أخبار المركز
  • د. إبراهيم فوزي يكتب: (المعضلة الروسية: المسارات المُحتملة لأزمات الانتخابات في جورجيا ورومانيا)
  • إسلام المنسي يكتب: (جدل الوساطة: هل تخلت سويسرا عن حيادها في قضايا الشرق الأوسط؟)
  • صدور العدد 38 من دورية "اتجاهات الأحداث"
  • د. إيهاب خليفة يكتب: (الروبوتات البشرية.. عندما تتجاوز الآلة حدود البرمجة)
  • د. فاطمة الزهراء عبدالفتاح تكتب: (اختراق الهزلية: كيف يحدّ المحتوى الإبداعي من "تعفن الدماغ" في "السوشيال ميديا"؟)

مصير "نتنياهو":

هل تتجه إسرائيل لانتخابات خامسة بعد حرب غزة؟

18 مايو، 2021


على وقع الحرب الدائرة في غزة، والتي تدخل أسبوعها الثاني بلا أفق لإنهائها؛ يمر الداخل الإسرائيلي بأزمة متشابكة، فبعض جوانب هذه الأزمة كان ماثلًا على أرض الواقع قبل اندلاع الحرب، فيما كانت جوانب أخرى من الأزمة نفسها قد تشكلت سريعًا على خلفية هذه الحرب نفسها. فما هي عناصر هذه الأزمة؟ والأهم: كيف ستتطور في المدى المنظور على الأقل؟

معضلة الاستقرار السياسي:

دخلت إسرائيل الحرب الأخيرة وهي تمر بأسوأ أزمة سياسية في تاريخها بعد أن عجزت الأحزاب والتكتلات السياسية عن تشكيل حكومة تحظى بثقة الكنيست بعد أربعة انتخابات متتالية خلال ما يزيد على عامين. ففي الثالث من مايو الجاري وبعد فشل بنيامين نتنياهو في تشكيل الائتلاف، انتقل التفويض إلى زعيم حزب "يش عتيد" يائير لابيد الذي مُنح فترة تمتد لأربعة أسابيع لمحاولة تشكيل حكومة تعتمد على تشكيلة من أحزاب الوسط واليسار والأحزاب العربية، وبعض أحزاب اليمين المناهضة لنتنياهو بشكل شخصي. 

وبينما كان لابيد يبدأ في اتصالاته مع قادة هذه الأحزاب تدحرج الوضع المتوتر في مدينة القدس الشرقية بين العرب واليهود (المستوطنين المتطرفين دينيًا) وقوات الأمن نحو مواجهات كبرى بين الطرفين. وعلى إثر ذلك تراجع زعيم حزب "يمينا" عن موقفه السابق بالدخول في شراكة مع يائير لابيد لتشكيل الائتلاف، لعدم معارضته مبدئيًا قبول دعم القائمة العربية الموحدة لهذا الائتلاف من الخارج (دون مشاركة في الحكومة)، حيث عاد زعيم "يمينا" نفتالي بينت معلنًا رفضه تشكيلَ ائتلاف مدعوم من أحزاب عربية، متهمًا العرب وممثليهم في الكنيست بأن موقفهم من أحداث حي الشيخ جراح والقدس والحرب على غزة قد بيّن "خيانتهم" لإسرائيل، بما يعني استحالة التعاون معهم سياسيًا. 

وبانسحاب بينت من الشراكة المحتملة مع لابيد لن يتوفر الأخير على فرصة حقيقية لتشكيل الحكومة، وما لم تحدث مفاجآت كبرى في توجهات أحزاب اليمين المعادية لنتنياهو (حزب إسرائيل بيتينو، وحزب تكفاه حدشاه) فإن الحرب في غزة ستكون هي السبب القوي لدخول إسرائيل جولةً انتخابية خامسة في المستقبل العاجل، مما يزيد من عمق أزمة عدم الاستقرار السياسي بها.

