سأقولها ببساطة ووضوح: إذا كنت يهودياً أميركياً وكنت تعتزم التصويت لمصلحة ترامب لأنك تعتقد أنه يدعم إسرائيل، فإنك ساذج بكل تأكيد. رجاءً، لا تسيئوا فهمي. فقد قال ترامب وفعل الكثير من الأشياء لمصلحة الحكومة الإسرائيلية الحالية، وكان محل إعجاب كبير من قبل الجمهور الإسرائيلي. فإنكار ذلك هو إنكار للحقيقة. لكن الحقيقة أيضاً أن طريقة ترامب في التعبير عن عطفه على إسرائيل تخضع لرغبته السياسية في تحسين فرص إعادة انتخابه عبر تصوير الحزب «الجمهوري» ككل على أنه مؤيد للدولة العبرية وكل الحزب «الديمقراطي» على أنه مناوئ لها.
لذلك يقوم ترامب، بمساعدة من نتنياهو، بشيء لم يسبق لأي رئيس أميركي ورئيس وزراء إسرائيلي القيام به: فهما يجعلان من دعم إسرائيل موضوعاً خلافياً في المشهد السياسي الأميركي. والحال ألا شيء أخطر على مصالح إسرائيل على المدى الطويل من أن تتحول إلى مسألة تحيز حزبي في أميركا التي تُعد داعمها الأساسي في العالم.
ومثلما حذّر دوري غولد، السفير الإسرائيلي اليميني السابق لدى الأمم المتحدة، والذي كان المستشار الأقرب لنتنياهو ذات يوم، في حوار في معهد هادسون في 27 نوفمبر 2018: «عليك أن تتواصل مع الديمقراطيين، وأن تتواصل مع الجمهوريين، وألا تتورط في التحيز لحزب معين في الولايات المتحدة».
إن حملة ترامب الرامية لتشويه سمعة الحزب «الديمقراطي» ككل بسبب بعض الآراء المعادية لإسرائيل، هو جزء من عملية ستُلحق ضرراً بالغاً وطويل الأمد بالدعم الأميركي لإسرائيل.
لكن منذ متى كانت إسرائيل، والتي يقول العرب الإسرائيليون في برلمانها كل الأشياء المجنونة والجامحة، تخشى مما يراه أو يقوله بعض النواب الأميركيين؟
لقد فات الأوان الآن، فالضرر جراء ما تسبب فيه ترامب ونتنياهو، جعل إسرائيل موضوعاً خلافياً في المشهد السياسي الأميركي، قد وقع بالفعل. وينبغي ألا ننخدع: فنتنياهو، ومن خلال مخططاته مع «جمهوريي» مجلس الشيوخ، يستطيع جعل الكونجرس يمنحه منبراً متى شاء. لكن نتنياهو لا يستطيع التحدث في أي حرم جامعي كبير اليوم من دون حماية بوليسية كبيرة. ذلك أن الاحتجاجات ستكون ضخمة.
ثم استمع إلى بعض أبرز المرشحين الرئاسيين «الديمقراطيين» الحاليين، مثل إيليزابيث وارن وبيرني ساندرز، وستستطيع أن تلمس مدى استيائهما من سلوك الحكومة الإسرائيلية واحتلالها المتواصل للضفة الغربية. وهم لم يعودوا خائفين من قول ذلك. وكما أفادت صحيفة «جيروزاليم بوست»، في 11 يوليو الماضي، فإن السيناتورة «إيليزابيث وارن»، التي انتعشت فرص ترشيحها خلال في الأسابيع الأخيرة، قالت لاثنين من النشطاء اليهود المناهضين للاحتلال، «أجل»، عندما طلبا منها دعماً.
لكن من يستطيع لومهم؟ فترامب يساوي بين كل الحزب «الديمقراطي» وكره إسرائيل، بينما يساوي بين دعم نتنياهو –الذي يقود الحكومةَ الأكثر تطرفاً في تاريخ إسرائيل، ويواجه ثلاثة تهم فساد، وتتمثل أولويته الأولى في إعادة انتخابه.
ثم هناك عامل آخر: فمن خلال نقل السفارة الأميركية إلى القدس، وتحويل السفارة، بقيادة ديفيد فريدمان (صديق لترامب)، إلى قاعدة للدفع بمصالح المستوطنين اليهود، وليس المصالح الأميركية.. تم إعطاء إشارة الضوء الأخضر لإسرائيل كي تضم الضفة الغربية.
ومرة أخرى، نقول: إذا ظل نتنياهو رئيساً للوزراء، وهو أمر يتطلب تشكيل ائتلاف من أحزاب يمينية متطرفة تريد ضم الضفة وسكانها الـ2.5 مليون فلسطيني، فإن إسرائيل ستكون في طريقها لأن تصبح إما دولة ثنائية القومية للعرب واليهود، أو دولة تحرم شريحة كبيرة ومتنامية من سكانها من حقهم الديمقراطي في التصويت. وأي منهما لن يكون الديمقراطية اليهودية التي حلم بها مؤسسو إسرائيل.
إنني أحب الإسرائيليين والفلسطينيين والعرب، وأسأل الله أن يحفظني من بعض أصدقائهم الأميركيين. ذلك أن كثيرين منهم لا يريدون سوى استغلال هذه المشكلة للدفع بأنفسهم سياسياً، أو إثارة الانتباه، أو جمع التبرعات، أو نزع الشرعية عن خصومهم. صحيح أن ترامب ليس الوحيد في ذلك، لكنه يتقدمهم الآن.
*نقلا عن صحيفة الاتحاد