أعلن زعيم تحالف الفتح، هادي العامري، في 11 يوليو، انسحابه من المشاركة في الحكومة الجديدة، وذلك في الوقت الذي أعلن قيس الخزعلي، زعيم عصائب أهل الحق، في اليوم نفسه، رفضه الصريح لبقاء حكومة تصريف الأعمال التي يترأسها مصطفى الكاظمي، بينما أكد زعيم تيار الحكمة ورئيس تحالف قوى الدولة، عمار الحكيم، على وجود عناصر إيجابية في حكومة الكاظمي، داعياً إلى استمرارها، وهو ما يؤشر على تصاعد الخلافات والانقسامات بين مكونات الإطار التنسيقي، خاصة أن الخزعلي والحكيم يعدان من القوى المنضوية داخل التنسيقي.
عوائق قائمة:
يواجه التنسيقي عدة تحديات لتشكيل الحكومة الجديدة، على الرغم من انسحاب التيار الصدري، وتمكن قوى الإطار من زيادة مقاعدها إلى حوالي 130 نائباً، وهو ما يمكن تفصيله على النحو التالي:
1- انسحاب الفتح من التنسيقي: أعلن زعيم تحالف الفتح، هادي العامري، في 11 يوليو، انسحابه من المشاركة في الحكومة الجديدة، مرجعاً ذلك إلى خلافات داخل الإطار التنسيقي (130 نائباً) حول الأسماء المطروحة لتولي رئاسة الحكومة الجديدة، والتي يثار كلام عن تورطها في ملفات فساد وتهم ودعاوى قضائية، فضلاً عن مخاوفه من قصر عمر الحكومة بسبب "تشكيلها من دون التيار الصدري". ويكشف موقف الفتح عن حجم الخلافات داخل التنسيقي.
وعلى الرغم من ذلك، فقد شدد العامري على ضرورة "حفظ وحدة التنسيقي"، ومؤكداً على أنه سيقوم بتقديم الدعم والمساندة "لأي مرشح يتفق عليه الأخوة في الإطار رغم قرارنا عدم المشاركة في أي حكومة مستقبلية". ويمتلك الفتح حوالي 31 نائباً في البرلمان، وذلك بعد انسحاب نواب التيار الصدري، واستبدالهم بآخرين.
ويعكس قرار الفتح إما إدراكه أن حكومة التنسيقي الجديدة، في حالة نجاح تشكيلها، سوف يكون عمرها قصير الأجل، ولذلك فضل النأي بنفسه عنها، استعداداً للاستحقاقات الانتخابية المقبلة، أو أنه يسعى للحفاظ على وحدته، خاصة بعدما أشارت مصادر إلى أن كتلة بدر، وعدد نوابها 16 من أصل 31 نائباً، في تحالف الفتح، قد تلتحق بالتيار الصدري وتنسحب من العملية السياسية في حالة إخفاق التوافق على شخصية رئيس الوزراء.
2- استمرار التباين حول رئيس الوزراء: اندلعت خلافات بين قوى الإطار التنسيقي حول شخصية رئيس الوزراء، خاصة بعدما سعى رئيس الوزراء الأسبق، نوري المالكي، لإعادة تسويق نفسه لتولي المنصب بعد انسحاب التيار الصدري من المشهد السياسي، وهو ما يعارضه عدد من قيادات القوى المنضوية داخل الإطار التنسيقي، خاصة هادي العامري والخزعلي وقيادات أخرى.
وتخشى هذه القوى أن يؤدي تكليف المالكي بمهمة تشكيل الحكومة إلى استفزاز زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، نظراً للخلافات التاريخية العنيفة بين الجانبين، الأمر الذي قد يدفعه لتحريك الشارع ضد الحكومة، ويكرر سيناريو اقتحام المنطقة الخضراء عام 2016 إبان حكومة حيدر العبادي، كما أن هناك تحفظ سابق لمرجعية النجف على المالكي، خاصة أنه أثناء فترة رئاسته للحكومة تمكن داعش من السيطرة على مناطق واسعة في العراق، بسبب ضعف القوات الأمنية العراقية في ظل المالكي، فضلاً عن اتباعه سياسة إقصائية ضد العرب السنة والأكراد.
