أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يصدر العدد الثاني من مجلة "اتجاهات آسيوية"
  • أ. د. نيفين مسعد تكتب: (عام على "طوفان الأقصى".. ما تغيّر وما لم يتغيّر)
  • د. إبراهيم فوزي يكتب: (بين موسكو والغرب: مستقبل جورجيا بعد فوز الحزب الحاكم في الانتخابات البرلمانية)
  • د. أيمن سمير يكتب: (هندسة الرد: عشر رسائل للهجوم الإسرائيلي على إيران)
  • أ. د. حمدي عبدالرحمن يكتب: (من المال إلى القوة الناعمة: الاتجاهات الجديدة للسياسة الصينية تجاه إفريقيا)

المصري اليوم:

د. إيهاب خليفة يكتب: هل يقود الذكاء الاصطناعى المهام الدبلوماسية؟

27 مايو، 2023


أصبحت القدرات التي وصل إليها الذكاء الاصطناعى لا تترك مجالًا للشك بأنه بات مؤثرًا في شكل وأدوات وقضايا العلاقات الدولية. والأمر هنا لم يعد قاصرًا على أدوات القوة التقليدية مثل القدرات العسكرية والاقتصادية للدول، بل قد يمتد ليشمل قضايا أخرى أكثر عمقًا واتساعًا، كعملية إدارة المفاوضات الدولية التي تغلب عليها دائمًا حالة الشك بين البشر وعدم الثقة في الطرف الآخر، واتخاذ القرار بعيدًا عن التأثر بالسمات والميول الشخصية للقادة السياسيين والوقوع في خطأ التحيز أو الإدراك، وكذلك عملية تحليل ودراسة السياسة الخارجية للدولة وعلاقاتها بالدول الأخرى. فإذا تحقق ذلك، فنحن بصدد نوع جديد من الدبلوماسية يقودها الذكاء الاصطناعى.

الذكاء الاصطناعي وتطوير الصحافة!

حكومة الذكاء الاصطناعى!

راشيل برونسون وويل جونسون يكتبون: الذكاء الاصطناعى هو قنبلة القرن الـ٢١ النووية

موضوع للدبلوماسية:

أعاد التقدم الكبير في نُظم الذكاء الاصطناعى طرح عدد من القضايا التقليدية الخاصة بالعلاقات الدولية لكن بوجه جديد، مثل قضايا التسلح، وتوازن القوى، والديمقراطية. فهذه القضايا الثلاث على وجه التحديد تتطلب من الدول كافة إعادة النظر في سياستها الخارجية وتحديد موقفها بسبب التأثيرات المتزايدة للذكاء الاصطناعى فيها. فمثلًا أصدر الاتحاد الأوروبى وثيقة بعنوان «Artificial Intelligence diplomacy»، أعرب فيها عن قلقه من استخدام النظم الديكتاتورية للذكاء الاصطناعى لممارسة مزيد من الديكتاتورية على شعوبها، وتحديدًا الصين، من وجهة نظره.

كما أن دخول الذكاء الاصطناعى في تطوير أسلحة، سواءً أكانت تقليدية أم سيبرانية، مثل الطائرات من دون طيار والروبوتات العسكرية والصواريخ، من شأنه أن يُحدث ثورة في الشؤون العسكرية قد يترتب عليها إما سباق تسلح قد يؤدى إلى حرب، أو اختلال ميزان القوى الدولى وما يترتب عليه من إعادة تشكيل النظام الدولى.

