أخبار المركز
  • أسماء الخولي تكتب: (حمائية ترامب: لماذا تتحول الصين نحو سياسة نقدية "متساهلة" في 2025؟)
  • بهاء محمود يكتب: (ضغوط ترامب: كيف يُعمق عدم استقرار حكومتي ألمانيا وفرنسا المأزق الأوروبي؟)
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)

مقاومة بنجشير:

هل تفشل طالبان في إحكام سيطرتها على كامل أفغانستان؟

30 أغسطس، 2021


تمكنت حركة طالبان من دون عناء كبير من السيطرة على جميع الأقاليم الأفغانية باستثناء إقليم واحد، هو بنجشير، المعروف محلياً بوادي بنجشير، في شمال وسط البلاد، ويؤكد قادتها، وتحديداً أحمد مسعود، نجل أمير الحرب، أحمد شاه مسعود، وأمر الله صالح، نائب الرئيس الأفغاني السابق، أنهم لن يستسلموا لطالبان. 

خصوصية وادي بنجشير:

ثمة أسباب تجعل بنجشير عصية عن السقوط في يد حركة طالبان، وهو ما يمكن توضيحه في التالي: 

1- صعوبة السيطرة على بنجشير: على الرغم من استيلاء حركة طالبان على 33 ولاية من أصل 34 ولاية أفغانية خلال شهري يوليو وأغسطس 2021، تبقى ولاية وادي بنجشير استثناءً، إذ لم تحاول قوات طالبان الدخول إلى هذا الوادي، البالغ مساحته 3610 كيلومترات، وهو ما يرجع إلى سهولة الدفاع عنها بسبب تضاريسها الجغرافية، إذ تحيط بالوادي سلسلة جبال "هندو كوش"، والتي تعمل كخط دفاع طبيعي ضد التوغلات الخارجية، مع وجود نقطة وصول واحدة فقط عبر ممر ضيق أنشأه نهر بنجشير.

وبسبب هذه الطبيعة الجبلية الوعرة، فإنه لم يتم الاستيلاء عليها من قبل أي قوة خارجية، فقد كانت المنطقة بمنأى عن الإمبراطورية البريطانية أثناء محاولتها غزو أفغانستان خلال القرن التاسع عشر، وفشل السوفييت في الاستيلاء عليها في الثمانينيات من القرن العشرين، كما فشلت حركة طالبان في السيطرة عليها خلال التسعينيات.

ومن جهة أخرى، تحتل ولاية بنجشير موقعاً استراتيجياً مميزاً لمن يحكم قبضته عليها، إذ تقع على بُعد 150 كيلومتراً شمال كابول، ومن ثم تُعد المدخل الشمالي للعاصمة الأفغانية. كما أنها تقع بالقرب من الطريق الدولي الذي يربط كابول بشمال البلاد. 

2- محاولة أحمد مسعود السير على خطى والده: يسعى أحمد مسعود إلى تقديم نفسه على أنه امتداد لوالده، أحمد شاه مسعود، الذي تمكن من مقاومة السوفييت وطالبان خلال العقدين الأخيرين من القرن الماضي. فقد شكل شاه مسعود "تحالف الشمال"، وهو ائتلاف من القوات الأوزبكية والطاجيكية، ونجح في التصدي لهجمات طالبان على وادي بنجشير في التسعينيات، وتحولت الولاية إلى ملاذ آمن للقوات الحكومية عقب استيلاء عناصر طالبان على كابول في سبتمبر 1996. ونجح مسعود، المعروف باسم "أسد بنجشير، "في مقاومة طالبان حتى اُغتيل على يد عناصر تنظيم القاعدة قبل يومين من هجمات 11 سبتمبر 2001. 

