أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يصدر العدد الثاني من مجلة "اتجاهات آسيوية"
  • أ. د. نيفين مسعد تكتب: (عام على "طوفان الأقصى".. ما تغيّر وما لم يتغيّر)
  • د. إبراهيم فوزي يكتب: (بين موسكو والغرب: مستقبل جورجيا بعد فوز الحزب الحاكم في الانتخابات البرلمانية)
  • د. أيمن سمير يكتب: (هندسة الرد: عشر رسائل للهجوم الإسرائيلي على إيران)
  • أ. د. حمدي عبدالرحمن يكتب: (من المال إلى القوة الناعمة: الاتجاهات الجديدة للسياسة الصينية تجاه إفريقيا)

الاستخدام الفعال:

مقاربة جديدة لسياسة المساعدات الخارجية الأمريكية

05 فبراير، 2020


عرض: باسم راشد - باحث في العلوم السياسية

في محاولة لإضعاف النفوذ العالمي للصين، وقَّع الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" تشريعًا لإصلاح إطار المساعدات الأمريكية الخارجية، في خطوة حظيت بتأييد جميع الأطراف المنخرطة في السياسة الأمريكية، سواء من الحزبين الجمهوري والديمقراطي وكذا المتخصصين في قضايا التنمية والباحثين بالمراكز البحثية الأمريكية، لكونها الأكثر شمولية لمساعدات التنمية الأمريكية منذ 15 عامًا. 

فبموجب "قانون الاستخدام الأفضل للاستثمارات المؤدية إلى التنمية (BUILD)"، تم تأسيس بنك للتنمية بقيمة 60 مليار دولار لتمويل مبادرات التنمية في البلدان النامية، بما يولِّد فرصًا تجارية للولايات المتحدة، ويحسِّن مكانتها الدولية، ويحد من الفقر ويدعم التنمية في هذه البلدان. 

بيد أن تحقيق تلك الأهداف يرتبط بتبنّي مقاربة جديدة للمساعدات الخارجية بما يُعزز التنمية ويحافظ على التوازن الجيوستراتيجي، وهو ما تتناوله "ديشا جيرود" (أستاذ مشارك بجامعة جورج تاون) في مقال بعنوان "كيف تكسب الأصدقاء وتؤثر في التنمية: تحسين المساعدات الخارجية الأمريكية" بدورية "Survival" عدد ديسمبر ٢٠١٩ - يناير ٢٠٢٠.

التنمية أم كسب الأصدقاء؟

تؤكد "جيرود" أن العديد من الأدلة أثبتت أن ما تم تصنيفه كمساعدة إنمائية كان فعَّالا إما في تكوين صداقات أو دفع عجلة التنمية، ولكن ليس كليهما، إلا في حالة احتفاظ المانحين الغربيين بوجود عسكري كبير ودائم في الدول المتلقية للمساعدات كما هو الحال في أوروبا واليابان وكوريا الجنوبية.

أما بالنسبة للمساعدات للدول النامية فتؤكد الكاتبة أن المساعدات الغربية أضرت بالتنمية في البلدان ذات الأهمية الاستراتيجية، والتي تراوحت بين زائير في الثمانينيات إلى أفغانستان في الألفينيات من القرن الماضي، لكونها تمّت في إطار مكافأة الأنظمة الصديقة في محاربة الشيوعية، وفي وقت لاحق في مكافحة الإرهاب. حيث كانت المساعدات بمثابة "رشوة" لهذه الأنظمة استخدمتها في قمع التهديدات المحلية، دون التركيز على توجيه هذه المنح لدفع التنمية.

بيد أن "جيرود" تؤكد أنه عندما كانت التنمية هي الهدف الوحيد، فقد حققت المساعدات الغربية الكثير في البلدان المتلقّية. على سبيل المثال، تلقّت "موزمبيق" التي عانت من أكثر الحروب الأهلية تدميرًا في إفريقيا في الثمانينيات، ودُمرت بنيتها التحتية، وشُرد حوالي 5 ملايين شخص، مساعدات بقيمة 17 مليار دولار أمريكي تم توجيهها ضمن خطة عمل وُضعت لتنمية الدولة، والتي بموجبها تم إعادة إعمار البلاد، ونما الاقتصاد وانخفض معدل وفيات الرضع، وهو ما حدث أيضًا في حالات دول أخرى مثل السلفادور والبوسنة وأوغندا، نظرًا لوجود رغبة لدى القادة في الامتثال لشروط الجهات المانحة.

