أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • صدور دراسة جديدة بعنوان: (تأمين المصالح الاستراتيجية: تحولات وأبعاد السياسة الخارجية الألمانية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى)
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية

تهديد إسرائيل:

دلالات إطلاق إيران "خيبر شيكن" بالتزامن مع مباحثات فيينا

16 فبراير، 2022


كشفت وسائل إعلام إيرانية، في 9 فبراير الجاري، عن تجربة إطلاق صاروخ باليستي بعيد المدى يُدعي "خيبر شيكن"، تم تصميمه بواسطة القوة الجوفضائية التابعة للحرس الثوري الإيراني، بمدى يصل إلى 1450 كيلومتراً، وقد أتى هذا الكشف بالتزامن مع الاحتفال بالذكرى الـ 43 للثورة الإيرانية.

دلالات ورسائل:

يمكن الوقوف على بعض الدلالات التي تحملها هذه التجربة على النحو التالي:

1- تهديد إسرائيل بشكل مباشر: يحمل اسم الصاروخ الذي قامت إيران بإطلاقه مؤخراً وهو "خيبر شيكن"، دلالة رمزية على أن الصاروخ موجه بالأساس إلى إسرائيل، حيث يعني المسمى بالعربية "مدمر خيبر"، وخيبر هي المدينة التي كان يقطنها اليهود في الجزيرة العربية قبل الإسلام، وقد خاض المسلمون معركة فيها أسفرت عن هزيمة اليهود. كما أن المدى المعلن للصاروخ 1450 كيلومتراً، أي أن لديه القدرة على الوصول إلى المدن الرئيسية في إسرائيل، إذا ما تم إطلاقه من قواعد في غرب إيران.

ويتزامن ذلك مع التصعيد الإسرائيلي ضد إيران، والذي بدت ملامحه في إعلان رئيس الوزراء الإسرائيلي بدء حملة إضعاف إيران، كما أكد أن واشنطن قد منحت تل أبيب الحرية في مواجهة التهديدات الإيرانية، وذلك في الاتصال الهاتفي مع الرئيس الأمريكي جو بايدن في 6 فبراير الجاري، وهو ما يُشير إلى رغبة واشنطن في إيصال رسالة لإيران بأن عدم التقدم في مسار المفاوضات، يعني استخدامها لإسرائيل في توجيه التهديدات، وإطلاق يدها في استهدافها في سوريا. وقد قامت الأخيرة باستهداف مواقع عسكرية تابعة لـ"حزب الله" اللبناني، في 31 يناير الماضي.

2- الترويج لمخاطر الصاروخ الجديد: أعلنت طهران أن صاروخ "خيبر شيكن" قد تم تصنيعه بالكامل بالاعتماد على الخبرات المحلية في إيران، وذلك لإيصال رسائل لواشنطن والغرب بأن إيران قادرة على تطوير قدراتها الدفاعية على الرغم من العقوبات الغربية. 

ولكن على الجانب الآخر، كشفت إيران عن أن الصاروخ الذي تم إطلاقه من الجيل الثالث الذي يصل مداه إلى 1450 كم، وأنه يعمل بالوقود الصلب، كما أنه لديه القدرة على المناورة لتخطي الدروع الصاروخية والأنشطة المضادة للصواريخ. هذا فضلاً عن تقليص وزنه ليصل إلى الثلث، بجانب تقليل وقت إعداده وإطلاقه إلى السدس، وذلك من دون توضيح ماهية الصواريخ التي تقارن بها إيران هذا الصاروخ الجديد، وهو ما يكشف عن رغبة طهران في المبالغة في قدرات الصاروخ الجديد. 

وتجدر الإشارة هنا إلى أن إيران سبق وأن أعلنت عن صاروخ "شهيد حج قاسم" في أغسطس 2020، والذي تمت تسميته على اسم "قاسم سليماني"، قائد فيلق القدس، الذي قتل في يناير 2020، وكان يبلغ مداه، وفقاً لإيران، حوالي 1400 كم، مع رأس حربي يصل وزنه إلى حوالي 500 كجم، أي أن مواصفات هذا الصاروخ تتشابه مع خيبر شيكن، ولكن الأخير يمتلك رأساً حربياً يقل وزنه عن الـ 500 كجم، إذ إن إيران لم تكشف عن وزن الرأس الحربي له، وهو ما يعني أن الصاروخ "شهيد حج قاسم"، إما كان مجرد دعاية إيرانية وقتها، أو أن إيران فضلت إنتاج خيبر شيكن لأنه أقل تكلفة، نظراً لأن قدراته أقل.

وكشفت إيران عن فيديو لتجربة الصاروخ خيبر شيكن، غير أن الصاروخ الذي ظهر في الفيديو كان مختلفاً بشكل بسيط عن "خيبر شكن"، كما يلاحظ أنه على الرغم من أن الصاروخ قد تمكن من إصابة هدفه بدقة، فإنه ترتب عليه انفجار محدود نسبياً، وهو ما يؤشر إلى أن وزن الرأس المتفجر لم يكن كبيراً.

