أخبار المركز
  • أسماء الخولي تكتب: (حمائية ترامب: لماذا تتحول الصين نحو سياسة نقدية "متساهلة" في 2025؟)
  • بهاء محمود يكتب: (ضغوط ترامب: كيف يُعمق عدم استقرار حكومتي ألمانيا وفرنسا المأزق الأوروبي؟)
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)

توازن محسوب:

هل تُغيّر نتائج برلمان كردستان العراق الخريطة السياسية للإقليم؟

21 نوفمبر، 2024


أعلنت المفوضية العليا المستقلة للانتخابات في إقليم كردستان العراق، في أواخر أكتوبر 2024، عن النتائج النهائية للانتخابات البرلمانية في الإقليم، حيث حصل الحزب الديمقراطي الكردستاني على 39 مقعداً من إجمالي مقاعد البرلمان البالغة 100، في حين حلّ الاتحاد الوطني الكردستاني في المرتبة الثانية بإجمالي 23 مقعداً، وحصل على المرتبة الثالثة حزب حركة الجيل الجديد بإجمالي 15 مقعداً. 

بينما جاء بعد ذلك الاتحاد الإسلامي الكردستاني بواقع 7 مقاعد، ونال تيار الموقف الوطني 4 مقاعد، وجماعة العدل الكردستانية 3 مقاعد، وجبهة الشعب مقعديْن، وحركة التغيير مقعداً واحداً، وتحالف إقليم كردستان مقعداً واحداً أيضاً.

وقد أجريت الانتخابات، يوم 20 أكتوبر 2024، وسط مناخ سياسي مُحتدم على المستوييْن الداخلي والخارجي، وبعد خمس مرات من التأجيل عن الموعد الأساسي لإجراء الانتخابات في 2022؛ بسبب الخلافات السياسية بين الحزبين الكبيرين في الإقليم، كما تأتي بعد حكم المحكمة الاتحادية العليا في مايو 2023، ببطلان قانون تمديد البرلمان الصادر في أكتوبر 2022. 

وجرت هذه الانتخابات وسط آمال كبيرة داخل الإقليم وخارجه بأن تؤدي نتائجها إلى تغيير الوضع السياسي القائم في أربيل، والذي يُخيم عليه الانقسام والتشظي مع غلبة التوترات بين أربيل وبغداد، خاصة وأنها جرت بناءً على تنظيم قانوني جديد وتحت إشراف المفوضية العليا للانتخابات.

سياقات مُترابطة: 

تنافس في الانتخابات البرلمانية الأخيرة لإقليم كردستان نحو 14 حزباً وتياراً سياسياً أهمها الحزبان الكبيران (الديمقراطي والوطني) إلى جانب المستقلين، وكان التنافس على 100 مقعد، منها 30 مقعداً مُخصّصة للنساء، ذلك بعدما خفّضت المحكمة العليا في بغداد عدد مقاعد برلمان الإقليم الذي كان 111 مقعداً، بإلغائها 11 مقعداً كانوا مُخصصين للأقليات من التركمان والآشوريين والأرمن، هذا فضلاً عن تغيير النظام الانتخابي ليُقسم الإقليم إلى أربع دوائر انتخابية في أربيل ودهوك والسليمانية وحلبجة بعد أن كان دائرة واحدة. ويمكن تحديد مجموعة من العوامل التي أثّرت في نتائج هذه الانتخابات، على النحو التالي:

1. انقسام "الاتحاد الوطني": يُواجّه حزب الاتحاد الوطني الكردستاني انقسامات داخلية حادّة منذ وفاة مؤسسه جلال طالباني عام 2017. إلّا أن هذه الانقسامات أخذت منحى جديداً خلال السنوات الأخيرة، وخاصة في عام 2021 بعدما قاد زعيم الحزب بافل طالباني سياسات أمنية مُتعمدة ضد ابن عمه لاهور جنكي طالباني؛ بما أدى إلى انفصال لاهور عن الحزب. وقد قاد هذا الانقسام الهيكلي إلى تأثير بالغ في الواقع التنظيمي للحزب أفضى إلى انشقاقات ضربت صفوفه، إذ أسّس لاهور جنكي طالباني حزب "جبهة الشعب" في يناير 2024، الذي شارك في الانتخابات بقائمة مستقلة وحصل على مقعدين، كما تمت الإشارة إليه آنفاً؛ ما أدّى إلى تفتيت أصوات القاعدة الانتخابية للاتحاد الوطني الكردستاني، حيث كان يمكن لهذين المقعدين أن يضافا إلى عدد المقاعد التي حصل عليها الاتحاد الوطني. 

وإضافة إلى ذلك، أثّر تسريب تسجيل صوتي لبافل طالباني يتحدث مع قوباد طالباني، نائب رئيس وزراء الإقليم، عن التنسيق مع بغداد بشأن نتائج الانتخابات والتحضير لعمليات تزوير لصالح الحزب بعض الشيء في انطباعات الناخبين عن الحزب، على الرغم من أن البعض رأى أن هذا التسريب مزيف من جانب الحزب الديمقراطي الكردستاني وجاء بنتائج عكسية؛ وهو ما تجلى في ارتفاع عدد المقاعد التي حصل عليها الاتحاد في الانتخابات الأخيرة مقارنة بانتخابات 2018، والتي كانت 21 مقعداً. يُضاف إلى المقاعد التي حصل عليها الاتحاد الوطني وهي 23، مقعدان إضافيان من أصل 5 مقاعد مُخصصة لنظام الحصص "الكوتا"؛ ليصبح إجمالي ما حصل عليه 25 مقعداً. 

2. تماسك "الحزب الديمقراطي": لا تبدو هذه الحالة من الانقسامات لدى الاتحاد الوطني الكردستاني بعيدة تماماً عما يجري في الحزب الديمقراطي الكردستاني الذي يواجه هو الآخر انقسامات داخلية كبيرة بين مسرور بارزاني رئيس وزراء الإقليم، ونجيرفان بارزاني رئيس الإقليم، اللذيْن يتصارعان على السيطرة والنفوذ داخل الحزب. 

إلّا أن ما يُميّز الحزب الديمقراطي الكردستاني عن نظيره الاتحاد الوطني هو وجود الشخصية المحورية في الحزب، والتي لا تزال ممسكة بزمام الأمور على الرغم من تصعيد القيادات الأصغر، وهي شخصية رئيس الحزب مسعود بارزاني، الذي وإن كان يميل إلى نجله مسرور على حساب ابن أخيه نجيرفان؛ فإنه لا يزال قادراً على السيطرة إلى حد ما على هذه المنافسة فيما بينهما. يُضاف إلى ذلك أن الحزب الديمقراطي الكردستاني لا يزال قادراً على التماسك الداخلي والحيلولة دون وجود أي انشقاقات؛ ما يعني ضمانه جزءاً كبيراً من المقاعد المخصصة لمعاقله الأساسية في أربيل ودهوك في مقابل تفتت الأصوات في السليمانية معقل الاتحاد.  

ورغم تراجع المقاعد التي حصل عليها الحزب الديمقراطي في الانتخابات الأخيرة مُقارنة بما حصل عليه في انتخابات 2018، من 45 إلى 39 مقعداً؛ فإن ذلك لا يعني تراجع شعبيته؛ إذ حصل على أصوات بلغت 809.197 في انتخابات 2024، مقارنة بحصوله على 688.070 صوتاً في انتخابات 2018، وإنما يعزى هذا التراجع في عدد المقاعد إلى تقليل عدد مقاعد "الكوتا" إلى 5 مقاعد بعد أن كانت 11 مقعداً في عموم برلمان الإقليم، وذلك بعد تخفيض عدد مقاعد برلمان الإقليم إلى 100 مقعد، بحكم المحكمة الاتحادية، المشار إليه آنفاً. وهذه المقاعد كانت قريبة من الحزب الديمقراطي، وقد حصل خلال الانتخابات الأخيرة على 3 مقاعد من أصل 5 مخصصة لـ"الكوتا"؛ ليصبح إجمالي ما حصل عليه 42 مقعداً. 

