أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • صدور دراسة جديدة بعنوان: (تأمين المصالح الاستراتيجية: تحولات وأبعاد السياسة الخارجية الألمانية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى)
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية

الانتخابات الخامسة:

أبعاد حل إسرائيل الكنيست والذهاب لانتخابات مبكرة

28 يونيو، 2022


أعلن رئيس الحكومة الإسرائيلية، نفتالي بينيت، في 20 يونيو الجاري، تقديم قرار بحل الكنيست، والذي صوّت الكنيست عليه بالإجماع، في 22 يونيو، في قراءة أولية لمشروع قانون من المتوقع أن يتم الانتهاء منه الأسبوع المقبل، وهو ما يعني أن إسرائيل مقبلة على انتخابات مبكرة في نهاية أكتوبر 2022. كما تم الاتفاق على أن يتولى وزير الخارجية، يائير لابيد، رئاسة الحكومة، إلى جانب احتفاظه بحقيبة الخارجية، بينما يتولى نفتالي بينيت منصب نائب رئيس الحكومة إلى جانب توليه الملف الإيراني.

دوافع القرار الأخير: 

يمكن تفصيل أبرز الأسباب التي دفعت حكومة بينيت إلى الاستقالة في التالي: 

1- فقدان الأغلبية في الكنيست: واجهت حكومة التغيير الإسرائيلية صعوبات بعدما فقدت الأغلبية، التي كانت تحظى بها داخل الكنيست، وذلك بعد توالى انسحاب أعضاء الكنيست من الائتلاف الداعم للحكومة لتحظى الحكومة بتأييد 59 عضواً بالكنيست فقط من أصل 120 عضواً، الأمر الذي انعكس بالسلب على قدرة الحكومة على تمرير أجندتها التشريعية وأبرزها قانون ياهودا والسامرة. 

2- الإخفاق في تمرير يهودا والسامرا: نجحت المعارضة بقيادة رئيس الوزراء السابق، بنيامين نتانياهو زعيم حزب الليكود، في 7 يونيو في إسقاط "قانون المستوطنين"، أو قانون "يهودا والسامرة"، وذلك خلال التصويت عليه في الكنيست، إذ صوّت لصالح القانون 52 نائباً، فيما صوّت ضده 58 من أصل 120 نائباً عدد نواب الكنيست، كما أن نائبين عربيين من الائتلاف الحكومي صوّت ضده.

ويهدف القانون إلى تمديد فرض وتطبيق أنظمة الطوارئ في الضفة الغربية على الإسرائيليين الذين يعيشون فيها، وبموجبه يتم فرض القانون الجنائي الإسرائيلي وبعضاً من القانون المدني ليشمل الإسرائيليين الذين يعيشون في الضفة الغربية المحتلة، أي أن قانون المستوطنين يضمن معاملة المستوطنين الذين يعيشون هناك، كما لو أنهم يعيشون في إسرائيل في معظم الأمور. 

ويسبب عدم تمرير القانون في مشاكل كبيرة لإسرائيل، تمس حياة الإسرائيليين في الضفة الغربية، منها عدم القدرة على إحالة الإسرائيليين إلى المحاكم في إسرائيل بجرائم ارتكبوها في الضفة الغربية، ولن يكون لدى إسرائيل صلاحية اعتقال إسرائيلي قام بعمل مخالف للقانون في إسرائيل، ثم فرّ إلى الضفة الغربية. كما أن هذا القانون يمد تطبيق القوانين الإسرائيلية على المستوطنين في الضفة. 

ويلاحظ أنه تم تشريع القانون بعد حرب يونيو عام 1967، وتم تجديده كل خمس سنوات كـ"إجراء طارئ"، وتم تمريره بالمرة الأخيرة في عام 2017، وتنتهي صلاحيته في نهاية يونيو 2022. ويلاحظ أن هذه هي المرة الأولى التي لن يتم تمرير القانون، بسبب الانقسام في الكنيست الإسرائيلي، ومحاولة الليكود عرقلة تمرير هذا القانون لإحراج حكومة بينيت والضغط عليها، ودفعها للاستقالة، فقد علّق النائب، ياريف ليفين، من حزب الليكود على إخفاق تمرير قانون "يهودا والسامرة" قائلاً إن "حكومة غير قادرة على تمرير القوانين الصهيونية والأمنية الأساسية ليس لها الحق في الوجود". 