3- مناهضة الطاجيك لطالبان: تقطن ولاية بنجشير أغلبية من عرقية الطاجيك، المناهضة لحركة طالبان، لأسباب عرقية وتاريخية، ويعتقدون أن طالبان، الذين ينتمون في أغلبيتهم إلى إثنية الباشتون سوف يسعون للهيمنة على كامل أفغانستان، بالإضافة إلى الانتقام منهم، بسبب دورهم في مناهضة طالبان على مدار سنوات. وفي ضوء ذلك، لجأت قيادات سياسية وعسكرية في الحكومة الأفغانية السابقة إلى الاحتماء بها، أمثال نائب الرئيس الأفغاني السابق، أمر الله صالح، ووزير الدفاع الجنرال بسم الله محمدي، وغيرهم. 

4- امتلاك قدرات عسكرية جيدة: تشير التقديرات إلى أن بنجشيبر تمتلك 20 قاعدة عسكرية، كما أنها استقبلت قرابة 10 آلاف مقاتل أفغاني، من الذين فروا من العاصمة كابول، ومدينتي مزار شريف وقندوز الشماليتين، وبالتالي، فإن تمركز مقاتلي الولاية مع القوات الأفغانية التي لم تستسلم لطالبان ربما يؤهلها لتحقيق انتصار عسكري في مواجهة طالبان. 

خيارات الحرب والسلام 


حشدت طالبان المئات من المقاتلين حول بنجشير، وأمهلت "مسعود" أربع ساعات قبل بدئها باقتحام الولاية، غير أن أحمد مسعود رفض الاستسلام، وتراجعت طالبان عن اقتحام الولاية، إدراكاً منها عن صعوبة اقتحامها في ضوء الخبرة التاريخية السابقة، وتمركز الآلاف من القوات الأفغانية المناهضة لطالبان، في بنجشير، ولذلك فضلت طالبان فرض حصار على المنطقة، في محاولة للضغط من أجل استسلام المتحصنين هناك.

في هذا السياق، تتمثل الخيارات المتاحة أمام قادة في المسارين التاليين: 

1- الخيار العسكري: نجحت مقاومة بنجشير في السيطرة على أربع مقاطعات، وهم: ديه صالح (Dih Saleh)، وأندراب (Andarab) وبولي حصار (Puli Hisar) في مقاطعة بغلان الشرقية، وكذلك شاريكار (Charikar) في ولاية باروان، وهذه السيطرة تمنح مقاومة بنجشير المزيد من المؤيدين والموارد.

وتفرض طالبان حالياً حصاراً على المنطقة، حتى لا تسيطر على مزيد من الأراضي. وقد تتمكن بنجشير من الصمود، غير أن هذا الأمر يتطلب حصولها على الدعم العسكري الأجنبي، فضلاً عن توسيع قاعدة سيطرتها للوصول إلى الحدود الأفغانية الشمالية.

وناشد أحمد مسعود دعم المجتمع الدولي في مقالة نشرها في صحيفة الواشنطن بوست في 18 أغسطس 2021، لمواجهة طالبان كما فعل والده، مؤكداً أنه "إذا شنّت طالبان هجوماً، فسيواجهون بالطبع مقاومة شديدة من التحالف الشمالي، ولكن قواتنا العسكرية ولوجستياتنا لن تكون كافية، سوف يتم استنفادها بسرعة ما لم يجد أصدقاؤنا في الغرب طريقة لتزويدنا بها من دون تأخير".

وعلاوة على ذلك، طالب مسعود دعم الولايات المتحدة، محذراً أنه في حال سيطرة طالبان على كامل أفغانستان، فإنها ستصبح بلا شك نقطة الانطلاق للإرهاب الإسلامي المتطرف. وفي ضوء ما سبق، فإن نجاح المسار العسكري سيكون مرهوناً بمدى مساعدة الغرب، لاسيما الولايات المتحدة في دعم قوات التحالف الشمالي، وليس من الواضح بعد ما الذي يخطط البنتاجون لفعله، بعد أن خصص مبلغ 3,3 مليار دولار للجيش الأفغاني السابق.

