أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يصدر العدد الثاني من مجلة "اتجاهات آسيوية"
  • أ. د. نيفين مسعد تكتب: (عام على "طوفان الأقصى".. ما تغيّر وما لم يتغيّر)
  • د. إبراهيم فوزي يكتب: (بين موسكو والغرب: مستقبل جورجيا بعد فوز الحزب الحاكم في الانتخابات البرلمانية)
  • د. أيمن سمير يكتب: (هندسة الرد: عشر رسائل للهجوم الإسرائيلي على إيران)
  • أ. د. حمدي عبدالرحمن يكتب: (من المال إلى القوة الناعمة: الاتجاهات الجديدة للسياسة الصينية تجاه إفريقيا)

ركيزة مستقبلية:

الدور الأوروبي في الاتفاق النووي الإيراني

13 فبراير، 2016


إعداد: منى مصطفى


مع مطلع عام 2016، بدأ سريان الاتفاق النووي بين إيران ومجموعة 5+ 1 (الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا والصين وروسيا وألمانيا)، وهو الاتفاق الذي أُبرم في يوليو 2015. وثمة جدل حول مستقبل هذا الاتفاق واحتمالية الاستمرار في تنفيذ بنوده خلال الفترة القادمة من عدمه، على اعتبار أن ذلك يتوقف على التزام الأطراف كافة بما تم الاتفاق عليه.

وتحت عنوان: "الركيزة الأساسية لمستقبل الاتفاق الإيراني: أوروبا"، تأتي هذه الدراسة لتقدم رؤية مغايرة، من خلال التركيز على الدور الأوروبي في الاتفاق النووي الإيراني، مؤكدةً أنه لن يكتمل تنفيذ هذا الاتفاق دون دور الدول الأوربية المشتركة فيه.

وأعد الدراسة "كورنيليوس أديباهر" Cornelius Adebahr وهو زميل في برنامج أوروبا بمؤسسة كارنيجي للسلام الدولي، حيث استعرض خلالها وجهة النظر الأوروبية حيال الاتفاق النووي مع إيران، والآليات التي تستطيع من خلالها أوروبا دعم تنفيذ هذا الاتفاق.

الرؤية الأوروبية للاتفاق النووي الإيراني

يرى الأوروبيون في إيران شريكاً تجارياً محتملاً قد يتم تحقيق مكاسب هائلة إذا تم التعاون معه، غير أن طهران تقوم بانتهاك صريح لقواعد القانون الدولي والأمن والسلم العالميين، وهو ما يتطلب من الأوروبيين البحث عن آليات ملائمة لوقف التهديد والخطر الإيراني قبل البدء في إقامة علاقات طبيعية مع طهران.

وحسب الدراسة، هناك تأييد متحفظ من جانب النخبة السياسية الأوروبية لخطة العمل المشتركة الشاملة JCPOA مع إيران، وهو الأمر الذي يفسره الكاتب بعدد من الأسباب، ومنها الحفاظ على الأمن الأوروبي؛ إذ إن إيران تقع في منطقة الشرق الأوسط التي يوجد بها العديد من المصالح الأوروبية، بالإضافة إلى وقوعها بالقرب من جمهوريات دول آسيا الوسطي والتي تعد نقطة التلاقي مع القارة الأوروبية.

كما أن هذا الاتفاق والذي اشترك في مفاوضاته ثلاث دول أوروبية، وهي فرنسا وبريطانيا وألمانيا، يعد مؤشراً على مدى قدرة الاتحاد الأوروبي على الضغط والتفاوض واتخاذ موقف مُوحد. وفي هذا الصدد، يتضح من خلال تتبع مواقف هذه الدول الأوروبية طيلة مدة التفاوض، قدرتها على تقريب المواقف بين الولايات المتحدة وإيران.

من جانب آخر، يوجد العديد من الاعتبارات المصلحية التي تجعل أوروبا تدفع الاتفاق النووي قُدماً إلى الأمام؛ إذ إن أوروبا تحتاج إلى استئناف العلاقات التجارية مع إيران، كما أنه على النقيض من الولايات المتحدة توجد علاقات دبلوماسية بين عدد من الدول الأوروبية وطهران؛ فالأوروبيون يرون أن الحفاظ على علاقات دبلوماسية مع "الدول المارقة" مثل إيران هو ضرورة عملية، وليس مكافأة لهذه الدول.

