أخبار المركز
  • د. إبراهيم فوزي يكتب: (المعضلة الروسية: المسارات المُحتملة لأزمات الانتخابات في جورجيا ورومانيا)
  • إسلام المنسي يكتب: (جدل الوساطة: هل تخلت سويسرا عن حيادها في قضايا الشرق الأوسط؟)
  • صدور العدد 38 من دورية "اتجاهات الأحداث"
  • د. إيهاب خليفة يكتب: (الروبوتات البشرية.. عندما تتجاوز الآلة حدود البرمجة)
  • د. فاطمة الزهراء عبدالفتاح تكتب: (اختراق الهزلية: كيف يحدّ المحتوى الإبداعي من "تعفن الدماغ" في "السوشيال ميديا"؟)

عوامل البقاء:

هل تنجح الضربات الأمنية في القضاء على "داعش" في العراق؟

23 سبتمبر، 2020


على مدى الفترة الماضية، واصلت القوى والأجهزة الأمنية العراقية ملاحقة "بقايا" تنظيم "داعش" في البلاد، عبر عمليات مداهمة وإنزال في عدد من المناطق التي ينشط فيها، على غرار عملية الإنزال التي قامت بها الوحدات الأمنية، في 15 سبتمبر الجاري، في قضاء الرطبة غرب البلاد، وهى إحدى المناطق التي لا تزال بعض الخلايا الإرهابية تنشط فيها، وهو ما أسفر عن مقتل الممول الرئيسي للتنظيم في تلك المنطقة والقبض على قيادي آخر، بشكل يطرح تساؤلات عديدة حول مدى قدرة التنظيم على مواجهة تلك الضغوط خلال المرحلة القادمة.

استهداف القيادات:

توالت خلال الفترة الماضية ضربات الجيش وقوات الشرطة العراقية ضد خلايا تنظيم "داعش"، في محاولة لتحجيم نفوذه في البلاد، والحد من هجماته الإرهابية، حيث أعلنت وكالة الاستخبارات العراقية، في 14 سبتمبر الجاري، أن القوات الأمنية في ناحية حمام العليل وتلعفر نجحت في القبض على "أبو عبيدة"، الذي كان يعمل في ما يسمى بـ"المعهد الشرعي" التابع للتنظيم في مدينة الموصل.

وسبق ذلك بيومين إعلان جهاز مكافحة الإرهاب عن تمكن القوات العراقية من قتل 4 من قيادات التنظيم في قضاء سامراء، عبر عملية قامت بها قوة مشتركة من الجيش العراقي في منطقة الفرحاتية في قضاء سامراء.

 وكانت السلطات العراقية قد أعلنت، في 27 مايو الماضي، عن نجاح الأجهزة الأمنية في إلقاء القبض على عبد الناصر قرداش أحد أبرز قيادات "داعش"، الذي كان من المرشحين لخلافة أبو بكر البغدادي بعد مقتله في العملية العسكرية التي شنتها الولايات المتحدة الأمريكية في 27 أكتوبر الماضي، حيث كان يتولى منصب رئيس اللجنة المفوضة في التنظيم، كما أنه كان من ضمن المجموعة التي كانت تقود معارك الباغوز قبل سقوطها في مارس من العام الماضي.

متغيرات حاكمة:

رغم كل هذه الضربات الأمنية القوية التي تعرض لها تنظيم "داعش"، إلإ أن اتجاهات عديدة ترى أنه من الصعوبة ترجيح احتمال القضاء عليه داخل البلاد في الأجل القريب، لاسيما أن ثمة متغيرات عديدة لها دور رئيسي في تحديد المسارات المحتملة لنشاطه في المرحلة القادمة، ويتمثل أبرزها في:

1- توافر القيادات البديلة: مع أن التنظيم تعرض لخسائر بشرية لا تبدو هينة، إلا أن ذلك لا ينفي أنه لا يزال يمتلك العديد من الكوادر التي ربما تنجح في ملء الفراغ الناتج عن غياب القيادات الرئيسية، وقد يتجه التنظيم إلى تصعيد بعضهم في المرحلة القادمة من أجل إدارة شئونه ومواصلة تنفيذ العمليات الإرهابية في أنحاء مختلفة من العراق. واللافت في هذا السياق أن هذه الكوادر، التي لا يبدو بعضها معروفاً لأجهزة الأمن، امتلكت من الخبرات ما يمكن أن يساعدها على تولي مهام أكبر داخل التنظيم من أجل مواصلة نشاطه ومحاولة دعم نفوذه من جديد.

