تزايد انتشار الشائعات في دول الشرق الأوسط، خلال الأشهر القليلة الماضية، وخاصة بعد تصاعد أزمة فيروس كوفيد-19، وهو ما رصدته بعض التقارير الرسمية في بعض الدول، الأمر الذي يمكن تفسيره انطلاقاً من مجموعة من العوامل، التي تتمثل في محاولات إفقاد الثقة في مؤسسات الدولة الوطنية وإعاقتها عن القيام بمهامها وتشويه الأهداف التي أنجزتها، والتركيز على فعالية الإجراءات الحكومية إزاء المخاطر الصحية، والغموض النسبي في تحديد خلافة أحد الزعامات الدينية، وعرقلة مسار المرحلة الانتقالية بعد انهيار النظم السابقة، وتوجيه الاتهامات المتبادلة بين الأطراف المتحاربة في بؤر الصراعات المسلحة، وممارسة الضغوط على النخب السياسية الفاشلة.
وقد انعكس تزايد الشائعات في غالبية دول الإقليم في انتشار حسابات على مواقع التواصل الاجتماعي تروج لأخبار كاذبة بشأن الفيروس، كاكتشاف علاجات جديدة له، أو وفاة بعض المشاهير بسببه، أو الحديث عن أعداد متعافين مطمئنة. وعلى الرغم من أن هناك شيئاً من الصحة في كل ما سبق ذكره، إلا أن هناك أبعاداً أخرى زائفة لهذا الملف، لاسيما مع عدم تسجيل حالات الإصابة أو الوفاة بهذا الفيروس بشكل إجمالي لصعوبة حصر الحالات التي لا تتردد على المستشفيات والمراكز الصحية العامة.
"فيروس" الشائعات:
وفي هذا السياق، يشير اتجاه رئيسي في الكتابات إلى أن الشائعات حول "كوفيد-19" في دول الإقليم أخطر من انتشاره، إذ أن الخبر الكاذب لديه القدرة على الانتشار من الخبر الصحيح لاسيما في ظل غياب الشفافية المتعلقة بتداول المعلومات من جانب، والانشغال بإدارة أزمة مفاجئة وغير معتاد على التعامل معها من جانب آخر، مع الأخذ في الاعتبار التراجع النسبي في التأويلات غير المنطقية التي كان يؤمن بها القطاع الرئيسي في هذه الدولة أو تلك بالإقليم بشأن منشأ المرض، حيث كان البعض يعتبر الفيروس "مؤامرة خارجية" أمريكية تارة وصينية تارة أخرى، سواء لـ"تدمير الطرف الآخر" أو لـ"القضاء على العرب والمسلمين"، على الرغم من أن النسبة الأكبر لانتشار الفيروس باتت في الدول الغربية.
وقد تعددت الأبعاد الحاكمة لانتشار الشائعات أو الأخبار المُلَفَّقة في دول الشرق الأوسط، وذلك على النحو التالي:
إضعاف الدولة
1- محاولات إفقاد الثقة في مؤسسات الدولة الوطنية: كشف تقرير للمركز الإعلامي لمجلس الوزراء في مصر، نشرته عدة وسائل إعلامية في 12 يناير الجاري، أن عام 2020 كان الأكثر استهدافاً بالشائعات، خلال السنوات الست الماضية، وبنسبة زيادة بلغت 29.9% مقابل 26.1% خلال عام 2019، ونحو 2.3% خلال عام 2014، وهو ما يفسر تزايد مناشدة الحكومة المصرية، من وقت لآخر، في العام الماضي، جميع وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي بـ"تحري الدقة والموضوعية في نشر الأخبار والتواصل مع الجهات المعنية للتأكد قبل نشر معلومات لا تستند إلى أى حقائق، وتؤدي إلى إثارة البلبلة في المجتمع".
