أخبار المركز
  • أحمد عليبة يكتب: (هاجس الموصل: لماذا يخشى العراق من التصعيد الحالي في سوريا؟)
  • محمود قاسم يكتب: (الاستدارة السريعة: ملامح المشهد القادم من التحولات السياسية الدرامية في كوريا الجنوبية)
  • السيد صدقي عابدين يكتب: (الصدامات المقبلة: مستقبل العلاقة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية في كوريا الجنوبية)
  • د. أمل عبدالله الهدابي تكتب: (اليوم الوطني الـ53 للإمارات.. الانطلاق للمستقبل بقوة الاتحاد)
  • معالي نبيل فهمي يكتب: (التحرك العربي ضد الفوضى في المنطقة.. ما العمل؟)

اقتصاد المعرفة:

أربعة محفزات خليجية لتطوير الاقتصاد الرقمي

02 فبراير، 2015


لقد أفرزت تكنولوجيا المعلومات مجتمعاً جديداً مغايراً لكل ما سبقه, مجتمعاً قائماً على اقتصاد المعرفة الذي تلعب فيه البرمجيات دوراً أساسياً, إذ باتت التكنولوجيا والاتصالات والتدفق المعلوماتي ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالأنشطة الاقتصادية، وأضحت عنصراً مهماً وفاعلاً في المجالات التنموية، وركيزة في كل المشاريع الكبرى. وبالتالي، فإن ثمة دوراً كبيراً أصبح يؤديه "الاقتصاد الرقمي" في تغيير نمط الإنتاج وعوامل النمو.

وفي هذا الصدد تحاول دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية العمل على تطوير مؤشرات اقتصاد المعرفة لتقليل الفجوة بينها وبين الدول المتقدمة، والاستفادة من المميزات التي يوفرها هذا الاقتصاد، وهو ما يستدعي التعرف على مفهوم الاقتصاد المعرفي وأهميته وركائزه، وتشخيص واقع هذا الاقتصاد في دول مجلس التعاون، وكذلك إلقاء الضوء على أهم التحديات التي تواجه دول الخليج نحو الارتقاء باقتصاد المعرفة، وسُبل التغلب عليها.

ماهية وسمات الاقتصاد المعرفي

ثمة مسميات عدة يتم استخدامها للتعبير عن "اقتصاد المعرفة"Knowledge Economy ، مثل اقتصاد المعلومات، واقتصاد الإنترنت، والاقتصاد الرقمي، والاقتصاد الافتراضي، والاقتصاد الإلكتروني.. إلخ. وقد عرَّفت "منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية" مفهوم "اقتصاد المعرفة"، بأنه ذلك "الاقتصاد المبني أساساً على إنتاج ونشر واستخدام المعرفة والمعلومات". فيما يُعرفه البنك الدولي بأنه "الاقتصاد الذي يحقق استخداماً فعالاً للمعرفة من أجل تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية"، وحدد البنك الدولي أربع ركائز أساسية لاقتصاد المعرفة، وهي: (الحافز الاقتصادي والنظام المؤسسي، والتعليم، والابتكار، وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات).

وبشكل عام يُشار إلى "اقتصاد المعرفة" باعتباره فرع جديد من فروع العلوم الاقتصادية يقوم على فهم جديد لدور المعرفة ورأس المال البشري في تطور الاقتصاد وتقدم المجتمع، وهو الاقتصاد الذي تكون فيه المعرفة هي المحرك الرئيسى للنمو الاقتصادي، ويعتمد على توافر تكنولوجيا المعلومات والاتصال، واستخدام الابتكار والرقمنة.

وبُناءً عليه، يتسم "اقتصاد المعرفة" بمجموعة من الخصائص، لعل من أهمها:

1- أنه كثيف المعرفة ويرتكز على الاستثمار في الموارد البشرية باعتبارها رأس المال المعرفي والفكري.

2- اعتماد التعلم والتدريب المستمرين، بما يضمن للعاملين مواكبة التطورات التي تحدث في ميادين المعرفة.

3- توظيف تكنولوجيا المعلومات والاتصالات بشكل فعَّال، لبناء نظام معلوماتي فائق السرعة والدقة والاستجابة.

-4 انتقال النشاط الاقتصادي من إنتاج وصناعة السلع إلى إنتاج وصناعة الخدمات المعرفية.

-5 تفعيل عمليات البحث والتطوير كمحرك للتغيير والتنمية، وكذلك ارتباط اقتصاد المعرفة بالذكاء وبالقدرة الابتكارية والخيال، وبالوعي الإدراكي بأهمية الاختراع والمبادرة لتحقيق ما هو أفضل.

واقع اقتصاد المعرفة في دول الخليج

شهدت منطقة الخليج العربي اتجاهاً متزايداً نحو صناعة المعرفة والتكنولوجيا وريادة الأعمال، التي أصبحت تمثل مفاتيح النمو في عالم اليوم؛ إذ تمتلك دول الخليج تكنولوجيا معلومات واتصالات على قدر كبير من التنافسية، وتسعى بكل السبل للحاق بركب الابتكار من خلال تشجيع التنافسية والتقدم نحو صناعة المعرفة.

