أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يصدر العدد الثاني من مجلة "اتجاهات آسيوية"
  • أ. د. نيفين مسعد تكتب: (عام على "طوفان الأقصى".. ما تغيّر وما لم يتغيّر)
  • د. إبراهيم فوزي يكتب: (بين موسكو والغرب: مستقبل جورجيا بعد فوز الحزب الحاكم في الانتخابات البرلمانية)
  • د. أيمن سمير يكتب: (هندسة الرد: عشر رسائل للهجوم الإسرائيلي على إيران)
  • أ. د. حمدي عبدالرحمن يكتب: (من المال إلى القوة الناعمة: الاتجاهات الجديدة للسياسة الصينية تجاه إفريقيا)

الشروق:

كراهية الآسيويين فى الولايات المتحدة

29 مارس، 2021


نشر مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة مقالا للكاتبة إيمان فخرى تتناول فيه أسباب تزايد جرائم الكراهية ضد الآسيويين من أصل أمريكى فى الولايات المتحدة، إلى جانب موقف المجتمع المدنى وإدارة بايدن من جرائم الكراهية.. نعرض منه ما يلى.

رغم أن الأمريكيين من أصول آسيوية هم العرقية الأسرع نموًا بين الناخبين الأمريكيين، فضلًا عن أن السياسيين الأمريكيين من أصول آسيوية بدأوا فى اكتساب مزيد من النفوذ السياسى فى الولايات المتحدة، حيث تم انتخاب نائبتين جمهوريتين من أصل كورى عن ولاية كاليفورنيا فى الكونجرس، وهى سابقة تعد الأولى من نوعها. إلا أنه يبدو أن ذلك لم ينعكس إيجابيًا على الوضع العام لمجتمع الأمريكيين من أصول آسيوية.

مؤشرات تصاعد العنصرية

منذ بداية جائحة فيروس كورونا المستجد، شهدت الولايات المتحدة ارتفاعًا فى عدد حوادث الكراهية ضد الأمريكيين من أصول آسيوية، فخلال الفترة من مارس إلى مايو 2020، تم الإبلاغ عن أكثر من 800 حادث كراهية تجاه الأمريكيين من أصول آسيوية فى ولاية كاليفورنيا فقط، وهى الولاية التى تضم أكبر نسبة من الآسيويين فى الولايات المتحدة.

فى حين أصدرت منظمة مكافحة جرائم الكراهية تجاه الأمريكيين من أصل آسيوى (Stop AAPI Hate) إحصائية مفادها أنه خلال الفترة من مارس 2020 حتى فبراير 2021، تم تسجيل حوالى 3800 حادث عنف عرقى تجاه الآسيويين فى الولايات المتحدة، من بينها 503 حوادث وقعت خلال شهرى يناير وفبراير من العام الحالى. كما تشير الإحصائية ذاتها إلى أن النساء قد شكلن نسبة 68% من الأمريكيين ــ الآسيويين المستهدفين من جرائم الكراهية.

ومنذ بداية العام الحالى، بدأت تزداد حدة ووتيرة أحداث العنف اللفظى والجسدى تجاه الأمريكيين من أصول آسيوية. فخلال الفترة من يناير ــ مارس 2021، يمكن رصد أهم حوادث العنف تجاه الآسيويين الأمريكيين، ويعد الهجوم العنصرى الأبرز هو عندما قام «روبرت آرون لونغ» (مسلح أمريكى يبلغ 21 عامًا من أصول بيضاء) فى 16 مارس الحالى بمهاجمة ثلاثة منتجعات صحية يمتلكها آسيويون فى منطقة أتلانتا وقتل ثمانية أشخاص، من بينهم 6 سيدات آسيويات.

دوافع جرائم الكراهية

يمكن القول إن أسباب جرائم الكراهية ضد الآسيويين تتمثل فيما يلى:

العامل الاقتصادى: يمكن إرجاع الدافع الرئيسى وراء هذه الهجمات إلى الدافع الاقتصادى.. تاريخيا، فالآسيويون المهاجرون للولايات المتحدة مثّلوا قوى عاملة رخيصة، وهو ما أدى إلى ازدياد شعور الكراهية من جانب الأمريكيين من أصول بيضاء ضد الأجيال الأولى من المهاجرين الآسيويين، حيث كان ينظر إليهم على أنهم جاءوا ليسرقوا الوظائف، ويهددوا الأمريكيين من أصل أبيض على حد تصورهم.

