أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يصدر العدد الثاني من مجلة "اتجاهات آسيوية"
  • أ. د. نيفين مسعد تكتب: (عام على "طوفان الأقصى".. ما تغيّر وما لم يتغيّر)
  • د. إبراهيم فوزي يكتب: (بين موسكو والغرب: مستقبل جورجيا بعد فوز الحزب الحاكم في الانتخابات البرلمانية)
  • د. أيمن سمير يكتب: (هندسة الرد: عشر رسائل للهجوم الإسرائيلي على إيران)
  • أ. د. حمدي عبدالرحمن يكتب: (من المال إلى القوة الناعمة: الاتجاهات الجديدة للسياسة الصينية تجاه إفريقيا)

نبض:

انسحاب أردوغان من الاتفاقية الدولية لحماية النساء من العنف

28 فبراير، 2024


ليس بوسعكم المساواة بين المرأة والرجل. فهذا الأمر مغاير للفطرة الإنسانية . العبارة رددها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، قبل أعوام، منتقداً أو على نحو أدق يواصل شن هجماته ضد الحريات، ومنها الحقوق النسوية. ليس هذا وحسب إنما يواصل خطاباً متشدداً يحرض ويزيد من إغراءات العنف ضد النساء في تركيا والتي تبدو أوضاعها تسوء يوما تلو الآخر.

ومع خطاب أردوغان السياسي الذي يوفر مظلة وبيئة تحتضن العنف ضد المرأة، والتوحش بحقها، طالما ذلك يترافق مع سياساته التي تستهدف جذب القوى السياسية القومية والدينية الراديكالية، فإن الموقف ضد المرأة بتركيا يزداد تعقيداً وقد ارتفعت حالات العنف في فترة ولايته لمستويات غير مسبوقة وتبدو ممنهجة. كما تتعرض أجساد النساء إلى التعذيب والضرب حد القتل. هذا فضلاً عن التحرش والإيذاء بمختلف أنواعه. يضاف لذلك، انحسار دورها السياسي وفي المجتمع المدني في ظل الحصار المفروض ضدها والتضييقات البالغة.

الرئيس التركي منذ الانقلاب المزعوم والفاشل في تموز/ يوليو 2016، خاض حرباً شرسة ضد المعارضة ومؤسسات الدولة، منها الجيش والقضاء والصحافة، فضلاً عن منظمات المجتمع المدني الحقوقية والأحزاب السياسية، بهدف فرض إرادته وهيمنته التامة وعدم السماح بأي هامش حرية.

انسحاب أردوغان من الاتفاقية الدولية لحماية النساء من العنف له وجه من ناحية توظيف القاعدة الاجتماعية والسياسية والحزبية المؤيدة لنبرة الخطاب الإسلاموي المتشدد

وفي هذا الفصل الاستبدادي والديكتاتوري بوجهه المتشدد وعبر التحالف مع قوى قومية ودينية تحمل التوجه ذاته العنيف، تفاقم مشهد العنف ضد المرأة والذي أضحى مثل منحدر بلا قاع أو نهاية. فالعنف ضد النساء هو جزء من تركيبة السلطة التي تحتقر الفئات التي تصنفها ضمن الأقليات وتحاول التمرد والخروج عن السيطرة. فالنساء التي تطالب بحقوقها وكرامتها وترفض أن تهمش في حدود الأسرة ولا تنافس الرجال على مقاعد الحكم والسياسة، وتقف في صف المعارضة التي تفضح التجاوزات القانونية والحقوقية تطالها عصا أردوغان .

لذا، تزامن إعلان انسحاب الرئيس التركي أردوغان من اتفاقية دولية معنية بحماية النساء من العنف وهي اتفاقية إسطنبول ، مع خطوات سياسية أخرى لها نفس الميل التعسفي والقمعي، حيث إقالة رئيس البنك المركزي، ناجي إقبال، على خلفية الأزمة الاقتصادية وانهيار الليرة أمام العملة الأجنبية لمستويات غير مسبوقة، فضلاً عن الهجمة العنيفة ضد حزب الشعوب الديمقراطي واتهام المدعي العام بتركيا بأنه على صلة بـ جماعة كُردية مسلحة في إشارة لـ حزب العمال الكردستاني ، وهي المزاعم التركية التقليدية للعنف ضد أي معارضة أو خصوم سياسيين محليين وإقليميين.

