لاتزال المنازل الذكية، مفهوماً وتطبيقاً وقابلية للتنفيذ، من القضايا المحصورة حالياً في شرائح قليلة من الناس على المستوى العالمي، منهم من يتابع التطورات التكنولوجية ويستطع تحمل تكلفة عقارات فاخرة ومرتفعة السعر، شراءً أو تأجيراً، ويمكنه التعامل بجدية وبحذر أيضاً مع ما تتطلبه المنازل الذكية من تكنولوجيات فائقة، فهناك فئات محدودة من المتعاملين قادرة على سداد كلفة استخدام تقنيات تتيح التحكم في أجهزة المنزل، سواءً عبر أجهزة التحكم عن بُعْد، أو من خلال الهواتف الذكية.
ومع ذلك يمكن القول بدايةً إن المنازل الذكية تعد من التوجهات المستقبلية المهمة للمشروعات المحلية، لكنها ستستغرق وقتاً طويلاً لانتشار مفاهيمها، نظراً لانخفاض مستوى الوعي بها من جانب، وارتفاع كلفتها على المستثمرين والمستأجرين الذين سيتحملون بدورهم كلفة تلك التقنيات من جانب آخر.
المنازل الذكية.. توجه إماراتي وخليجي
سوف تشكل المنازل الذكية قيمة مضافة مهمة خلال الفترة القادمة لمشروعات العقارات المحلية، وسوف تسهم في تطوير هذا القطاع بشكل كبير، وربما يتيح ذلك بمرور الوقت ضرورة تقديم عروض تخفيضية بشكل أكبر من قبل شركات تزويد الخدمات الذكية لنشر استخدام هذه المنازل في المشروعات العقارية الحديثة.
وعلى الرغم من ارتفاع كلفة تلك التقنيات، فإنه يتم تنفيذها بالفعل لنوعية معينة من العقارات التي يبحث المتعاملون فيها عن مميزات محددة بصرف النظر عن كلفتها، علماً بأنه ليس من الطبيعي أن يتم تحميل كامل كلفة تقنيات المنازل الذكية على المستأجرين، نظراً لفوائد بعض التقنيات الذكية بالنسبة لملاك البنايات أنفسهم، إذ تتيح لهم التحكم في مداخل عقاراتهم، والمراقبة بالكاميرات عبر الهواتف، في حين يمكن للمستأجر أن يتحمل كلفة التقنيات التي تستخدم بشكل شخصي داخل الشقق السكنية.
وبناءً على ذلك تدرس بعض الشركات العقارية الكبرى في كل من أبوظبي ودبي حالياً استخدام تقنيات المنازل الذكية في وحدات بعض المشروعات المستقبلية، لتتماشى مع خطط الحكومة الاتحادية بدولة الإمارات وتوجهاتها للتحول نحو المدن الذكية.
وتقوم المنازل الذكية على ترسيخ ثقافة الابتكار والتميز في البحث والتطوير، إلى جانب تشجيع الشركات والمؤسسات، ومن بينها شركات مطوري العقارات، وشركات إدارة المرافق، ومزودي خدمات الاتصالات، وشركات الطاقة إلى نشر أنظمة التشغيل الآلي (Automation) فائقة العالية التطور بشكل سريع وسهل وبتكلفة أقل.
وقد اعتمدت جزيرتا الريم والسعديات في أبوظبي على النظام المبتكر للبيوت الذكية، فثمة اتفاق يقضي بتوفير شركة اتصالات لخدمات الاتصال للمنازل الذكية، بينما تقوم شركات البناء المتخصصة بتوفير خدمة المنازل الذكية ومحتوياتها المتعددة.
ووفقاً لتصريحات رئيس لجنة الخدمات الذكية في دبي، فإن "مشروع المنازل الذكية سيطبق كجزء من متطلبات قرار مجلس الوزراء رقم 24 لسنة 2012، وسيكون اختيارياً في المرحلة الأولى لحين الانتهاء من تشييد غرفة العمليات الجديدة في مبنى الإدارة العامة للدفاع المدني التي هي قيد الإنشاء، وسيكون تطبيق المشروع في دبي مقابل رسوم سنوية قدرها 500 درهم، إضافة إلى 1900 درهم قيمة جهاز الإنذار وأجر تركيبه ولمرة واحدة.
