قد لا تحتاج دول مجلس التعاون الخليجي إلى من يُنظِّر أو يحاول أن يبرر لها، بأنها تبذل جهوداً دبلوماسية ومساعي كبيرة، أحياناً مجتمعة وأحياناً بمجهودات فردية، للتوسط من أجل تهدئة ملفات ساخنة في العالم وفي منطقة الشرق الأوسط تحديداً، وذلك بسبب حالة الشد والجذب الناتجة في هذه المنطقة منذ أكثر من خمسة عقود، سواءً بسبب التنافس بين الدول الكبرى في النظام الدولي، أو بين إسرائيل ومغامراتها السياسية مع إيران من خلال حرب الوكالات بينهما والتي جعلت من هذه المنطقة؛ وكأنها «قنبلة موقوتة وقابلة للانفجار» في أي لحظة، فملفاتها السياسية دائماً مفتوحة لكل الاحتمالات وسيناريوهاتها غير مطمئنة.
لكن انفرد كتاب جديد يحمل عنوان «الكوابح والمحفزات.. حروب الشرق الأوسط» وهو من إصدارات مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة في أبوظبي؛ بتقسيم رباعي لوصف «حالة الدول» المتفاعلة مع قضايا وأزمات المنطقة.
ولو نظرت للتقسيم من ناحيتين الموضوعية والعملية؛ ستجده يطابق الواقع السلوكي للدول وبشكل حقيقي. أما لو نظرت إلى هذا التقسيم من ناحية المشورة، فإنه يمكن أن يكون مفيداً لبعض صناع السياسة في كل دولة من الدول المذكورة ليس فقط كي يتعرف قادة هذه الدول مكانة بلاده في علاقتها بأزمات المنطقة، وإنما من باب إعادة ترتيب أوراق بلاده لتدارك أشياء كثيرة قبل فوات الأوان.
«كتلة الاتزان»، كما جاء في التقسيم كانت هي: مصر ومعها دول مجلس التعاون الخليجي وهذه المجموعة هي واحدة من ضمن أربع مجموعات، وهناك «كتلة التصادم» في المنطقة التي تَفتعِل الأزمات والحروب باستمرار وتختلق النزاعات المسلحة التي لا تعطي للإنسان قيمة، فقيمتا «الانتصار والهزيمة» وفق معيارها الخاص يختلف عن كل الفلسفات الإنسانية المتعارف عليها، لأن المحرك بالنسبة لها شعارات أيديولوجية عادة ما تعمي كل «بصيرة».
أما الكتلة الثالثة وهي: «تحالف الدفاع» هنا نجد للولايات المتحدة الأمريكية الدولة التي يُفترض أن تكون عامل استقرار وداعم للأمن في المنطقة، إلا أن تحيز سياستها وانخراطها في الأزمات جعلتها أحد المتسببين في توتير المنطقة بشكل كبير. تبقى المجموعة الرابعة والأخيرة في هذا التقسيم وهي: «الكتلة المتضررة» من تداعيات وآثار المتصادمين الذين يتصارعون عسكرياً خارج أرضهم. فهم يفضلون أن يتم صراعهم الممتد في الساحات الافتراضية لهم مثل: الساحة اللبنانية، والساحة السورية، وكذلك اليمنية، وأضيف من عندي الساحة الفلسطينية. لهذا تكون هذه المجموعة هي الأكثر أهمية لأنها المتضررة بصورة مباشرة ولا تخدم السياسات الوطنية لها.
الانخراط الكامل في الأزمات والتفاعل معها بعمق يُلهي صانع القرار عن أشياء كثيرة لها علاقة بمستقبل أوطانهم ولكن بعض المراجعات الأكاديمية قد تحمل إشارات تساعد على فهم ما يحدث في الواقع.
يحمل صناع القرار في العالم إدراكاً وانطباعاً عن دول مجلس التعاون الخليجي ومعها مصر عنصرين اثنين هما. العنصر الأول: اتزانها في علاقاتها مع دول العالم، لهذا فإن وصفها بـ«كتلة الاتزان» والمقابل لها إعلامياً بـ«رمانة الميزان» هو وصف في مكانه. العنصر الثاني: أن هذا الاتزان هو الجانب الأصعب في معادلة العلاقات الدولية خاصة في لحظة الصراع والنزاعات وهي السمة الغالبة على منطقة الشرق الأوسط. وهذا الإدراك مبني على العديد من النجاحات الدبلوماسية منها بين الولايات المتحدة وإيران وهي متكررة، ومنها كذلك بين روسيا وأوكرانيا خاصة في ظل الأزمة الحالية، وحتى في القارة الأفريقية، حيث لا يمكن نسيان المصالحة بين أريتريا وإثيوبيا لحرب امتدت لأكثر من ثلاثة عقود فشلت كل المحاولات الدبلوماسية ونجحت فيها دولة الإمارات.
النظر إلى دور «كتلة الاتزان» من خلال زوايا ضيقة لا يعبر عن إنصاف سياسي لما تقوم به هذه الدول من جهود في «تبريد» الملفات، فتجد هناك من يشن حملات إعلامية مغرضة لأفكار وأوهام غير موجودة إلا في ذهنه وحده.
*محمد الصوافي