لا يبدو أن إعلان تنظيم "داعش" عن تأسيس ولاية جديدة في الهند، في 10 مايو 2019، ينفصل عن كل ما يجري في منطقة الشرق الأوسط من تفاعلات كانت الحرب ضد التنظيم أبرز عناوينها خلال المرحلة الماضية. إذ يمكن القول إن تلك الخطوة، التي كشفت عنها وكالة "أعماق"، التي تعد من أهم الأدوات الدعائية للتنظيم، عقب اندلاع اشتباكات بين بعض المسلحين وقوات الأمن في منطقة شوبيان بإقليم كشمير، أسفرت عن مقتل مسلح أعلن مبايعته لـ"داعش" بعد أن كان يقاتل في صفوف بعض الجماعات المحلية، جاءت في إطار محاولات التنظيم إثبات قدرته على التمدد في مناطق جديدة بعيدة عن تلك التي ظهر فيها وحاول تطبيق مشروعه بها وفشل بعد أن تعرض لضربات عسكرية قوية من جانب أطراف عديدة إقليمية ودولية معنية بالحرب ضده، منى بسببها بخسائر بشرية ومادية لا تبدو هينة.
توقيت لافت:
وقد اعتمد التنظيم في محاولاته الرد على تلك الضربات العسكرية التي تعرض لها خلال المرحلة الحالية على آليتين رئيسيتين: الأولى، تصعيد حدة الهجمات الإرهابية التي يقوم بها في مناطق مختلفة من العالم على غرار الهجمات التي شنها في سيريلانكا، في 21 إبريل الفائت.
والثانية، الإعلان عن تأسيس "ولايات جديدة"، على غرار الولايات التي كشف عنها قائده أبو بكر البغدادي في إفريقيا، خلال التسجيل المصور الذي نشره التنظيم له في 29 إبريل الفائت، والذي جاء عقب إعلان مسئوليته عن أول هجوم له في جمهورية الكونغو الديمقراطية في 19 من الشهر ذاته.
واللافت في هذا السياق، أن إعلان التنظيم عن تأسيس ولايته الجديدة في الهند جاء بعد نحو شهرين من التصريحات التي أدلى بها بعض المسئولين الغربيين بشأن القضاء عليه بنسبة كبيرة، وبعد أقل من شهر على الظهور الأخير للبغدادي، والذي تزامن مع حلول الذكرى الخامسة لتأسيس التنظيم ذاته، وهو ما يكشف أن التنظيم كان يسعى عبر ذلك إلى توجيه رسالة مفادها أن المشروع الذي سعى إلى تطبيقه لم يسقط بعد، رغم كل الضغوط التي يتعرض لها، وأنه ما زال مصرًا على إعادة تفعيله من جديد حتى بعد الهزائم العسكرية التي منى بها، وآخرها الهزيمة التي أدت إلى إخراجه من آخر جيب تابع له في منطقة الباغوز السورية.
وربما يفسر ذلك ظهور عدد من قادة التنظيم بجوار البغدادي، خلال التسجيل المصور، وهم يقدمون له ملفات ما يسمى بـ"الولايات الخارجية"، وإعلانه في التسجيل نفسه تأسيس ولاية جديدة في مالي وبوركينا فاسو والنيجر.
وهنا، فإن اتجاهات عديدة رجحت أن يحاول التنظيم الربط بين ظهور البغدادي في التسجيل المصور والإعلان عن تأسيس "ولاية جديدة" في الهند، للإيحاء بأن التنظيم استطاع عبر الترويج لنجاحه في الحفاظ على تماسكه الداخلي وعلى قيادته استقطاب تأييد مجموعات وعناصر إرهابية جديدة من خارج منطقة الشرق الأوسط، بما يعني أنه بات يركز بشكل كبير على الأداة الدعائية في تعزيز نفوذه وتمدده في مناطق جديدة بعد أن فقد قسمًا كبيرًا من قدراته البشرية والمادية في المواجهات العسكرية التي انخرط فيها داخل المناطق الرئيسية التي ظهر فيها.
أهداف مختلفة:
يمكن القول إن تنظيم "داعش" يسعى عبر إعلانه عن تأسيس "ولاية جديدة" في الهند، إلى تحقيق أهداف عديدة تتمثل في:
1- الهروب إلى الأمام: يبدو أن قادة "داعش" باتوا يدركون أن الحفاظ على هيكل التنظيم في كل من العراق وسوريا بات صعبًا بدرجة كبيرة، خاصة بعد سقوط الباغوز، التي مثلت نهاية للمشروع الذي تبناه وحاول تطبيقه على الأرض، وهو ما دفعهم إلى البحث عن بؤر جديدة، يمكن من خلالها ليس فقط الحفاظ على هذا المشروع، وإنما أيضًا تمكين العناصر الهاربة من البؤر "الداعشية" المحاصرة من الانتقال إليها.
2- استغلال فشل التنظيمات المنافسة: رغم اهتمام "داعش" بمحاولات تعزيز نفوذه في القارة الإفريقية، إلا أنه ما زال يواجه عقبات عديدة، يأتي في مقدمتها النفوذ الذي يحظى به تنظيم "القاعدة"، الذي تمكن من توجيه ضربات قوية لبعض المجموعات "الداعشية" في مناطق نفوذها، خاصة في منطقة الساحل الإفريقي، وهو ما دفع قادة "داعش" إلى البحث عن مناطق جديدة يمكن أن يحقق من خلالها هذا الهدف.
ومن هنا جاء تركيزه على الهند، حيث لم يستطع تنظيم "القاعدة" تعزيز نفوذه فيها، على نحو اعتبره "داعش" فرصة للتمدد في المناطق التي سبق أن سعى تنظيم "القاعدة" إلى الظهور فيها.
3- تجنيد عناصر إرهابية: ما زال التنظيم حريصًا على استقطاب مزيد من العناصر الإرهابية في أنحاء مختلفة من العالم، حيث يستخدم آليات مختلفة في هذا السياق، يتمثل أبرزها في الإعلان عن تأسيس "ولايات خارجية" تابعة له، أو مبايعة مجموعات إرهابية مختلفة قريبة من توجهاته. ووفقًا لاتجاهات عديدة، فإن التنظيم يسعى في هذا السياق إلى استغلال التوترات التي تتسم بطابع ديني أو عرقي لتعزيز قدرته على تحقيق هذا الهدف.
ومع ذلك، فإن هذا الفرع الجديد الذي أعلن "داعش" عن تأسيسه في الهند ربما لن يتمكن بسهولة من ممارسة الدور نفسه الذي سبق أن مارسته بعض "الولايات الخارجية" والمجموعات الإرهابية التي أعلنت مبايعتها له، خاصة أن تلك الخطوة الأخيرة جاءت في سياق محاولات التنظيم مواجهة انحسار نشاطه ورفع معنويات كوادره وعناصره بعد أن تراجعت بشكل كبير في ظل الضربات القوية والهزائم العسكرية التي تعرض لها في الفترة الماضية.