في هذا السياق، تأتي المنازل الذكية ضمن استراتيجية إمارة دبي لتحويلها بالكلية إلى مدينة ذكية من أجل تأمين مستلزمات السلامة في دبي بشكل خاص والإمارات بشكل عام، من خلال تطبيق حزمة من الخدمات التي توفر للسكان وللمشاريع ولبيئة المال والأعمال مقومات الحياة الذكية التي ينعم فيها الإنسان بالأمان والسلامة.
وفيما يخص منطقة الخليج إجمالاً، تتوقع بعض الدراسات التي أجرتها شركات متخصصة في تقنية المنازل الذكية، بأن يكون هناك زيادة في عدد الطلبات بشأن إنشاء البيوت المنزلية الذكية لتصل الى 300 ألف عقار ذكي في منطقة الخليج خلال السنوات الخمس المقبلة.
المدخرات المتوقعة للتوسع في المنازل الذكية
تفيد التقنيات المتقدمة التي توصل اليها المعماريون، بمساعدة متخصصين في مجال الإلكترونيات والعلوم الرقمية، إلى أن التوسع في المنازل الذكية ربما يوفر استهلاك الطاقة بنسبة 54%، إذ إن تقنين الاستهلاك الكهربائي لأجهزة التكييف وحدها سيوفر 25٪ من الطاقة، علاوة على توفير نسبة أخرى قدرها 30%، نتيجة استغلال الفرص الضائعة الناتجة من الاستغلال الأمثل للطاقة في المناطق المستخدمة للطاقة دون غيرها، مما يترتب علية استغلال التكاليف المهدرة وترجمتها إلى أرباح وعوائد فيما بعد. وتتوقع الشركات المتخصصة في مجال المنازل الذكية، وصول تكلفة هذه المنازل إلى 4 مليارات دولار بمنطقة الشرق الأوسط حتى عام 2016.
إلى جانب ذلك، تحقق المباني الذكية وفورات اقتصادية كلية قدرها 50% إلى 65%، يمكن من خلالها في فترة تتراوح بين ثلاث إلى أربعة سنوات إعادة المبالغ المنفقة مرة أخرى، بما فيها ما تم إنفاقه على المعدات المستخدمة في الإضاءة والتدفئة. بالإضافة إلى أن هذه المعدات لها أهمية أخرى باستخداماتها الجمالية التي تبعث الراحة النفسية، مما يوفر تكلفة الديكورات والتجهيزات الفرعية بالمباني، ويزيد من الاستفادة الربحية الحقيقية المحققة من تلك التقنيات الذكية.
بناء على ما سبق، فإن ترشيد الطاقة أصبح ضرورة استراتيجية في الأسواق سريعة النمو مثل دولة الإمارات، وهو جانب مهم جداً لدى قطاعات المشاريع الصغيرة والمتوسطة التي تعزز من القدرات التنافسية والتنمية الشاملة.
وهنا يبدو من الضروري تبسيط الحديث عن المنازل الذكية في الإعلام لجذب الاهتمام الشعبي، من خلال شرح الهدف الرئيسي من التوجه للتقنية في الأساس وتجاربها وفوائدها المرتبطة بالتوفير، مع إعادة النظر في ارتفاع أسعار الإيجارات والسكن لتشجيع التوجه إلى المنازل الذكية.
معوقات التوسع في المنازل الذكية
رغم هذه المميزات المتوقعة والتحمس الواضح للتحول نحو التوسع في إنشاء المنازل الذكية في العديد من مناطق العالم، ومنها منطقة الخليج العربي، فإن ثمة عقبات تواجه هذا التحول وانتشار التقنيات الخاصة بهذه المنازل، ومن أبزرها:
1 ـ اختلاف المقاييس المعتمدة وأجهزة التحكم
يعتبر اختلاف المقاييس المعتمدة في كل دولة بالنسبة للتدفئة والتبريد، والترددات المختلفة للتحكم في أجهزة الإضاءة، من الأمور التي تعيق التوسع في المنازل الذكية، حيث لا مواصفات واحدة يمكن الاتفاق حولها بين كبرى الشركات العالمية. وعلى سبيل المثال، فإن المناطق التي تستخدم تقنية تعتمد على تردد موجات يقرب من 900 ميجاهرتز، ربما يؤدي ذلك إلى التشويش على الأوامر التي تنتقل عبر الراديو، مما يؤدي لبطء الاستجابة أو قد يصل الأمر لعدم الاستجابة مطلقاً بين الأجهزة الذكية، ناهيك عن صعوبات توحيد أجهزة التحكم المستخدمة من الشركات نفسها حتى لا يحدث تداخل في الموجات يؤدي إلى إحداث عطل عام.