وأضاف التقرير أن ثمة قطاعات تم استهدافها بتلك الشائعات، حيث كانت الصدارة لقطاع الصحة بنسبة 24.1%، تلاه التعليم بنسبة 18.4%، والاقتصاد بنسبة 15%، والتموين بـ9.8%، والزراعة بـ9%، والإسكان بـ4.3%، والسياحة والآثار بـ4.1%، والتضامن الاجتماعي بـ4%، والوقود والكهرباء بـ4%، والإصلاح الإداري بـ4%، والقطاعات الأخرى بـ3.3%. ووفقاً لما ذكره التقرير، فإن نسبة عدد الشائعات المتعلقة بجائحة كوفيد-19 بلغت 51.8% من إجمالي عدد الشائعات، وأن شهر إبريل جاء في المرتبة الأولى لمعدل انتشار شائعات الفيروس بنسبة 20.1%.
وقد رصد التقرير عدداً من الشائعات تعلقت بالفيروس، من بينها انتقال عدوى الفيروسات أثناء عملية التبرع بالدم بالمستشفيات الحكومية، وإجراء جلسات الغسيل الكلوي لمصابي "كوفيد-19" مع المرضى الآخرين، ووجود عجز في أجهزة وحدات الرعاية المركزة أو مستلزماتها، وتوزيع كمامات مصنعة من مواد غير طبية بمستشفيات العزل، والتخلص من النفايات الطبية الخاصة بمستشفيات العزل بطريقة غير آمنة. هذا فضلاً عن الشائعات غير المنطقية من بينها حرق جثامين ضحايا الفيروس، وتحويل المكتبات المدرسية لفصول دراسية مراعاة لقواعد التباعد الاجتماعي بالمدارس، وتحميل المواطنين نفقات تعقيم وتطهير المساجد، وفرض ضريبة على تصاريح دفن الموتى.
وعلى الرغم من صعوبة التأكد في كل الحالات من تحديد هوية مطلقي الشائعات، إلا أن هناك حالات بعينها تم التأكد من مسئولية جماعة الإخوان المسلمين عنها في سياق صراع الأخيرة مع الدولة، لاسيما شائعة جدوى لقاح "سينوفارم" الصيني للوقاية من فيروس كورونا، والذي استقبلت مصر أول شحنة منه، هدية من الإمارات في منتصف ديسمبر الماضي، فضلاً عن محاولة التقليل من فعاليته، وإثارة الخوف لدى المواطنين من استخدامه.
وفي هذا السياق، قال الرئيس عبدالفتاح السيسي، في 22 يوليو 2018، أن "الخطر الحقيقي هو تفكيك الدول من الداخل، عن طريق الضغط والشائعات والأعمال الإرهابية، وفقد الأمل والإحساس بالإحباط، كل هذا يحدث بمنظومة رهبية جداً هدفها تحريك الناس لتدمر بلادهم"، مضيفاً: "تدمير بلادنا مش هيكون غير من جوانا، ونخلِّي بالنا وننتبه تماماً".
وكشف الرئيس السيسي أن "مصر واجهت 21 ألف شائعة في 3 أشهر فقط الهدف منها خلق البلبلة وعدم الاستقرار والإحباط"، مشيراً إلى أن "مصر واجهت هذا الخطر خلال السنوات الماضية، والذي يمثل تحدياً ربما يكون من أخطر التحديات التي فرضت على الدولة في تاريخها الحديث، وهو محاولة إثارة الفوضى وعدم الاستقرار في الداخل وسط موجة عاتية من انهيار الدول وتفكك مجتمعاتها في سائر أنحاء المنطقة".
لقاحات آمنة
2- التركيز على فعالية الإجراءات الحكومية إزاء المخاطر الصحية: وفي هذا الإطار، دعا وزير الصحة الأردني نذير عبيدات، في 10 يناير الجاري، لتجاهل الشائعات بشأن لقاحات كوفيد-19، فيما بدأت بلاده في حملة التطعيم ضد الفيروس. لذا، كانت الرسالة الأساسية للحكومة الأردنية للرأى العام أن "جميع لقاحات كوفيد-19 آمنة"، لاسيما أن التقارير الأخيرة الصادرة عن مرصد مصداقية الإعلام الأردني تشير إلى ارتفاع الشائعات المنتشرة عبر المواقع الإخباريّة الإلكترونية، وشبكات التواصل الاجتماعي، ووسائل الإعلام، التي تخص القطاع الصحي، التي قاربت 8 آلاف حالة في شهر نوفمبر الماضي.
وكذلك الحال بالنسبة لترديد بعض الناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي معلومات مضللة عن انتشار الفيروس منذ بدايات ظهوره وحتى اعتماد اللقاحات للعلاج منه. وفي هذا الصدد، أكد الدكتور حسين الرند وكيل وزارة الصحة ووقاية المجتمع، المساعد للعيادات والمراكز الصحية، رئيس اللجنة العليا للوائح الصحية لمكافحة الجائحات بالإمارات، في تصريحات صحفية بتاريخ 13 يناير الجاري، أن "تلك الأخبار المتداولة بشأن لقاح كوفيد-19 غير صحيحة، وهى مجرد شائعات"، موضحاً أن "المتداول عن أن اللقاح غير آمن، نتيجة السرعة في تطويره وتجربته، غير صحيح، فاللقاح آمن بحسب الدراسات والتجارب السريرية، فلا توجد مضاعفات رصدت لمتلقيه، ويوصى كذلك بإعطاء المسنين وأصحاب الأمراض المزمنة كونهم من الفئات الأكثر عرضة للإصابة بمضاعفات كورونا، ونطمئن الجميع بأنه آمن".
وأكد الرند أن "الذين مازالوا يرددون أن كورونا نظرية مؤامرة، غير واعين أن الجائحة موجودة، ويجب أن نتكاتف جميعاً للقضاء عليها، بتحصين أنفسنا وأسرنا ومجتمعنا، ووطننا". وقال أن "الشائعات المتداولة عن أن التطعيم يسبب العقم ويؤثر في الجينات، غير صحيحة، فالتطعيم لا يؤثر في الخصوبة ولا يسبب العقم ولا يغير الجينات. وبشكل عام، ثمة فئات مستثناة من التطعيم، ومن ضمنها الحوامل، ومن تقرر الحمل خلال الأشهر الثلاثة القادمة".
خلافة خامنئي
3- غموض نسبي في تحديد خلافة أحد الزعامات الدينية: وهو ما ينطبق على المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية في إيران علي خامنئي بعد انتشار شائعات على مواقع التواصل الاجتماعي في النصف الأول من ديسمبر الماضي، حول تدهور صحته لاسيما في ظل تقدمه في العمر (81 عاماً)، إذ انتشرت تلك الشائعات في أعقاب تغريدة كتبها صحفي باللغة العربية وقال فيها إن خامنئي أوكل بعض مهامه لنجله لأسباب صحية. وهنا، تجدر الإشارة إلى أن خامنئي يتولى منصب الزعيم الأعلى منذ عام 1989 وله القول الفصل في كل شئون الدولة، بما يتجاوز سلطات الرئيس.
وفي هذا السياق، نشرت وكالة الجمهورية الإسلامية الإيرانية للأنباء والموقع الرسمي لخامنئي على الإنترنت، في 16 ديسمبر الماضي، صوراً لاجتماع ظهر فيها خامنئي واضعاً كمامة وجالساً في غرفة كبيرة مع عدد من منظمي مراسم الذكرى الأولى لمقتل قاسم سليماني قائد فيلق القدس مع الالتزام بقواعد التباعد الاجتماعي للوقاية من كوفيد-19، ونقل الموقعان عن خامنئي قوله: "إن العداء لإيران ليس مقتصراً على أمريكا في عهد ترامب، ولن يتوقف عندما يرحل، فقد ارتكبت أمريكا في عهد باراك أوباما أيضاً أشياء سيئة.. بحق الأمة الإيرانية".
إعاقة الانتقال
4- عرقلة مسار المرحلة الانتقالية بعد انهيار النظم السابقة: الأمر الذي تعكسه حالة السودان بعد انهيار نظام البشير. إذ أعلنت وزارة العدل السودانية، في 11 يوليو 2020، اكتمال إجراءات إجازة عدد من القوانين المهمة بعد توقيع رئيس مجلس السيادة الفريق أول ركن عبدالفتاح البرهان، في خطوة نحو تحقيق مهام المرحلة الانتقالية، لافتة إلى أن من بين تلك القوانين تعديل قانون مكافحة الجرائم المعلوماتية لسنة 2020. ووفقاً لما ذكرته الوزارة في بيان لها، فإن "التعديل على القانون سماته العامة معنية بتشديد العقوبات لحماية حقوق المستخدم والحفاظ على الخصوصية ومنع انتشار الشائعات والنشر الضار".
سيادة متعددة
5- توجيه الاتهامات المتبادلة بين الأطراف المتحاربة في بؤر الصراعات المسلحة: على نحو يبدو جلياً في الحالة اليمنية، إذ تبادلت الحكومة الشرعية وميليشيا الحوثي اتهامات بالمسئولية عن انتشار كوفيد-19 بعد شهور من إنكار وجود الفيروس، الأمر الذي كان يثير استغراب منظمة الصحة العالمية نظراً لأنها تمتلك بنية تحتية صحية ضعيفة ونظم مراقبة هشة. وفي هذا الإطار، صارت الشائعات نوعاً من الحرب المتبادلة بين الحكومة الشرعية والحوثي، على نحو ما عكسته التفاعلات على مواقع التواصل الاجتماعي ومواقع إلكترونية محلية ووسائل إعلام خارجية.
إشعال الحراك
6- ممارسة الضغوط على النخب السياسية الفاشلة: وتعد لبنان حالة واضحة في هذا السياق، لاسيما في بدايات الموجة الأولى من انتشار فيروس كوفيد-19، وعبرت عن ذلك وزيرة الإعلام منال عبدالصمد قائلة في حديثها لوسائل الإعلام في 2 مارس 2020: "إن الشائعات والأخبار الكاذبة والملفقة التي يجري تداولها على نحو مكثف حول انتشار فيروس كورونا، تحدث هلعاً وتنعكس سلباً على معنويات اللبنانيين المثقلين بالهموم المعيشية".
وأشارت إلى أن اتفاقاً أُبرم مع وزير الصحة حمد حسن لتكون الوكالة الوطنية للإعلام هى المصدر الرسمي المعتمد لنشر المعلومات حول فيروس كوفيد-19، وهو ما يقتضي من جميع وسائل الإعلام ومستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي ضرورة توخي الحذر والحصول على الخبر الدقيق من الوكالة. ولعل ذلك سوف تظهر أهميته خلال المرحلة المقبلة بعد خروج الوباء عن السيطرة في بداية العام 2021، مما تطلب الإغلاق التام.
سياسات المواجهة:
خلاصة القول، إن المرحلة المقبلة تتطلب من الأجهزة الرسمية المعنية بدول الإقليم القيام بحملات مضادة لتوعية الرأى العام عبر إدماج بعض "المستخدمين" في مواجهة الشائعات، وإنشاء مراكز لمكافحة المعلومات المضللة، ورصد الأخبار المزيفة بالذكاء الاصطناعي مثلما تفعل الإمارات، فضلاً عن الملاحقة القانونية، وتزويد الجمهور بالمعلومات الصحيحة في الوقت المناسب، بما يؤدي إلى الحد من انتشار الشائعات التي يحاول البعض نسبها لمصادر ذات صدقية، مع محاولة تعزيز جاذبيتها عبر استخدام صور أو فيديو.