يبدو أن الرئيس الإيراني الجديد لديه حس الدعابة، إذ في تصريحاته يوم الاثنين الماضي، قال إبراهيم رئيسي إنه يجب مكافأته على الدفاع عن حقوق شعبه وأمنه. وإنه، بصفته رجل قانون، «دافع دائماً عن حقوق الإنسان»، مضيفاً أن العقوبات الأميركية ضده بحجة انتهاكات حقوق الإنسان قد فُرضت عليه بسبب قيامه بعمله كقاض. من المؤكد أن رئيسي سعيد فمن صبر ظفر، ويمكن القول إنه فاز بالتزكية، هو الذي اشتهر بدمويته واستمتاعه بأحكام الإعدام على المعتقلين السياسيين والقتل الجماعي التي «زينت» اسمه وسمعته كـ«سفاح طهران» في أواخر الثمانينات من القرن الماضي.
المرشد الأعلى اختاره، ومجلس صيانة الدستور لبى باستبعاده حوالي 600 مرشح بينهم 40 سيدة ولم يبقِ إلا على 7 انسحب بعضهم قبل يوم الاقتراع. الانتخابات في إيران ليست حرة، لكن في السنوات الماضية قدم مجلس صيانة الدستور للناخبين الخيار بين المتشددين والمعتدلين، والشرط الأساسي أن يكونوا جميعاً مخلصين للنظام الإسلامي الإيراني، لكن هذه المرة، اختصرت الإجراءات لصالح رئيسي. لكن لماذا رئيسي؟ يجب أن نتذكر أن رئيس الجمهورية في إيران ليس الرجل الأول، بل المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي، الذي هو الآن في الثانية والثمانين من العمر، وتقول إحدى النظريات إنه يتم تحضير رئيسي كخليفة له، ونظرية أخرى تقول إن المرشد يفضل رئيسي على متشددين آخرين لأنه سيوافق على تغييرات مؤسساتية، فآية الله خامنئي قد يريد تغيير النظام لحماية الوضع القوي لعائلته عندما لن يكون موجوداً لحمايتهم.
على كل، النظام في قلعته والشعب يبحث عن منقذ. إن الناخبين الإيرانيين مثل كل شعوب العالم، يريدون حياة أفضل وأسهل، وهم قاطعوا لأنهم عرفوا النتيجة مسبقاً. ومن الخطأ اعتبار إيران دولة ديمقراطية بسبب إجرائها الانتخابات في موعدها، فسجلها في حقوق الإنسان رهيب حيث النظام مستعد أن يقتل الإيرانيين الذين يعارضونه.
قبل 12 عاماً من يوم الاقتراع بالتمام والكمال قُتلت ندى آغا سلطان في مظاهرات 2009 التي جاءت بمحمود أحمدي نجاد رئيساً. ولم يسمح النظام لا في عهد أحمدي نجاد أو عهد حسن روحاني لشجرة تنمو بجوار قبرها. ولكن كرّس الإيرانيون أغنية جميلة لندى ورفاقها منتشرة في جميع أنحاء البلاد. إذا راجعنا صور الذين قُتلوا على يد بلطجية النظام فسوف نرى وجوهاً شابة، جميلة، مبتسمة، وكلها أمل، وإذا راجعنا صور الحكام فسوف نراها قاسية، باردة، قاتمة، تنتظر الموت. لكن لمراجعة صور الذين قتلهم رئيسي عندما كان المدعي العام للثورة فقد نحتاج إلى أسابيع وكانوا كلهم شباباً.