وتدخل ضمن الأسماء المرشحة لرئاسة الحكومة اسم مستشار الأمن القومي العراقي الحالي، قاسم الأعرجي، خاصة أن لديه علاقة جيدة مع مختلف الأطراف السياسية في البلاد، إلى جانب اسم محمد شياع السوداني، الوزير السابق وعضو حزب "الدعوة"، كما يطرح على نحو أقل اسم حيدر العبادي للمنصب ذاته، ومحافظ البصرة أسعد العيداني، ووزير الرياضة الأسبق عبد الحسين عبطان. ووفقاً لمصادر داخل الإطار، فإنه لم يتم بعد الاتفاق على مناقشة اسم رئيس الوزراء من بين الأسماء المرشحة بعد.
وعلى الرغم من أن المالكي قد استفاد من انسحاب الصدر بحصوله على خمس مقاعد إضافية، ليرتفع عدد نوابه في البرلمان العراقي إلى حوالي 38 نائباً، فإن تحالف الفتح قد ارتفع عدد مقاعده هو الآخر من 12 إلى 31 نائباً، وكذلك ارتفع عدد نواب قوى الدولة الوطنية من 4 إلى 11، وهو ما يعني أن القوى الرافضة لترشيح المالكي تمتلك هي الأخرى عدد مناسب من الأصوات، التي تؤهلها لمنعه من الفوز بترشيح الإطار التنسيقي.
3- تحفظ الديمقراطي الكردستاني: وضع الحزب الديمقراطي الكردستاني عدداً من المبادئ الأساسية للمشاركة في الحكومة المقبلة، وهي التوافق والشراكة والتوازن، بالإضافة إلى حل المشاكل العالقة بين بغداد وأربيل، والتي يتقدمها حسم ملف الأمن والغاز، خاصة بعدما تعهدت شركات خدمات حقول النفط الأمريكية "شلمبرغر" و"بيكر هيوز" و"هاليبرتون"، في 4 يوليو، بأن تمتثل لحكم أصدرته المحكمة الاتحادية العليا، وأن تنسحب من إقليم كردستان العراق. ونظراً لأن هذا التطور يصب في مصلحة الحكومة الاتحادية، فإنه من غير المتوقع أن تقدم أي من الأحزاب الشيعية مثل هذا التنازل للأكراد، وهو ما يجعل هناك حاجة للتوصل إلى حل وسط حول هذا الأمر.
ومن جهة أخرى، فإن الديمقراطي الكردستاني يريد ضمانات بإنهاء هجمات ميليشيات إيران على إقليم كردستان العراق، خاصة حقول النفط والغاز، فضلاً عن حصر السلاح بيد الدولة، وإنهاء وجود قوات خارجة عن إدارة القوات الرسمية في المناطق المتنازع عليها، خاصة كركوك والموصل وغيرهما، أي إخراج ميليشيات الحشد الشعبي من هذه المناطق، وهو الأمر الذي قد يكون فرص تحقيقه صعبة.
وعلى الجانب الآخر، أشار النائب عن الكردستاني، محما خليل، إلى أن القوى السياسية سيكون لها رأي بشأن أي شخصية يرشحها الإطار التنسيقي لرئاسة الوزراء، فهذا الملف يجب أن تناقشه كل الأطراف السياسية، لمعرفة قدرة هذه الشخصية على تنفيذ البرنامج الحكومي، وتطبيق فقرات الدستور العراقي، وتحقيق التوازن والشراكة الحقيقية خلال المرحلة المقبلة، وهو ما يعكس وجود تحفظ لدى الكردستاني على نوري المالكي، وذلك بسبب مواقفه السابقة المعادية لإقليم كردستان العراق، إذ إنه لم ينكص فقط عن الوعود التي قطعها للإقليم عند توليه رئاسة وزراء العراق في 2010، بل عمد إلى فرض حصار مالي على الإقليم.