توترات المدن المختلطة:

لم يؤدِّ توتر العلاقات بين اليهود والعرب في الداخل الإسرائيلي، وخاصة فيما يُعرف بالمدن المختلطة (مثل: حيفا، وعكا، ويافا، واللد)، إلى وأد آمال أحزاب الوسط واليسار في تشكيل بديلٍ لحكم اليمين ولكتلة نتنياهو فقط؛ بل ضاعف من عوامل التوتر الاجتماعي بين الفئتين. 

ورغم تصريحات نتنياهو بأنه قادر -حال استمراره في السلطة- على معالجة هذا الانقسام، وإعادة الأوضاع إلى سابق عهدها؛ إلا أنه من الصعب تصور نجاح هذه الجهود بسبب المشاعر العدائية التي تراكمت بين العرب واليهود على مدى سنوات، والتي تسببت الحرب الأخيرة في زيادتها بشكل غير مسبوق. وإذا كانت أعمال العنف المتبادلة بين الجانبين قد تم حصارها حتى الآن في مناطق قليلة؛ إلا أن الأثر الذي ستتركه على علاقة المجتمعين العربي واليهودي ببعضهما في المدى المنظور والبعيد لن يكون قليلًا، وقد تتعرض إسرائيل بالفعل لما أسماه رئيس الدولة رؤوفين ريفيلين "خطر نشوب حرب أهلية" واسعة النطاق.

 ومما يفاقم الوضع حاليًا أن بعض الهيئات الممثلة للعرب الإسرائيليين قد دعت إلى احتجاجات واسعة، وإلى إضراب عام في الأوساط العربية في الأيام القادمة. وإذا لم تتمكن السلطات الإسرائيلية من احتواء الوضع سريعًا، فإن انفجار الأوضاع الداخلية سيبقى أمرًا مرجحًا إلى حدٍّ كبير، ويبقى الأمل الوحيد لتخفيف الاحتقان بين العرب واليهود في الداخل الإسرائيلي هو إنهاء الحرب على غزة بشكل سريع وقبل أن تتزايد تفاعلاتها مع الوضع الداخلي الإسرائيلي وتؤدي إلى انفجار.

العلاقات المدنية- العسكرية:

في كل الحروب النظامية أو مع مليشيات تعمل في الجوار الإقليمي لإسرائيل، كان المجتمع الإسرائيلي ينقسم حول تقييم أداء الدولة في هذه الحروب والمواجهات، وعادةً ما يتحول هذا الانقسام إلى صراع بين القيادة السياسية وكل من القيادات العسكرية والأمنية حول من له الحق في الادعاء بقيادة البلاد نحو الانتصار، أو من كان وراء التقصير الذي شهدته هذه المواجهات والحروب.

وقد كانت كل الحروب الإسرائيلية منذ حرب أكتوبر 1973، مرورًا بحرب حصار بيروت عام 1982، والحرب مع حزب الله في لبنان عام 2006، والحروب ضد قطاع غزة في السنوات: 2009، 2012، 2014؛ كانت كل هذه الحروب مصحوبة بإخفاقات في ميادين المعارك، كما لم تتمخض عن انتصار واضح لإسرائيل فيها، وهو ما أدى إلى تشكيل لجان للتحقيق في مدى كفاءة السياسيين والعسكريين في إدارة هذه الحروب أو المواجهات. وعادةً ما كان الجدل يدور حول من كان مسؤولًا عن هذه الإخفاقات: هل هم العسكريون والأمنيون أم المسؤولون السياسيون؟

والأمر المؤكد أنه حال انتهاء الحرب الدائرة ضد قطاع غزة حاليًا، سوف نشهد مطالب من الرأي العام الإسرائيلي والمعارضة السياسية بتشكيل لجنة خاصة لتقييم ما حدث في هذه الحرب. وثمة شواهد حالية على أن هذه المعركة بدأت مبكرًا، وهو ما يتضح من خلال التغطيات الإعلامية للحرب ومقالات الرأي في الصحف ووسائل الإعلام الإسرائيلية؛ فهناك تساؤلات حول الدور الذي لعبه بنيامين نتنياهو لزيادة فرص نشوب الصراع لأسباب تتعلق بأزمته الشخصية، سواء للتهرب من استحقاقات محاكمته في قضايا الفساد واستغلال النفوذ، أو لرغبته في وضع العراقيل أمام المعارضة للحيلولة دون تمكّنها من تشكيل ائتلاف حكومي بديل لجبهته في اليمين.

