عقد مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، بالتعاون مع المجلس المصري للشؤون الخارجية، يوم 1 مارس 2023، ورشة عمل بعنوان "التحولات الاستراتيجية في آسيا وآثارها على منطقة الخليج العربي". وتضمنت الورشة أربع جلسات، بمشاركة خبراء وباحثي مركز المستقبل، وعدد من السادة الخبراء في المجلس المصري للشؤون الخارجية، وهم السفير الدكتور عزت سعد، مدير المجلس، والأستاذ الدكتور محمد كمال، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، والسفير مجدي عامر، مساعد وزير الخارجية المصري السابق، والسفير محمد حجازي، مساعد وزير الخارجية المصري السابق، والدكتور محمد فايز فرحات، مدير مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية.
وركز المشاركون في الجلسات على فهم وتحليل التطورات والتحولات الاستراتيجية في قارة آسيا، وتداعياتها المحتملة على منطقة الخليج، وذلك عبر أربعة محاور رئيسية؛ تناولت ملامح التحولات الآسيوية في ظل بيئة عالمية متغيرة، وأبرز القضايا الأمنية والسياسية في آسيا وانعكاساتها على الخليج، وعناصر الاقتصاد والطاقة والتكنولوجيا كمحددات للعلاقات الآسيوية الخليجية، وصولاً إلى استشراف تأثير التطورات الاستراتيجية في آسيا على دول الخليج.
وأكد المشاركون في النقاش العديد من النقاط الرئيسية يمكن الإشارة إلى بعض منها على النحو التالي:
1- دور مهم في تشكيل النظام الدولي: تعد التحولات الجارية في القارة الآسيوية، بداية من صعود التنافس الاستراتيجي بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية، والتطورات الأمنية والعسكرية، والدور المتصاعد للدول الآسيوية كقوى مؤثرة عسكرياً واقتصادياً وتكنولوجياً؛ واحدة من الأنماط الرئيسية البارزة في النظام الدولي قيد التشكل. فالقارة الآسيوية وصعودها على مسرح الأحداث العالمية، سيكون من أبرز معالم المرحلة المقبلة. ويبرز هنا أيضاً زيادة تأثير دول الخليج في عملية صُنع القرار العالمي، كإحدى نتائج الحرب الروسية الأوكرانية.
2- النفوذ الأمريكي في آسيا: تحاول الولايات المتحدة تطوير استراتيجية تحالفية في منطقة "الإندو – باسيفيك"، وهي لن تتمكن من الحفاظ على دورها في هذه المنطقة دون تعزيز القدرات العسكرية لحلفائها. وفي هذا السياق، يمكن فهم اتجاه اليابان إلى زيادة موازنتها الدفاعية. ومن ناحية أخرى، ثمة مخاوف أمريكية من إمكانية تأسيس تحالف عسكري بين الصين وروسيا بعد اندلاع الحرب الأوكرانية، كما زاد الاهتمام الأمريكي بقضية تايوان.
3- سباق التسلح والتحالفات: هناك سباق تسلح آسيوي متصاعد مع التحول في العقيدة العسكرية لبعض القوى الآسيوية. وربما كانت البداية لهذا الاتجاه مع تأسيس تحالفات على غرار "أوكوس" "AUKUS" الذي يضم الولايات المتحدة وبريطانيا وأستراليا، وتحالف "كواد" "Quad" بين الولايات المتحدة وأستراليا واليابان والهند.
4- إشكاليات دخول آسيا في "العصر النووي الثالث": يطرح صعود الدول الآسيوية أيضاً تساؤلات حول مستقبل تنظيم الانتشار النووي في هذه القارة. ويتميز "العصر النووي الثالث" بشيوع القدرات التكنولوجية النووية، مما يُهدد الأنماط السابقة للحد من انتشار القدرات النووية. ويبرز في هذا الإطار، أزمة إيران النووية، وملف كوريا الشمالية.
5- التنافس البحري في آسيا: صار البُعد البحري يحتل مكانة في استراتيجيات الأمن القومي لدول آسيا، وغالباً ما يتم إفراد وثائق خاصة به. وتسعى استراتيجيات الأمن البحري بالأساس للحفاظ على مبادئ حرية الملاحة في الممرات الرئيسية، وذلك حتى يتم الحفاظ على استقرار سلاسل الإمداد العالمية.
6- صعود الاقتصادات الآسيوية: على المدى الطويل، من المتوقع أن يستمر اتجاه الصعود الآسيوي في العالم، بحيث تصبح الصين الاقتصاد الأول عالمياً، ومن المتوقع أن تكون الهند ثاني أكبر اقتصاد في العالم. فالهند لديها ما يكفي من الإمكانات لتكون الاقتصاد الأسرع نمواً، وبالتالي تشير التوقعات إلى أنها سوف تتقدم على الولايات المتحدة بحلول عام 2050. ومن المرجح أيضاً أن تكون إندونيسيا رابع أكبر اقتصاد.
7- الانخراط في مشروعات مشتركة: إن مشروعات مثل الحزام والطريق، وطريق الحرير الإلكتروني، التي تضم 25 دولة بينها الإمارات والسعودية ومصر، تتماس بشكل مباشر مع دول الخليج والعالم العربي ككل وخطط التنمية فيه، كما أن لها تأثيرات في بنية الاقتصاد والأمن العالمي.
8- مصالح متبادلة مع دول الخليج: التحولات الجارية في آسيا لها تداعيات عميقة على منطقة الخليج، نظراً لقوة العلاقات بين الجانبين. وهناك نحو 22 مليون شخص من الجاليات الآسيوية من دول مثل الهند وباكستان وبنغلاديش وإندونيسيا يعيشون في دول مجلس التعاون الخليجي، وهؤلاء يمثلون قوة عمل رئيسية في خطط التنمية بالمنطقة. كذلك، يمثل الخليج أهمية كبيرة للتنمية داخل هذه الدول الآسيوية، بسبب اعتماد القوى الصاعدة مثل الصين والهند على موارد الطاقة القادمة إليها من الخليج، فضلاً عن الدور الكبير الذي تؤديه التحويلات المالية للعمالة الآسيوية في الخليج إلى دولها.
9- تنامي التعاون التكنولوجي: تمثل التكنولوجيا عنصراً رئيساً في تحديد طبيعة العلاقات بين دول الخليج والصين. فحتى العقد الأول من هذا القرن، كان هناك اعتقاد سائد أن الصناعات الصينية رخيصة وليست متقدمة، لكن الوضع تغير منذ عام 2015 مع إطلاق استراتيجية "صُنع في الصين 2025" للتركيز على التقنيات المتقدمة، وتخصيص ميزانيات للبحث والتطوير وصلت إلى 500 مليار دولار، وتدشين طريق الحرير الرقمي لتمكين الشركات التكنولوجية الصينية من الاستثمار خارجياً. وأصبحت الصين قوة تكنولوجية لا يُستهان بها على مستوى العالم، حيث نما حجم الاقتصاد الرقمي الصيني من 3.6 تريليون دولار في عام 2017 ليتجاوز 6.4 تريليون دولار في عام 2021، كما ارتفعت نسبة إسهام الاقتصاد الرقمي في الناتج المحلي الإجمالي للصين إلى حوالي 40%.