2- التحول للانتشار التنظيمي: دفعت الضربات الأمنية المتتالية تنظيم "داعش" إلى تغيير الاستراتيجية التي يتبناها من السيطرة الترابية أو المكانية، إلى الانتشار التنظيمي، الذي يهدف إلى الوجود داخل أكبر مساحة جغرافية ممكنة دون السيطرة عليها بشكل كامل، وذلك لتفادي الملاحقات الأمنية والضربات القوية التي تفرض خسائر بشرية ومادية كبيرة.

 ويعتمد "داعش" في هذا السياق على مجموعة صغيرة من العناصر خفيفة التسليح، التي تستطيع التحرك بشكل مستمر، بشكل يفرض صعوبات عديدة أمام ملاحقتها أمنياً أو توجيه ضربات استباقية لأية عمليات إرهابية قد تخطط لها وتسعى لتنفيذها.

3- اعتماد اللامركزية التنظيمية: حرص "داعش" على تبني ما يسمى بـ"اللامركزية التنظيمية" القائمة على تكليف المجموعات والتنظيمات الفرعية بمهام محددة يمكن أن تمارسها دون العودة إلى التنظيم الرئيسي في ظل العقبات العديدة التي يمكن أن تحول دون ذلك.

وبمعنى آخر، فإن القيادة الرئيسية للتنظيم بدأت في توسيع نطاق حرية الحركة المتاح أمام القيادات الفرعية من أجل التغلب على العقبات التي أنتجتها الضربات الأمنية، خاصة فيما يتعلق بتنفيذ العمليات الإرهابية بالطريقة والآليات التي تتوافق مع الظروف التي تعيش فيها.

4- القدرة على الاستقطاب: أدت الهزائم العديدة التي منى بها التنظيم خلال المرحلة الماضية إلى تراجع قدرته على استيعاب مزيد من العناصر الإرهابية، إلا أنها لم تقض عليها تماماً، حيث ما زال لدى "داعش" الإمكانيات التي يستطيع من خلالها استقطاب أعداد جديدة من الإرهابيين، بشكل يساعده، نسبياً، في احتواء الخسائر البشرية التي يتعرض لها بسبب هذه الهزائم.

ووفقاً لاتجاهات عديدة، فإن التنظيم يعتمد على هذه العناصر الجديدة في بعض المهام المحددة على غرار وضع المفخخات أو المتفجرات في مناطق معينة، أو المشاركة في عمليات الرصد والمتابعة بشكل يوفر معلومات للتنظيم عن بعض الأهداف التي يسعى إلى مهاجمتها.

أخيراً، وعلى ضوء ما سبق، يمكن القول إن تنظيم "داعش" ما زال لديه بعض الإمكانيات التي تساعده على الاستمرار في نشاطه الإرهابي داخل العراق، على الرغم من فقدانه معظم القيادات الرئيسية، سواء من خلال الضربات الأمنية التي استهدفتهم أو عبر القبض عليهم، وهو ما يعنى أن التنظيم لا يزال يمتلك القدرة على البقاء في العراق على الرغم من كل الضربات التي تعرض لها، بشكل سوف يدفع الحكومة العراقية، في الغالب، إلى مواصلة الجهود التي تبذلها من أجل تقليص نفوذه ونشاطه بأكبر قدر ممكن خلال المرحلة القادمة.

ويبدو أن ذلك كان أحد الأسباب الرئيسية التي دفعت رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي إلى إجراء تغييرات في بعض المناصب الأمنية خلال الفترة الأخيرة، في مؤشر على أن الحكومة تمنح بالفعل الأولوية لمواجهة احتمال تجدد نشاط تنظيم "داعش" مرة أخرى.