ويشير الخبراء العسكريون إلى وجود أربع إشكاليات تحول دون نجاح التحالف الشمالي حال استمراره من دون دعم خارجي: 

‌أ- معضلة قيادة المقاومة: مازال التحالف يسيطر على نسبة ضئيلة من مساحة أفغانستان، وذلك على النقيض من والده أحمد شاه مسعود، كما أنه لا توجد أي مؤشرات تعكس قوة أحمد مسعود، إذ ليس له موقع رسمي في النظام، ولا يحظى بشعبية قوية خارج بنجشير.

ومن جهة أخرى، قد ينشب صراع بين مسعود وصالح، والذي أعلن نفسه رئيساً مؤقتاً للبلاد بعد هروب غني خارج أفغانستان، ومن غير الواضح، إذا ما كان هناك اتفاق بين الجانبين على من سيدير جهود الحرب ومفاوضات السلام، أم لا.

‌ب- الأسلحة الأمريكية لدى طالبان: استولى مقاتلو حركة طالبان على أسلحة ومعدات عسكرية أمريكية، تفوق في قدرتها ما تمتلكه مقاومة التحالف الشمالي، ويشير تقرير استخباراتي إلى أنه في أعقاب هجوم طالبان الخاطف على كابول، حصلت الحركة على معدات عسكرية أمريكية، منها 2000 عربة مدرعة، وحوالي 40 طائرة. وعلى الرغم من أن طالبان قد لا تتمكن من صيانة واستخدام منظومات الأسلحة المعقدة، فإن الدول الداعمة للحركة، مثل باكستان، يمكن أن تساعد الحركة في تشغيلها وصيانتها. 

‌ج- سيطرة طالبان على الشمال: تمكنت طالبان من السيطرة على كل الأقاليم الشمالية، ومنها إقليم بدخشان، وبالتالي، فإن الاستيلاء عليه من قبل حركة طالبان، يحول دون تقديم أي دعم خارجي يأتي عبر حدود أفغانستان الشمالية مع طاجيكستان وأوزباكستان.

‌د- الدعم الإقليمي لطالبان: حصلت طالبان على قبول ودعم من بعض الأطراف الخارجية مثل باكستان والصين، وفي المقابل، لم تحصل مقاومة التحالف الشمالي عن أي دعم دولي صريح حتى الآن. وتدرك مقاومة بنجشير هذه المعطيات، ولذلك، ظهر مسار آخر خلال الفترة الماضية، هو المسار التفاوضي. 

2- التسوية السلمية: أعلن أحمد مسعود في 22 أغسطس الجاري أنه يأمل في إجراء محادثات سلمية مع طالبان، وأعلن المتحدث باسم المقاومة، علي ميسم نظري، أن الجبهة مستعدة لصراع طويل الأمد، لكنها مازالت تسعى للتفاوض مع طالبان حول حكومة شاملة، مؤكداً أن شروط اتفاق سلام مع طالبان هي اللامركزية. 

وبالمثل، أعلنت طالبان، في اليوم التالي، أن الحركة تتفاوض مع المسلحين في بنجشير لتجنب الحرب وإراقة الدماء. وأكد المتحدث باسم طالبان، ذبيح الله مجاهد، أنه يُجرى حالياً محادثات سرية بين الجانبين، قد تفضي إلى اتفاق سلام بنسبة 80%، مفاده أن بنجشير قد تبقى خالية من طالبان مرة أخرى، كما كانت بين عامي 1996 و2001 عندما كانت بقية البلاد تحت حكم طالبان، وهو ما قد يجنب البلاد جولة جديدة من القتال. 

وفي التقدير، تبقى فرص المقاومة في بنجشير قاتمة، ففي حالة غياب الدعم الأجنبي، فإنها لن تتمكن من الصمود كثيراً، وتتمثل أفضل خياراتها في التفاوض مع طالبان على حكم ذاتي موسع، يكفل لها قدراً من الاستقلالية، والاتفاق على كيفية إدارة الشأن الأمني، غير أن الدخول في مفاوضات مع طالبان قد يكون محفوفاً بالمخاطر، خاصة في حالة تراجع الحركة عن التزاماتها، وهو أمر قد لا يكون مستبعداً.