عَقَدَ مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، يوم الخميس 8 يونيو 2023، حلقة نقاش عن تطورات الأوضاع السياسية في ليبيا، شارك فيها السيد وزير الخارجية الليبي الأسبق/ محمد الهادي الدايري، والذي كان يتولى منصب وزير خارجية في حكومة شرق ليبيا في الفترة من سبتمبر 2014 حتى فبراير 2019. وخلال الحلقة تم التركيز على عدد من النقاط أبرزها:
1. رفض تأسيس الأحزاب في فترة تاريخية: أكد الدايري أن مسألة رفض التحزب ليست بجديدة في ليبيا، بل إن الملك إدريس السنوسي، قد رفع شعار "من تحزب خان"، قبل أن يرفعه الرئيس الليبي السابق معمر القذافي، كما تبنى السنوسي والقذافي موقفاً من المعارضين لهما في الداخل والخارج، وقد اقتصر حكم القذافي على آرائه الشخصية، إلى جانب اللجان الثورية، والتي ظهرت بعد خروج الكتاب الأخضر لمعمر القذافي في 1975.
2. السماح بتأسيس الأحزاب بعد انتفاضة 2011: عقب اندلاع انتفاضة 2011، وانتهاء حكم نظام معمر القذافي، تم السماح بتشكيل أحزاب، حيث تقدم نحو 200 كيان بطلبات لتأسيس أحزاب.
وقد أجريت الانتخابات النيابية لاختيار أعضاء المؤتمر الوطني الليبي (البرلمان التأسيسي) في يوليو 2012، وقد حصل التحالف الذي أسسه السياسي الليبي الراحل الدكتور محمود جبريل، وهو تحالف القوى الوطنية، على 39 مقعداً نيابياً، في حين لم يحصل حزب العدالة والبناء، وهو حزب الإخوان المسلمين في ليبيا، على أكثر من 17 مقعداً.
3. قانون العزل السياسي: سنّ المؤتمر الوطني الليبي العام بشبه إجماع، في 5 مايو 2013، قانون العزل السياسي، الذي يضبط المسؤوليات والوظائف التي يُمنع على من تولاها في عهد العقيد الراحل معمّر القذافي تقلد مناصب قيادية في مؤسسات الدولة الليبية الجديدة لمدة عشر سنوات.
إلا أن القانون شمل أيضاً قياديين في السلطة الليبية الجديدة، وآخرين حزبيين، بمن فيهم رئيس الوزراء علي زيدان، ورئيس المؤتمر الوطني محمد المقريف، ورئيس تحالف القوى الوطنية رئيس الوزراء الأسبق محمود جبريل، باعتبار أنهم تولوا وظائف في عهد النظام السابق مشمولة بالعزل، مع أن بعض هؤلاء لم يعمل ضمن مؤسسات الدولة سوى فترة قصيرة، وانضم بعدها للمعارضة. وجرت انتخابات يوليو 2014 على أساس فردي، وانتخب مجلس النواب الليبي، في انتخابات تشوبها بعض المصالح خاصة شبهات المال السياسي، وغلبة المصالح الشخصية على المصالح الوطنية.
4. اتفاق لجنة "6 + 6" حول قانون الانتخابات: تمت الإشارة إلى توصل لجنة "6 + 6"، (6 ممثلين عن كل من مجلسي النواب برئاسة عقيلة صالح ومجلس الدولة برئاسة خالد المشري)، إلى اتفاق في مدينة بوزنيقة المغربية، بعد اجتماعات مكثّفة حول قوانين الانتخابات في ليبيا، حيث أقرت أن يرتفع عدد أعضاء مجلس النواب من 200 حالياً إلى 300، على أن يتكون مجلس الشيوخ من 90 عضواً، وأن تجرى الانتخابات على أساس 60% بنظام القوائم الحزبية، و40% على أساس النظام الفردي. ووفقاً للسيد محمد الدايري من المرجح أن تشهد ليبيا إجراء انتخابات قريباً، لأن الشعب الليبي يتوق إلى انتخابات نيابية ورئاسية، وإلى مجلس نواب وحكومة ورئيس دائمين.
هناك حراك داخلي، بالتوازي مع ضغط خارجي من قبل الأطراف المعنية بالشأن الليبي، والتي تشمل الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا وروسيا، بجانب الأطراف الإقليمية الأخرى، وهو ما قد يدفع بإجراء الانتخابات في نهاية العام الجاري، أو مطلع العام المقبل.
5. أهمية المسار الأمني بجانب المسار السياسي: يظل المسار الأمني ركيزة مهمة في تمهيد الطريق لبيئة سياسية واقتصادية مواتية، والتعاون بين الدول سيكون حاسماً لتحقيق السلام والاستقرار في ليبيا، وهي الخطوة التي رآها الدايري ذات أهمية كبيرة في تنفيذ خطة العمل الخاصة بانسحاب المقاتلين الأجانب والمرتزقة.
وفي هذا السياق، فقد تم عقد اجتماع، في إبريل الماضي، ضم رئيس الأركان العامة التابع لحكومة الوحدة الوطنية المؤقتة الفريق محمد الحداد ورئيس الأركان العامة التابع للقيادة العامة الفريق عبدالرازق الناظوري في مدينة بنغازي، إلى جانب مشاركة عدد من القيادات العسكرية من شرق وغرب ليبيا، وذلك لاستكمال المناقشات بشأن ملف توحيد المؤسسة العسكرية.
6. انعكاسات المصالحات الإقليمية على الأوضاع في الداخل الليبي: أيّد المشاركون أن للمصالحات الإقليمية التي تجري حالياً في المنطقة، مردود إيجابي على الأوضاع في الداخل الليبي، على أساس أنها تصب في صالح التهدئة، وتمثل عاملاً دافعاً للأطراف المتصارعة الليبية للالتقاء على أرضية مشتركة.
7. خلاف النفط يُثير دعاوى الفدرالية: بالنسبة لتوزيع عائدات النفط، هناك انزعاج من جانب الشرق الليبي بشأن نقص التمويل الناجم عن التوزيع غير العادل لعائدات النفط والغاز. ولمعالجة مشكلة توزيع عوائد النفط تم طرح بعض الأفكار في السابق منها إمكانية تقسيم ليبيا إلى سبعة أقاليم اقتصادية، وهناك تعطش لحلحلة المركزية، لكن التخوف من أن يؤدي ذلك إلى فدرالية إدارية وليس فدرالية حكومية، أي أن تطغى طرابلس على إقليم غرب ليبيا، أو أن تطغى بنغازي على شرق ليبيا، أو أن تطغى برقة على إقليم جنوب ليبيا.
وفي الختام، أكدت حلقة النقاش ضرورة تمسك الأطراف المختلفة في ليبيا بمبدأ الدولة الواحدة الموحدة، وتجاوز الخلافات والمصالح الشخصية، واستغلال المتغيرات الإقليمية والدولية الحالية في صالح ليبيا، والعمل على إنجاز الانتخابات الرئاسية والبرلمانية خلال العام الجاري، وإنهاء حالة الاستقطاب المستمرة في الداخل الليبي.