ومن جهة أخرى، تم تصميم مقطورات خيبر شيكن بحيث يمكن تغطيتها بسهولة لجعلها تبدو وكأنها مركبات مدنية عند العبور، كما أظهرت لقطات الفيديو التي بثتها إيران عن الصاروخ الجديد ثماني وحدات للنقل والقصف والقذف في منشأة تحت الأرض بدا أن كل منها تحمل صاروخين من طراز خيبر شيكن، وهو ما يشير إلى أن الصاروخ الجديد بدأ إنتاجه بالفعل بأعداد.

3- التأثير على مسار المفاوضات: أعلنت طهران عن تجربتها الصاروخية في اليوم التالي لاستئناف دورة المباحثات الحالية من الجولة الثامنة من مفاوضات فيينا مع القوى الكبرى، والتي وصلت إلى "مرحلة فارقة"، حيث تسعى إيران إلى استخدام أوراق الضغط كافة المتاحة لها لإيصال رسائل تصعيدية للغرب تعزز موقفها في المفاوضات الجارية.

وتهدف إيران من هذه التجربة إلى التغطية على إخفاقها في 15 أكتوبر في وضع قمر اصطناعي في المدار بعد إطلاقه، وهي المحاولة التي ينظر إليها من جانب الغرب على أنها تجارب تهدف لحمل أسلحة نووية، بما في ذلك منصات الإطلاق للفضاء.

ولذلك تنظر واشنطن والغرب إلى محاولات إيران تلك على أنها خرق للقرار الصادر عن مجلس الأمن الدولي رقم 2231 بشأن منع إيران من القيام بأنشطة تتعلق بتطوير صواريخ قادرة على حمل رؤوس نووية، وهو ما تنفيه إيران، بادعاء أن تلك الصواريخ غير مخصصة لهذا الغرض، رغم تشابه التكنولوجيا والتصميمات المستخدمة فيها مع تلك التي نص القرار على منعها، وهو ما يُعد من أبرز ثغرات اتفاق 2015.

4- رفض توسيع نطاق المفاوضات: تسعى إيران من خلال إطلاقها صاروخ "خيبر شيكن" إلى التأكيد على أن برنامجها الصاروخي غير قابل للطرح على طاولة المفاوضات في فيينا، ولعل ذلك ما عبّر عنه بشكل صريح أمين المجلس الأعلى للأمن القومي في إيران علي شمخاني، بأن "تقوية القدرات النووية السلمية والقدرات الدفاعية الإيرانية من الخيارات التي لن ترفع عن الطاولة أبداً"، وذلك على الرغم من مطالبة إيران برفع العقوبات كافة عنها، سواء التي تتصل بالبرنامج النووي الإيراني، أو بقضايا أخرى. 

وتكرر إيران رسائلها الصاروخية للتأكيد على ذلك الأمر، وقد كان آخرها إطلاق 16 صاروخاً من طرازات مختلفة في مناورة "الرسول الأعظم 17" والتي جرت في الفترة من 20 إلى 24 ديسمبر الماضي.

5- مواصلة التصعيد تجاه دول المنطقة: يأتي إطلاق إيران تجربتها الصاروخية بعيدة المدى الأخيرة، كرد من جانبها على محاولات بعض دول المنطقة التقارب مع إسرائيل لتشكيل جبهة لمواجهة التهديدات الإيرانية، حيث وقعت البحرين اتفاقاً مع إسرائيل يقضي بتخصيص ميناء بحري كقاعدة عمل لسلاح البحرية الإسرائيلية في مواجهة إيران، وذلك خلال زيارة وزير الدفاع الإسرائيلي بيني جانتس إلى المنامة في 3 فبراير الجاري.

كما شاركت تل أبيب في التحالف الدولي الذي أعلنت عنه البحرين، لتأمين حرية الملاحة في المياه الإقليمية للمنطقة وحماية التجارة الدولية من أعمال الإرهاب، من خلال إرسال ضابط بحرية للوجود في منطقة الخليج بشكل دائم. ويبدو أن إيران تسعى لإرسال رسالة لتل أبيب مفاداها أنها قادرة على استهدافها بشكل مباشر، رداً على اقترابها من حدودها.  

وفي الختام، يمكن القول إن إيران تواصل سعيها لتطوير قدراتها الصاروخية لتهديد خصومها الإقليميين، خاصة إسرائيل، وإن كان من الملحوظ أن اتجاه إيران لإغفال معلومات أساسية عن الصاروخ الجديد، مقارنة بالصاروخ دزفول، والذي كشفت عنه إيران في فبراير 2019، والذي زعمت إيران حينها أن مداه يبلغ ألف كيلومتر، يجعل هناك تشكيكاً في القدرات الإيرانية المعلنة لخيبر شيكن، خاصة أنه لم يتم تأكيد مدى صاروخ دزفول بشكل مستقل.

ومن جهة ثانية، فإن إصرار إيران على تطوير صواريخ باليستية، على الرغم من إعلانها إمكانية التوصل لاتفاق حول برنامجها النووي يعني أن طهران سوف تتجه للاستمرار في سياساتها الإقليمية العدائية، حتى في حالة إبرام اتفاق نووي، خاصة أن الاتفاق لن يغطي الجوانب الخاصة بالبرنامج الصاروخي والدور الإقليمي لإيران، وهو ما يعني استمرار التصعيد بينها وبين الولايات المتحدة وإسرائيل.