قوة النظام القمعية على شعبه لا تلغي أن الإقبال لو كان كبيراً لأعطاه نوعاً من الشرعية الشعبية في بلاد حيث عدد لا يحصى من رجال الدين، والقادة العسكريين والسياسيين غير المنتخبين يتمتعون بسلطات واسعة جداً. مع فوز رئيسي الذي تلقى تهاني منافسيه وعملاء إيران خصوصاً في غزة ولبنان، وما سيعكسه انتخابه في الداخل، يمكن القول إنه يبقى مرآة للمرشد الأعلى، سياسياً وآيديولوجياً مقرباً جداً منه، وسياسته الأساسية تقوم على حماية أمن واستقرار الجمهورية الإسلامية، وبالتالي من المستبعد رؤية تغييرات جذرية على الأرض، لكن سيكون الاقتصاد من أولوياته لأن العقوبات، يضاف إليها سوء الإدارة والفساد، أغرقت الشعب الإيراني بفقر نسبته مرتفعة جداً. لكن إذا بقيت المقاطعة فلن تكون طريقه سهلة، لذلك قد يضع كل قوته وراء تجديد الاتفاق لأنه يسمح لإيران ببيع نفطها وتحسين السيولة للاستثمار في البنية التحتية، وتوفير وظائف لبعض العاطلين عن العمل، حيث النسبة غير الرسمية تزيد على 40 في المائة كما ترغب إيران في جذب الاستثمارات الخارجية، إنما يبقى السؤال أي نوع من الاتفاق.
هناك من يسأل عن أهم قضية في السياسة الخارجية، وهي مستقبل الاتفاق النووي الذي تم توقيعه عام 2015، حيث وافقت إيران بموجبه بتقليص برنامجها النووي مقابل رفع العقوبات. هذا الاتفاق في غرفة العناية الفائقة منذ أن انسحب منه الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب عام 2018 وفرض عقوبات إضافية مدمرة على إيران. من يدعمون الاتفاق يأملون في تجديده لرفع العقوبات، والولايات المتحدة تريد الانسحاب وترسيخ الاستقرار في الشرق الأوسط، رئيسي قال إنه إذا فاز فسيدعم الاتفاق.
يهم رئيسي رضا المرشد الذي وصف فوزه بالملحمي وأنه انتصار على أعداء الثورة، رغم أن عدد المقترعين كان 48 في المائة، الأقل في تاريخ الثورة، وكان رسالة إلى النظام بعدم الرضا والإحباط الذي شعر به الإيرانيون بعدما صوتوا بأغلبية لحسن روحاني عام 2017 ظناً منهم أنه سيستعمل الاتفاق النووي لرفع العقوبات، فإذا بها تتضاعف، لهذا كان الشعور بأن أصواتهم لن تغير في الأمر شيئاً، فقرروا أن يراقبوا وينتظروا ما الذي سيحدث لاحقاً. وقد لوحظ أن الأصوات التي نالها رئيسي الذي كان في الثمانينات ضمن «لجنة القتل»، هي نفسها التي نالها عام 2017 عندما كان المنافس لروحاني، إضافة إلى أصوات الذين اقترعوا للمتشددين. ويجب عدم نسيان أن عليه شخصياً عقوبات، وبالتالي كل من يتعامل معه سيتعرض لخطر العقوبات.
محسن قاليبار أستاذ العلوم الإسلامية في جامعة ديوك في الولايات المتحدة، كان مع الثورة عند ولادتها، لكنه لاحقاً انتقد النظام ودعا إلى الإصلاح ما زج به في السجن ومن ثم إلى المنفى. وصف لي الأمر بأنها انتخابات من دون منافسين. المرشد ومجلس صيانة الدستور اختارا رئيسي الأكثر تشدداً، وأنه جاء بالاختيار. أسأله لماذا أقدم المرشد على هذا الإجراء.. هل الدافع مستقبل الجمهورية الإسلامية؟ يقول: لقد حللت الوضع وأؤكد لك أن أكثر من 65 في المائة من الإيرانيين ضد إدارة خامنئي للأمور، والذين يدعمونه لا تتجاوز نسبتهم 37 في المائة. هو يريد نظاماً ثورياً، لكنه لم يستطع السيطرة وإدارة أشخاص مثل حسن روحاني أو محمد خاتمي أو معتدلين آخرين، يريد فقط شخصاً مخلصاً له وحده مثل رئيسي تلميذه المتشدد، يريد مجلس شورى مليئاً بأعضاء متشددين مثل رئيسي، وأستطيع أن أقول لك إن حسن روحاني كان آخر رئيس إيراني. بعده هناك رجال مثل إبراهيم رئيسي سيحمل اسم رئيس الجمهورية الإسلامية، لكن في الحقيقة سيكون النائب المنفذ للمرشد ولا شيء أكثر من ذلك. هذه سياسة خامنئي. عندما تديرين بلاداً يكون ثلثا شعبها ضدك، ماذا تفعلين؟ لا يمكنكِ الاعتماد على انتخابات حرة ونظيفة.