3. ارتفاع نسبة المُشاركة: شهدت الانتخابات ارتفاع نسبة المُشاركة من 59% في انتخابات 2018، إلى 72.6% في الانتخابات الأخيرة، حيث شارك في الاقتراع أكثر من مليونيْن وستمئة ألف ناخب من أصل نحو 2.9 مليون مسجلين في قوائم الانتخابات. وهو ما قد يُفسّر على وجهين، الأول هو توق الناخبين إلى التغيير؛ ومن ثم المشاركة بكثافة أكبر لانتخاب الأحزاب والتيارات المعارضة على حساب الحزبين الرئيسيين، وهو ما تجلى في النتائج التي حقّقها حزب الجيل الجديد، الذي حلّ ثالثاً بعد "الديمقراطي" و"الوطني"، حيث ضاعف مقاعده إلى 16 مقعداً بعدما كان يمتلك 8 مقاعد في الدورة السابقة؛ مما يؤهله للظفر بمنصب رئيس برلمان إقليم كردستان العراق، وحضور مناسب في حكومة الإقليم؛ إذا ما قرر المشاركة مع باقي الاحزاب الكردية الفائزة.

وأما الثاني فهو أن الحزبيْن ("الديمقراطي" و"الوطني") يمتلكان قواعد ناخبة تدين لهما بالولاء بالإضافة إلى مُمارستهما نفوذاً كبيراً على وسائل الإعلام وقوات الأمن والخدمة المدنية وإمكانات مادية من شأنها حشد الأصوات لصالحهما.

4. تأرجُح نتائج أحزاب المعارضة: تأرجحت نتائج أحزاب المعارضة في برلمان إقليم كردستان بين حصول بعضها على مقاعد أكثر من المقاعد التي حصل عليها في انتخابات 2018، وحصول بعضها الآخر على مقاعد أقل؛ فكما حقّق حزب الجيل الجديد نتائج غير مسبوقة، سبقت الإشارة إليها، حصل الاتحاد الإسلامي منفرداً على إجمالي مقاعد 7 ارتفاعاً من 5 مقاعد خلال الانتخابات السابقة. 

وفي المقابل؛ شهدت جماعة العدل (الجماعة الإسلامية سابقاً) تراجعاً حاداً في عدد المقاعد التي حصلت عليها في الانتخابات الأخيرة مُقارنة بالانتخابات التي جرت في 2018، حيث حصلت على 3 مقاعد مقارنة بـ7 مقاعد في انتخابات 2018. 

كما شهدت حركة التغيير، والتي تُعد من أكبر حركات المعارضة في برلمان إقليم كردستان العراق، على مقعد واحد في الانتخابات الأخيرة، بعد أن كانت قد حصلت على 12 مقعداً في انتخابات 2018، مع ملاحظة أن حزب الموقف الذي انشق عن الحركة استطاع الحصول على 4 مقاعد؛ أي أن مجمل ما حصل عليه جمهور التغيير مُجتمعاً بلغ 5 مقاعد متراجعاً عن 7 مقاعد في انتخابات 2018. 

تأثيرات مُحتملة: 

تشير النتائج التي أسفرت عنها الانتخابات البرلمانية في إقليم كردستان العراق، إلى الحفاظ على تركيبة برلمان 2018 من حيث حصول الحزب الديمقراطي الكردستاني على أكثرية المقاعد ويليه الاتحاد الوطني الكردستاني؛ ويمكن أن تترتب على هذه النتيجة مجموعة من التداعيات المتوقعة على المشهد في كردستان على مستويات مختلفة، وذلك على النحو التالي:

