اقترحت مجموعة السبع (G7) مؤخراً فرض حد أقصى لأسعار صادرات النفط والغاز الروسيين للأسواق الدولية، في ظل محاولاتها للحد من الإيرادات الروسية، وإجبار موسكو على وقف حربها في أوكرانيا. وتستهدف الآلية المُقترحة تسهيل خدمات التأمين والشحن لشحنات النفط والغاز الروسيين، لطالما تم الالتزام بسعر دولي مُحدد. ويحاول الغرب تلافي أخطاء حزم العقوبات السابقة المفروضة على الاقتصاد الروسي، حيث تمكنت موسكو، بالرغم من الضغوط الغربية، من دعم استقرار اقتصادها وعُملتها بفضل نمو الإيرادات الحكومية من النفط والغاز الطبيعي مع ارتفاع أسعار الخامين دولياً.
بيد أن نجاح هذا المُقترح سيتوقف على عدد من المُحددات؛ منها وحدة المواقف الأوروبية تجاهه، وكذلك الموقفين الصيني والهندي إزائه. ولا يمكن أيضاً إغفال أهمية رد الفعل الروسي، حيث إنه ليس مُستبعداً أن تغامر موسكو بقطع مزيد من إمدادات النفط والغاز إلى أوروبا حال وضع سقف سعر على صادراتها.
آلية مُحتملة:
ناقشت مجموعة السبع في اجتماع يونيو الماضي وضع آلية جديدة لكبح عائدات صادرات الطاقة الروسية، والتي قفزت بشكل كبير مع الارتفاع المُستمر لأسعار النفط والغاز الطبيعي منذ بداية الحرب الأوكرانية، وذلك على عكس طموحات الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بتقويض الاقتصاد الروسي. ومن المُحتمل أن ترتكز الآلية المُقترحة على افتراضات بعينها، على النحو التالي:
1- وضع سقف لعائدات التصدير الروسية: على الأرجح أن يُسمح للمستهلكين في العالم بمواصلة الحصول على الإمدادات الروسية من النفط والغاز الطبيعي لطالما تم الالتزام بسعر دولي مُحدد مُسبقاً من قِبل الغرب؛ أي بمعنى فرض سقف للحصيلة المالية التي تتلقاها موسكو من صادرات الطاقة.
2- تغطية تكاليف الإنتاج: ينبغي أن تكون أسعار الصادرات الروسية بطبيعة الحال أعلى من تكاليف الإنتاج، لكن من دون أن تُمكن موسكو من تحقيق عائدات مالية كبيرة. وجدير بالذكر أن نقطة التعادل المالي (تعادل الإيرادات والنفقات) لشركات النفط الروسية تتراوح بين 10 إلى 15 دولاراً للبرميل، وفق صندوق النقد الدولي. ومعنى ذلك أن الشركات الروسية ستظل في مركز مالي إيجابي حتى مع الانخفاض الشديد لأسعار النفط، بينما تحقق الميزانية الروسية نقطة تعادلها المالي عند مستوى سعر للبرميل يتراوح بين 60 و70 دولاراً.
3- الربط مع خدمات التأمين: تقوم الآلية المُقترحة على السماح للشركات الغربية بتقديم خدمات الشحن والتأمين لنقل النفط والغاز الروسيين، لطالما كانت الشحنات المنقولة مُلتزمة بسقف سعري مُحدد. ومن ثم، لا يمكن لشركات الشحن أو المُستوردين الحصول على الشحنات الروسية إلا إذا التزموا بالسعر الأقصى المُحدد للنفط أو الغاز.