يضيف قاليبار أنه متأكد أن المرشد يدرك جيداً أن الشعب الإيراني غاضب وغير سعيد بسياسته، لكن لديه آيديولوجيته التي تمثل الإسلام المتشدد وليس الدين الإسلامي المعتدل، لذلك هو وجماعته يريدون من يؤمن ومن يحسن ويدير سياستهم، لأن مصلحة الإيرانيين ليست هدفهم، لهذا يديرون البلاد بطريقة تدمر المجتمع المدني.
ألا يتحمل روحاني أي مسؤولية وهو الذي انتخب لدورتين؟ يقول: كثيرون صوتوا لروحاني لاعتقادهم أنه سيواصل رحلة الإصلاح التي بدأها خاتمي، لكن للأسف فشل. لماذا؟ يجيب لثلاثة أسباب؛ الأول: ضعفه، بدأ بطريقة جيدة لكن بعد ذلك تخيل أنه سيكون خليفة آية الله خامنئي، ولهذا تبعه في كل مواقفه، وهذا ما أدركه كثير من الإيرانيين. لذلك لم يستطع أن يسير بالذي وعد به في البداية. السبب الثاني: إدارة ترمب التي دمرت كل أحلام حسن روحاني، إدارة ترمب دمرت الاقتصاد الإيراني والمقاطعة المتعددة القصوى التي فرضها تسببت في مشاكل ليس فقط للنظام بل لأغلبية الشعب الإيراني، لذلك يمكنني أن أقول لكِ إن إبراهيم رئيسي هو نتاج السياسة الخاطئة التي اعتمدها ترمب، تماماً كما كان محمود أحمدي نجاد نتاج إدارة الرئيس جورج بوش الابن في ذلك الوقت. أما السبب الثالث لفشل روحاني هو سياسة المتشددين في إيران من خامنئي و«الحرس الثوري» كلهم ضد روحاني لأنهم يريدون شخصاً مخلصاً لأهدافهم، ولم يكن روحاني من هذا النوع، كان معتدلاً وليس متشدداً.
لكن كيف ترى مستقبل العلاقات الإيرانية مع الغرب وبالذات أميركا، خصوصاً أن الرئيس جو بايدن عبّر عن رغبته في العودة إلى الاتفاق وتوسيع محادثاته مع إيران لتشمل تصرفاتها في المنطقة، وبرنامجها الصاروخي، هل هذا ممكن؟ يقول: سياسة إيران الخارجية بيد خامنئي وليس الرئيس. المرشد لم ولن يتغير، الرئيس فقط يتغير، رئيسي حل محل روحاني وما زالت الإدارة بيد خامنئي. لا أعتقد بتغييرات كثيرة في كل هذه المسائل التي طرحتها.
ربما بسبب مشاكل إيران الاقتصادية الصعبة جداً أكثر مما تتخيلين، قد يحدث شيء يتعلق بالاتفاق النووي قد يتحسن، لكن لا شيء على الإطلاق بالنسبة إلى المنطقة، وكما سمعنا في الأخبار قبل أيام من الانتخابات أدان خامنئي بعض أنواع الصواريخ، وقال إن ذلك كان قراره، أظن أنها كانت رسالة إلى الرئيس بايدن أنه ستجري بعض التغييرات، لكن ليس كما تريد أميركا، لذلك ربما في المستقبل القريب يريدون القول إن هذا الاتفاق مع الأوروبيين والأميركيين سيتحقق في ظل إدارة رئيسي وليس في ظل إدارة روحاني.
لكن هل يعتقد قليباف أن الإصلاح ممكن في الجمهورية الإسلامية؟ يقول إنه ممكن، لأن هناك جيلاً شاباً، ولا أعتقد أن النظام قادر على الاستمرار في هذه السياسة، وأعتقد في النهاية أن مستقبل إيران لن يكون: الجمهورية الإسلامية.
*نقلا عن صحيفة الشرق الأوسط