ويتساءل الرأي العام الإسرائيلي عن مدى مسؤولية القيادات السياسية والأمنية والعسكرية عن الإخفاق في التنبؤ بحجم وقوة تأثير الضربات الصاروخية لدى حماس، والتي تسببت في إجبار ملايين الإسرائيليين على العيش في المخابئ لأيام عديدة، وكيف دخلت إسرائيل هذا الصراع وهي تعلم أن منظومة القبة الحديدية المخصصة لمواجهة الصواريخ تبقى فاعليتها محدودة في حالة الضربات المكثفة بأعداد كبيرة من المقذوفات في وقت واحد؟

وكيف وقعت قوات الدفاع المدني في حالة ارتباك شديد في مواجهة الضربات الصاروخية ولم تتمكن من تنظيم عمليات الإخلاء للمتوجهين إلى الملاجئ، خاصة مع ارتفاع أعداد الجرحى الذين تعرضوا لشظايا المقذوفات أثناء توجههم للملاجئ، رغم ملايين الشيكلات التي أُنفقت في الأعوام العشرة الماضية في مناورات كانت تستهدف إعداد البلاد لمثل هذا السيناريو، سواء من جانب قطاع غزة أو من الحدود اللبنانية التي يتحكم فيها حزب الله؟

يضاف إلى هذا أنه هناك ثمة تساؤلات أخرى حول إخفاق الاستخبارات الداخلية (جهاز الشاباك) في التنبؤ باحتمالية وقوع توترات بين العرب واليهود في المدن المختلطة، حيث يبدو أن صانع القرار لم يكن يتحسب لهذا السيناريو أو أنه تعمد التقليل من آثاره من دون فحص دقيق يأخذ في حسبانه ما كان ظاهرًا من مسببات يمكن أن تؤدي لانفجار واسع، مثل: قضية ممتلكات العرب في حي الشيخ جراح، وتأجيل الانتخابات الفلسطينية بسبب منع إسرائيل سكان القدس العربية من المشاركة فيها.

وهذه التساؤلات الأربعة تُطرح في الإعلام الإسرائيلي حاليًا وعلى شبكات التواصل الاجتماعي، ومن المتوقع أن تزداد كثافةً في الأيام القادمة، خاصة عندما تتوقف الحرب. ومن المؤكد أن اللجنه التي ستتشكل لتقييم أداء الدولة في الحرب لاحقًا سوف تشهد عودة للتوتر بين المسؤولين السياسيين من جانب ونظرائهم من الأمنيين والعسكريين على الجانب الآخر، وسيدور كما دار في كل حروب إسرائيل السابقة تبادل الاتهامات بين الطرفين لإلقاء مسؤولية أي تقصير على الطرف الآخر، خاصة أن قانون أساس الجيش في إسرائيل (القانون الذي يحدد صلاحية ودور المؤسسة العسكرية) يجعل المستوى العسكري والأمني تابعًا لتوجيهات المستوى السياسي. 

وعادةً ما يستغل العسكريون والأمنيون هذا القانون لتبرئة أنفسهم من أي تهمة بالتقصير أثناء الحروب بحجة أنهم خضعوا لأوامر السياسيين، وعملوا على أساسها حتى لو كانت مضرة بالعمل العسكري من منظور مهني صرف. 

خلاصة القول، إن ما ستتعرض له إسرائيل من توترات داخلية على أكثر من صعيد؛ هو أمر مرجّح بقوة بعد انتهاء هذه الحرب، وربما تكون هذه التوترات أخطر على إسرائيل من كافة المخاطر الخارجية.