أخبار المركز
  • د. أمل عبدالله الهدابي تكتب: (اليوم الوطني الـ53 للإمارات.. الانطلاق للمستقبل بقوة الاتحاد)
  • معالي نبيل فهمي يكتب: (التحرك العربي ضد الفوضى في المنطقة.. ما العمل؟)
  • هالة الحفناوي تكتب: (ما مستقبل البشر في عالم ما بعد الإنسانية؟)
  • مركز المستقبل يصدر ثلاث دراسات حول مستقبل الإعلام في عصر الذكاء الاصطناعي
  • حلقة نقاشية لمركز المستقبل عن (اقتصاد العملات الإلكترونية)

هل تتحسن علاقات الخليج ولبنان بعد تراجع "حزب الله"؟

09 يونيو، 2022


شهد لبنان يوم 15 مايو 2022 دورة جديدة من الانتخابات النيابية، هي الأولى بعد سلسلة الأزمات التي عصفت بالبلاد منذ الاحتجاجات الشعبية في 2019، وانفجار مرفأ بيروت في أغسطس 2020، علاوة على تفاقم الأزمة الاقتصادية والمالية في البلاد. وعلى الرغم مما تضمنته نتائج هذه الانتخابات من مفاجآت ذات دلالة سياسية، لاسيما لجهة تراجع كتلة حزب الله وحلفائه التي خسرت الأغلبية التي كانت تتمتع بها في البرلمان السابق؛ فإن مستقبل لبنان السياسي يظل غامضاً، خاصةً في ظل حقيقة أن نتائج الانتخابات لم تسفر عن أغلبية واضحة لأي طرف. 

وفي هذا الإطار، يمكن مناقشة نتائج الانتخابات التشريعية اللبنانية وتأثيراتها المُحتملة على العلاقات مع دول الخليج، وكيف تتعامل هذه الدول مع لبنان في ضوء ما أفرزته الانتخابات الأخيرة من نتائج، وتحديداً على صعيد تراجع حزب الله وحلفائه.

مفاجآت انتخابية: 

كشفت النتائج المُعلنة للانتخابات التشريعية في لبنان عن عدد من المفاجآت المُحملة بدلالات سياسية مهمة، وذلك على النحو التالي:

1- المفاجأة الأولى تمثلت في تلقي حزب الله ضربة سياسية قوية مع خسارته للأغلبية النيابية، التي كان يتمتع بها مع حلفائه في البرلمان السابق، وكانت تضم 71 نائباً، حيث تراجع عدد مقاعد هذه الكتلة إلى 61 مقعداً موزعة كالتالي (حزب الله 13 مقعداً، وحركة أمل 15 مقعداً، والتيار الوطني الحر 18 مقعداً، وحزب الطاشناق 3 مقاعد، وحلفاء مستقلون 12 مقعداً). ومع ذلك، فقد احتفظ تحالف حزب الله وحركة أمل، بزعامة رئيس البرلمان نبيه بري، بكامل المقاعد المخصصة للطائفة الشيعية، ما يعني استمرار هيمنة نمط التصويت الطائفي داخل الكتلة الشيعية اللبنانية.

2- المفاجأة الثانية تمثلت في النجاح الكبير الذي حققه حزب القوات اللبنانية، بزعامة سمير جعجع، والمعروف بعدائه لحزب الله، حيث حصل على نحو 20 مقعداً ليتفوق بذلك على التيار الوطني الحر، المتحالف مع حزب الله، بزعامة الرئيس ميشال عون؛ ما يعني أن حزب القوات اللبنانية أصبح منافساً قوياً ومتفوقاً على التيار الوطني الحر في حجم تمثيل المسيحيين في البلاد، وهو ما قد يجعل المواجهة السياسية بين التيارين مرجحة بقوة.

3- المفاجأة الثالثة تتعلق بالتقدم الكبير الذي حققته القوى والعناصر السياسية المحسوبة على "الانتفاضة الشعبية"، وهي قوى غير طائفية، حيث حصدت هذه القوى 15 مقعداً، ما يجعلها عنصراً مهماً في ترجيح كفة التوزانات السياسية لأي من الكتلتين التقليديتين المتصارعتين (حلفاء حزب الله، ومناهضيه)، لاسيما في ضوء تقارب مقاعد الكتلتين، حيث نجح مناهضو حزب الله في الحصول على 52 مقعداً (موزعة كالتالي: حزب القوات اللبنانية 20 مقعداً، الحزب التقدمي الاشتراكي 9 مقاعد، وتيار المستقبل 6 مقاعد، وحزب الكتائب 5 مقاعد، وشخصيات مستقلة وحزبية أعلنت مواقف واضحة ضد حزب الله وعددها 12 نائباً). ويعكس الاختراق الكبير الذي حققته هذه الكتلة تنامي الرفض الشعبي للأحزاب السياسية التقليدية طائفية التوجه والتكوين.

