أخبار المركز
  • د. إبراهيم فوزي يكتب: (المعضلة الروسية: المسارات المُحتملة لأزمات الانتخابات في جورجيا ورومانيا)
  • إسلام المنسي يكتب: (جدل الوساطة: هل تخلت سويسرا عن حيادها في قضايا الشرق الأوسط؟)
  • صدور العدد 38 من دورية "اتجاهات الأحداث"
  • د. إيهاب خليفة يكتب: (الروبوتات البشرية.. عندما تتجاوز الآلة حدود البرمجة)
  • د. فاطمة الزهراء عبدالفتاح تكتب: (اختراق الهزلية: كيف يحدّ المحتوى الإبداعي من "تعفن الدماغ" في "السوشيال ميديا"؟)

مأزق نتنياهو:

احتمالات تشكيل الحكومة الإسرائيلية بعد الانتخابات

24 سبتمبر، 2019


لم تختلف الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة عن سابقتها، حيث أدت إلى حالة انقسام شديدة لم تُمكّن أحزاب اليمين أو الوسط واليسار من تشكيل حكومة بشكل منفرد، وبات الخيار الوحيد المتاح إما حكومة وحدة وطنية تتكون من الحزبين الكبيرين (كاحول لافان، الليكود) أو الذهاب إلى انتخابات أخرى ستكون الثالثة في عام واحد في سابقة لم تشهدها إسرائيل في تاريخها من قبل، فيما يتمثل الاحتمال الثالث في تشكيل ائتلاف ضعيف يضم "كاحول لافان" وأحزاب اليسار.

دلالات النتائج:

من بين 31 حزبًا وقائمة انتخابية خاضت الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة، تمكّنت تسعة منها منها من تجاوز نسبة الحسم (3.25%)، حيث حصل "كاحول لافان" على 33 مقعدًا، يليه "الليكود" 31 مقعدًا، ثم القائمة العربية المشتركة 13 مقعدًا، وحزب "شاس" الديني المتشدد 9 مقاعد، فيما حصل كلٌّ من حزب "إسرائيل بيتنا" القومي العلماني برئاسة وزير الخارجية السابق "أفيجدور ليبرمان" وحزب "يهودت هتوراه" (يهودية التوراة الموحدة) الديني المتشدد للأشكيناز على ثمانية مقاعد، وحلت بعد ذلك قائمة "يمينا" المتطرفة (7 مقاعد)، وحزب العمل (6 مقاعد)، وقائمة المعسكر الديمقراطي اليسارية (5 مقاعد).

وهذا يعني خسارة الحزبين الكبيرين عددًا من المقاعد التي كانا قد حصلا عليها في الانتخابات الماضية التي جرت في أبريل الماضي، حيث خسر (كاحول لافان) مقعدين، فيما فقد الليكود خمسة مقاعد دفعة واحدة، كما أنّ جبهة اليمين الإسرائيلي المُشكَّلة من "الليكود" و"شاس" و"يهودت هتوراه" و"تحالف يمينا"، والتي من المتوقع أن توصي بـ"نتنياهو" ليتولى مهمة تشكيل الحكومة القادمة؛ تمتلك 55 مقعدًا فقط، وتحتاج إلى ستة مقاعد أخرى على الأقل لضمان تشكيل الحكومة، وهو ما يبدو صعبًا أو حتى مستحيلًا بسبب رفض "إسرائيل بيتنا" اليميني الذي يمتلك ثمانية مقاعد الانضمام إلى تحالف به أحزاب دينية (تمتلك 17 مقعدًا).

يُضاف إلى هذا أن الأحزاب المستعدة لتأييد "بيني جانتس" والتوصية به كرئيس للحكومة تمتلك مع "كاحول لافان" 43 مقعدًا فقط، أي إنها جبهة أضعف كثيرًا من تلك التي ستوصي بـ"نتنياهو" للمنصب، كما أن الكتلة العربية التي حصلت على ثلاثة عشر مقعدًا زادت نظريًّا من تأثيرها السياسي، ولكنها عمليًّا لا تشارك عادةً في الائتلافات بسبب عدم استعداد الأحزاب اليهودية -أيًّا كان اتجاهها- للاستعانة بها في تشكيل الحكومات.

وعلى الرغم من حصول حزب "إسرائيل بيتنا" على ثمانية مقاعد، فلن يشكل الحزب -كما كان متوقعًا- رمانة الميزان في تشكيل الحكومة المقبلة إلا في حالة عودة "ليبرمان" للتحالف مع "نتنياهو"، أما انضمامه إلى "بيني جانتس" فلن يفيد الأخير في سعيه لتولي الحكومة، خاصة في ظل اشتراط "ليبرمان" عدم مشاركة الأحزاب الدينية.

من جانب آخر، يحاول الرئيس "رؤوفين ريفلين" ومعه أغلبية في الرأي العام تفادي الذهاب إلى انتخابات مبكرة ثالثة، ويؤيدون حكومة وحدة وطنية تضم "كاحول لافان" و"الليكود" بمفردهما، وفي ظل هذه المعطيات: ما هي السيناريوهات المحتملة التي يمكن أن تواجهها إسرائيل في المدى القريب؟

سيناريوهات تشكيل الحكومة:

يُمكن القول إن هناك ثلاثة سيناريوهات لتشكيل الحكومة الإسرائيلية المقبلة تتمثل فيما يلي:

1- ائتلاف موسّع: يوجد داخل هذا السيناريو مساران متمايزان؛ الأول يطرحه "ليبرمان" ويضم حزبه مع "كاحول لافان" و"الليكود" كائتلاف سيحظى بتأييد 72 نائبًا، بما يجعل الحكومة المنبثقة عنه مستقرة وقادرة على مواجهة التحديات التي تفرضها الأحزاب الدينية على التوجه العلماني للدولة وعلى مبدأ المساواة، حيث ترفض الأحزاب الدينية تمرير قانون يدعو إلى تطبيق التجنيد الإجباري على جمهورها.

