أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يصدر العدد الثاني من مجلة "اتجاهات آسيوية"
  • أ. د. نيفين مسعد تكتب: (عام على "طوفان الأقصى".. ما تغيّر وما لم يتغيّر)
  • د. إبراهيم فوزي يكتب: (بين موسكو والغرب: مستقبل جورجيا بعد فوز الحزب الحاكم في الانتخابات البرلمانية)
  • د. أيمن سمير يكتب: (هندسة الرد: عشر رسائل للهجوم الإسرائيلي على إيران)
  • أ. د. حمدي عبدالرحمن يكتب: (من المال إلى القوة الناعمة: الاتجاهات الجديدة للسياسة الصينية تجاه إفريقيا)

تعزيز الشراكات:

خمسة تحركات روسية لمواجهة زيارة بايدن للشرق الأوسط

01 أغسطس، 2022


عكست زيارة الرئيس الأمريكى جو بايدن للمنطقة تحولاً مهماً في توجهات الإدارة الأمريكية ومراجعة لعدد من مواقفها إزاء منطقة الشرق الأوسط بصفة عامة ومنطقة الخليج بصفة خاصة. جاء بايدن مدفوعاً بضغط الأزمات الداخلية والإخفاقات الخارجية، معتقداً القدرة على توظيف الرصيد الأمريكى في المنطقة لتحقيق إنجاز ما، يسهم في تحسين صورته وشعبيته المتراجعة. وتمحورت أهدافه حول جذب دول المنطقة بعيداً عن روسيا بعد ما أبدته من استقلالية وحياد من الحرب في أوكرانيا، وإعلاء لمصالحها في مواجهة الضغوطات الأمريكية لإدانة صريحة لروسيا والانضمام لنظام العقوبات الغربي عليها. وقد عبر بايدن عن ذلك صراحة عندما أكد في كلمته بقمة جدة، في 16 يوليو، أن الولايات المتحدة لن تترك فراغاً تملؤه الصين أو روسيا أو إيران. 

من جانبها، تعي روسيا أهمية منطقة الشرق الأوسط، وتولي اهتماماً متزايداً لها، لاسيما مع ما تقوم به من فرز للدول الصديقة وغير الصديقة على خلفية المواقف من الأزمة الأوكرانية، واتجاهها إلى فضاءات أوسع في الجنوب، آسيا والشرق الأوسط وأفريقيا وأمريكا اللاتينية، بعد أن خزلها الشمال وناصبها العداء. وفي سياق هذا التوجه العام تحتل منطقة الشرق الأوسط أولوية واضحة لاعتبارات اقتصادية واستراتيجية وأمنية، فالمنطقة تمثل فضاء اقتصادياً مهماً لروسيا، وتمسك بزمام أمن الطاقة العالمي، كما أنها صاحبة المنافذ البحرية ذات الأهمية الحيوية لموسكو، وجوارها شبه المباشر. ولا تعتزم روسيا الدخول في مواجهات سياسية لا طائل منها مع واشنطن، ولكنها تسعى للحفاظ على شراكاتها مع دول المنطقة على النحو الذي يصون مصالحها وأمنها القومي بمعناه الشامل، وتتحرك نحو هدفها هذا بعدة أبعاد.

أولاً: اتصالات سياسية مباشرة عالية المستوى.

 ففي الوقت الذي طالب فيه بايدن دول الخليج، وفي مقدمتها السعودية والامارات، بزيادة إنتاج النفط لمواجهة أزمة الطاقة التي تعتصر الولايات المتحدة، نتيجة الارتفاع غير المسبوق في أسعار البنزين، بعد أن فشل البيت الأبيض في إقناع شركات النفط الأمريكية بخفض الأسعار للمستهلكين الأمريكيين، ولمساعدة حلفائها في أوروبا في تجاوز أزمة الطاقة الأشد ضراوة في التاريخ الأوروبي، قام الرئيس بوتين بالاتصال هاتفياً بولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، في 21 يوليو، لبحث الوضع الحالي في سوق النفط العالمية والتشديد على ضرورة استمرار تفاهمات واتفاقات "أوبك +" التي تقودها موسكو والرياض. 