ففى تصريح سابق له، قال الرئيس الروسى، فلاديمير بوتين، إن «من يسيطر على الذكاء الاصطناعى سوف يسيطر على العالم». وأشار تقرير للجمعية البرلمانية لحلف «الناتو»، في أكتوبر 2022، إلى أن «للذكاء الاصطناعى آثارًا مدمرة على القدرات العسكرية، ومن المتوقع أن يزداد هذا الأثر بشكل كبير خلال السنوات الخمس إلى العشر المقبلة». كما حذر تقرير صدر في مارس 2021 عن لجنة الأمن القومى للذكاء الاصطناعى الأمريكية، من «أن الصين قد تحل قريبًا محل الولايات المتحدة باعتبارها القوة العظمى للذكاء الاصطناعى في العالم، وأن أنظمة الذكاء الاصطناعى ستُستخدم في السعى وراء السلطة، وأن الذكاء الاصطناعى لن يبقى في مجال القوى الخارقة أو عالم الخيال العلمي».

فقد أصبح الذكاء الاصطناعى نفسه أحد موضوعات الدبلوماسية والعلاقات الدولية، ونجم عنه في بعض الأوقات توتر في العلاقات بين الدول، خاصة بين الصين والدول الغربية. فقد اتخذت الولايات المتحدة إجراءات مضادة تجاه بكين، كى تبطئ من قدرات الشركات الصينية على تطوير نُظم الذكاء الاصطناعى، ومارست ضغوطًا كبيرة على الدول الأوروبية حتى لا تستخدم التكنولوجيا الصينية، تخوفًا من استخدام الصين هذه التكنولوجيا في التجسس على الولايات المتحدة وحلفائها. وهو ما بات أشبه بحالة حرب باردة وسباق تسلح علنى حول الذكاء الاصطناعى.

المفاوضات الدولية:

إلى جانب كونه موضوعًا للدبلوماسية بين الدول، فإن الذكاء الاصطناعى أصبح قادرًا أيضًا على تغيير أدوات ممارسة الدبلوماسية بين الدول، سواءً على مستوى المفاوضات الدولية أو على مستوى الدبلوماسية الرسمية والشعبية. فعلى مستوى عملية إدارة المفاوضات الدولية، فإن الذكاء الاصطناعى يمكنه القيام بعدة مهام، منها على سبيل المثال ما يلى:

1- مساعدة المفاوضين الدبلوماسيين، وذلك عبر توفير معلومات آنية وفورية ودقيقة حول القضايا الخلافية أو التفصيلية أو حتى الطارئة على طاولة المفاوضات، والتى قد تحتاج إلى فرق متخصصة أو محلية مثل المفاوضات الخاصة بالتجارة الدولية مثلًا، وهو ما يوفر الوقت والجهد في عملية التفاوض.

2- تقريب وجهات النظر بين المفاوضين، وتقديم اقتراحات وتوصيات تحقق مكاسب للأطراف، وتضمن تصحيح وجهات النظر أو الأخطاء التي يمكن أن يقع فيها الدبلوماسيون دون قصد.

3- تحقيق ميزة نسبية لأحد أطراف المفاوضات، باعتباره عقلًا ذكيًا يُضاف إلى فريق التفاوض وقادرًا على تحليل الأمور الجزئية والتفاصيل الدقيقة.

4- تقييم مدى جدية الأطراف المتفاوضة، من خلال دراسة الفرص البديلة والمحاور التي كان يمكن الاتفاق حولها وتم تجاهلها، وبحث نيات الأطراف المتفاوضة وتقييم مدى جديتها ورغبتها في تحقيق إنجاز حقيقى على الأرض أو وضع عقبات تعوق عملية المفاوضات. فإذا كان هناك طرف متلاعب ويسعى فقط لكسب مزيد من الوقت، من الوارد أن يتسبب الذكاء الاصطناعى في هذه الحالة في إحراجه أمام الرأى العام الدولى، وبالتالى يتعرض لمزيد من الضغوط الدولية.

5- متحدث غير رسمى باسم الدولة، فمثلًا تُحرج بعض الدول في الإعلان عن موقف رسمى تجاه بعض القضايا كأن تصدر بيانًا رسميًا حولها، فيقوم بعض المحسوبين على النظام السياسى بكتابة بعض التغريدات أو التدوينات التي تعكس وجهة نظر دولة ما ولكن بصورة غير مباشرة. وهنا قد تستطيع نُظم الذكاء الاصطناعى القيام منفردة بذلك دون التسبب في حرج لأى من الأشخاص أو لصورة الدولة المعنية، فإذا سألها أحد الصحفيين عن موقف هذه الدولة إزاء قضية ما، تستطيع الإجابة دون أن تُحسب على الدولة.