وقد سجل الإنفاق على تكنولوجيا المعلومات والاتصالات نمواً قوياً في بلدان مجلس التعاون الخليجي، ومن المرجح أن يقارب مجموعه 180 مليار دولار خلال الأعوام المقبلة، ويتوقع أن ينمو الانفاق على تكنولوجيا المعلومات والاتصالات بنسبة تتراوح بين 8 و10%، وتتصدره المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة.

وتلعب الشركات الصغيرة والمتوسطة دوراً هاماً في النمو الذي يشهده قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في دول مجلس التعاون الخليجي، فقد أشار تقرير صدر عام 2014 عن شركة "ديلويت" للأبحاث، إلى أن الشركات الصغيرة والمتوسطة زادت من إنفاقها على خدمات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات بأكثر من 2 مليار دولار ليصل حجم الإنفاق إلى 22 مليار دولار خلال العام الماضي، كما توقعت الدراسة حينها أن تصل مساهمة الشركات الصغيرة والمتوسطة في الإنفاق على قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات إلى أكثر من 23%، مدفوعة بالتوسع المستمر في الشركات الصغيرة والمتوسطة واحتياجاتها من خدمات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات مثل موقع الويب، والتجارة الإلكترونية.

وفي هذا الإطار، أشار التقرير الاقتصادي ربع السنوي الذي يصدر عن معهد المحاسبين القانونيين في إنجلترا وويلز "ICAEW" تحت عنوان: "رؤى اقتصادية.. "الشرق الأوسط - الربع الثاني 2014"، وأعده "مركز أبحاث الاقتصاد والأعمال"، إلى أن دول مجلس التعاون الخليجي على وجه الخصوص ستظل وجهة رئيسية للاستثمار الأجنبي المباشر في السنوات المقبلة، وذلك نتيجة التطورات التي حدثت خلال المرحلة الماضية، وأهمها فوز الإمارات بتنظيم إكسبو 2020، حيث سيشجع ذلك الدول الأجنبية على مزيد من الاستثمار، إضافة إلى مشروعات البنية التحتية، وإنشاء السكك الحديدية، فضلاً عن أن المنطقة الخليجية - وخصوصاً الإمارات - باتت طريقاً مركزياً لحركة التجارة العالمية بين الشمال والجنوب والشرق والغرب؛ وهو ما يجعلها مجالاً مفتوحاً لا يقاوم لاستثمارات الشركات الدولية، لذا من المتوقع أن الاستثمار الأجنبي المباشر سوف يستمر في النمو بقوة في السنوات المقبلة.

كما كشف التقرير عن أنه، وبينما مازالت الكثير من دول الشرق الأوسط تقبع في مؤخرة لائحة مؤشر المعرفة، تبدو اقتصادات دول الخليج حسب هذا المؤشر في موقع أفضل، حيث تحتل الإمارات المركز 41 في مؤشر المعرفة التابع للبنك الدولي من بين 145 دولة يتم المقارنة بينها في القدرة على تطوير صناعات حديثة منافسة تعتمد على الابتكار والمعرفة والتكنولوجيا، بينما تأتي السعودية في الترتيب 53.

وتحدث التقرير عن أن دول الخليج تمتلك تكنولوجيا معلومات واتصالات من طراز عالمي، غير أن الأسواق الناشئة الأخرى لديها ميزة تنافسية في مجال الابتكار والتعليم، مشيراً إلى أنه عندما يتعلق الأمر بالابتكار، فإن اقتصادات الشرق الأوسط ليست مواكبة لمنافسيها بالقدر الكافي، كما أكد التقرير أنه على الرغم من أن معايير التعليم في دول الخليج قد شهدت ارتفاعاً طفيفاً وفقاً لمقاييس البنك الدولي، فلا يزال هناك نقص في العاملين الذين يتلقّون تعليماً مستداماً، بيد أن العدد المتزايد من الطلبة الدارسين في الخارج من شأنه أن يساعد على معالجة هذا النقص عبر خلق مسارات جديدة لجلب المعرفة والإسهام في تطوير المهارات.

إجمالاً، وطبقاً للإحصائيات الصادرة خلال العامين الماضيين، فإن دول الخليج الست تنقسم إلى مجموعتين من حيث جاهزيتها للانتقال إلى الصناعات المعرفية، وتضم المجموعة الأولى (الإمارات، والسعودية، وقطر) وهي الدول التي أحرزت تقدماً ملحوظاً في جاهزيتها نحو الصناعة المعرفية، ويمكن لها الولوج إلى الصناعات المعرفية بحلول عام 2020 إذا عملت على معالجة نقاط الضعف الموجودة حالياً. أما المجموعة الثانية، فتشمل كلاً من (الكويت، وسلطنة عُمَان، والبحرين) وتحتاج بذل مزيد من الجهود للتحول إلى الصناعة المعرفية.