وأشاد الرئيس بوتين، من طهران، بموقف السعودية والإمارات من روسيا خلال الأزمة الأوكرانية في رسالة ذات دلالة بأن الشراكة مع إيران لم ولن تكون على حساب شركاء روسيا في الخليج، وأن روسيا تثمن عالياً مواقفهم منها وحريصة على استمرار التنسيق والتعاون الاستراتيجي على النحو الذي يخدم مصالح الطرفين. 

كذلك قام وزير الخارجية الروسي، سيرجي لافروف، بحراك سياسي ودبلوماسى ملحوظ لدحض محاولات عزل روسيا ودعم استمرار الانفتاح الإيجابي عليها من جانب دول المنطقة. وتضمن ذلك زيارة مصر وإلقاء خطاب في جامعة الدول العربية يوم 24 يوليو، أشاد فيه بموقف الدول العربية المعتدل من الأزمة الأوكرانية، موضحاً الأسباب والتهديدات التي دفعت روسيا لبدء عمليتها العسكرية في أوكرانيا، شارحاً ملابسات ذلك وكيف استنفدت روسيا الطرق الدبلوماسية قبل اللجوء للقوة، وأكد عزم روسيا استمرار تطوير التعاون مع الدول العربية، مطمئناً الأخيرة على الأمن الغذائي والتزام روسيا بتصدير الحبوب لها وللعالم. سبقت ذلك زيارة الوزير لافروف للمملكة العربية السعودية ومشاركته في اجتماع وزراء خارجية مجلس التعاون الخليجي في الأول من يونيو، وزيارة سابقة للجزائر وسلطنة عمان في مايو.

ثانياً: جذب دول المنطقة نحو الأطر الدولية التي تقودها روسيا

تحاول روسيا التأكيد على أن هذه الأطر، مثل بريكس والاتحاد الأوراسى وشنجهاي، تفتح أبوابها لمشاركة فعالة من جانب دول المنطقة، فخلال زيارته لمصر أكد الوزير لافروف أن روسيا ترحب باهتمام مصر بحصولها على وضع "شريك حوار" في منظمة شنجهاي للتعاون، وبمشاركتها في عمل "بريكس+". وتشارك مصر فى صيغة "بريكس+" منذ إطلاقها في قمة عام 2017، وقد حصلت مصر والإمارات على عضوية بنك بريكس للتنمية العام الماضي، الأمر الذي يمهد لانضمامهم الكامل لمجموعة بريكس التي تضم كلاً من روسيا والصين والهند والبرازيل وجنوب أفريقيا. كما حصلت مصر والسعودية وقطر على وضع "شريك حوار" في منظمة شنجهاي التي تضم روسيا والصين والهند وباكستان وأربع من دول آسيا الوسطى خلال قمة سبتمبر الماضي. وسبق وأشار الرئيس بوتين إلى ترحيب روسيا بإبرام اتفاقات تجارة حرة بين الاتحاد الأوراسي وعدد من الدول العربية في مقدمتها مصر والإمارات.

كما بدأت موسكو مفاوضات جادة مع دول المنطقة، وفي مقدمتها مصر أكبر شريك تجاري لروسيا في المنطقة، للتعامل بالعملات الوطنية واعتماد بطاقة "مير" الروسية بعد تعليق "ماستركارد" و"فيزا" خدماتها البنكية في روسيا، وتروج في هذا الخصوص لتركيا كنموذج حيث فعلت أنقرة بطاقة "مير" لتشجيع تدفقات السياحة الروسية إليها. 

