يبدو أن تنظيم "داعش" يتجه نحو البحث عن مناطق نفوذ جديدة في جنوب شرقى آسيا، وذلك بهدف تعويض خسائره المتتالية في كل من سوريا والعراق، وهو ما تكشف عنه المواجهات الحالية التي دخلت أسبوعها الثالث بين الجيش الفلبيني وبعض العناصر المتشددة التي تنتمي لجماعة "ماوتي" التي يعتقد أنها على صلة بالتنظيم في مدينة ماراوي بجزيرة مينداناو التي تقع جنوب الفلبين، والتي سيطرت هذه العناصر على بعض أحيائها منذ 23 مايو 2017.
وتواجه القوات الحكومية صعوبات عديدة في مواجهاتها مع تلك العناصر، وهو ما يعود إلى اعتبارات مختلفة ترتبط بوجود مدنيين داخل مناطق المواجهات وحصول جماعة "ماوتى"، التي يقودها عمر المختار روماتو ماوتي، على دعم من جانب بعض المتعاطفين معها، حسب ما كشفت عنه بعض التقارير الإعلامية. وتطرح المواجهات الحالية في ماراوي تساؤلات عديدة حول أهداف تنظيم "داعش" من تصعيد عملياته في جنوب الفلبين في ذلك التوقيت، لا سيما وأن معركة ماراوي تُعد أول مواجهة مباشرة بين التنظيم والجيش الفلبيني، في حين كان الأول يعتمد في السابق على منح الأولوية لشن العمليات الإرهابية على الدخول في مواجهة مباشرة مع القوات الحكومية.
عوامل متعددة:
ربما يمكن القول إن ثمة عوامل عديدة ساهمت في تزايد نشاط تنظيم "داعش" في الفلبين خلال الفترة الحالية، يتمثل أبرزها في اتجاه بعض العناصر المتطرفة التي كانت تنتمي لبعض التنظيمات الإرهابية المحلية للانضمام إلى "داعش"، بل وإعلان بعض تلك التنظيمات عن مبايعة الأخير، مثل "جماعة أبو سياف"، إلى جانب جماعة "ماوتي" التي تأسست عام 2012 وقامت بتنفيذ عمليات إرهابية عديدة، على غرار الهجوم الإرهابي الذي نفذته في مدينة دافاو في سبتمبر 2016، وأسفر عن مقتل 14 شخصًا.
ووفقًا لتقارير عديدة، ينتشر عناصر "داعش" في جزيرة مينداناو التي تواجه مشكلات عديدة على غرار ارتفاع معدل الفقر وتدني مستوى البنية التحتية وتراجع الخدمات الاجتماعية وغياب القانون إلى جانب انتشار تجارة المخدرات، التي مثلت أحد مصادر تمويل التنظيمات الإرهابية خلال الفترة الماضية. ويبدو أن التنظيم حرص على عدم الاعتماد فقط على العناصر المحلية المتعاطفة مع أفكاره وتوجهاته في تكوين بعض البؤر الإرهابية التابعة له في تلك المناطق، وإنما دفع ببعض العناصر الأجنبية التي تمتلك خبرة اكتسبتها من انخراطها في المواجهات المسلحة في المناطق التي سيطر عليها في كل من سوريا والعراق.
أهداف مختلفة:
يبدو أن تنظيم "داعش" يسعى إلى تحقيق أهداف عديدة من خلال محاولة التمدد في بعض المناطق بجنوب الفلبين، ويتمثل أبرزها في:
1- تكوين بؤر إرهابية جديدة تابعة له: يحرص التنظيم بشكل دائم على اختيار المناطق التي تتسم بضعف الرقابة الأمنية والتضاريس الصعبة والاضطرابات الطائفية من أجل تكوين بؤره الإرهابية ونشر أفكاره المتطرفة. ومن هنا اكتسبت جزيرة مينداناو أهمية خاصة بالنسبة لـ"داعش"، الذي يبدو أنه يسعى إلى تحويلها لمعقل جديد يمكن اللجوء إليه خلال المرحلة المقبلة، لا سيما في ظل الضغوط القوية التي يتعرض لها في المناطق التي يسيطر عليها، مع قرب انتهاء معركة الموصل والاستعداد لمعركة الرقة التي تمثل معقله الرئيسي.
