تشير تصريحات المسئولين الإيرانيين والدوليين الذين شاركوا في اجتماع فيينا في 9 أبريل الجاري، إلى أن الخلافات العالقة بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية تنحسر تدريجياً، على نحو استدعى استمرار انعقاد المباحثات في فيينا في 14 من الشهر نفسه. ومع ذلك، فإن الولايات المتحدة الأمريكية ما زالت حريصة على توجيه رسائل مفادها أن الاستجابة لمطالب، أو بمعنى أدق، شروط إيران، للوصول إلى تسوية للخلافات الحالية، ليست واردة، حتى لو أدى ذلك إلى عدم انتهاء المباحثات الحالية بنتائج بارزة تعود من خلالها الأخيرة إلى الاتفاق النووي مقابل التزام إيران بتعهداتها فيه.
وفي هذا الصدد، فإن إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن كانت واضحة في تأكيد أنها لن ترفع مجمل العقوبات التي فرضتها إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب، وأنها ستُبقي على العقوبات الخاصة ببرنامج الصواريخ الباليستية ودعم الإرهاب (الذي يرتبط بالدور الإقليمي) وانتهاكات حقوق الإنسان، وهو ما يتعارض مع ما تطالب به إيران، التي يواصل مسئولوها تأكيد أنها لن تعود إلى الالتزام بتعهداتها في الاتفاق إلا مع رفع مجمل العقوبات التي فرضت عليها من قبل الإدارة السابقة.
إذ قال وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، في 9 أبريل الجاري، أن "كل العقوبات التي فرضها الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب على طهران كانت تستهدف النيل من الاتفاق النووي المبرم في 2015 بغض النظر عن مسمياتها"، مضيفاً أنه "يتعين رفعها"، وهو ما رد عليه نيد برايس المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية بقوله أن "الولايات المتحدة مستعدة لرفع العقوبات المفروضة على إيران من أجل العودة للامتثال للاتفاق النووي، بما فيها تلك العقوبات التي لا تتسق مع الاتفاق الموقع في 2015". وتوازى ذلك مع تأكيد واشنطن على أنها "ستُبقي على العقوبات المرتبطة بالبرنامج الإيراني للصواريخ الباليستية وانتهاكات طهران لحقوق الإنسان ودعمها لوكلائها الخبيثين ومساندتها للإرهاب، لأن هذه المسائل تشكل تحدياً عميقاً لنا وكذلك لشركائنا الإقليميين".
دوافع عديدة:
يمكن تفسير إصرار واشنطن على عدم رفع العقوبات المفروضة على إيران كاملة حتى لو اقتضى الأمر انهيار المحادثات الحالية، في ضوء اعتبارات عديدة يتمثل أبرزها في:
1- توجهات سابقة: ما زالت الإدارة الأمريكية الحالية حريصة على تأكيد أن العقوبات المفروضة على إيران والمتصلة ببرنامج الصواريخ الباليستية ودعم الإرهاب وانتهاكات حقوق الإنسان، ليست لها علاقة مباشرة بالبرنامج النووي، وأن معظمها كان مفروضاً على إيران حتى قبل الوصول إلى الاتفاق النووي في 14 يوليو 2015، بما يعني، وفقاً لواشنطن، أن طهران ارتضت الوصول إلى الصفقة النووية بالتوازي مع استمرار تلك العقوبات، على نحو يوحي بأن ما تم فرضه قبل الصفقة من عقوبات "غير نووية" لن يتم رفعه بعدها.
2- ضغوط مستمرة: لا تمتلك إدارة بايدن خيارات متعددة لتمرير أية صفقة جديدة مع إيران تتضمن رفع كامل العقوبات المفروضة عليها. بل إن هناك في الأساس معارضة من جانب بعض الأطراف لإعادة تفعيل الاتفاق الحالي، على أساس أنه لا يمكن الوثوق في مدى انخراط إيران في التزامات دولية صارمة. وإلى جانب ذلك، فإن العقوبات المفروضة على إيران في مجال دعم الإرهاب تحديداً تحظى باهتمام خاص داخل الولايات المتحدة الأمريكية، في ظل الاتهامات التي توجه لإيران باستمرار بالمسئولية عن بعض العمليات الإرهابية التي أودت بحياة أمريكيين، على نحو دفع عائلات أمريكية عديدة إلى رفع دعاوى في المحاكم الأمريكية ضد إيران. وقد صدرت بالفعل أحكام قضائية عديدة في هذا الصدد، منها الحكم الذي صدر في 11 يوليو 2020، وقضى بإلزام إيران بدفع مبلغ 879 مليون دولار تعويضاً لضحايا الهجوم على قاعدة عسكرية أمريكية في مدينة الخُبَر السعودية عام 1996.
3- مفاوضات جديدة: لا يبدو أن واشنطن سوف تكتفي بالوصول إلى صفقة مع إيران لتفعيل الاتفاق النووي من جديد، إذ أنها ما زالت مُصِرَّة على فتح مجمل الملفات الخلافية مع الأخيرة، لكنها فضلت تأجيلها لحين الانتهاء من ملف الاتفاق النووي. وهنا، فإن إبقاء العقوبات الخاصة ببرنامج الصواريخ الباليستية ودعم الإرهاب، سوف يخدم موقع واشنطن في هذا السياق ويوفر لها ورقة ضغط في مواجهة إيران.
ويعني ذلك في المقام الأول، أن واشنطن سوف تسعى خلال المرحلة القادمة إلى توجيه رسائل إلى طهران مفادها أن الانشغال في الوصول إلى صفقة خاصة بالاتفاق النووي لا يعني التغاضي عن الملفات الخلافية الأخرى، بالتوازي مع اتخاذ خطوات جديدة لتأكيد جدية هذه الرسائل، على غرار فرض مزيد من العقوبات على برنامج الصواريخ الباليستية، الذي ربما تتجه إيران إلى استخدامه في المرحلة القادمة كآلية لاختبار نوايا الإدارة الأمريكية، حيث يتوقع أن تجري مزيداً من التجارب الخاصة بإطلاق صواريخ باليستية جديدة.
وربما تتجه الإدارة الأمريكية أيضاً إلى توجيه مزيد من الضربات العسكرية ضد الميليشيات المسلحة الموالية لإيران داخل كل من العراق وسوريا، على غرار تلك التي شنتها في 26 فبراير الماضي، بالتوازي مع رفع مستوى التنسيق مع الحلفاء، لاسيما إسرائيل، التي قام وزير الدفاع الأمريكي لويد اوستن بزيارتها في 11 أبريل الجاري، حيث كانت التفاهمات الجارية في الوقت الحالي مع إيران هى محور المباحثات التي أجريت بين الطرفين.
وعلى ضوء ذلك، يمكن القول في النهاية إنه حتى في حالة الوصول إلى صفقة جديدة بين طهران وواشنطن حول الاتفاق النووي، فإن ذلك لن يقلص، على الأرجح، من حدة التصعيد القائمة بين الطرفين، في ظل استمرار الخلافات حول الملفات الأخرى، لاسيما برنامج الصواريخ الباليستية والدور الإقليمي.