تحديات اقتصاد المعرفة في دول الخليج

تواجه دول مجلس التعاون الخليجي تحديات متعددة لتحقيق أهدافها التنموية، وتكمن أبرز هذه التحديات في كيفية الانتقال من اقتصاد تقليدي يعتمد على النفط إلى اقتصاد يعتمد على منظومة تقودها مؤشرات الاقتصاد المعرفي.

وبشكل عام يمكن تلخيص الصعوبات أو التحديات التي يواجهها متخذو القرار بدول مجلس التعاون الخليجي في سبيل التميز في مجال اقتصاد المعرفة، وذلك على النحو التالي:

1- انخفاض نسبة الإنفاق على البحث والتطوير في دول ﻤﺠلس التعاون بالمقارنة مع الدول الآسيوية الصاعدة.

2- ضعف العلاقة بين قضايا التنمية والبنى التحتية التكنولوجية المتطورة على مستوى دول اﻟﻤﺠلس.

3- تعتبر دول اﻟﻤﺠلس مُستهلكة لتكنولوجيا المعلومات وليست مُنتجة لها.

4- الحاجة إلى مزيد من الإبداع والابتكار في العمل في معظم إدارات التعليم العالي والمراكز البحثية الخليجية.

سُبل تعزيز اقتصاد المعرفة الخليجي

من أجل مواجهة هذه التحديات المشار إليها، وسعياً نحو الارتقاء باقتصاد المعرفة في دول مجلس التعاون الخليجي، فإنه يتعين على هذه الدول تبني استراتيجيات لحفز الاقتصاد المعرفي على كافة المستويات ذات الصلة مثل (القطاع التعليمي، وقطاع البحث العلمي، وامتلاك وتوطين التكنولوجيا). ويُقترح في هذا الصدد عدداً من التوصيات والمقترحات الآتية:

1- الاستفادة من التجارب الرائدة في تطبيقات الاقتصاد المبني على المعرفة في الدول المتقدمة في هذا المجال.

2- إيجاد الحوافز التي تخلق الطلب على المعرفة، وتُشجع المنافسة، وتعزز روح المبادرة وتساعد على اكتشاف المواهب، والعمل على تمكين وتشجيع مبادرات وابتكارات القطاع الخاص.

3- تنظيم ومراجعة البيئة التشريعية والقانونية الداعمة لقطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، وغيرها من محاور اقتصاد المعرفة، يما يدفع نحو تحقيق المزيد من ممارسات الاقتصاد المعرفي.

4- بناء المعرفة الجديدة من خلال الاهتمام بالبحوث الأساسية، وزيادة الإنفاق المخصص لنشاطات البحث والتطوير، ونقل التقنية وتوطيدها، والتركيز على تحقيق التكامل بين الجامعات والمعاهد المتخصصة، ومراكز البحوث، والمؤسسات، والتي تُعد مراكز لتوليد المعرفة والحصول على التقنية.

5- بناء المؤشرات والتطورات المعرفية في مؤسسات دول مجلس التعاون الخليجي، وتبادلها من خلال تكوين لجنة رفيعة المستوى تتبع الأمانة العامة لدول مجلس التعاون، بحيث تعمل من خلالها مجموعات عمل متخصصة تغطي محاور الاقتصاد المعرفي.

-6 إدخال مقررات الاقتصاد المعرفي في المؤسسات التعليمية والأكاديمية في دول مجلس التعاون، وربط مخرجات التعليم والتدريب بحاجة سوق العمل، واستحداث مناهج وطرق تعليم عصرية ومتقدمة تتضمن تنمية المهارات المعرفية والسلوكية والتنظيمية، وتزويد الجامعات ومراكز البحوث العلمية بحاجتها من مصادر المعرفة والأجهزة التقنية المطورة.

7- توجيه الموارد الاقتصادية نحو الصناعات المعرفية بما يوازي حجم الموارد الموجهة نحو الاستثمارات في قطاعات البناء والسياحة والرياضة والترفيه.

8- توفير المزيد من حوافز الاستثمار التقني، ودعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة، وتعزيز منافستها في الأسواق الخارجية، ودعم بناء المجمعات التكنولوجية.

ختاماً، نستخلص مما سبق أن عملية التحول نحو مرحلة جديدة من الاقتصاد لتعزيز وتمكين الدول من المعرفة والابتكار، تتطلب تقييم وتطوير الحوافز أو الركائز الأربعة الرئيسية لاقتصاد المعرفة، وهي (التعليم والتدريب، والبنية التحتية للمعلومات، والحوافز الاقتصادية والنظام المؤسسي، والابتكار).

وعلى الرغم من أن دول مجلس التعاون الخليجي تواجه بعض التحديات كما سبقت الإشارة، فإن عدداً من دول الخليج استطاع أن يحقق تقدماً كبيراً في إنشاء اقتصاد ومجتمع قائم على المعرفة، بفضل الاستثمارات الضخمة في البنية التحتية للتكنولوجيا، فضلاً عن الخطط الحكومية الهادفة لوضعها على طريق الدول المتقدمة فيما يتعلق بالابتكارات الرقمية.