تصاعدت حدة العمليات الإرهابية التي استهدفت المناطق السياحية في عدد من دول الشرق الأوسط، مثل مصر وتونس وتركيا، إلى جانب الأردن مؤخرًا، وهو ما يشير بوضوح إلى أن التنظيمات الإرهابية تتبنى نهجًا جديدًا في تنفيذ عملياتها يقوم على ثلاثة عناصر رئيسية، هى اختيار التوقيتات الفارقة، والالتزام بالتكرارية، واستهداف المناطق الحيوية.
وتسعى تلك التنظيمات من خلال ذلك إلى تحقيق هدفين رئيسيين، هما استمرار تقويض الاقتصادات المحلية، والضغط على العناصر الأجنبية المعادية لها بالإقليم. وفي هذا السياق، يبدو أن أداء القطاع السياحي سيشهد مزيدًا من التراجع بالفترة المقبلة، لا سيما في الدول التي تشهد اضطرابات مرتفعة، وهو ما سيؤثر من دون شك على الاقتصادات الإقليمية سلبًا.
أبعاد رئيسية:
تكشف سلسلة الأحداث الإرهابية التي تعرضت لها بعض دول الشرق الأوسط منذ عام 2015 عن نهج جديد للتنظيمات الإرهابية يستهدف القطاع السياحي، يتضمن عدة أبعاد رئيسية تتمثل في:
1- التوقيت الحاسم: تَعْمِدُ التنظيمات الإرهابية –مثل "داعش"- إلى اختيار توقيتات حاسمة ومؤثرة لتنفيذ عمليات إرهابية تؤثر بشدة على المواسم السياحية في الدول المختلفة. وعلى سبيل المثال، يُعتبر قيام "داعش" بتنفيذ عملية قلعة الكرك بالأردن، في أواخر ديسمبر 2016، والتي أسفرت عن قتل سائحة هولندية، هزةً جديدة للسياحة الأردنية قبل موسم أعياد عطلة العام الذي يُعد من أكثر أوقات السنة انتعاشًا للسياحة.
وفور الحادث، أصدرت وزارة الخارجية الأمريكية تحذيرًا بشأن السفر إلى الأردن، فيما أعلن عدد من المسئولين عن صناعة السياحة الأردنية أن عددًا من الحجوزات بالأردن تم إلغاؤها بالفعل. وفي الإطار نفسه، يُعد توقيت تنفيذ تفجير الكنيسة البطرسية في مصر مخيبًا لآمال الأوساط السياحية، إذ سيثير الشكوك مجددًا حول إمكانية تعافي السياحة المصرية التي شهدت تحسنًا نسبيًّا في الشهور الأخيرة من العام الجاري.
2- تكرارية الحوادث: من الواضح أيضًا أن التنظيمات الإرهابية بالإقليم تتبنى تكتيكات أخرى تقوم على تنفيذ الحوادث الإرهابية بتكرارية عالية وفي مواقع سياحية مختلفة، وهو أمر من شأنه تأكيد الشعور بعدم الأمان في المقصد السياحي المستهدف لدى السائح الأجنبي، بشكل يكبد القطاع السياحي في الدول المختلفة خسائر لفترة زمنية طويلة.
وفي هذا الإطار، تعرضت تركيا لسلسلة متكررة من الهجمات الإرهابية منذ عام 2015، والتي يشنها "حزب العمال الكردستاني" والجماعات المسلحة التابعة له مثل "صقور حرية كردستان"، إلى جانب بعض الهجمات الإرهابية الأخرى التي نفذها تنظيم "داعش". وكانت المواقع السياحية في اسطنبول وأنقرة من الأهداف الجاذبة للتنظيمات السابقة، ولعل أكثرها خطورة وتأثيرًا حادث تفجير شارع استقلال السياحي أحد أكبر شوارع التسوق وسط مدينة اسطنبول في مارس 2016. كما تعرضت تونس لسلسلة من الحوادث الإرهابية في عام 2015 شملت استهداف حافلة تضم سائحين، إلى جانب الهجوم على متحف باردو، ومنتجع سياحي بسوسة.
3- أهداف حيوية: يرتبط تنفيذ العمليات الإرهابية من قبل التنظيمات السابقة باستهداف المنشآت والمناطق السياحية والأثرية الحيوية والمزدحمة في الوقت نفسه، بما يتسبب في تبعات سلبية واسعة، سواء على الصعيد السياسي أو الدبلوماسي أو المادي أيضًا. ومن دون شك، فإن الخسائر الواسعة للقطاع السياحي المصري عقب حادث إسقاط الطائرة الروسية في شبه جزيرة سيناء في أكتوبر 2015 تبرهن بقوة على المدى الواسع لأضرار استهداف المنشآت الحيوية.
كما أن أحد التكتيكات الأخرى التي أقبلت الجماعات الإرهابية على تنفيذها هي استهداف الشخصيات الأجنبية السياسية أو الدبلوماسية في دول الإقليم، بما قد يضطر الدول الأجنبية لتشديد قيود السفر على أسواقها السياحية. وفي هذا الصدد، ومع أن السبب المباشر لقيام الشرطي التركي مولود مرت الطن طاش باغتيال السفير الروسي بتركيا أندريه كارلوف، وفقًا لتقارير عديدة، هو المشاعر العدائية التي يحملها تجاه روسيا بعد انتهاء معركة حلب، إلا أن هذه العملية قد تُحقق هدفًا آخر لأيٍّ من التنظيمات الإرهابية، وهو تقويض العلاقات الاقتصادية بين تركيا وروسيا، بما فيها التراجع المحتمل لحركة السياح الروس إلى تركيا، والذين يمثلون المرتبة الثانية في تعداد السياح بتركيا، إذ من المرجح فرض روسيا قيودًا على سفر المواطنين الروس إلى تركيا خشية تعرض المواطنين الروس في تركيا لهجمات عدائية مستقبلية.