3- استباق تحركات نتانياهو: يهدف قرار بينيت ولابيد بحل الكنيست إلى التصدي الاستباقي لمحاولات المعارضة لطرح مشروع سحب الثقة من الحكومة الراهنة وتأليف حكومة جديدة من دون انتخابات، وهي المخططات التي يسعى لها زعيم الليكود، ورئيس الوزراء السابق، بنيامين نتانياهو. 

فقد أفادت وسائل إعلام عبرية أن نتانياهو كان سيحاول استغلال الوقت لحين التصويت على قرار حل الكنيست لجذب دعم أعضاء سابقين في ائتلاف بينيت – لابيد لتشكيل حكومة بديلة من دون الذهاب إلى انتخابات مبكرة. وحاول نتانياهو بالفعل استمالة العضو المنشق عن الائتلاف الحاكم، نير أوروباخ، الذي اعتزم تأييد مخططات المعارضة، وهو ما أعلنه يائير لابيد، في 20 يونيو، حيث أكد محاولات الليكود إسقاط الحكومة عبر تقديم الوعود بمنح أوروباخ حقيبة وزارية بالحكومة الجديدة.

4- الضغوط الداخلية والخارجية: واجهت حكومة بينيت ضغوط عن طريق الليكود، الذي مارس مزايدات على بينيت المنتمي لتيار اليمين باعتبار أن سياساته كانت بعيدة كل البُعد عن اليمين، وحالت دون ردع أعداء إسرائيل ومن يضرون بمصالحها القومية. 

وفي المقابل، فإن اليسار والمكون العربي في حكومة بينيت لم يكونا راضيين عن السياسات التصعيدية لتلك الحكومة تجاه الفلسطينين، ومحاولتها عرقلة محادثات السلام معهم، وكذلك سياستها تجاه القدس، فقد علقت القائمة العربية الموحدة، أحد أطراف الائتلاف الحكومي، تأييدها للحكومة، في ظل تصاعد موجات العنف في القدس والمسجد الأقصى.

دلالات استقالة الحكومة: 

تكشف دلالة استقالة حكومة بينيت، وتولي يائير لابيد رئاسة الحكومة عن عدد من الدلالات، والتي يمكن توضيحها في التالي: 

1- توظيف الاستقالة لأغراض انتخابية: كان من الواضح أن حكومة بينيت سعت لتوظيف قرار حل الكنيست للاستعداد للانتخابات القادمة. فقد سعى بينيت ولابيد، خلال خطابهما، واللذان أعلنا فيه نيتهما حل الكنيست في 20 يونيو، للحديث عن إنجازات حكومتهما، على مدار العام الماضي، خاصة على صعيد المواجهات مع حماس، بالإضافة للنجاحات الاقتصادية، وكذلك منع إتمام الاتفاق النووي الإيراني حتى الآن.

كما انتقد لابيد وبينيت ظاهرة التمرد على الأحزاب والانشقاق والالتحاق بالخصوم واعتبروها صبيانية سياسية وانتهازية يجب أن تتوقف، في إشارة للانشقاقات التي ضربت صف حكومة التغيير وتسببت في انهيارها، فضلاً عن قرارات النائب اليميني أوروباخ والنائبين العربيين التصويت ضد بعض قوانين الحكومة، على غرار حكومة "يهودا والسامرة". 

ومن جهة أخرى، تدرك حكومة بينيت أن شعبيتها تراجعت في الشارع الإسرائيلي، على نحو ما تكشفه استطلاعات الرأي، الأمر الذي دفعها لمحاولة إنقاذ شعبيتها عبر السير لانتخابات مبكرة، كي تبدو في مظهر الحكومة الحريصة على المصلحة الوطنية، ولتأكيد احترامها لقيم الديمقراطية، ومن ثم إحراج غريمها نتانياهو، وإظهاره بمظهر المتشبث بالعودة للسلطة، خاصة بعدما قضى أكثر من 12 عاماً متصلة كرئيس للحكومة الإسرائيلية حتى مطلع عام 2021، وأخفق في أخر عامين في تشكيل حكومة على الرغم من إجراء ثلاث انتخابات مبكرة. 