كذلك يأتي هذا الاتفاق تماشياً مع استراتيجية الاتحاد الأوروبي لمنع انتشار أسلحة الدمار الشامل، والتي اعتمدها في ديسمبر 2003، وقد اعتبرت هذه الاستراتيجية أن أسلحة الدمار الشامل أكبر تهديد للمجتمع الأوروبي، ويجب الإسراع في إيجاد آليات سياسية للقضاء على هذه الأنواع من الأسلحة، ومن هذه الآليات التعاون مثلاً مع الولايات المتحدة وروسيا الاتحادية. وقد تجلت نصوص هذه الاستراتيجية بوضوح من خلال الاتفاق النووي الإيراني.

التحفظات الأمريكية على الاتفاق النووي

واجه الاتفاق النووي الإيراني معارضة شديدة من جانب الرأي العام الأمريكي، وأطلق عدد من رجال السياسة الأمريكية على الاتفاق اسم (أوباما كير للسياسة الخارجية) Obamacare of foreign policy ، في إشارة واضحة إلى أن الاتفاق النووي الإيراني يعد استمراراً لنهج "أوباما" المتردد، والذي سبق أن اتبعه عندما أطلق برنامج الرعاية الصحية.

 وأكد عدد من مرشحي الرئاسة الأمريكية رفضهم التام للاتفاق النووي، كما حاول أعضاء الكونجرس الأمريكي عرقلة إصدار هذا الاتفاق عن طريق قانون مراجعة الاتفاق النووي المعروف باسم (تشريع جيل كروكر- كاردان) والصادر في عام 2015، وعن طريقه يستطيع الكونجرس التصويت بقرارات مؤيدة أو معارضة للاتفاق النووي الإيراني.

وحسب الاتفاق، فإنه يتم رفع العقوبات عن إيران تدريجياً طالما التزمت ببنوده، وهو الأمر الذي يواجه صعوبة داخل الولايات المتحدة لاسيما أن هناك أكثر من 20 ولاية أمريكية فرضت عقوبات خاصة بها على إيران، مثل منع الاستثمار في الشركات التي ترتبط بعلاقات تجارية مع طهران.

 ومن المحتمل أن تقوم بعض هذه الولايات الأمريكية برفض رفع العقوبات عن إيران، ومن ثم يتوقع الباحث أن يؤدي ذلك الأمر إلى نزاع قانوني تكون المحكمة العليا طرفاً رئيسياً فيه.

كما أن بعض المتضررين الأمريكيين من أعمال قامت بها الحكومة الإيرانية، قد يلجأون إلى القضاء للمطالبة باستمرار تجميد الممتلكات الإيرانية في الولايات المتحدة حتى الحصول على تعويضاتهم، مثل عائلات ضحايا تفجيرات عام 1983، والتي اُتهم فيها الحرس الثوري الإيراني بالقيام بعملية إرهابية في بيروت أدت إلى وفاة عدد من الجنود الأمريكيين.

الدور الأوروبي في تنفيذ الاتفاق النووي

تشير الدراسة إلى ضرورة أخذ أوروبا زمام المبادرة والقيام بعدد من الخطوات من أجل الاستمرار في تنفيذ بنود الاتفاق النووي مع إيران، ولعل من أهم ما يجب أن تفعله أوروبا في هذا الصدد ما يلي:

1- التعاون الأوروبي- الأمريكي: من المقرر أن تقوم إيران بإنهاء عمل مفاعل أراك للماء الثقيل، وإيقاف تخزين أكثر من 10 آلاف جهاز للطرد المركزي، مع إزالة البنية التحتية ذات الصلة، وشحن جزء كبير من اليورانيوم المخصب خارج البلاد.

ومن الضروري أن يكون هناك تعاون أوروبي - أمريكي من خلال اللجنة المشتركة للتأكد من تنفيذ هذه الخطوات. ويتطلب هذا من الاتحاد الأوروبي توفير الموارد اللازمة، سواء كانت مالية أو خبراء من أجل إتمام هذه المهمة.