ويمكن ربط هذا السبب التاريخى بالواقع الأمريكى الحالى، حيث أشار «ترامب» مرارًا وتكرارً إلى أن الصين تسرق الوظائف من الأمريكيين، مما عمل على تعزيز الصورة النمطية حول أن الآسيويين يمثلون تهديدًا اقتصاديًا للأمريكيين، خاصة مع الكساد الاقتصادى الذى تواجهه الولايات المتحدة فى ظل الجائحة، مما أنتج شعورًا بالحنق تجاه الآسيويين.

الصورة النمطية: رسم الإعلام الأمريكى صورة نمطية لمجتمع الأمريكيين ــ الآسيويين، على أنه مجتمع نموذجى ويتسم بالنجاح الاقتصادى، ويتميز أفراده بالثراء، ويتمتعون بامتيازات اقتصادية واجتماعية كبيرة.

وقد مثّل ذلك دافعًا لزيادة الهجمات على الآسيويين. فضلًا عن أن هذه الصورة النمطية قد أضفت نوعًا من الشرعية على أى تمييز يحدث تجاه الآسيويين، خاصة فى أوقات الكساد الاقتصادى، بحجه أنهم الطبقة الأكثر ثراءً ونجاحًا. فى حين أن حقيقة الأمر تشير إلى أن مجتمع الأمريكيين ــ الآسيويين، مثل أى أقلية أخرى فى الولايات المتحدة، يتميز بالتنوع والتباين الاقتصادى الشديد. فرغم وجود أثرياء فى هذا المجتمع، إلا أن هناك أمريكيين ــ آسيويين يعانون الفقر الشديد.

خطابات «ترامب» العدائية: يُجمع الخبراء على أن السبب الرئيسى وراء زيادة وتيرة الهجمات العنصرية التى يواجهها الأمريكيون من أصول آسيوية حاليًا، يرجع إلى إشارة الرئيس الأمريكى السابق «دونالد ترامب» إلى فيروس كورونا المستجد بأنه «فيروس صينى»، فضلًا عن اشتداد النزاع بين الولايات المتحدة والصين.

سردية «التفوق الأبيض»: حيث يشير بعض الخبراء إلى أن تزايد نشاط الجماعات اليمينية المتطرفة والتى تروج لتفوق العرق الأبيض، وعدم إدانة ترامب لهذه المنظمات بل ودعمه لبعضها مثل منظمة (براود بويز)، قد مثل عاملًا محفزًا لزيادة الهجمات العرقية وجرائم الكراهية تجاه الأجانب بشكل عام فى الولايات المتحدة.

إغفال مناقشة مشكلات الآسيويين: فعلى الرغم من أنه تم إصدار قانون الاستبعاد الصينى لعام 1882 والذى بمقتضاه تم منع دخول العمالة الصينية إلى الولايات المتحدة لفترة طويلة، ورغم أنه خلال الحرب العالمية الثانية أصدرت الولايات المتحدة الأمر التنفيذى 9066 والذى بمقتضاه تم دفن الأمريكيين من أصل يابانى فى معسكرات منعزلة؛ إلا أنه نادرًا ما يتم تسليط الضوء على المعاناة التاريخية للآسيويين، مثلما يتم تسليط الضوء على معاناة الأمريكيين من أصول إفريقية من العبودية.

ردود فعل إدارة «بايدن»

قدم الرئيس «جو بايدن» ونائبته «كامالا هاريس»، العزاء للأمريكيين الآسيويين، ونددا بأحداث الكراهية والعنصرية تجاههم، وبعد حادث إطلاق النار على المنتجعات الصحية فى أتلانتا، قام «بايدن» و«هاريس» بعقد اجتماع استمر حوالى 80 دقيقة مع المشرعين وغيرهم من القادة الأمريكيين الآسيويين. حيث صرح «بايدن» بأن هذه الأحداث ليست أمريكية.

كما استغل «بايدن» هذه الحوادث فى التأكيد على أهمية توجه إدارته لتعديل قوانين حيازة الأسلحة فى البلاد، وذلك بهدف فرض مزيد من القيود على بيع الأسلحة للمواطنين. فى حين صرحت «كامالا هاريس» إن «العنصرية حقيقة فى أمريكا، وكره الأجانب أمر حقيقى فى أمريكا». وأضافت أنها لن تقف هى أو الرئيس «بايدن» مكتوفى الأيدى حيال هذه الحوادث.