1. شلل سياسي: يبدو السيناريو الأكثر احتمالاً هو ألّا يتمكن الحزب الديمقراطي الكردستاني من اختيار رئيس الإقليم ورئيس الوزراء بأريحية والمكوث دون حكومة، فرغم حصوله على أكثرية الأصوات، بواقع 42 مقعداً، من إجمالي 100 مقعد؛ فإنه لم يحصل على الأغلبية وهي 51 مقعداً، ويؤشر ذلك على إمكانية أن تسفر نتائج الانتخابات الأخيرة عن فترة كبيرة من الشلل السياسي في الإقليم مع صعوبة إيقاف العداء العميق بين الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني، وهي حالة أشبه بالفترة التي أعقبت نتائج انتخابات البرلمان الاتحادي في 2021؛ ويعني هذا السيناريو أن دور الأحزاب الشيعية في بغداد سيكون كبيراً في التعامل مع هذه التطورات، بالإضافة إلى دور كل من أنقرة وطهران في العمل على التغلب على هذه الحالة.

2. بقاء التوتر مع بغداد: يعني بقاء التركيبة الحالية في برلمان إقليم كردستان واحتمالية دخول الإقليم في حالة الشلل السياسي المشار إليها آنفاً أن كافة التوترات القائمة بين حكومة أربيل وحكومة بغداد ستظل على حالها، دون التوصل إلى حل لأي من القضايا الخلافية العالقة بين الطرفين، سواء حصة الإقليم من الموازنة الاتحادية، أم مسألة تصدير نفط الإقليم، أم رواتب العاملين المدنيين في الإقليم؛ الأمر الذي سيكون مخالفاً تماماً لواقع ما إن حصل أي من الحزبين على الأغلبية داخل البرلمان، حيث ستتشكل حكومة قوية في أربيل ستكون قادرة على حل هذه التعقيدات في العلاقة مع حكومة بغداد؛ وهو ما لم يحدث في الانتخابات الأخيرة في ضوء نتائجها المُشار إليها. 

3. انخراط إقليمي: يواجه إقليم كردستان تحديات أمنية كبيرة مع جواره الجغرافي المتمثل في إيران وتركيا جراء العمليات التي تشنّها الأولى في الإقليم بدعوى ارتباطه بنشاط إسرائيلي ووجود للموساد على أراضيه واعتباره معقلاً لحركات كردية إيرانية انفصالية، والعمليات التي تشنها الثانية بدعوى مُحاربة حزب العمال الكردستاني. وجراء ذلك كانت التفاهمات الأمنية محوراً أساسياً لتحركات البلدين مع بغداد خلال الفترة الماضية بتوقيع اتفاقيات أمنية كان إقليم كردستان محوراً أساسياً فيها. 

ومن شأن نتائج الانتخابات أن تُعزّز حضور هذيْن الطرفيْن الإقليمييْن بقوة في المشهد السياسي والأمني للإقليم، من بوابة الحزبين الرئيسيين، حيث يرتبط الحزب الديمقراطي الكردستاني بعلاقات قوية مع تركيا ويرتبط الاتحاد الوطني الكردستاني بعلاقات وثيقة مع إيران. وسيكون هذا الانخراط الإقليمي في الإقليم أكثر قوة مع مساعي الولايات المتحدة لسحب قواتها من العراق بحلول سبتمبر 2025، ونقل بعضها إلى كردستان. 

وفي الختام، من غير المُتوقع أن تُسفر النتائج التي قد أسفرت عنها انتخابات برلمان إقليم كردستان عن تغيير كبير في تركيبة الحكم في الإقليم؛ إذ من المتوقع أن يسيطر الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني على المشهد السياسي في أربيل؛ وهو ما يفتح الباب على مصراعيه لبقاء الوضع الراهن بكل تفاصيله مع إضافة تعقيدات أخرى على السياسة الكردية سواء على الصعيد الداخلي أم على مستوى العلاقة مع الحكومة الاتحادية في بغداد، فضلاً عن العلاقة الجيوسياسية المتوترة مع كل من إيران وتركيا.