لكنّ هناك دولًا أخرى رفضت الامتثال لشروط المساعدات، واستخدمتها لتوطيد حكمها وتأمين السلطة. بالإضافة إلى ذلك، لا يمكن للمانحين سحب المساعدات دون المخاطرة بفقد شريك استراتيجي، خاصة في ظل التنافس الدولي مع الاتحاد السوفيتي سابقًا ومع الصين حاليًّا، وهو ما أدى إلى فشل المساعدات الخارجية بشكل ذريع في تحقيق التنمية المرجوّة في البلدان المتلقية.

تباين الأهداف

تُشير "جيرود" إلى أن الهدف من وراء المساعدات الخارجية قد اختلف بشكل واضح في مرحلة التسعينيات عنه في مرحلة ما بعد 11 سبتمبر. فقد مثَّلت الأولى الفترة الذهبية لسياسة المساعدات لكونها كانت أكثر فعالية في تحقيق التنمية في عدد من البلدان، وذلك لأن المانحين لم تكن لديهم مصالح استراتيجية واضحة في معظم البلدان النامية، ونتيجة لذلك يمكن للمانحين أن يهددوا بقطع المساعدات لأولئك الذين فشلوا في تلبية أجندة التنمية. 

ومن وجهة نظر المتلقين، يمكن أن يضمن الامتثال لاتفاقات المعونة تدفق المساعدات من الجهات المانحة غير الاستراتيجية، وكانت المساعدات حينها مصدر دخل أفضل من فرض الضرائب على مواطني هذه البلدان، لكنها -في الوقت ذاته- فرضت على هذه الحكومات بذل جهد إداري كبير امتثالًا لشروط المانحين بما يُحقق التنمية في بلدانهم، وهو ما تحقّق بشكل مذهل في رواندا مثلًا.

لكن عند مقارنة فترة التسعينيات بما بعد 11 سبتمبر، تؤكد الكاتبة أن المانحين لم يتمكّنوا من تحقيق نجاح مماثل بعد استثمار أكثر من 150 مليار دولار في المساعدات الإنمائية (باستثناء المساعدات العسكرية) في العراق وأفغانستان في العقد الأول من القرن العشرين مثلًا، وذلك لأن خطط المساعدات لبناء الدولة هدفت لخدمة مصالح الأمن القومي ذات الأولوية العليا في مكافحة الإرهاب.

ويُعزَى ذلك إلى اختلاف التوجه الخارجي للمانحين، حيث أصبحت الدول المتلقية للمساعدات فجأةً ذات أهمية استراتيجية في مكافحة الإرهاب، حيث فصل المانحون المساعدات المستقبلية عن الوفاء بمعايير التنمية، ولم يستطيعوا سحب المساعدات من الدول غير الملتزمة لكونها متحالفة مع إدارة الرئيس "جورج دبليو بوش" فيما يُعرف بـ"الحرب العالمية على الإرهاب".

ومن أبرز الأمثلة على ذلك أوغندا التي أصبحت ذات أهمية استراتيجية للولايات المتحدة بعد جهودها في مكافحة جماعة "جيش الرب" التي صنفتها واشنطن ضمن قائمة الجماعات الإرهابية؛ إذ بين عامي 2000 و2017، زادت الولايات المتحدة المساعدات الاقتصادية لأوغندا إلى أكثر من سبعة أضعاف؛ من 80 مليون دولار إلى 641 مليون دولار. ومع ذلك، تدهور امتثال "يوري موسيفيني" لجدول أعمال التنمية، إذ ألغت حكومته تحديد مدة الرئاسة في 2005 مما سمح له بأن يصبح أحد القادة الأطول خدمةً في إفريقيا. وبرغم تخفيض بعض المانحين مثل النرويج وأيرلندا المساعدات لأوغندا نتيجة لذلك، إلا أن "موسيفيني" تحمل ذلك لأنه كان مدعومًا جيدًا من الولايات المتحدة.