كما يمكن لنفس الحكومة أن تواجه التحديات الأمنية الخطيرة إقليميًّا أكثر من الحكومات أو الائتلافات الضيقة. غير أن العقبات أمام تحقيق هذا المسار تبدو كثيرة، منها إصرار "جانتس" على رئاسة الائتلاف منفردًا في الوقت الذي لن يقبل فيه "نتنياهو" بأقل من التناوب بينه وبين "جانتس" على رئاسة الحكومة خلال السنوات الأربع الافتراضية لبقاء الكنيست الحالي، على غرار ما جرى بين حزبي الليكود والعمل في الثمانينيات من القرن الماضي. أيضًا يعترض هذا المسار مخاوف "نتنياهو" من فقدان زعامته لجبهة اليمين التي سترشحه لرئاسة الحكومة، بما يضعه في موقف صعب حال رغبته في العودة لقيادة هذه الجبهة مستقبلًا.

فيما يتمثّل المسار الثاني في استبعاد "ليبرمان" وإدخال الأحزاب الدينية إلى الائتلاف بدلًا منه، وسيكون مثل هذا الائتلاف أقوى من مثيله في المسار الأول، حيث سيوفر دعم 81 نائبًا، ولكن على الرغم من أن ذلك سيضمن تخفيف حدة غضب جبهة اليمين من "نتنياهو"، إلا أنه لن يحل مشكلة رفض "جانتس" التناوب مع "نتنياهو" على رئاسة الائتلاف، كما يمكن أن يتعرض "جانتس" لانشقاقات من الجناح العلماني المتشدد داخل "كاحول لافان" الرافض للتعاون مع الأحزاب الدينية، الأمر الذي يفقده فرصة حقيقية لرئاسة الحكومة منفردًا أو بالشراكة مع "نتنياهو". 

2- حكومة ضيقة: يفترض هذا السيناريو أن يتمكن "جانتس" من تشكيل حكومة تضم "كاحول لافان" وأحزاب اليسار التي تمتلك 43 مقعدًا مع أحد الحزبين الدينيين (شاس، ويهودت هتوراه) على الأقل لتتمتع بدعم إما 51 أو 52 نائبًا مع إضافة الكتلة العربية إليهم التي يمكن أن تؤيد بقاء هذه الحكومة وتدعمها في الكنيست دون أن تشارك فيها.

وعلى الرغم من أن هذا السيناريو يوفر لـ"جانتس" عدة مزايا، منها أن ينفرد بتشكيل الحكومة، وأن يدفع بــ"نتنياهو" المعرّض بشكل كبير للمحاكمة بسبب تهم الفساد الموجهة له إلى الهامش لسنوات قادمة، وهو هدف تسعى إليه الكتلة العربية وكافة أحزاب الوسط واليسار أيضًا. وعلى الرغم من أن الائتلاف المتوقّع تشكيله داخله سيكون ضعيفًا وغير مستقر بشكل كبير، سواء بسبب مشاركة أحزاب دينية فيه اعتادت الانتهازية السياسية، وتسببت من قبل في إسقاط العديد من الائتلافات التي شاركت فيها، أو لاستناد هذا الائتلاف لتأييد كتلة من الخارج (الكتلة العربية) التي إما أنها ستفرض شروطًا للقبول مبدئيًّا بتأييد "بيني جانتس" لرئاسة الحكومة، أو ستزيد من ضغوطها على هذه الحكومة خلال الفترة التي ستحكم فيها لكي تحصل على مطالب للقطاع العربي سيكون بعضها على الأقل من المستحيل قبوله، وإلا واجه "جانتس" ما كان يخشاه، أي اتهام اليمين له بأنه جعل العرب يحكمون إسرائيل.

3- انتخابات جديدة: وهو السيناريو الذي يحاول الجميع تفاديه خشية غضب الرأي العام الإسرائيلي الذي يَتهم الأحزاب السياسية بأنها تبحث عن مصالحها حتى لو تعارضت مع المصلحة الوطنية أو القومية. وتُظهر التصريحات المتداولة لـ"نتنياهو" و"جانتس" و"ليبرمان" حاليًّا أن القيادات الثلاثة تحاول منفردة التنصل من مسئولية إمكانية ذهاب إسرائيل إلى انتخابات ثالثة في أقل من عام، بل يحاول كل طرف أن يلقي بمسئولية هذا الاحتمال حال حدوثه على خصميه الآخرين للتأثير على فرصه في الانتخابات القادمة.

وفي هذا الإطار، يظل سيناريو الذهاب إلى الانتخابات للمرة الثالثة واردًا، ما لم يتحرك ملف "نتنياهو" الخاص بالاتهامات الموجهة له بالفساد واستغلال النفوذ نحو القضاء، فحينها ستتعالى الضغوط من داخل حزبه لكي يتنازل عن رئاسته، وفي حالة إذعانه لهذا المطلب يمكن أن تصبح مهمة تشكيل حكومة موسعة من "الليكود" و"كاحول لافان" ممكنة، وبنفس القدر حكومة أكثر اتساعًا بإضافة "إسرائيل بيتنا"، فـ"نتنياهو" بات يمثل عقبة حقيقية أمام تشكيل الحكومة.