4- الأمر الرابع المهم الذي أفرزته هذه الانتخابات هو غياب الكتلة السُنية التي لم تشارك ككتلكة موحدة في الانتخابات، كما كان عليه الأمر مع الحريري الأب ومن ثم الابن، حيث لم يشارك تيار المستقبل في الانتخابات بعد إعلان رئيس الوزراء السابق سعد الحريري تعليق نشاطه السياسي؛ ما ترتب عليه تفتيت أصوات هذه الكتلة وضعف تمثيلها، حيث لم يحصد المحسوبون عليها سوى 6 مقاعد فقط.

وبشكل عام، وعلى الرغم من الخسارة التي تكبدتها الكتلة المحسوبة على حزب الله اللبناني وفقدانها الأغلبية التي كانت تتمتع بها في مجلس النواب السابق، فإن النتائج لم تسفر في المقابل عن أغلبية واضحة لأيّ طرف، وهو الأمر الذي سينعكس على الأغلب على المشهد السياسي اللبناني الذي قد يتجه نحو التعقيد، ما يؤثر على تنفيذ استحقاقات المرحلة المقبلة، لاسيما عملية تشكيل الحكومة، واستحقاق انتخاب رئيس جديد للجمهورية بعد أن تنتهي فترة ولاية الرئيس الحالي ميشال عون في 31 أكتوبر 2022. 

فبالنسبة لاستحقاق تشكيل الحكومة، ثمة توقعات بأن يؤدي تقارب نسب المقاعد التي حصلت عليها الكتل إلى احتداد حدة الصراع السياسي بينهما على تشكيل الحكومة وتوزيع المناصب الوزارية، ما قد يترتب عليه تأخير الوصول إلى تشكيلة حكومية مقبولة من مختلف الأطراف، وربما الوصول إلى مرحلة فراغ حكومي كما حدث في العراق، في وقت يبدو فيه لبنان في أمس الحاجة إلى حكومة جديدة مقبولة داخلية وخارجية تبدأ مسار الإصلاح لإنقاذ البلاد من أزمتها الاقتصادية الخانقة بكل تداعياتها الاجتماعية والإنسانية.

والأمر نفسه قد يحدث مع الاستحقاق السياسي الثاني المتعلق بانتحاب رئيس جديد للبنان خلفاً للرئيس عون، وهي قضية يُتوقع أن تثير انقساماً كبيراً، ربما يؤدي، من وجهة نظر البعض، إلى إحداث فراغ في الرئاسة اللبنانية.

ومع ذلك تظل احتمالات قيام الكتل السياسية الفائزة بتحمل مسؤوليتها في العمل من أجل تحقيق التوافق السياسي، قائمة، لاسيما في ظل الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تشهدها البلاد. وربما يعد إعادة انتخاب نبيه بري رئيساً لمجلس النواب للمرة السابعة على التوالي، في أول جلسة يعقدها البرلمان الجديد، مؤشراً على احتمال حدوث التوافق وتسريع إنجاز الاستحقاقات السياسية المقبلة.

علاقات متأرجحة: 

شهدت العلاقات الخليجية - اللبنانية خلال العقد الأخير تأرجحاً كبيراً، وهيمن طابع التوتر على نمط هذه العلاقات بعد أحداث ما يُسمى "الربيع العربي"؛ بسبب انخراط حزب الله اللبناني في الحرب السورية وتحوله إلى أداة واضحة للنفوذ الإيراني في المنطقة بشكل عام، وفي لبنان واليمن بشكل خاص، وقيام الحزب بتكثيف عملياته العدائية والإرهابية التي طالت دول الخليج، لاسيما دعمه الواضح للميليشيا الحوثية في استهدافها للأراضي السعودية، ودعمه كذلك للجماعات التخريبية والإرهابية في دول أخرى مثل البحرين والكويت، بصورة أصبح معها حزب الله يشكل تهديداً واضحاً لمصالح وأمن دول الخليج، فضلاً عن قيامه بفرض سيطرته بقوة السلاح على الساحة اللبنانية وفرض وصايته على مؤسسات الدولة هناك وجعلها مرتهنة لخدمة المصالح والأجندات الإيرانية.

ودفعت هذه المواقف العدائية دول مجلس التعاون الخليجي، وعلى رأسها السعودية، إلى اتخاذ سياسات وإجراءات حاسمة ضد حزب الله، والدولة اللبنانية الخاضعة لهيمنة الحزب، حيث تدرجت من دعوة منع مواطني دول المجلس من زيارة لبنان، إلى قيام المملكة بإلغاء عقد تسليح فرنسي للجيش اللبناني كانت ستتكفل بتسديد قيمته البالغة 3 مليارات دولار. ووصلت هذه الإجراءات إلى حد قيام دول الخليج (باستثناء سلطة عُمان) بتصنِّف حزب الله "منظمة إرهابية". 