6- الحياد والعلانية في اتخاذ القرار، فغالبًا ما قد يتأثر بعض القادة بالسمات والميول الشخصية لهم عند اتخاذ القرار، أو يتأثرون بضغوط الرأى العام سواءً المحلية أو الدولية. وفى هذا الصدد، قد تساعد هذه النُظم في تقديم توصيات بعيدة عن هذه المشاعر والضغوطات، مع الأخذ في الاعتبار التداعيات الخاصة بهذا القرار كأن يرفضه الرأى العام بالرغم من كونه يحقق مصلحة.

مهام دبلوماسية:

على مستوى استخدامات الذكاء الاصطناعى في الدبلوماسية الرسمية والشعبية، فقد يتم استخدامه في عدة مهام، منها الآتى:

1- تسهيل عملية إدارة الجاليات الوطنية، حيث يمكن في المستقبل القريب أن تستبدل بعض الدول قنصلياتها بنُظم ذكاء اصطناعى تعمل عبر شبكة الإنترنت، تكون مهمتها تسهيل متطلبات جالياتها في الدول الأخرى، وتقديم الأوراق والمستندات الرسمية التي تحتاج إليها، وحل المشكلات الطارئة التي تتعرض لها على مدار اليوم دون التقيد بمواعيد عمل السفارة مثل حالات الوفاة أو في أوقات الحروب والأزمات. وهنا قد يكون وجود السفارة رمزيًا أكثر من كونه ضرورة تنظيمية.


2- المساعدة في مهام البعثات الدبلوماسية، فإذا استطاع العديد من الأفراد حاليًا التقديم عبر الإنترنت للحصول على تأشيرات دخول إلى دول، دون الحاجة إلى زيارة السفارة، فإنه في المستقبل القريب قد يتعامل الأفراد مع نُظم ذكية، ترتبط بقواعد بيانات عملاقة، سواءً أكانت رسمية كالمؤسسات الأمنية أم غير رسمية كشركات الطيران والفنادق ومواقع التواصل الاجتماعى. فتقوم النُظم الذكية بتحليل نشاط صاحب الطلب المُقدم للحصول على التأشيرة، وتتخذ قرارًا تجاهه إما بالموافقة على الطلب أو رفضه أو إحالته إلى موظف إدارى لاستكمال ما تعجز عنه هذه النُظم.

3- القيام بمهام الدبلوماسية الشعبية، حيث يمكن أيضًا أن تصبح نُظم الذكاء الاصطناعى قناة للتواصل غير الرسمى والحصول على معلومات حول الدول عبر نُظم تشبه تطبيق «ChatGPT»، فتقوم بالرد على الأسئلة وتصحيح المعلومات وخلق قنوات تواصل مباشر مع مواطنى الدول الأجنبية.

وعلى الرغم من أن الأمر يبدو في ظاهره إيجابيًا، فإنه يشوبه كثير من التحديات، من أهمها مشكلة تعلم نظم الذكاء الاصطناعى، حيث تتطلب قدرًا كبيرًا جدًا من البيانات الدقيقة التي يجب أن تكون ذات طبيعة استخباراتية حتى تتمتع بقدر كبير من الموثوقية بعيدًا عن البيانات الرسمية التي تتسم بالمجاملة، وهو تحدٍ كبير بالنسبة للشركات التي تقوم بتطوير هذه النظم، وتحدٍ أكبر على مستوى المؤسسات الأمنية المعنية بجمع معلومات كثيرة للغاية بغض النظر عن ترتيب أولويتها. حتى وإن تم جمع هذه البيانات وتحديثها بصورة آنية وفورية، فقد تحدث ثورة أو تغيير سياسى يجعل البيانات التي استخدمها النظام غير صالحة للاستخدام مستقبلًا.

