنطن لإسرائيل في حربها على قطاع غزة، وكذلك مخاوفهم بشأن تقدم عمر بايدن.
تداعيات مُحتملة:
ثمّة اتفاق على أن التبعات السياسية للقرار ليست واضحة على الإطلاق. ويبقى السؤال الكبير: هل ستؤدي الإدانة إلى زعزعة الديناميكية السياسية الحالية لانتخابات عام 2024؟ الإجابة المختصرة هي أنه من السابق لأوانه معرفة ذلك، فعلى الرغم من أن قرار النطق بالحكم على ترامب -بحسب ما أعلنه القاضي- سيصدر في 11 يوليو، أي قبل 4 أيام فقط من بدء المؤتمر الوطني للحزب الجمهوري، فإن استئناف إدانته يمكن أن يؤدي إلى تأخير الإجراءات أو تأخير النطق بالحكم عن الموعد المقرر في 11 يوليو، وفي ظل هذه الحالة من عدم اليقين، يمكن قراءة مجموعة من التداعيات السياسية المحتملة على مستقبل السباق الانتخابي الأمريكي:
1. مزيد من التبرعات لحملة ترامب الانتخابية: أفادت التقديرات بأن حملة ترامب الانتخابية جمعت أكثر من 34 مليون دولار في الساعات الأولى التي تلت الحكم بالإدانة، وقد جاءت تلك التبرعات متأثرة برسالة وجهتها لجنة ترامب الوطنية إلى مؤيديها، هاجمت فيها المحاكمة معتبرة إياها سياسية، ودعت مؤيدي ترامب إلى تكثيف دعمه. والجدير بالذكر بأنه عقب قرار المحكمة بالإدانة، حاولت صفحة جمع التبرعات لحملة ترامب إثارة مشاعر الناخبين؛ إذ وضعت صورة له عندما تم استدعاؤه في جورجيا العام الماضي في قضية تتهمه بالمشاركة في مخطط لإلغاء نتائج انتخابات 2020، وفي الوقت ذاته طلبت تبرعات بقيمة 20.24 دولار. وبوجه عام، يبدو أن مشكلات ترامب القانونية ومحاكماته المتعددة ما هي إلا دافع كبير لجمع التبرعات لحملته وإبداء التعاطف معه. وهكذا، يمكن القول إن الرد الأول للجمهوريين جاء في إطار سعيهم إلى توجيه جنون المحافظين نحو جمع التبرعات والنشاط والالتزام بالتصويت لإخراج الرئيس جو بايدن من منصبه في نوفمبر المقبل.
2. مزيد من التأييد لترامب: يرى بعض المراقبين أن قرار الإدانة قد يكون بمثابة الوقود لإقبال الناخبين على دونالد ترامب وما يمثله من أفكار، وخاصة أنه يحاول ربط العلاقة بين المحاكمة والانتخابات في أذهان مؤيديه الأكثر حماساً، فخلال حديثه للصحفيين بعد صدور الحكم، وصف ترامب النتيجة بأنها "مزورة" و"وصمة عار"، مؤكداً أن الحكم الحقيقي سيكون في الخامس من نوفمبر من قبل الشعب. وفي هذا الصدد، وجد استطلاع أجرته جامعة "كوينيبياك" في شهر مايو الماضي أن هامش التغيير أو تحول مؤيدي ترامب عنه ضئيل في حالة ثبوت الحكم عليه، ولا يتجاوز 6%، ولذا تتفق أغلبية استطلاعات الرأي على أن الجمهوريين لا يمكن أن يهجروا ترامب فجأة، أو يتحولوا إلى الفريق الديمقراطي، ولكن فئة قليلة جداً منهم قد تبتعد أو تفضل التصويت لطرف ثالث أو تفضل عدم التصويت لأحد على الإطلاق.
3. لا عوائق قانونية تمنع مواصلة السباق الانتخابي: على الرغم من أن قرار الإدانة يشكل سابقة في التاريخ الأمريكي، ومع ذلك فإن ترامب سيتمكّن من مواصلة حملته الانتخابية للعودة إلى البيت الأبيض؛ إذ لا يوجد ما يمنع في الدستور الأمريكي من خوض مرشح للانتخابات أثناء تأديته سنوات العقوبة أو ما يمنع أصحاب السوابق من تولي الرئاسة والوظائف السياسية العليا، فعلى سبيل المثال، أطلق المرشح الاشتراكي يوجين في ديبس، عام 1920، حملة انتخابية للرئاسة، وحصل على ما يقرب من مليون صوت، وذلك أثناء وجوده في السجن الفدرالي في أتلانتا، وخلال عامي 2002 و2004، حاول النائب عن ولاية أوهايو، جيمس ترافيكانت، الترشح لمنصبه القديم على الرغم من إدانته في محكمة اتحادية بالابتزاز والرشوة والتهرب الضريبي، وفي عام 2004 فكّر أيضاً في إطلاق حملة انتخابية للرئاسة، لكنه تخلى عن الفكرة بعد فترة؛ ومن ثم، فمن الناحية القانونية، لا شيء تغير مع ترامب كمرشح رئاسي في انتخابات 2024.
4. الإدانة لا يمكن العفو عنها: إذا فاز ترامب في الانتخابات الرئاسية؛ فإن إدانته هذه لن تحول دون توليه مهام منصبه في يناير 2025. ومع ذلك، فإنه لن يتمكن إذا ما عاد إلى البيت الأبيض من أن يعفو عن نفسه أو أن يُصدر أمراً بكف الملاحقات عنه في هذه القضية، ويرجع ذلك إلى أن القضاء المسؤول في تلك القضية هو تابع لولاية نيويورك وليس للدولة الفدرالية.
وفي الختام، يمكن القول إن إدانة ترامب بارتكاب جناية ستكون لها تأثيراتها في العملية الانتخابية الأمريكية من حيث تعبئة أنصار ترامب، وزيادة حدة الاستقطاب بين الديمقراطيين والجمهوريين، وإثارة التساؤلات حول المسافة بين ما هو قانوني وما هو سياسي، إلا أنها لن تمنع ترامب من مواصلة مشواره الانتخابي، بل ومحاولة توظيف المحاكمة لحشد أنصاره وجمع المزيد من التبرعات.