دوافع المُقترح:
تتعدد الأسباب التي دفعت الولايات المتحدة والدول الأوروبية لطرح مُقترح وضع سقف لأسعار صادرات الطاقة الروسية، وأبرزها ما يلي:
1- الحظر غير الفعّال على موسكو: طبقت الولايات المتحدة وكندا في بداية الحرب الأوكرانية، حظراً على استيراد النفط الروسية، وتبع هذه الخطوة قرار آخر للاتحاد الأوروبي بحظر شحنات النفط الروسي المنقول بحراً بدءاً من ديسمبر المُقبل والوقود المُكرر بحلول أوائل عام 2023. وهذه الإجراءات لم تثبت فاعليتها للحد من عائدات الصادرات الروسية، حيث ظلت شحنات النفط والغاز الروسية تتدفق إلى الأسواق الدولية، مع توجيهها إلى الأسواق الآسيوية وحتى بعض الأسواق الأوروبية خاصةً ألمانيا.
2- إيجاد روسيا أسواقاً بديلة: عوضت موسكو إحجام بعض المُشترين الأوروبيين عن شراء النفط الروسي من خلال توجيه مزيد من الشحنات لكل من الصين والهند، مع تقديم خصومات لمصافي النفط هناك بمستوى قدره 30 دولاراً للبرميل دون الأسعار السائدة في الأسواق؛ مما دفع واردات البلدين من النفط الروسي إلى الارتفاع بشكل كبير خلال الأشهر الثلاثة الماضية. وقفزت صادرات النفط الروسي للصين بنسبة 55% إلى 1.9 مليون برميل يومياً في مايو 2022 مقارنةً بشهر مايو من العام الماضي.
3- نمو عائدات قطاع الطاقة الروسي: لا توجد مؤشرات تؤكد أن العقوبات الغربية تسببت في حدوث انخفاض في العائدات الروسية من الطاقة، على نحو يُؤلمها اقتصادياً ويُجبر موسكو على إعادة التفكير في الحرب الأوكرانية. فعلى الرغم من أن انخفاض إمدادات الطاقة الروسية (بما فيها الغاز) إلى المستهلكين خاصةً في أوروبا، فإن الارتفاع الحاد في الأسعار العالمية كان كافياً للحفاظ على عائداتها المالية مُستقرة نسبياً. ويُقدر المركز الفنلندي لأبحاث الطاقة والهواء النظيف (Centre for Research on Energy and Clean Air)، أن عائدات صادرات النفط والغاز والفحم الروسية بلغت نحو 880 مليون يورو (بما يُعادل 917.5 مليون دولار) شهرياً منذ مارس وحتى مايو 2022، وأقل فقط بنسبة 20% من متوسط قدره 1.1 مليار يورو في يناير وفبراير الماضيين.
4- تحديات فرض تعريفات جمركية على الطاقة الروسية: اقترح المسؤولون الأوروبيين في بداية الحرب الأوكرانية فرض تعريفات جمركية على واردات الطاقة الروسية، وهو إجراء من شأنه أن يزيد تكاليف استيراد الطاقة من الخارج، لطالما كان المشترين الأوروبيين غير قادرين على إيجاد مصادر بديلة، وهو الوضع القائم لسوقي النفط والغاز العالميين، حيث يوجد عجز بمعروض الخامين. ومما لا شك فيه أن التعريفات الجمركية ستجعل المستهلكين الأوروبيين، وليس موسكو، يتحملون أعباءً سياسة "الرسوم الجمركية".
مُحددات التطبيق:
يتوقف نجاح مُقترح فرض سقف أسعار على صادرات الطاقة الروسية، على عدة اعتبارات، يمكن إيجازها على النحو التالي:
1- وحدة الموقف الأوروبي: لا يُمكن أن تعمل آلية سقف الأسعار من دون موافقة أو إجماع دول الاتحاد الأوروبي على تمريرها، وسيقتضي ذلك أيضاً منها إعادة صياغة حزم العقوبات الاقتصادية المُطبقة على روسيا، بما في ذلك حظر شحنات النفط وخدمات التأمين والشحن البحري المُتعلقة بها. ويشكك بعض المراقبين في قدرة الدول الأوروبية على التوصل لإجماع بشأن تطبيق تلك الآلية، فالأمر ليس يسيراً، وقد يستغرق وقتاً طويلاً.
