رغم أن كلاً من الولايات المتحدة الأمريكية والعراق حريصتان على إنجاح مخرجات الجولة الثالثة من الحوار الاستراتيجي التي جرت بينهما بشكل افتراضي في 7 أبريل الجاري، خاصةً فيما يتعلق بضوابط الحضور العسكري الأمريكي في العراق، إلا أن تلك المساعي تصطدم بجملة من العقبات التي تهدد نجاحها، وتحديداً ما يتعلق بالتحركات المضادة التي تقوم بها الميليشيات الموالية لإيران.
جدير بالذكر أن واشنطن وبغداد أبدتا دعمهما لمخرجات الجولة الثالثة من الحوار الاستراتيجي، حيث عبّر وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن عن تفاؤله بنتائجها. كما وصفها رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي بـ"الإنجاز" ووجه بتشكيل لجنة فنية لعقد محادثات مع المسئولين الأمريكيين بشأن تنفيذ مخرجات الحوار على المستويين الأمني والعسكري.
محددان رئيسيان:
توصلت كل من بغداد وواشنطن إلى اتفاق حول ضوابط الوجود العسكري الأمريكي على الأراضي العراقية، تتضمن محددين رئيسيين هما:
1- حصر مهام القوات الأمريكية في التدريب والاستشارة: جدد البيان الختامي المشترك بشأن الحوار الاستراتيجي بين بغداد وواشنطن التأكيد على أهمية مبادئ اتفاقية الإطار الاستراتيجي التي تنظم العمل العسكري الأمريكي في العراق. وتابع البيان أنه "في ضوء تطور قدرات القوات الأمنية العراقية، توصل الطرفان إلى أن دور القوات الأمريكية وقوات التحالف تحول الآن إلى المهمات التدريبية والاستشارية على نحو يسمح بإعادة نشر ما تبقى من القوات القتالية خارج العراق، على أن يتفق الطرفان على التوقيتات الزمنية في محادثات فنية مقبلة".
2- تعهدات عراقية بحماية القوات الأمريكية: أشار البيان إلى تأكيد الطرفين على أن وجود القوات الأمريكية في البلاد جاء بناءً على دعوة الحكومة العراقية لغرض دعم القوات الأمنية في حربها ضد تنظيم "داعش". ووفقاً للبيان المشترك، حصلت الولايات المتحدة الأمريكية على تعهدات من العراق، باعتبارها دولة مضيفة، بتوفير الحماية للقوات الأمريكية وأفراد التحالف الدولي والمنشآت الدبلوماسية على أراضيها.
دافعان متوازيان:
يأتي حرص واشنطن وبغداد على الاتفاق على الإبقاء على حضور عسكري أمريكي في العراق في شكل استشاري وتدريبي اتساقاً مع ما يلي:
1- الرؤية العراقية بانتفاء الحاجة لقوات قتالية أجنبية: يتضح ذلك من خلال تصريحات رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي في 7 أبريل الجاري، والتي شدد خلالها على أن التطور الكبير في قدرات القوات الأمنية العراقية، وتغير شكل التهديد الإرهابي على الأرض، مهد لمغادرة حوالي 60% من قوات التحالف الدولي ضد "داعش" خلال الأشهر الماضية. وأشار إلى أن "هذا الأمر مكّن العراق من الانتقال قريباً إلى مرحلة انتفاء الحاجة إلى الوحدات المقاتلة الأجنبية، والاقتصار على الأدوار التدريبية والاستشارية والدعم اللوجستي والتعاون الاستخباري، وذلك إلى حين وصول العراق إلى مرحلة الاكتفاء الذاتي بجهود أبنائه وتعاونهم وتكاتفهم".
2- رغبة واشنطن في الإبقاء على حضور عسكري بالعراق: تُعوِّل واشنطن على الإبقاء على حضور عسكري مقبول في الساحة العراقية تحت أى مبرر، وذلك من أجل التصدي للنفوذ الإيراني في المنطقة انطلاقاً من الجبهة العراقية والتي تعد الساحة الرئيسية للنشاطات الإيرانية في الإقليم. ويعني سعى واشنطن للإبقاء على أدوار تدريبية للقوات الأمريكية في العراق أن إدارة الرئيس جو بايدن غير عازمة على الخروج العسكري من البلاد.