2 ـ انخفاض مستوى الوعي
إن غياب الوعي الكافي لدى الافراد عن ماهية المنازل الذكية والهدف الحقيقي منها، إلى جانب أن التقنية الذكية عموماً قد تؤدي لمزيد من الفجوات الاجتماعية بين الأجيال داخل المجتمع الواحد، وكذلك توسيع الفجوة بين الطبقات المجتمعية المختلفة، بالإضافة لتعميق الهوة بين الدول المتقدمة والنامية، مما يؤثر على المناخ الاقتصادي العالمي، كلها اعتبارات تطغى حتى الآن على كافة ما تتمتع به المنازل الذكية من فوائد متوقعة.
3 ـ ارتفاع التكاليف
فضلا عن التكلفة العالية للإنشاءات، ترتبط التكنولوجيا عالية التطور بصيانة مكلفة جداً، كما أن تكلفة إيجارات المساكن في معظم المناطق الأكثر رقياً بالعالم، ومنها دولة الإمارات تعد مرتفعة، وإدخال التقنيات الذكية سيزيد من الضغوط على أسعار العقارات، مما يجعل الحديث عن انتشار المنازل الذكية أمر صعب الحدوث سريعاً في ظل أسعار السكن الراهنة في كل من دبي وأبوظبي على سبي المثال، وأن ذلك يستلزم مجموعة من الأدوات الاقتصادية والمالية، بل والتكنولوجية، التي تتغلب على مثل هذه المشكلة.
مستقبل المنازل الذكية
تبرز هذه المعوقات أهمية تلاحم جهود مختلف الإدارات والقطاعات بالإمارات لتحقيق الإمكانيات الكامنة للكفاءة البيئية والطاقة في المباني عبر دمجها بالابتكارات الفنية والاقتصادية والثقافية والتشريعية والسياسية سوياً. ويتعين هنا مراعاة أن تطبيق التقنيات الذكية في أوروبا والولايات المتحدة يختلف بلا شك عنه في الإمارات ودول الخليج.
وفي ظل بعض الانتقادات الموجهة للمنازل الذكية، والمتعلقة بالآثار البيئية والصحية لبعض المواد المستخدمة بها، تظهر أهمية الحلول الفزيوحرارية في البناء من خلال استخدام الأسطح الخضراء في بعض المشاريع، والتي توفر 25% من طاقة التكييف، لأنها تعمل كعازل حراري جيد في الصيف وتحفظ الحرارة داخل المبنى في الشتاء، مما يزيد من مساحة الرقعة الخضراء وتقليل المساحات الإسمنتية من أجل الحفاظ على الطاقة من جهة، والحد من التلوث البيئي من جهة أخرى.
ومن الضروري أن تخضع حسابات التكلفة للمنازل الذكية لحسابات اقتصادية وإحصائية بحتة تضع في الاعتبار تكلفة الاستخدام المستقبلي للوقوف على التكاليف الحقيقية للبناء وربطها بالمردود الاقتصادي المنتظر في المديين المتوسط والطويل.
أخيراً فإن اهتمام الإمارات المختلفة، وعلى رأسها دبي وأبوظبي، يعزز من التوقع بأن تنتشر المنازل الذكية في مختلف فئات المشروعات خلال الأعوام المقبلة، مدعومة بتوقعات انخفاض الأسعار، وزيادة الوعي بأهمية استخدام تلك التقنية للمستأجرين وللملاك؛ خاصة وأن ثمة ترابط واضح في خطة الإمارات 2021 بين مفاهيم التنمية المستدامة والابتكار والمدن والمنازل الذكية.
اما على صعيد دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، فمن الصعوبة الحديث حالياً عن هذه التقنيات في ظل تردي الأوضاع الاقتصادية الحالية في أغلب الدول العربية، وبسبب عدم الاستقرار السياسي الراهن، لتبق منطقة الخليج هي المنطقة الأبرز التي يحتمل ان تتوسع في المنازل الذكية في المستقبل القريب ما لم تحدث تداعيات اقتصادية سلبية غير متوقعة مثل توجه أسعار النفط نحو مزيد من التراجع.
ـ اقرأ أيضاً:
الإمارات 2012:
تقدم مضطرد في مؤشرات التنمية المستدامة
iHome: