تُعوِّل السودان على رفع اسمها من قائمة الدول الراعية للإرهاب، في 23 أكتوبر الجاري، في دعم اقتصادها الذي تأثر سلباً، وتكبد خسائر واسعة طيلة العشرين عاماً الماضية بسبب العقوبات الاقتصادية الأمريكية. ويمثل قطاع الكهرباء أحد القطاعات التي يمكن أن تستفيد من الخطوة الأمريكية الأخيرة، حيث من شأنها أن تساعده في جذب الاستثمارات الأجنبية اللازمة لزيادة إنتاج الكهرباء، والاستفادة من فرص التمويل الدولية في هذا المجال، على نحو قد يمهد لعلاج الإشكالات الهيكلية التي عانى منها في الفترة الماضية.
عجز الإنتاج:
تفاقمت أزمة نقص الكهرباء في السودان خلال الفترة الماضية، ووصل معدل انقطاع الكهرباء في أنحاء مختلفة من البلاد إلى ما يزيد عن ثماني ساعات يومياً ولاسيما في فصل الصيف عندما يزيد الطلب على الكهرباء بسبب ارتفاع درجات الحرارة. وبالأصل، فإن استهلاك الكهرباء في السودان يعد من بين أعلى المعدلات في أفريقيا، حيث بلغ متوسط استهلاك الأسرة من الكهرباء نحو 308 كيلووات في الساعة شهرياً وفق تقديرات البنك الدولي، أى أكثر خمسة مرات من متوسط أفريقيا جنوب الصحراء.
ووفق التقديرات، تبلغ احتياجات السودان من الكهرباء ما يقارب 3800 ميجاوات، في حين تصل السعة المتاحة المنتجة عبر المحطات الكهرومائية والحرارية في البلاد إلى نحو 2800 ميجاوات، مما يؤدي إلى حدوث عجز في الإنتاج يصل إلى1000 ميجاوات، وتنعكس هذه المشكلة أيضاً على نسبة وصول الكهرباء للسكان.
إذ لا تغطي خدمات الكهرباء في السودان سوى نسبة 60% من السكان، وتزيد مشكلات عدم الحصول على الكهرباء في منطقتى دارفور وكردفان، على عكس ولايات أخرى مثل الخرطوط والجزيرة أى المناطق القريبة من العاصمة.
وفي ظل النمو السكاني المتوقع، حيث من المرجح أن يرتفع عدد السكان إلى 56 مليون بحلول عام 2031، قد تتفاقم مشكلة الكهرباء ما لم تنجح الحكومة في توفير سعة إضافية. وطبقاً للتقديرات، فإن هناك حاجة إلى سعة إضافية لا تقل عن 2000 ميجاوات لتلبية الطلب المستقبلي على الكهرباء في ظل النمو الصناعي والسكاني في البلاد.
خلل مالي:
بالإضافة إلى ما سبق، يعاني قطاع الكهرباء من مشكلات هيكلية تتعلق بإدارته سواء على الجانب المالي أو الإداري. وبالأساس، تحتكر القطاع شركات حكومية تنطوي تحت مظلة "شركة السودان القابضة للكهرباء"، ومعظم هذه الشركاء لا تتمع بالكفاء الإدارية والمالية اللازمة لاستدامة عمليات القطاع. وفضلاً عن ذلك، فليس من المسموح مشاركة القطاع الخاص بشكل مباشر في عمليات إنتاج الكهرباء إلى الآن.
وفيما يتعلق بالجانب المالي، يشار إلى أن تعريفة الكهرباء في السودان هى الأدنى في منطقة أفريقيا جنوب الصحراء، وبمعدل يقل عن 50 سنتاً أمريكياً لكل كيلووات في الساعة، ولا تسترد الشركات العاملة في إنتاج الكهرباء سوى 20% من تكاليف التشغيل، بما يؤدي إلى حدوث عجز مالي دائم، فضلاً عن نقص الفوائض المالية اللازمة للاستثمارات لتنفيذ مشاريع لزيادة الإنتاج أو تأهيل وصيانة المحطات القائمة.