4- الخلاف حول منصب الرئيس: لايزال الخلاف حول شخصية رئيس الدولة إحدى الخلافات الرئيسية، التي تعوق تشكيل الحكومة الجديدة، وقد أكد التنسيقي أنه يفضّل مرشحاً كردياً واحداً متفق عليه لرئاسة الجمهورية في العراق، وهو الأمر الذي يبدو فرصه معدومة، في ظل إصرار الاتحاد الوطني الكردستاني، حليف التنسيقي، على أن يتولى مرشحه الرئيس الحالي برهم صالح رئاسة العراق، في حين أن الحزب الديمقراطي يتمسك بمرشحه لرئاسة العراق ممثلاً في وزير داخلية الإقليم، ريبر أحمد.
ومن جهة أخرى، فإن التنسيقي لا يستطيع أن يغامر بفقد دعم الاتحاد الوطني الكردستاني، ليس فقط لوجود تحالفات بينهما عقب ظهور نتائج الانتخابات الأخيرة، ولكن نظراً لأن الاتحاد يتبنى مواقف أقل تشدداً من الديمقراطي الكردستاني، في القضايا المختلف عليها بين بغداد وأربيل.
5- شروط صعبة للمكون السني: هناك صعوبات قائمة في التوافق بين تحالف السيادة والتنسيقي. ونظراً لأن القوى الشيعية يغلب عليها القوى الموالية لإيران، فإن السيادة يرغب في الحصول على تنازلات من التنسيقي قبل الدخول في أي مفاوضات رسمية، والتي من أهمها الملفات المتعلقة بالحقوق والانتهاكات في مناطق شمال وغرب البلاد، وملفات النازحين وإعمار المدن، والكشف عن مصير المغيبين، وتعويض الأهالي المدمرة منازلهم، وملف الاعتقالات والسجون، إلى جانب إعادة النظر في التوازن الحالي داخل مؤسسات الدولة، الأمنية والخدمية على حد سواء.
ولا شك أن هذه المفاوضات ستتعقد في حالة توافق التنسيقي على نوري المالكي باعتباره رئيس وزراء العراق القادم، خاصة أنه سبق وأن قام بإقصاء السياسيين السنة، كما أنه نكص عن وعوده بإدماج عناصر الصحوات التي حاربت تنظيم القاعدة في الأجهزة الأمنية العراقية، بل ولم يعبأ باستهدافها من قبل عناصر التنظيم.
سيناريوهات معقدة:
انطلاقاً مما سبق، وفي إطار جملة التحديات التي تشهدها العملية السياسية العراقية، يمكن الاشارة إلى أبرز المسارات المحتملة، وذلك كما يلي:
1- نجاح المالكي في تشكيل الحكومة: يفترض هذا السيناريو نجاح المالكي في تشكيل الحكومة العراقية، وذلك بعد تدخل من جانب إيران للضغط على مكونات التنسيقي كافة من أجل دعم ترشح المالكي، غير أن هذا السيناريو محفوف بالمخاطر، ليس فقط لوجود تحفظات من جانب السيادة والديمقراطي الكردستاني على شخصه، ولكن كذلك لافتقاده الدعم من قبل المرجعية الشيعية في العراق، إلى جانب حقيقة أن هذه الخطوة قد تدفع الصدر إلى حشد أنصاره في الشوارع، خاصة بعدما أصدر تصريحات، في 10 يوليو، على تويتر قال فيها "إن العراق أضحى أسيراً للفساد والتبعية والتدخلات الخارجية"، وهو ما ينذر بانهيار هذه الحكومة في حالة تشكيلها من الأساس.