وأكد رئيس حكومة تسيير الأعمال، يائير لابيد، أنه سيعمل على معالجة ارتفاع تكاليف المعيشة، بالإضافة لمواجهة إيران وحماس وحزب الله، ومجابهة القوى التي تهدد بتحويل إسرائيل إلى دولة غير ديمقراطية، في إشارة إلى نتانياهو نفسه.

2- استمرار التشدد الأمني: لا يتوقع أن يكون لاستقالة الحكومة تأثير على القرارات الأمنية والعسكرية الإسرائيلية، إذ أن الجنرال أفيف كوخافي، رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، سوف تنتهي ولايته في يناير 2023، أي بعد فترة من إجراء الانتخابات المبكرة، والمقرر لها أكتوبر القادم.

ومن جهة أخرى، فإن لابيد قد يستغل أي موجة جديدة من التصعيد الأمني والعسكري خلال فترة رئاسته، سواء على الصعيد الإقليمي مع إيران، أو داخل إسرائيل مع الفلسطينيين والعرب داخل إسرائيل، من أجل تعزيز شعبيته من خلال إظهار نفسه بمظهر القائد القوي القادر على اتخاذ قرارات جرئية، خاصة أنه لن يحتاج إلى دعم الكنيست، والذي تم حله. 

3- مخاوف من الجمود الحكومي: تشير التقديرات إلى أن نتنياهو كان يفضل تجنب الذهاب لانتخابات مبكرة، نظراً لإدراكه أنه إذا أخفق في تشكيل حكومة بعد انتخابات أكتوبر القادمة، فسوف يفقد دعم حزبه الليكود، كما أن محاكمته بتهم الفساد وإرث سياساته السابقة قد يؤثر على قرارات أعضاء الكنيست بدعمه حتى من داخل أحزاب اليمين نفسها.

ومع ذلك، فإن نتنياهو قد يسعى لتقديم نفسه باعتباره رجل إسرائيل القوي، القادر على تشكيل حكومة يمينية متطرفة، تنتهج سياسات أمنية متشددة ضد العرب والفلسطينيين، خاصة في ظل ارتفاع حدة التهديدات الأمنية التي تواجهها إسرائيل. 

وعلى الرغم من أن استطلاعات الرأي العام في إسرائيل تشير إلى أن الغلبة في الانتخابات القادمة ستكون لمعسكر نتانياهو، فإنها تؤكد في الوقت نفسه، أنه لن يتمكن هو وحلفائه من حصد أغلبية مريحة، بل سيحتاج إلى إقامة تحالفات مع قوى غير يمينية، مثل القائمة العربية الموحدة بزعامة منصور عباس، غير أن المشكلة أن نتانياهو يرفض التحالف معه، حتى لا يعيد إنتاج حكومة ضعيفة ذات توجهات أيديولوجية متباينة. فقد أكد نتانياهو، أن يسعى لتشكيل حكومة يمينية تُعيد الأمن للشارع الإسرائيلي. 

وفي المقابل، فإن الأحزاب المنضوية في الائتلاف الحكومي الراهن يسعون لمنع نتانياهو من العودة للحكم من جديد، وهو ما عبر عنه وزير المالية، أفيجادور ليبرمان، ووزير العدل، جدعون ساعر، اللذان أشارا إلى أن هدف الانتخابات القادمة هو منع نتانياهو من العودة إلى الحكم وتسخير الدولة لمصالحه الشخصية.

وفي الختام، تشير التقديرات إلى أن إسرائيل مقبلة على حالة من الاضطرابات السياسية والأمنية، خاصة أن أغلب التوقعات تشير إلى أن إجراء انتخابات خامسة سوف يعيد إنتاج أزمة تشكيل حكومة إسرائيلية ائتلافية، بفعل إخفاق أي تحالف في امتلاك أغلبية مريحة من أحزاب ذات توجهات أيديولوجية متجانسة، كما تشير نتائج استطلاعات الرأي.