وفي أكتوبر 2021، قامت السعودية باستدعاء سفيرها لدى بيروت وطلبت من السفير اللبناني مغادرة الرياض، كما قررت وقف كل الواردات اللبنانية إليها بسبب تصريحات وزير الإعلام السابق، جورج قرداحي، التي دافع فيها عن الاعتداءات الحوثية على المملكة. وانضمت كل من الإمارات والكويت والبحرين إلى الرياض في سحب سفرائها من بيروت، لتصل العلاقات إلى مستوى من التراجع لم تشهده في تاريخها الحديث.

بيد أن العلاقات بين الجانبين الخليجي واللبناني، شهدت انفراجة مهمة في أبريل 2022، مع قيام دول الخليج بإعادة سفرائها إلى لبنان بعد مبادرة كويتية؛ ما مهد الأجواء لعودة العلاقات من جديد إلى مسارها التعاوني، ولو بشكل محدود.

فرص مُتاحة:

السؤال المطروح حالياً هو كيف ستنعكس نتائج الانتخابات النيابية الأخيرة في لبنان على العلاقات الخليجية- اللبنانية، وما الذي يتعين على دول الخليج فعله تجاه بيروت في ضوء هذه النتائج؟ وللإجابة على هذا التساؤل، يمكن الإشارة إلى الملاحظات التالية:

1- إن العلاقات الخليجية - اللبنانية الإيجابية هي أمر مهم للجانبين، فلبنان المُستقر والبعيد عن الاستقطابات الطائفية والخارجية هو أمر ضروري لتحقيق الاستقرار الإقليمي، وضمان وجوده ضمن الحضن العربي والحفاظ على هويته العربية، وإبعاده عن دائرة النفوذ الإيراني هو أمر يخدم تحقيق الأمن الإقليمي والخليجي. وفي المقابل، لا يستطيع لبنان أن ينمو ويزدهر ويحافظ على استقراره الاقتصادي إلا بدعم قوي من دول الخليج العربية، وقد أثبتت السنوات الأخيرة التي تراجع فيها الدعم الاقتصادي الخليجي هذه الحقيقة، حيث تحول الوضع الاقتصادي اللبناني إلى ما يشبه "المأساة". وبالتالي يؤمن الجانبان بأن العلاقات الإيجابية حتمية وضرورية، وهذا قد يدفع في اتجاه تحسينها مستقبلاً.

2- خسارة حزب الله وحلفائه للأغلبية وتراجع شعبيته داخل لبنان، يقدم فرصة مهمة لتحسين العلاقات بين الجانبين الخليجي واللبناني؛ لأنه يعطي الشعب والقوى السياسية في لبنان الفرصة للتخلص من سطوة وسيطرة حزب الله السياسية على الداخل، وبالتالي يقلل من إنجاز هذه السياسة لمصلحة قوى إقليمية لها أجندات عدائية ضد دول الخليج. وأخذاً بعين الاعتبار حقيقة أن حزب الله هو السبب الرئيسي في توتر العلاقات مع دول الخليج ووصول لبنان إلى هذا المستوى من الانهيار السياسي والاقتصادي، فإن خسارة الحزب من شأنها أن تفتح المجال أمام تحسن العلاقات الخليجية - اللبنانية. ولكن هذا الاستنتاج يظل مشروطاً بعدم لجوء حزب الله لفرض وجوده بقوة السلاح والابتعاد عن توجيه مسار السياسة اللبنانية، وهذا أمر موضع شك كبير.

3- إن دول الخليج مطالبة بالدفع في اتجاه تعزيز قوة الدولة اللبنانية وتخليصها من هيمنة حزب الله عليها، وهو ما يتم من خلال دعم وتعزيز العلاقات مع القوى السياسية المدنية المؤمنة بمنطق الدولة، والضغط باتجاه عدم السماح لحزب الله بفرض إرادته على عملية صنع القرار اللبناني.

خلاصة القول، لا شك أن نتائج الانتخابات التشريعية في لبنان، لاسيما ما يتعلق منها بتراجع كتلة حزب الله، قد تسهم في تحسين الأجواء التي تدفع باتجاه تطوير العلاقات الخليجية – اللبنانية. ولكن مستقبل هذه العلاقات سيتوقف إلى حد كبير على قدرة اللبنانيين على اختيار حكومة ورئيس جمهورية جديدين غير خاضعين لهيمنة وتوجيه حزب الله، وجادين في بناء دولة لبنانية غير خاضعة للإملاءات الخارجية وملتزمة بهويتها وانتمائها العربي.