أخبار المركز
  • أحمد عليبة يكتب: (هاجس الموصل: لماذا يخشى العراق من التصعيد الحالي في سوريا؟)
  • محمود قاسم يكتب: (الاستدارة السريعة: ملامح المشهد القادم من التحولات السياسية الدرامية في كوريا الجنوبية)
  • السيد صدقي عابدين يكتب: (الصدامات المقبلة: مستقبل العلاقة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية في كوريا الجنوبية)
  • د. أمل عبدالله الهدابي تكتب: (اليوم الوطني الـ53 للإمارات.. الانطلاق للمستقبل بقوة الاتحاد)
  • معالي نبيل فهمي يكتب: (التحرك العربي ضد الفوضى في المنطقة.. ما العمل؟)

صلاحيات الرئاسة:

جدل تونسي بعد تمسك الرئيس بصلاحية القائد الأعلى للجيش والشرطة

20 أبريل، 2021


تواجه تونس ارتدادات تصاعد حدة الخلافات بين الرئيس من جهة، والحكومة والبرلمان من جهة أخرى، لا سيما في ظل تصعيد الرئيس قيس سعيد من لهجته إزاء خصومه السياسيين، وتأكيده خلال الاحتفال بالذكرى الـ65 لعيد "قوات الأمن الداخلي"، في 18 أبريل الجاري، على أنه هو "القائد الأعلى للقوات المسلحة العسكرية والمدنية". وعلى مدار العامين الماضيين شكّلت التقاطعات بين أدوار الرئاسيات الثلاث، والاختصاصات المتداخلة والشائكة لكل منها، أزمة في النظام السياسي التونسي.

وتفاقمت الأزمة التونسية في ظل حرص بعض الأطراف، في تلك المرحلة، على خلط الأوراق، والاشتباك على قاعدة المصالح الخاصة. فبينما تسعى حركة النهضة إلى تعزيز دور البرلمان، والهيمنة المطلقة على الهياكل المؤسسية للدولة؛ يتبنى الرئيس سعيد مشروع "الديمقراطية المباشرة"، التي تنطلق من إرادة الشعب عبر توسيع صلاحيات الرئاسة. ويبدو أن الرئيس التونسي قد بدأ تكريس هذه القاعدة، في ظل توجهه الخاص نحو التأكيد على أن الإشراف على قوات الأمن الداخلي يدخل في إطار اختصاصاته الدستورية باعتباره "القائد الأعلى للقوات العسكرية والمدنية". واستدل الرئيس على ذلك من خلال مقارنة ما جاء في الدستور التونسي الذي تم وضعه في العام 1959، ودستور 2014، حيث أشار إلى أن دستور الخمسينيات ورد فيه صراحة أن "رئيس الجمهورية هو القائد الأعلى للقوات العسكرية"، بينما لم يحدد الدستور الجديد الذي تم وضعه عشية الثورة التونسية 2011، ماهية القوات المسلحة التي يتولى قيادتها رئيس الدولة.

مؤشرات الأزمة:

أثار خطاب قيس سعيد الأخير خلال عيد "قوات الأمن الداخلي"، في 18 أبريل، والذي تحدث فيه عن "صلاحيات الرئيس"، حالة من الجدل في ضوء مؤشرات عديدة توحي بأن الأزمة التونسية، التي تتصاعد حدتها في الفترة الحالية، سوف تؤثر على تونس بشكل مباشر، يتمثل أبرزها في إعادة تموضع الرئيس التونسي في المشهد، بهدف مواجهة خصومه، حيث قال في هذا الصدد: "أنا القائد الأعلى للقوات المسلحة الأمنية وليس العسكرية فقط، بموجب القانون المتعلق بقوات الأمن الداخلي الصادر عام 1982". وأضاف: "جئتكم بالنص الأصلي للدستور الأول الذي ختمه الرئيس الحبيب بورقيبة، والذي ينص على أن رئيس الجمهورية هو القائد الأعلى للقوات العسكرية، وجئتكم بنص الدستور الذي ختمه المرحوم الجلولي فارس، وينص الفصل 46 منه على أن رئيس الجمهورية هو القائد الأعلى للقوات المسلحة العسكرية". وتابع: "رئيس الدولة هو القائد الأعلى للقوات المسلحة العسكرية والمدنية. فليكن هذا الأمر واضحًا بالنسبة إلى كل التونسيين في أي موقع كائن. لا أميل إلى احتكار هذه القوات، لكن وجب احترام الدستور".

وقد دفع ذلك رئيس الحكومة هشام المشيشي إلى اعتبار خطاب الرئيس "خارج السياق"، وأضاف: "ليس هناك داعٍ للقراءات الفردية والشاذة". كما حذرت حركة "النهضة" مما أسمته بـ"الفتنة"، وقالت على لسان فتحي العيّادي الناطق باسمها: "الرئيس يتجه نحو هدم التجربة الديمقراطية". ووصف العيادي في 19 أبريل، خطاب قيس سعيد، بأنه "يهدد ويقسم ونحن نخشى الحرب الأهلية ضد بعض الأطراف السياسية وتهديد السلم المجتمعي"، وأضاف: "سعيد يتجه نحو خرق الدستور وتغيير النظام السياسي وفق ما يراه هو مناسبًا. لكن من يرغب في تغيير صلاحياته وتوسيعها عليه إما انتظار انتخابات 2024، أو تقديم مشاريع قوانين". كما اتهم الائتلافُ الحزبي الموالي لحركة النهضة في البرلمان الرئيسَ بخرق الدستور عبر محاولة توسيع صلاحياته على حساب الحكومة، والبرلمان، ودعا إلى ضرورة "سحب الثقة" من الرئيس.