ومنذ اندلاع الحرب الأوكرانية، تباينت مواقف البلدان الأوروبية بشأن حظر النفط الروسي؛ فعلى جانب تدفقات الغاز، وافقت بعض الدول على تسوية معاملات الغاز بالروبل الروسي، فيما رفضت دول أخرى هذا الأمر. علاوة على ذلك، لن ترغب بعض الدول الأوروبية في تصعيد موقفها السياسي والاقتصادي ضد موسكو؛ خشيةً قيام الأخيرة بقطع إمدادات الغاز بشكل كامل عن القارة.
2- موقف القوى الآسيوية: يشكل وضع سقف على أسعار صادرات الطاقة الروسية فرصة للمستهلكين في آسيا، خاصةً الصين والهند، في الحصول على إمدادات الطاقة بأسعار رخيصة وسط تضرر اقتصاداتهم من الارتفاع المُتوالي لأسعار الطاقة في الفترة الماضية. فحتى إذا كانت بكين ونيودلهي تحصل حالياً على النفط الروسي بأسعار أقل من السوق عند مستوى قدره 70 أو 80 دولاراً للبرميل، فمع تطبيق الآلية الجديدة ستتراجع أسعار الخامات الروسية بشكل أكبر، وهو ما يُعد مكسباً كبيراً للقوتين الآسيويتين.
3- فرض عقوبات على المُخالفين: تشير بعض الترجيحات إلى أن تطبيق الآلية المُقترحة قد يقتضي من مجموعة السبع التهديد بفرض غرامات مالية على شركات الشحن البحري أو التأمين الدوليتين، أو حتى الدول التي لن تلتزم بسقف أسعار إمدادات الطاقة الروسية؛ ما يعني أن من ينتهك الآلية الجديدة سيتعرض لمخاطر مالية كبيرة. وأحد الإجراءات المُقترحة الأخرى لتطبيق تلك الآلية، هو إيداع عائدات موسكو من النفط والغاز في حسابات بنكية خارجها، ومقايضتها بالسلع الأساسية التي تحتاجها روسيا، وهو الإجراء الذي قد تعتبره موسكو تصعيداً غربياً كبيراً بشأنها؛ مما قد يدفعها إلى تصعيد سياسي وعسكري مُضاد.
4- مراعاة خطر قطع إمدادات الطاقة الروسية: يتمثل الخطر الأكبر من تطبيق آلية سقف الأسعار في اتخاذ روسيا إجراء مُضاد مثل قطع مزيد من تدفقات النفط والغاز إلى أسواق الاستهلاك في أوروبا. ورداً على مُقترح مجموعة السبع، أشارت شركة "غازبروم" الروسية إلى أنها قد تسعى إلى مراجعة عقود التسليم إذا طبقت الدول الغربية سقفاً لأسعار الغاز الروسي.
وبالتالي لا يوجد ضمان بأن روسيا ستوافق على شحن النفط أو الغاز بأسعار مُحددة، خاصةً إذا كان الحد الأقصى قريباً من نقطة تعادل الميزانية الروسية؛ بل على العكس قد تقوم موسكو بتقليص شحنات الغاز إلى الأسواق الأوروبية، مما سيلحق الضرر باقتصادات الأخيرة بشكل أكبر، حيث سيدفع الصناعات كثيفة الاستهلاك للطاقة إلى نقطة الانهيار، الأمر الذي حذر منه المسؤولون الأوروبيين في الفترة الأخيرة.
ختاماً، تدرك موسكو جيداً أن لديها سلاح للطاقة قوي التأثير، وأن أية محاولات غربية لتقويض عائداتها المالية من النفط والغاز الطبيعي عبر آلية سقف الأسعار المُقترحة، سيتم الرد عليها من خلال خفض إمدادات النفط والغاز الروسيين إلى الأسواق الأوروبية؛ الأمر الذي سيصب في مصلحة موسكو بنهاية المطاف، حيث ستقفز أسعار الطاقة في هذه الحالة بشكل قوي، وستجني الحكومة الروسية عائدات مالية قياسية.