نحو مفهوم جديد

من واقع ما سبق، تطرح "جيرود" مقاربة جديدة لمفهوم المساعدات الخارجية الأمريكية، بهدف تعزيز التنمية مع الحفاظ بشكل كبير على التوافق الجيواستراتيجي، وهو ما يتطلب، وفقًا لـ"جيرود"، مزيدًا من الوضوح والتمييز في تقييم الأهمية الاستراتيجية للبلدان المتلقية للمساعدات وكيف ينبغي للمانحين استخدام نفوذهم لتعزيز التنمية في البلدان منخفضة الدخل. 

لذا تطرح "جيرود" نموذجًا لتصنيف البلدان منخفضة الدخل إلى ثلاث فئات؛ البلدان ذات الأهمية الاستراتيجية المنخفضة، والبلدان ذات الأهمية الاستراتيجية الحقيقية، والبلدان ذات الأهمية الاستراتيجية المشكوك فيها، بحيث تعكس الفئة التي تندرج تحتها الدول مدى جدية احتمال أن تنفذ الشروط، وتوجه قرارات المساعدات وفقًا لذلك.

أولًا- البلدان ذات الأهمية الاستراتيجية المنخفضة: ينبغي أن يركز المانحون في هذه البلدان على التنمية من خلال تطبيق اتفاقيات المساعدات بدقة، مع ضرورة وجود تهديدات موثوقة بقطع المساعدات في حالة عدم الامتثال بالشروط والالتزامات كما حدث في التسعينيات. كما يمكن للمانحين بعد ذلك مطالبة المتلقين للمساعدات بالوفاء بمعايير التنمية بشكل متزايد في مقابل الحصول على الدعم في المستقبل.

ثانيًا- البلدان ذات الأهمية الاستراتيجية الحقيقية: نادرًا ما تشجع المساعداتُ التنميةَ في هذه البلدان، لذا لا ينبغي وصفها بأنها "مساعدات إنمائية" بل يجب تسميتها بأنها "حافز استراتيجي" على سبيل المثال بما يُقلل من حدة الاتهامات التي تُوجَّه للمانحين جراءها.

أما إذا كانت الجهة المانحة ترغب في تحقيق التنمية في بلد ذي أهمية استراتيجية حقيقية، فمن غير المرجح نجاح الأساليب التقليدية في تحقيق ذلك لافتقار المانح النفوذ المطلوب لإجبار المتلقي على احترام الاتفاق. ومن ثم تظهر الحاجة لوجود طرق بديلة؛ والتي من بينها تجاوز الحكومات الضعيفة، وتوزيع المساعدات مباشرة على المجتمعات.

فبينما لم يترك حوالي 150 مليار دولار من المساعدات الإنمائية التي أُنفقت في العراق وأفغانستان تأثيرًا يُذكر في إعادة الإعمار بشكل عام، فإن برنامج الاستجابة الطارئة (CERP)، الذي أداره الجيش الأمريكي مباشرة في البلدين، ساهم في تحسين التنمية بنسبة محدودة على المدى القصير. إذ بين عامي 2004 و2015، وافق الكونغرس الأمريكي على إنفاق حوالي 4 مليارات دولار للعراق و4 مليارات دولار لأفغانستان من أموال هذا البرنامج لمكافحة "التمرد"، بما مكَّن الجيش من تلبية احتياجات المجتمع المحلية، بدءًا من أحذية الأطفال إلى معالجة المياه والنباتات بما ساهم في تحسين جانب من حياة المواطنين. 