منظمات المجتمع المدنى

كان الهاشتاج #StopAsianHate من أكثر التغريدات رواجًا على تويتر بعد ساعات من حادثة إطلاق النار فى مدينة أتلاتنا. وقد عبر عدد من الآسيويين عن غضبهم من أنه فور القبض على مرتكب الحادث، لم يتم توجيه تهمة ارتكاب جريمة بدافع الكراهية والعنصرية. حيث أشارت الشرطة فى البداية إلى أن المتهم يؤكد أن السبب وراء الهجوم لم يكن عنصريًا تجاه الآسيويين.

حيث أعربت «مارجريت هوانج»، الرئيسة والمديرة التنفيذية لمركز قانون الفقر الجنوبى، الذى يهدف إلى تتبع مجموعات الكراهية، عن قلقها من تعليقات نقيب الشرطة من أن «المتهم كان يواجه يومًا سيئًا»، حيث أشارت إلى أن مثل هذه التعليقات تعمل على الترويج للجريمة على أنها ليست جريمة كراهية، وهو ما قد يشجع استمرار هذه الهجمات.

ودعت «جو آن يو»، المديرة التنفيذية للاتحاد الآسيوى الأمريكى، إلى أنه يتعين على وزارة العدل الأمريكية أن تعمل على توظيف مزيد من الأمريكيين من أصول آسيوية، وذلك للعمل على كسر الحاجز اللغوى، خاصة لدى كبار السن من الأمريكيين ــ الآسيويين، فضلًا عن أن ذلك قد يشجع مزيدًا من الآسيويين على الإبلاغ عن جرائم الكراهية التى يتعرضون لها.

إجراءات الدعم والحماية

لم يتوانَ «بايدن» منذ توليه مهام منصبه عن التأكيد على أنه لا يمكن لوم الآسيويين أو استخدامهم ككبش فداء للتعبير عن الغضب والحنق من انتشار الوباء. حيث قام «بايدن» خلال الأسبوع الأول له فى منصبه بالتوقيع على أمر تنفيذى يحظر بشكل أساسى استخدام مصطلحات مثل الفيروس الصينى داخل الحكومة الفيدرالية، فضلًا عن إدانة كراهية الأجانب. كما وجه وزارة الصحة للتأكد من أن استجابة الحكومة الوبائية لا يشوبها أى تمييز عرقى.

كما طلب الرئيس «بايدن» من المشرعين الأمريكيين سرعة تمرير قانون جرائم الكراهية المتعلقة بفيروس كورونا المستجد، وهو مشروع قانون من شأنه زيادة إشراف وزارة العدل على جرائم الكراهية المرتبطة بفيروس كورونا، كما يهدف القانون إلى تقديم الدعم لوكالات إنفاذ القانون الفيدرالية والمحلية، ناهيك عن إتاحة المعلومات المتعلقة بجرائم الكراهية للمجتمعات الأمريكية ــ الآسيوية.

وفى السياق ذاته، يقوم عدد كبير من المشرّعين بالضغط على وزارة العدل الأمريكية لتكثيف الجهود للإبلاغ عن جرائم الكراهية وتعقبها ومقاضاة مرتكبيها.

كما صرحت «جين باسكى»، المتحدثة باسم البيت الأبيض، بأنه تم تكليف وزارة العدل بالعمل مع بعض القادة والمجموعات الخارجية، وكذلك الوكالات الحكومية والمحلية، وذلك لمنع التمييز والمضايقات وجرائم الكراهية ضد الأمريكيين الآسيويين، فضلًا عن جمع البيانات بشكل أفضل حول هذه الحوادث.

ولا يزال التحدى الأكبر الذى سيواجه إدارة «بايدن» فى هذا الشأن هو توفير التمويل اللازم لإتمام عمليات التعليم والتدريب والتواصل المجتمعى على المستوين الفيدرالى والمحلى لوضع حد لانتشار الكراهية ضد الأجانب وضد الآسيويين فى الولايات المتحدة.

مازال هناك قلق نابع من عاملين أساسيين: الأول يتعلق باستمرار هجمات الكراهية، أما العامل الثانى فهو أنه ما زال الطريق طويلًا أمام إدارة «بايدن»، بل والإدارات الأمريكية المتعاقبة، لمعالجة تنامى نفوذ الجماعات اليمينية المتطرفة، خاصة مع ما يتواتر من أنباء حول إمكانية ترشح «ترامب» للرئاسة فى عام 2024، وهو ما قد يزيد من تخوفات الأمريكيين الآسيويين، من أنه حتى حال قيام إدارة «بايدن» ببعض الإصلاحات التشريعية والمجتمعية لصالحهم، فقد تأتى الإدارة الأمريكية القادمة ولا تسير على النهج ذاته.

المصدر: الشروق