2- إجراءات استباقية: من المحتمل أن تحدث بعض الانتهاكات للاتفاق النووي من الجانب الإيراني. ومن أجل منع هذه الانتهاكات في الوقت المناسب، يتعين أن يكون هناك تعاون استخباراتي بين الولايات المتحدة والدول الأوروبية الثلاث التي شاركت في المفاوضات (ألمانيا وفرنسا والمملكة المتحدة)، على أن تكون الوكالة الدولية للطاقة الذرية طرفاً في هذه العملية.

وفي حالة حدوث انتهاك واضح من قِبل إيران لبنود الاتفاق النووي، فعندها سيتم اللجوء إلى إجراء العودة الفورية للعقوبات، والمعروف باسم Snap-back ، وهو ما يهدد بإلغاء الاتفاق بشكل نهائي. ويستبعد الكاتب اللجوء إلى هذا الخيار، حيث يرى أنه يشبه "الخيار النووي" الذي يعتبر أداة للردع لا تقوم الدول باستخدامها، نظراً لما يترتب عليه من خسائر لكل الأطراف.

3- تسوية النزاعات الإقليمية: يتطلب تنفيذ الاتفاق النووي إيجاد البيئة الملائمة في منطقة الشرق الأوسط، وتسوية النزاعات بين إيران والقوى الإقليمية الكبرى، لاسيما دول مجلس التعاون الخليجي. وأشار الباحث إلى أنه يتعين على الدول الأوروبية استخدام الأداة الدبلوماسية من أجل الوصول إلى تسوية للمشكلات الإقليمية التي تتورط إيران فيها، خاصةً الأزمة السورية والوضع في اليمن.

كما تؤكد الدراسة على ضرورة أن تضغط الدول الأوروبية على الولايات المتحدة لاتخاذ الخطوات اللازمة لتقريب وجهات النظر مع موسكو، أحد الحلفاء الرئيسيين لإيران، والتفاوض مع المملكة العربية السعودية، لكي تقبل بالجلوس على طاولة المفاوضات مع إيران. ويأتي ذلك بالتوازي مع طرح فكرة تدشين ما يُسمى "منتدى الأمن في الخليج العربي"، والذي يقترح الكاتب أن يضم دول الخليج العربية ومعها إيران، ومن الممكن أن ينضم إليه عدد آخر من دول الشرق الأوسط مثل اليمن ومصر وتركيا.

وفي هذا الصدد، تقترح الدراسة أن يبدأ المنتدى بالتعاون بين أعضائه من خلال إقامة "ميثاق الخليج للأمن البحري"، والذي يمكن أن يكون الدعامة الأساسية لهذا المنتدى. كما يمكن أن يكون التعاون في البداية لمواجهة التهديدات المشتركة لكل من دول الخليج وإيران، والتي لا تسبب قدراً كبيراً من الحساسية السياسية، مثل: مكافحة تهريب المواد المخدرة المهربة من أفغانستان، والتعاون في مجال الطاقة المتجددة، ومكافحة التدهور البيئي في منطقة الشرق الأوسط.

4- معاهدة منع الانتشار النووي: يتعين أن تتجه الدول الأوروبية إلى التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية للتأكد من الالتزام بمعاهدة منع الانتشار النووي، بالإضافة إلى الضغط الدولي من أجل زيادة تمويل الوكالة لكي تستطيع تأدية عملها بشكل أكثر كفاءة. فمن وجهة نظر الباحث، لن يتم الاستمرار في تنفيذ الاتفاق النووي الإيراني إلا داخل إطار عالمي لمنع الانتشار النووي يطبق على الدول كافة.

إجمالاً، تؤكد الدراسة أن وضع خطة لاستمرار تنفيذ الاتفاق النووي الإيراني يجب أن يكون على قمة أولويات صانعي القرار الأوروبيين، خاصةً أن الولايات المتحدة لا يتوفر بها المناخ السياسي الملائم لضمان الاستمرار في تطبيق هذا الاتفاق، ومن ثم فالدور الأكبر يقع على عاتق الدول الأوروبية.


* عرض مُوجز لدراسة بعنوان: "الركيزة الأساسية لمستقبل الاتفاق الإيراني: أوروبا"، والمنشورة في دورية "واشنطن الفصلية" The Washington Quarterly، في عدد شتاء 2016.

المصدر:

Cornelius Adebahr, "The Linchpin to the Iran Deal’s Future: Europe", The Washington Quarterly, Vol.38, No.4 (Washington: The Elliott School of International Affairs, Winter 2016) PP 115-131.