الأمر بالفعل صعب ومعقد، ولكن من المؤكد أن هناك مهام دبلوماسية سوف يقوم بها الذكاء الاصطناعى مستقبلًا حتى وإن كانت هناك بعض التحديات، ومن المؤكد أيضًا أن من يستطيع امتلاك هذه القوة للذكاء الاصطناعى سوف يسيطر على النظام الدولى، تمامًا مثلما يتوقع العديد من القادة السياسيين، فالأمر هنا أشبه بمن يصل إلى القنبلة النووية أولًا، هو ليس خيارًا بل ضرورة حتمية.

فاعل دولى:

هنا يسمح المجال للتفكير في سيناريو قد يكون بعيدًا عن الواقع حاليًا، لكنه قد يصبح يومًا ما أقرب إلى الحقيقة، وهو أن يتولى الذكاء الاصطناعى مهمة إدارة العلاقات الدولية بدلًا من البشر! فعبر عقود من الزمن، عجز النظام الدولى بشكله الحالى عن منع كثير من الحروب والصراعات، واصطدمت مصالح الغرب مع الشرق، فعجز مجلس الأمن عن حفظ الأمن والسلم الدوليين. فهل من الممكن أن يتولى مهمة تنظيم وإدارة العلاقات الدولية «نظام» أكثر رشادة وكفاءة من البشر، لا يتأثر بالأهواء الشخصية ويتخذ قراراته بما يحقق مصلحة الجميع؟ ولا عجب أن يكون هذا النظام قائمًا على الذكاء الاصطناعى.

فهل نجد في المستقبل منظمة دولية يكون الصوت الحاسم فيها بين الأعضاء للذكاء الاصطناعى، فيمتلك حق الاعتراض منفردًا على القرارات ويصبح تصويته على الموضوعات بمثابة حسم لهذا الخلاف، أو حتى يكون جميع أعضاء هذه المنظمة أصلًا من النظم الذكية، تقوم كل دولة فيها بتقديم نظامها من الذكاء الاصطناعى لكى يناقش الخلاف في قضايا العلاقات الدولية مع زملائه من الأنظمة الذكية الأخرى، وتكون مهمة اتخاذ القرار حقًا حصريًا لهم. وكأن هذه الروبوتات أو النُظم الذكية أصبحت بمثابة «مجلس حكماء العالم» الذي يتخذ القرار الصحيح، أو نشهد وزراء خارجية أو سفراء للدول من الذكاء الاصطناعى وليسوا من البشر، أو يصبح المفاوضون الدوليون عبارة عن نُظم ذكية تتولى مهمة إدارة الخلافات في العلاقات الدولية وتسويتها، مثلما نشهد روبوتات وطائرات مُسيّرة هي التي تتولى عملية القتال في المعارك العسكرية حاليًا؟

قد يرى البعض أن ثمة مبالغة في اعتبار الذكاء الاصطناعى في حد ذاته فاعلًا مستقلًا ومؤثرًا في العلاقات الدولية، وله شخصيته الحقيقية وأدواته التي يمكن أن يؤثر من خلالها في العلاقات الدولية، وهذا أشبه بأفلام الخيال العلمى. فالنُظم الذكية لم تكتمل شبكتها النهائية بعد، ولم تتضح علاقاتها المتشابكة، ومازالت عبارة عن مشاريع مستقلة بذاتها وتعانى من ثغرات أو مشكلات، لكن سرعة تطور هذه النُظم تستدعى التخوف والانتباه، فقد تتحول في أي وقت من كونها أداة مساعدة للإنسان في القيام ببعض المهام إلى كونها نُظمًا واعية ومستقلة بذاتها ومدركة لماهيتها.

رئيس وحدة التطورات التكنولوجية- مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة

ينشر بالتعاون مع مركز المستقبل للابحاث والدراسات المتقدمة

*لينك المقال في المصري اليوم*