2- تشكيل حكومة مؤقتة: يعاني التنسيقي خلافات بين مكوناته، وهو الأمر الذي دفع البعض داخله إلى الدعوة لتشكيل حكومة خدمية مصغرة، والاتفاق على موعد محدد لحل البرلمان الحالي والذهاب للانتخابات الجديدة بعد عامين، أي في عام 2024، وإن كان من الملاحظ أن هذا السيناريو سوف يواجه برفض من قبل نوري المالكي، زعيم ائتلاف دولة القانون، حيث يتمسك بفكرة تشكيل الحكومة في أسرع وقت ممكن، على أن يكون هو رئيسها.
3- إخفاق جهود تشكيل الحكومة: يمكن أن يتحقق هذا السيناريو بإحدى طريقتين، وهما:
أ- تفعيل الثلث المعطل: يقوم هذا السيناريو على توافق التنسيقي على طرح نوري المالكي كرئيس للوزراء، بدعم من إيران، وهو الأمر الذي يثير قلق الحزب الديمقراطي الكردستاني وتحالف السيادة، ويدفعهما للتراجع عن دعم الحكومة الجديدة، من خلال تفعيل الثلث المعطل أمام تشكيل أي حكومة يسعى إليها التنسيقي، ويمتلك السيادة والحزب الديمقراطي الكردستاني ما يقترب من 73 مقعداً، وهو ما يقل عن الثلث المعطل، والمقدر بحوالي 110 نواب، غير أن وجود كتلة من المستقلين، تقدر بحوالي 34 نائباً، إلى جانب حركة امتداد، والتي تمتلك 16 نائباً، قد يجعل من إمكانية الوصول إلى الثلث المعطل أمراً غير مستبعد.
ويعني ذلك أن التنسيقي قد يتعرض لنفس المأزق الذي سبق وواجهه تحالف إنقاذ وطن، حيث يتعين على الإطار الحصول على 220 مقعداً لضمان التصويت على اختيار رئيس الوزراء وفقاً لقرار المحكمة الاتحادية العليا في مارس الماضي، والتي فسرت نصاب جلسة اختيار الرئيس بأنها تحتاج إلى ثلثي نواب البرلمان.
ب- تفكك الإطار التنسيقي: يتوقف نجاح هذا السيناريو على تمسك نوري المالكي بتشكيل الحكومة القادمة، بينما يرفض باقي قوى الإطار ذلك الأمر، خاصة هادي العامري. ونظراً لهذه التباينات، فقد ينسحب عدد من الكتل المنضوية في التنسيقي، بما يجعل من الصعب على المالكي تشكيل الحكومة القادمة.
4- تشكيل حكومة توافقية: قد تنجح قوى التنسيقي في إقناع المالكي بالتراجع عن الترشح لرئاسة الحكومة القادمة، وطرح اسم شخصية توافقية، لا تستفز مقتدى الصدر، وتلقى قبولاً لدى الأكراد والسنة. وقد يكون أحد الأسماء المطروحة هو رئيس الوزراء العراقي، مصطفى الكاظمي، وإن كان من الواضح أن هناك قوى داخل التنسيقي ترفض ترشيحه، خاصة تلك التي تمتلك ميليشيات عسكرية.
وفي الختام، لا يزال الإطار التنسيقي يواجه تحديات في تشكيل الحكومة العراقية القادمة، على الرغم من انسحاب التيار الصدري، إذ إنه لم يتمكن من حسم مرشحه لرئاسة الوزراء، ناهيك عن التوصل لتفاهمات مع السنة والأكراد حول القضايا الخلافية، كما أن احتمال أن يشهد العراق موجة جديدة من الاحتجاجات الشعبية الواسعة لايزال أمراً مرجحاً، وهو ما قد يعني إمكانية اللجوء إلى انتخابات مبكرة، وهو ما سيكون سابقة في تاريخ العراق السياسي بعد الاحتلال الأمريكي للعراق.