ثالثاً: الالتزام الروسي الصارم بتنفيذ التعهدات والتعاقدات المبرمة

تؤكد روسيا التزاماتها مع دول المنطقة في مختلف المجالات حيث تدرك روسيا أن انسحابها من أي مشروع سيتيح فرصاً لشركات أمريكية وغربية بديلة، وهي لا تريد أن تترك فراغاً تملؤه قوى أخرى بالمنطق الأمريكي، كما أنها حريصة على مصداقيتها كشريك يعول عليه وموثوق به تقنياً واقتصادياً واستراتيجياً. في هذا السياق، ورغم ما يواجهه الاقتصاد الروسي من صعوبات نتيجة العقوبات المفروضة على الدولة من جانب الولايات المتحدة وشركائها في أوروبا وآسيا، فإنها تمضي قدماً في تنفيذ التزاماتها وفق الاتفاقات والجداول الزمنية الموضوعة، خاصة فيما يتعلق بالمشروعات التنموية.

ومن ذلك مشروع محطة الضبعة النووية لتوليد الطاقة الكهربائية في مصر والتي شهدت بدء أعمال الصبة الخرسانية لأول وحدة نووية بالمحطة في 20 يوليو في إطار حفل حضره أليكسي ليخاتشوف، المدير العام لشركة "روس آتوم" المسؤولة عن المشروع. وتتألف المحطة من 4 وحدات لتوليد الطاقة مجهزة بمفاعلات الجيل الثالث + (في في إي آر 1200) بقوة 1200 ميجاوات وتعتبر مشروعاً تنموياً عملاق لا يقل عن مشروع السد العالي بالنسبة لمصر، وتعول عليه الأخيرة في سد احتياجاتها المتزايدة من الطاقة الكهربائية، وإطلاق مشروعات تنموية زراعية وصناعية كبرى، والتحول إلى مصدر كبير للطاقة الكهربائية للشرق الأوسط وأفريقيا.

رابعاً: دعم الشراكات مع القوى الإقليمية غير العربية

 تمثل أنقرة وطهران أرقام مهمة في معادلات إقليمية ودولية عدة، ورغم اختلاف طبيعة العلاقات الروسية بالبلدين فإن مصالح حيوية لموسكو تتقاطع معهما وتجعل من التنسيق والتعاون معهما أمر ضروري. في هذا الإطار جاءت زيارة الرئيس بوتين إلى طهران وعقد القمة الثلاثية الروسية الإيرانية التركية لمأسسة وترسيخ هذا الإطار الثلاثي، وتوسيع دائرته ليتجاوز الملف السوري إلى التعاون والشراكة الأرحب، واستطاعت القمة تحقيق حصاد استراتيجي ملحوظ للأطراف كافة وفي مقدمتها روسيا. فقد تم إطلاق ممر الشمال الجنوب، الذي يربط روسيا بالهند عبر إيران، والذي ظلت طهران تضغط من أجله منذ عهد أحمدي نجاد، إلا أن المشروع كان مجمداً، ومع ما تشهده التبادلات الروسية الهندية من قفزات، خاصة مبيعات الطاقة لدلهي أصبح الممر شرياناً مهماً للدول الثلاث يتعين تفعيله. كما تم توقيع اتفاق التجارة الحرة بين إيران والاتحاد الاقتصادي الأوراسي. 

كذلك تم توقيع اتفاقية نفطية بين شركة "غازبروم" الروسية وشركة النفط الوطنية الإيرانية بقيمة 40 مليار دولار، وتشمل تطوير 7 حقول نفطية باستثمار روسي، رغم الحظر الغربي المفروض على إيران. منها حقل "أزاديجان" الواقع على الحدود الإيرانية العراقية، مما يسمح لكل من إيران وروسيا أن تبيعا النفط على أنه "عراقي"، وحقل غاز "بارس شمالي" و"كيش"، و"بارس جنوبي". وقد قاتلت "توتال" الفرنسية و"إيني" الإيطالية والصينيون بشدة من أجل الأخير لكن حتى الصينيين بما أسموه "صفقة القرن" بقيمة ربع تريليون دولار لم يتمكنوا من إغراء الإيرانيين للحصول عليه. ويتيح الاتفاق مكاسب استراتيجية مهمة لروسيا، من ناحية يمكنها من إنشاء أقوى احتكار للغاز في العالم تحت مظلة روسية. ومن الناحية الأخرى، يسمح بوجود روسي في جزيرة "كيش" وسط مياه الخليج للتنقيب واستخراج النفط الإيراني، وفي تطوير حقل بارس الشمالي، وهذان الموقعان سيمكنان موسكو من متابعة تحرك جميع القطع البحرية في الخليج، بما في ذلك تلك التابعة للأسطول الخامس الأمريكي تحت مظلة التعاون الاقتصادي والتقني مع إيران.