عقبات متعددة:
تتمثل أبرز التحديات التي تهدد فرص نجاح تفاهمات واشنطن وبغداد بشأن ضوابط الحضور العسكري الأمريكي داخل العراق في:
1- الهجمات المستمرة ضد القوات والمصالح الأجنبية: تأتي التفاهمات الأمريكية- العراقية بشأن حضور واشنطن العسكري وسط هجمات شبه يومية ضد الحضور الأجنبي في العراق. وكان آخر أبرز مظاهر ذلك تعرض قاعدة عين الأسد في محافظة الأنبار، في 8 أبريل الجاري، لمحاولة فاشلة للهجوم عليها بعد ضبط شاحنة كانت تضم 24 صاروخاً بالقرب من القاعدة، وتعرض رتل تابع للتحالف الدولي، قبل ذلك بيوم واحد، للاستهداف بعبوة ناسفة على الطريق السريع في الأنبار. كما تعرض رتل آخر للتحالف الدولي، في اليوم نفسه، للاستهداف عبر عبوة ناسفة على الطريق السريع ضمن حدود محافظة بابل.
2- الضغوط السياسية لجدولة الانسحاب الأمريكي من العراق: تواصل بعض القوى السياسية والميليشيات المسلحة ضغوطها على رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي من أجل أن يكون هناك جدولة لعملية الانسحاب الأمريكي من العراق. ويُشار في هذا الصدد، على سبيل المثال، إلى مطالبة زعيم تحالف "الفتح" وميليشيا "بدر" هادي العامري، في 7 أبريل الجاري في بيان له، بوضع جدول زمني لانسحاب القوات القتالية الأجنبية من العراق. وقال العامري في هذا السياق: "ندعو إلى إعادة السيطرة العراقية على الأجواء بالكامل وكذلك القواعد الجوية في عين الأسد وحرير"، وأضاف: "سنتابع بشكل دقيق مخرجات جولة الحوار وأملنا كبير بالمحاوِر العراقي من أجل تحقيق الاستقرار الأمني". وقد تشكل هذه الضغوط عائقاً أمام تنفيذ تفاهمات واشنطن وبغداد، خاصةً وأن هذه القوى ترفض بقاء القوات الأمريكية تحت أى صيغة.
3- رسائل طهران للحكومة العراقية قبيل الحوار مع واشنطن: تواصل طهران ممارسة أقصى الضغوط على حكومة الكاظمي بشأن الحضور العسكري الأمريكي في العراق. ويدلل على ذلك التقارير التي أشارت إلى أن قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني إسماعيل قاآني قام بزيارة سرية في 5 أبريل الجاري لبغداد، امتدت ليومين. وكشفت تلك التقارير أن هذه الزيارة كانت بهدف دفع بغداد لإخراج القوات الأمريكية من البلاد واستخدام هذا الملف للضغط على واشنطن في المفاوضات غير المباشرة التي انطلقت بشأن الملف النووي في فيينا في 6 أبريل الجاري.
وعلى ضوء ذلك، يمكن القول إن التحديات التي تهدد نجاح تنفيذ تفاهمات واشنطن وبغداد بشأن الحضور الأمريكي تنصب بصورة أساسية على التحركات والضغوط المكثفة التي تمارسها إيران على الحكومة العراقية سواء بصورة مباشرة أو غير مباشرة عبر وكلاءها من القوى والميليشيات المسلحة. وسيبقى الرهان الوحيد المتبقي لإمكانية نجاح تلك التفاهمات مرتبطاً بمدى تفهم واشنطن لحجم الضغوط التي تُمارس على الكاظمي رغم توجهاته الإصلاحية وحدود مساندتها له لتجاوزها.