انسحاب أردوغان من الاتفاقية الدولية لحماية النساء من العنف أيضاً له وجه من ناحية توظيف القاعدة الاجتماعية والسياسية والحزبية المؤيدة لنبرة الخطاب الإسلاموي المتشدد، للاصطفاف مع مشاريعه ومغامراته والإقليمية، خصوصاً بعد وصول الرئيس الأميركي جو بايدن للحكم وتراجع العلاقة بينهما وتوترها لدرجة غير مسبوقة، لا سيما بعد فرض عقوبات أميركية على أنقرة نتيجة حصولها على منظومة الدفاع الصاروخي الروسية (إس-400). بالتالي، كان أردوغان في ظل توتراته الخارجية وخصوصاً مع الغرب وواشنطن مع إلحاحه الانضمام للاتحاد الأوروبي دونما جدوى يرفع من جرعة الخطاب العدائي ضدهما، والميل بخطاب إسلاموي له صبغة سياسية مباشرة.

تاريخياً، سعى مصطفى كمال أتاتورك بعد إعلان الجمهورية التركية في عام 1923 إلى تحسين وضع المرأة من خلال وضع قوانين علمانية تعزز من المساواة بين المرأة والرجل في شؤون الزواج والطلاق والإرث. كما روج أتاتورك إلى أفكار تحرر المرأة، ودفع المجتمع إلى قبول وضعها الجديد، بعد أن دخلت ميدان السياسة، وخرجت من عزلتها السابقة، وبدأت تدخل الجامعات ودوائر الدولة التي كانت محرمة عليها، كما فُتحت المدارس والجامعات والوظائف والأعمال الحرة أمام المرأة التركية، فانطلقت تدرس الطب والهندسة والفنون والآداب، حسبما يوضح مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة .

ولكن لم يستمر هذا الوضع، وتعرضت المرأة التركية إلى هجمة شرسة وطالتها التغيرات الثقافية والمجتمعية والسياسية بعد رحيل أتاتورك، خاصة مع اتساع تأثير الحركات الإسلامية في المجتمع التركي، وفق مركز المستقبل ، لافتاً إلى أنه في منتصف الثمانينات، صعدت الحركات النسوية الإسلامية لانتقاد حكم أتاتورك العلماني والدعوة إلى العودة إلى الأصول الإسلامية من أجل الالتزام الديني والأخلاقي. وفي عام 2002، وصل حزب العدالة والتنمية إلى الحكم، معلناً ليس فقط انتهاء الحكم العلماني، بل وإعادة أوضاع المرأة للوراء، وتغير وضع المرأة التركية بشكل كبير.

وتابع: تبنى حزب العدالة والتنمية برئاسة أردوغان، بعض السياسات التي تحفز المرأة على الإنجاب وتشجعها على لعب دورها بالأسرة باعتباره الدور الأساسي للمرأة وفقاً لمنظور الحزب، وفي المقابل تراجع ظهورها في المجال العام، وكأن المجتمع رجع إلى ثنائية المرأة لها المنزل، والرجل له لعمل. وتم السماح بارتداء الحجاب في البرلمان والجامعة والمدرسة وغيرها من الأماكن الرسمية، وفي المقابل كثر الاعتداء على المرأة في الآونة الأخيرة. تعاني تركيا مؤخراً من انتشار ظاهرة العنف ضد المرأة، وتتعدد أشكاله، ومنه ما هو علني ومباشر، ومنه ما هو مستتر، ولهذا يوجد الآلاف من المنظمات التي تهتم بشؤون المرأة في تركيا، وهو ما يُعد مؤشراً على وجود مشكلات جذرية تعاني منها المرأة التركية وتحتاج لمن يتصدى لها .

من هنا، لا ينفصل الموقف من المرأة وتنامي العنف ضدها في فترة حكم أردوغان عن مجمل سياسته والتي هي تشكل بنية عامة بالمجتمع تتوافر فيها كل فرص قمعها وتهديد أمنها وسلامتها، فضلا عن إهدار حقوقها السياسية والمجتمعية في الفضاء العام كما في دائرتها الشخصية والأسرية.

*لينك المقال في نبض*