في حين لم تنجح مشاريع برنامج الاستجابة الطارئة التي تم تسليم أموالها للحكومات المحلية. ففي أفغانستان، موَّل البرنامج ما يقرب من ثلث قيمة بناء الطرق في 2002، لكن مراجعة الحكومة الأمريكية لعام 2016 وجدت أن 95٪ من الطرق التي تم تقييمها في حالة سيئة، وكذلك الحال في العراق نتيجة الفساد وضعف القدرات الحكومية وافتقار القادة للحافز الذي يدفعهم لمواصلة جهود التنمية. 

لذلك تنصح "جيرود" بأنه يجب على المانحين في إطار تعاملهم مع بلدان هذه الفئة، أخذ ما يمكنهم الحصول عليه من حيث التنمية، وحساب ما إذا كانت المكاسب من العلاقة الاستراتيجية تستحق التكلفة في التنمية المفقودة أم لا، وذلك لأنه بينما تبدأ الأهمية الاستراتيجية للمتلقين في الانخفاض، ستظهر فرص لزيادة نفوذ المانحين في تطبيق سياسات التنمية.

ثالثًا- البلدان ذات الأهمية الاستراتيجية المشكوك فيها: المعونة يعتمد على الجهة المانحة للحصول على مساعدة أكثر من أن يعتمد المانح على المتلقي لأغراض أمنية أو استراتيجية مثلًا، فقد يشعر المتلقي بأنه مضطر للوفاء بشروط التنمية التي يفرضها المانح. 

علاوة على ذلك، تقترح "جيرود" على المانحين ربط الحصول على المساعدات الخارجية لتحقيق أهداف استراتيجية للدولة بتنفيذ مشاريع تنموية ملموسة. فمثلًا يمكن للولايات المتحدة أن تجعل عملية بيع طائرات هليكوبتر هجومية للدفاع ضد التهديدات المتزايدة متوقفة على أهداف تنموية محددة في البلد المتلقي. وإذا خشيت أن يتراجع المتلقي بعد استلام الطائرات، فيمكنها التهديد بسحب عقود الصيانة للطائرات لإجبار المتلقي على دفع أجندة التنمية والالتزام بشروط المانح.

على هذا المنوال، قد يكون من الممكن تعزيز التنمية في البلدان الغامضة من الناحية الاستراتيجية من خلال محاكاة نهج تم استخدامه بنجاح لمكافحة انتهاكات حقوق الإنسان. ففي الولايات المتحدة، تحظر قوانين "ليهي" لعام 1997 تقديم المساعدات العسكرية لدولة لا تفي بمعايير حقوق الإنسان الأمريكية. 

وقد أحدث هذا الحظر فرقًا في كولومبيا عام 1998، وهي دولة ذات أهمية استراتيجية للولايات المتحدة؛ إذ سعت الدولة للحصول على مساعدة عسكرية لهزيمة الجماعات المتمردة وعصابات المخدرات، لكن جيشها لم يتمكن من تجاوز معايير ليهي، فدعت الولايات المتحدة إلى إنشاء "وحدات نظيفة"، بالتعاون مع كولومبيا، وهو ما اعتبرته الأخيرة نوعًا من التنازل الأمريكي عن شروط تقديم المساعدات وطالبوا في المقابل بتمويل أمريكي للمعدات، وهو ما يُمكن أن يحدث مع الدول ذات الأهمية الاستراتيجية المشكوك فيها.

ختامًا، إن تحديد القيمة الاستراتيجية لكل دولة متلقية أمر أساسي في حساب ما إذا كان يمكن فرض شروط المساعدات أو سحبها من غير الملتزمين، ونظًرا لأن المساعدات الاستراتيجية تشجع الولاءات ولكنها لا تشجع التنمية، فمن الأهمية بالنسبة للمانحين الغربيين أن يكونوا دقيقين في اختيار البلدان التي يرون أنها ذات أهمية استراتيجية، بما يمكِّنهم من تلبية متطلبات الأمن الوطنية والدولية مع تعظيم نفوذهم لتعزيز التنمية.

المصدر: 

Desha Girod, How to Win Friends and Influence Development: Optimising US Foreign Assistance, Survival, vol. 61 no. 6, December 2019–January 2020, pp. 99–114.