ووفق التقديرات، تقدم الحكومة دعماً لقطاع الكهرباء يتمثل في تغطية تكلفة الوقود والاستثمار الرأسمالي، وبما يتجاوز أكثر من 600 مليون دولار سنوياً، أى ما يساوي حوالي 15% من الإنفاق الحكومي، وأكثر من 2% من الناتج المحلي سنوياً. ومن المرجح أن ترتفع تكاليف القطاع بشكل كبير بسبب استيراد الوقود للوفاء بالطلب المتزايد، مما قد يزيد من تكاليف دعم القطاع بالموازنة العامة.
وبحسب دراسة صادرة عن البنك الدولي، فإن الدعم الحكومي للقطاع من المرجح أن يتضاعف إلى 1.3 مليار دولار بحلول عام 2023، بسبب أسعار الوقود المتغيرة، والاحتياجات الاستثمارية، وهى كلفة كبيرة في ظل صعوبات توفير النقد الأجنبي في البلاد خلال المرحلة الحالية.
فرص جديدة:
يوفر رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، بموجب قرار الإدارة الأمريكية في 23 أكتوبر الجاري، فرصاً اقتصادية لم تشهدها البلاد من قبل، حيث سيكون بإمكانها إعادة الاندماج مجدداً في النظام الاقتصادي العالمي، والاستفادة من الفرص التمويلية التي تتيحها مؤسسات التمويل الدولية، إلى جانب جذب الاستثمارات الأجنبية مجدداً. وعلى هذا النحو، كان صندوق النقد الدولي قد ألمح مؤخراً إلى إمكانية استفادة السودان من تخفيف الديون المستحقة عليه.
ومن المرجح كذلك أن يكون قطاع الكهرباء أحد أبرز المستفيدين من الفرص الاقتصادية عقب رفع البلاد من قائمة الدول الراعية للإرهاب، حيث سيكون بمقدوره جذب استثمارات أجنبية لتنفيذ مشاريع إنتاجية، فضلاً عن الاستفادة من تمويل المؤسسات الدولية مثل البنك الدولي لقطاع الكهرباء ولاسيما توليد الكهرباء عن طريق الطاقة المتجددة.
وبالفعل، قبل رفع العقوبات بعدة أيام، وقّعت الحكومة مذكرة تفاهم مع شركة "جنرال إلكتريك" الأمريكية لبناء محطات لتوليد الطاقة الكهربائية، وإعادة تأهيل ثلاث محطات كهرباء من بينها محطتى كهرباء الفولة وغرب كردفان وبتكلفة إجمالية تقدر بـ915 مليون دولار. ومن دون شك، فإن هذا الاتفاق سوف يعزز الثقة بالحكومة، وسيمهد لإبرام صفقات مع شركات أجنبية أخرى في الفترة المقبلة.
ولتعظيم استفادة قطاع الكهرباء من الانفتاح الاقتصادي التالي لرفع البلاد من قائمة الدول الراعية للإرهاب، ينبغي إجراء إصلاحات هيكلية لتعزيز كفاءة القطاع، ويتمثل أبرزها في السماح للقطاع الخاص بالمشاركة في عمليات إنتاج وتوزيع الكهرباء، وإعادة هيكلة تعريفات الكهرباء، بحيث تصبح مشجعة للمنتجين للإقبال على الاستثمار في هذا المجال، وكذلك إعادة توجيه رؤوس الأموال نحو مشروعات الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، والتي تمتلك السودان قدرات هائلة فيها.
وختاماً، يمكن القول إن رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب يوفر فرصاً قوية لإعادة تأهيل قطاع الكهرباء في البلاد، والتي بالإمكان استغلالها وتعزيز مكاسبها من خلال تحسين المناخ التنظيمي والتشريعي للقطاع.