أسباب التصاعد:
تتعدد العوامل التي تسببت في تصاعد الهجمات الإرهابية في منطقة الشرق الأوسط مؤخرًا، وهو ما يمكن تناوله على النحو التالي:
1- انتشار التوجهات العدائية: تكشف الحوادث الإرهابية السابقة عن أن المواقع السياحية هدف جاذب للتنظيمات الإرهابية، وخاصة تنظيم "داعش"، الذي يهتم بشكل خاص باستهداف الأجانب، أو المنتمين للدول المشاركة في التحالف الدولي ضده في العراق وسوريا. وبخلاف الجنسية الأمريكية التي كانت هدفًا في الماضي للتنظيمات الإرهابية، يبدو أن المشهد الحالي، لا سيما عقب اغتيال السفير الروسي بتركيا، يكشف عن بدايات جديدة لاستهداف المواطنين الروس بالخارج، حيث ترى اتجاهات عديدة أن روسيا إحدى القوى المسئولة عن معاناة الشعب السوري.
2- أهداف رخوة: بادرت كافة دول الإقليم إلى تعزيز الإجراءات الاحترازية لتأمين المواقع والمنشآت السياحية عقب اندلاع الثورات والاحتجاجات العربية. ومع ذلك، تبرهن الحوادث الإرهابية السابقة على أنها كانت أهدافًا سهلة للتنظيمات الإرهابية. وربما يُعزَى ذلك إلى عدم الكفاءة البشرية أو المادية لتأمين المواقع السياحية وغيرها من المواقع في بعض دول الإقليم، فضلا عن تطور التكتيكات الهجومية للتنظيمات الإرهابية في استهداف هذه المنشآت.
3- تقويض الاقتصادات المحلية: لا شك في أن قطاع السياحة في عدد من دول الشرق الأوسط يمثل رافدًا هامًّا لها في توفير النقد الأجنبي، وخلق فرص العمل، فقد أشارت تقديرات مجلس السياحة والسفر العالمي إلى أن القطاع السياحي بالإقليم في عام 2015 حقق إيرادات بنحو 72.4 مليار دولار من إجمالي الناتج المحلي للمنطقة (3% من الناتج المحلي الإجمالي)، ووفر 2.5 مليون فرصة عمل (3.3% من إجمالي الوظائف). ومن ثم فإن استهداف المنشآت السياحية قد يخصم من المكاسب الاقتصادية المتحققة لها حاليًّا ومستقبلا.
تداعيات محتملة:
مع أن بعض الأسواق السياحية بالإقليم بدأت تتعافى تدريجيًّا مثل السوق التونسي الذي شهد زيادة في أعداد الوافدين إليه، إلا أن التوترات الأمنية بالمنطقة، علاوة على الحوادث الإرهابية التي شهدتها مؤخرًا دول مثل مصر وتركيا والأردن، ستحد من مكاسب القطاع السياحي الكلي بالنهاية، إذ من المتوقع أن يستمر الاتجاه الهابط لأعداد السياح الوافدين للمنطقة. وفي العام الماضي تراجع عدد السائحين بالأسواق الرئيسية بالمنطقة ليصل إلى 71.3 مليون سائح مقابل 73.1 مليون سائح في عام 2014، وذلك بحسب بيانات منظمة السياحة العالمية.
ومن الواضح أن الأسواق السياحية، التي بدأت تتعافى أو المستقرة، ستتأثر أيضًا بالعدائية التي ظهرت بوادرها تجاه الروس في الشهر الجاري مع اغتيال السفير الروسي، إذ من شأن ذلك أن يبطئ من حركة السياحة الروسية الوافدة للإقليم، ليحبط -في الوقت نفسه- آمال بعض الدول التي عوضت غياب السائح الغربي بالسائح الروسي على غرار ما شهده الموسم السياحي في تونس خلال العام الجاري.
وربما لن تقتصر خسارة بعض دول الإقليم على الأجل القصير، وإنما قد تمتد لفترة زمنية أطول. أما دولة مثل الأردن، فإن القطاع السياحي فيها قد يتجاوز الحادث الإرهابي الأخير في فترة زمنية وجيزة قد لا تتعدى الأشهر. في حين ربما يعاني القطاع السياحي في دول مثل مصر وتركيا على المدى الطويل، لا سيما أن عددًا من الدول الأوروبية -بالإضافة إلى روسيا- تشدد قيود السفر إلى مدنها السياحية.
وختامًا، يمكن القول إن الحوادث الإرهابية بالمنطقة ستظل محل قلق كبير لدى السياح الوافدين إليها، بما يجعل استعادة عافية القطاع السياحي أكثر صعوبة، وربما يستغرق فترة أطول تظل رهنًا بالتعامل مع قضية أكبر هى مكافحة الإرهاب.