على صعيد آخر، نجح الرئيس بوتين في إقناع أردوغان بموقف روسيا ومطالبها بشأن قضية تصدير الحبوب الأوكرانية، والتي تمحورت حول ضرورة مشاركة روسيا في عملية تفتيش السفن القادمة للموانئ الأوكرانية لضمان خلوها من الأسلحة، وقيام السلطات الأوكرانية بإزالة الألغام التي زرعتها في البحر الأسود، ورفع العقوبات على روسيا فيما يتعلق بفتح الموانئ لاستقبال صادرات روسيا من الحبوب. وتمت ترجمة هذه التفاهمات في اتفاق اسطنبول، في 22 يوليو، بين روسيا وأوكرانيا وتركيا والأمم المتحدة لفك الحصار المفروض على صادرات الحبوب والأسمدة الأوكرانية من موانئ البحر الأسود وتوفير ممرات آمنة لها، ومعها صادرات الحبوب الروسية. 

خامساً: ممارسة ضغط منضبط 

تمارس موسكو نوعاً من الضغط المحكوم على القوى الإقليمية التي تتبع سياسات غير ودية تجاه روسيا متأثرة بالضغوط الأمريكية. ففي مواجهة ما اعتبرته موسكو مواقف غير بناءة من جانب إسرائيل وانتقادها السياسة التي تنتهجها تل أبيب في الأشهر الأخيرة، بما في ذلك موقفها من الوضع في أوكرانيا، ودعمها لنظام كييف، بدأت السلطات الروسية في اتخاذ إجراءات قانونية لتصفية منظمة "سخنوت" اليهودية للهجرة في روسيا واستبعادها من سجل الدولة الموحد للكيانات القانونية للمنظمات غير الربحية المستقلة. و"سخنوت" هي فرع للوكالة اليهودية الأم التي تعنى بضمان العلاقات بين اليهود حول العالم، وكذلك قضايا الهجرة اليهودية إلى إسرائيل، وقد تأسست عام 1929، وتعمل المكاتب التمثيلية لها في روسيا منذ عام 1989. 

وعلى صعيد آخر، سبق أن قامت بطارية روسية بإطلاق النار على طائرات سلاح الجو الإسرائيلي لأول مرة خلال تنفيذها هجوماً في سوريا، ويعتبر تفعيل بطاريات S-300 التي قامت روسيا بتوريدها لسوريا أكثر ما يقلق تل أبيب وكانت محور المباحثات الروسية الإسرائيلية منذ عام 2018. هذا إلى جانب الدعم الروسي المتواصل للقضية الفلسطينية وضرورة إقامة الدولة الفلسطينية والتنديد بالانتهاكات الإسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني. ولكن تظل هذه مجرد أوراق يتم التلويح بها حيث تحرص موسكو على أن تبقى هذه الضغوطات تحت السيطرة ولا تشيع أجواء تصعيدية على مجمل العلاقات مع إسرائيل.

إن روسيا تدرك محورية الشرق الأوسط في النظام العالمي الجديد، وتعمل على الارتقاء بشراكتها مع كل دول المنطقة في مختلف المجالات على أساس من المصالح المشتركة، والاحترام المتبادل، وضمان الأمن والاستقرار للجميع.