نشر مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة مقالا للكاتب إيهاب خليفة تناول فيه أن العالم على مشارف ثورة صناعية خامسة ــ قد تكون الأخيرة ــ تكون فيها الغلبة لإنسان السايبورج، ذلك الإنسان الهجين بين البشر والذكاء الاصطناعى.. نعرض من المقال ما يلى.
سيطر مفهوم الثورة الصناعية الرابعة على التطورات التكنولوجية التى شهدها العالم خلال العقد الماضى، وعلى ما يبدو أن الاتجاهات التكنولوجية القادمة سوف يسيطر عليها جيل جديد من الثورات الصناعية هو الجيل الخامس منها، وإذا كانت أهم إنجازات الثورة الصناعية الرابعة تتمثل فى تطوير نظم الذكاء الاصطناعى وإنترنت الأشياء والعملات المشفرة والبلوكتشين، فإن أهم إنجازات الثورة الصناعية الخامسة هى تطوير الإنسان البشرى نفسه من خلال ذرع شرائح إلكترونية داخل الأجساد البشرية بهدف ترقية البشر للتحكم فى كل ما ابتكره عبر الثورات الصناعية السابقة.
هذا هو الغاية النهائية التى قد تحققها الثورة الصناعية الخامسة، بأن تجعل الإنسان ولأول مرة هو محور التطور التكنولوجى نفسه، وكأن الثورات الصناعية السابقة كانت تمهيدا لهذه الثورة الخامسة.
قد يستطيع الإنسان أن يسيطر على الآلات الذكية من خلال ربط هذه التقنيات جميع بالإنسان عبر الشرائح الذكية المزروعة فى الأجساد والأدمغة البشرية، كتلك التى يسعى أيلون ماسك لزرعها فى الأدمغة البشرية، حتى تمنحه صلاحيات التحكم فى الأجهزة الذكية الموجودة بالمنزل أو العمل أو حتى الأسواق والمواصلات.
• • •
وعلى مستوى حرية الحركة فإن الترابط المعرفى بين النظم الذكية وتجانس العمليات التشغيلية بينها سوف يوفر على الإنسان كثيرا من الوقت الذى قد يستغرقه فى القيام بالأعمال الروتينية، فتصبح كثير من الأعمال الروتينية فى حياة الإنسان ميكانيكية، تتم عبر نظم الذكاء الاصطناعى والآلات الذكية، يشمل ذلك القيام بأعمال النظافة والتسويق والتوصيل ومعرفة الاخبار وكتابة الحالات (Statues) ومشاركة الصور والفيديوهات مع الأصدقاء والرد على البريد الإلكترونى ورسائل الدردشة ومتابعة الحالة الصحية والمرضية وغيرها من الأعمال الروتينية.
• • •
مع استمرار نمو هذا النوع من التقنيات فائقة الذكاء، قد يؤدى ذلك إلى تدشين الثورة الصناعية الأولى فى حضارة السايبورج «Cyborg»، تلك الحضارة التى تختلف تماما عن الحضارات السابقة التى عرفتها الإنسانية، فقد ينتج عن الانسجام التام بين الآلات وبعضها، وبين الذكاء البشرى والذكاء الاصطناعى نوع جديد من المعرفة (البشرية ــ الاصطناعية)، يولّد أنواعا مختلفة من الفنون والآداب والموسيقى والعادات والتقاليد، تختلف عن تلك التى صنعها الإنسان العادى، لها طابعها المميز وبصمتها الخاصة التى تتلاءم مع هذا النوع المبتكر من الحضارة التى، ولأول مرة، لن يكون الإنسان فيها هو المسيطر.
وعندما نتحدث عن الفنون، فيجب الإشارة إلى أنها صبغة حضارية إنسانية بحته، لم يشارك الإنسان فيها أحدا من المخلوقات على هذا الكوكب، فهى سمة بشرية خالصة، ودليل قاطع على أن هناك بشريا قد مر من هذا المكان، يشمل ذلك الرسم والتصوير والموسيقى والآداب، وإذا استطعنا خلق نظام ذكاء اصطناعى قادر على ابتكار هذه النوعية من الفنون، فهذا يعنى أن الذكاء الاصطناعى أصبح بشريا إلى حد كبير، وأنه ولأول مرة سوف تكون لدينا حضارة جديدة ليس من صنع الإنسان وحده.
هذه الحضارة الجديدة قائمة على مبادئ وقيم الذكاء الاصطناعى التى تتسم بالسرعة والدقة والكفاءة فى القيام بالمهام التشغيلية التقليدية، كما أنها تتسم أيضا بالمصلحة والمادية والنفعية والعصمة من الخطأ، ومع هذا الانسجام بين الإنسان والآلة يبدأ كل واحد فيهم فى الاعتقاد بأنه سيطر على الآخر، وتبدأ الحرب التى تنبأت بها أفلام الخيال العلمى بين الإنسان والروبوت فى الاندلاع، لا نعلم من سيفوز فى النهاية، فهل سيقطع البشر مصادر الطاقة عن هذه الآلات فتموت، أم سوف تستغل الآلات نقطة ضعف الإنسان بأنه فانٍ فتقضى عليه؟.
• • •
إذا استطاعت الثورة الصناعية الرابعة أن تقدم محاولات لإعادة تعريف بعض عناصر الحياة الإنسانية الضرورية، مثل نظم التعليم والعمل والتسوق، وقدمت أشكالا جديدة للعملات النقدية، فإن تأثير ذلك عبر الثورة الصناعية الخامسة سوف يكون واضحا وراسخا، فيصبح الميتافيرس هو الفضاء الرئيسى للتفاعل الإنسانى، وتصبح العملات المشفرة، التى سوف تستقر بعد تلافى سلبيات النظام القديم، هى وسيلة التعامل النقدى، وتصبح التقنيات الذكية القائمة على شرائح السيليكون وأشباه الموصلات من نظم الذكاء الاصطناعى وإنترنت الأشياء هى المورد الرئيسى للإنسانية بعد الماء والهواء والغذاء، ويصبح الإنسان هو محور الابتكار والتطوير.
قد يجادل البعض بأن ما يحدث ليس ثورة جديدة، وأنه استمرار للثورة الرابعة أو حتى الخامسة، وأنه لن تكون هناك حضارة جديدة، بل قد يجادل البعض الآخر بأن هناك ردة سوف تحدث إما بسبب تغيرات مناخية أو أوبئة أخرى تعطل مسيرة التقدم البشرى وتعود به إلى الطبيعة من جديد، قد يكون ذلك صحيحا، لكن لايزال من المبكر جدا إصدار هذا الحكم، فنحن ما زلنا عاجزين عن إدراك ماهية التطور القادم، وما سوف ينتج عن عملية الاندماج والانسجام بين البشر والآلات الذكية، وبين الآلات الذكية وبعضها البعض، ولا نعلم ما هو شكل الحياة الجديدة التى سوف تنتج من عملية التحول هذه، وما هو نمط العلاقات الذى سوف يستقر فى النهاية بعد اكتمال هذه الصيغة الجديدة، ولا نوعية التحديات التى يمكن أن تظهر، ولا حتى معرفة الطريقة التى سوف تتفاعل بها البيئة الخارجية مع هذا التطور، وكأن البشر هم فئران التجارب هذه المرة.