2- تجنيد عناصر جديدة: ربما يسعى التنظيم من خلال التمدد في تلك المناطق إلى تجنيد عناصر جديدة للانضمام إليه خلال الفترة القادمة، خاصة مع الخسائر البشرية الكبيرة التي منى بها بسبب انخراطه في أكثر من مواجهة عسكرية في وقت واحد، لا سيما في ظل ما تتسم به من كثافة سكانية عالية وانتشار التنظيمات المتطرفة وارتفاع مستويات الفقر.
كما يمكن أن تمثل تلك المناطق نقطة انطلاق لشن هجمات من قبل التنظيم على أهداف لبعض دول الجوار، خاصة مع تزايد تحذيرات بعض الاتجاهات من أن يؤدي تعزيز نفوذ "داعش" في تلك المناطق إلى استقطاب بعض العناصر المتطرفة من هذه الدول التي يمكن أن تتجه في مرحلة لاحقة إلى محاولة تنفيذ عمليات إرهابية فيها. ومن دون شك، فإن تلك التحذيرات باتت تكتسب أهمية خاصة، لا سيما بعد أن وجه بعض العناصر الإرهابية الآسيوية التي انضمت للتنظيم في سوريا والعراق رسالة إلى المتطرفين المحليين في تلك الدول لدعوتهم إلى عدم الذهاب إلى المناطق الرئيسية للتنظيم في الشرق الأوسط والتركيز بدلا من ذلك على محاربة الحكومة الفلبينية.
وقد عبر رئيس وزراء سنغافورة لي هسين لونج، في 11 يونيو 2017، عن قلق دول المنطقة من تزايد نشاط التنظيم، بقوله: "يبدو وكأنه بعيد جدًا.. لكنه ليس كذلك"، في إشارة إلى "داعش"، مضيفًا: "هذه مشكلة تعيش بيننا.. الخطر حاضر وجلي".
3- نشر الفكر "الداعشي": ساهم ظهور بعض التنظيمات المتطرفة في تلك المناطق خلال الفترة الماضية في تهيئة المجال أمام انتشار أفكار وتوجهات التنظيم، خاصة أنه تمكن عبرها من استقطاب عدد ليس قليلا من العناصر المتطرفة التي انضمت إلى تلك التنظيمات ثم انتقلت للمشاركة في عمليات التنظيم في سوريا والعراق بعد أن قامت بإعلان الولاء له.
4- تعويض الانحسار: يبدو أن التنظيم يحاول من خلال العمل على توسيع نطاق نفوذه في الفلبين تعويض التراجع الملحوظ الذي يعاني منه في معاقله الرئيسية في العراق وسوريا، وإثبات قدرته على التمدد والانتشار رغم الضغوط التي يتعرض لها، والتي تفرضها العمليات العسكرية التي تشنها بعض القوى والأطراف المعنية بالحرب ضده في تلك المناطق، وهو ما قد يدعم جهوده للحفاظ على تماسكه الداخلي وتقليص احتمالات اتجاه بعض كوادره وعناصره للانشقاق عليه والانضمام إلى تنظيمات إرهابية أخرى.
ومن هنا ربما يمكن تفسير أسباب الاهتمام الإقليمي والدولي بمتابعة تطورات المواجهات الحالية التي تجري بين الجيش الفلبيني وعناصر تنظيم "داعش"، والتي سوف تساهم نتائجها في تقييم مدى قدرة التنظيم على تأسيس بؤر إرهابية تابعة له بعيدًا عن المناطق التي كان يسيطر عليها في كل من سوريا والعراق.