في المقابل، فإنّ بعض القوى الأخرى اعتبرت التوجه الرئاسي مهمًا في ضوء التحسب لإمكانية خلق ولاءات مؤدلجة داخل الهياكل المؤسسية للدولة التونسية، خاصة في ظل مساعي حركة النهضة إلى تثبيت هيمنتها على المشهد التونسي، وتفصيل الحالة التونسية على مقاس طموحاتها السياسية.

دوافع عديدة:

يمكن تفسير خطاب الرئيس التونسي الذي أطلقه مؤخرًا على هامش الاحتفال بعيد قوات الأمن الداخلي، من خلال جملة من الأسباب الداخلية، ومن أبرزها ما يلي:

1- حسم الخلافات السياسية: لا تزال تونس تواجه تعقيدات سياسية غير مسبوقة بين النخب الحاكمة، وهو الأمر الذي ساهم في تأجيج الأوضاع السياسية، التي أضافت بدورها المزيد من الأعباء على الوضع الاقتصادي المتردي، وانعكست سلبًا على أداء أجهزة الدولة، وعلى الواقع المعيشي للمواطن التونسي. في هذا السياق، ربما استهدف خطاب الرئيس التونسي الأخير حسم التوترات السياسية، والتصدي لمساعي خصومه المستمرة لتصعيد الأزمة، من خلال إقرار تعيينات قد تخضع للولاءات الحزبية داخل الأجهزة الأمنية، وكان بارزًا هنا انتقاد الرئيس التونسي في وقت سابق تولي رئيس الحكومة -المدعوم من النهضة- منصب وزير الداخلية بالنيابة.

2- تحييد المؤسسات الأمنية: لا ينفصل خطاب الرئيس قيس سعيد الأخير، وتأكيده على أن رئيس الدولة هو القائد الأعلى للقوات المسلحة العسكرية، وكذلك قوات الأمن الداخلي، عن محاولات تحييد الأجهزة الأمنية عن تجاذبات المشهد السياسي، خاصة في ظل محاولات خصوم الرئيس لتوظيف جهاز الأمن الداخلي كعصا غليظة في مواجهة المعارضين من جهة، ومن جهة أخرى استثمار نفوذه في فرض تعيينات بالقوة، وظهر ذلك في 14 أبريل الجاري عندما أقدم "كمال بن يونس" القريب من حركة "النهضة"، والمدعوم من رئيس الحكومة هشام المشيشي، على الاستعانة بقوات الأمن الداخلي لتثبيت تعيينه مديرًا لوكالة "تونس إفريقيا للأنباء". وسعت العناصر الأمنية إلى حماية "بن يونس"، رغم رفض قطاعات صحفية تونسية معتبرة تعيين شخصيات تتبع أحزابًا سياسية على رأس مؤسسات الإعلام الرسمية، خوفًا من تطويعها لمصلحة الحكومة.

3- فتح الباب لمراجعة النظام السياسي: أعطت الصورة السلبية للبرلمان التونسي، وأزمة العمل النيابي التي كرستها محاولات الأحزاب السياسية المؤدلجة داخل البرلمان، حجةً للرئيس للدعوة لمراجعة الشرعية، والسعي إلى إعادة بناء نظام سياسي جديد يكون فيه الرئيس المنتخب شعبيًا محور العملية السياسية. كما يبدو أن تأكيد قيس سعيد في خطابه الأخير على الصلاحيات الرئاسية، يعود إلى محاولة التحايل على عدم قدرته على تمرير أي مبادرة أو إحداث تغيير في طبيعة النظام السياسي من دون الرجوع للبرلمان، سواء إن كان في شكل مبادرة تشريعية أو الدعوة لاستفتاء شعبي وفق مقتضيات الدستور.

4- إظهار قوة مؤسسة الرئاسة: يتناغم خطاب سعيد الأخير حول صلاحيات المنصب الرئاسي، وأحقيته في الإشراف على جهاز الأمن الداخلي، مع توجهه نحو تثبيت حضوره في مواجهة الخصوم. ولم يقتصر هذا التوجه على التصريحات التي أطلقها الرئيس أكثر من مرة بأنه لن يسمح بانهيار البلاد، وهياكلها المؤسسية، بل شمل هذا التوجه إجراءات عملية على الأرض، ففي 25 يناير الماضي رفضت مؤسسة الرئاسة التعديل الوزاري الذي مرره البرلمان، وتضمن إدخال 11 وزيرًا جديدًا في حكومة هشام المشيشي، ورد الرئيس بوجود وزراء تطالهم شبهات فساد. كما استعمل الرئيس قيس سعيد حق النقض في رفض التصديق على مشروع قانون المحكمة الدستورية الذي مرره البرلمان بالإجماع في 25 مارس الماضي، بدعوى انقضاء الآجال الدستورية لتشكيلها، وبأنه لن يقبل "محكمة على المقاس".

في ضوء ما سبق، يمكن القول إن خطاب الرئيس سعيد، وما يرافقه من استمرار للتصعيد بين الرئاسيات الثلاث في المشهد التونسي، سيفاقم من التجاذبات السياسية، ويكرس استمرار مناخ الشحن على الساحة التونسية. صحيح أن خطاب قيس سعيد أكد سلطته على الأجهزة الأمنية كافة، وقد يحد من التوجهات المؤدلجة؛ إلا أنه في المقابل يبدو في جوهره إشارة رئاسية على المضيّ قدمًا في معركة الصلاحيات، وتأويل الدستور التي يخوضها مع حركة النهضة التي يراها الرئيس تسعى إلى الإمساك بمفاصل المشهد التونسي، وحتى أصغر شأن فيه.