أخبار المركز
  • د. أمل عبدالله الهدابي تكتب: (اليوم الوطني الـ53 للإمارات.. الانطلاق للمستقبل بقوة الاتحاد)
  • معالي نبيل فهمي يكتب: (التحرك العربي ضد الفوضى في المنطقة.. ما العمل؟)
  • هالة الحفناوي تكتب: (ما مستقبل البشر في عالم ما بعد الإنسانية؟)
  • مركز المستقبل يصدر ثلاث دراسات حول مستقبل الإعلام في عصر الذكاء الاصطناعي
  • حلقة نقاشية لمركز المستقبل عن (اقتصاد العملات الإلكترونية)

رأسمالية المراقبة:

أبعاد الصراع التكنولوجي على تشكيل سلوك المجتمعات

04 نوفمبر، 2019


عرض: سارة عبدالعزيز - باحثة في العلوم السياسية

خلق التغلغل الرقمي في كافة أشكال الحياة اليومية للمستخدمين العديد من التحديات التي بدأت في الظهور مع تصاعد هيمنة وتصدر شركات التكنولوجيا العملاقة للمشهد العالمي، والتي لا تأتي فقط من خلال ما حققته من أرباح طائلة وزيادة قيمتها السوقية إلى مستويات أصبحت تتعدى معه ميزانيات بعض الدول، وإنما أيضًا من خلال ما أضحت تمتلكه من ثروة ضخمة من بيانات المستخدمين، الأمر الذي مكّنها من إعادة استخدام تلك الثروة لصالحها من خلال التأثير على توجهات وسلوكيات المستخدمين، وهو ما جعل البعض يلتفت لما أضحت تمتلكه تلك الشركات من سلطة فوقية على هؤلاء المستخدمين.

وقد تم التعبير عن ذلك من خلال مصطلح "رأسمالية المراقبة" الذي طرحته مؤخرًا الكاتبة "شوشانا زوبوف" (Shoshana Zuboff)، وهي أستاذ فخري في كلية هارفارد للأعمال، من خلال كتابها الذي حمل عنوان "عصر رأسمالية المراقبة: الكفاح من أجل مستقبل الإنسانية على الحدود الجديدة للسلطة"، حيث حاولت الكاتبة إطلاق ناقوس خطر لما ينطوي عليه ذلك المنطق الاقتصادي الخفي لرأسمالية المراقبة، وما يترتب عليه من قدرة تلك الشركات على تشكيل سلوكيات وتوجهات الأفراد والسيطرة عليها. 

ويمكن استعراض أهم ما جاء في الكتاب الذي ينقسم إلى مقدمة وخاتمة وثلاثة أجزاء من خلال المحاور الرئيسية التالية:

رأسمالية المراقبة:

يكشف التمعن الدقيق في الطرح الذي قدمته الكاتبة أنها توصلت من خلال تحليلها لنماذج الاقتصاد الرقمي الحالية وتأثيراتها الاجتماعية والسياسية إلى نتيجة مفادها تشكل نمط جديد من أنماط الرأسمالية، وهو ما أسمته "رأسمالية المراقبة"، وأن ذلك النمط الجديد يحاكي بشكل أو بآخر الأنماط الرأسمالية السابقة، سواء من خلال ضخامة التأثير أو ردود الفعل التي أحدثها، حيث تفترض أن تلك الموجة من رأسمالية المراقبة ستخلق حركة من ردود الأفعال المضادة، وهو ما سيضع الحدود الملائمة لتأثيرها وينظم عملها، كما كان الحال مع الرأسمالية الحديثة (Modern Capitalism)، وعبر عنه المؤرخ الاقتصادي "كارل بولاني" في مؤلفه الكلاسيكي "التحول الكبير" لعام 1944، حيث رأى أن الرأسمالية الحديثة طرحت نفسها باعتبارها "حركة مزدوجة" أدت إلى توسع السوق، ثم أسفر هذا التوسع عن دور للمجتمعات في إعادة وضع القيود المنظمة على السوق. 

ومن ثم، ترى "شوشانا" أن الجزء الأول من تلك الحركة المزدوجة لذلك الشكل الجديد من الرأسمالية بدأ في التشكل، حيث خلقت الشركات التكنولوجية -مثل جوجل وفيسبوك- شكلًا جديدًا من الأسواق تقوم من خلاله بسلعنة بيانات المستخدمين، وهي التجارب البشرية التي تمتلكها تلك الشركات مجانًا من جانب المستخدمين، وإخضاعها لمجموعة من الممارسات التجارية الخفية المتمثلة في التحليل والاستنباط والتنبؤ والبيع. وقد ساهم انتشار الحوسبة الرقمية وإنترنت الأشياء في كافة أشكال الحياة اليومية للمستخدمين في سرعة ظهور تلك الرأسمالية وانتشارها على نطاق واسع. 

لكن التحذير الأساسي الذي أطلقته الكاتبة يتمثل في أن ذلك النمط من الرأسمالية، لا يزال لم يخضع للجزء الآخر من الحركة المزدوجة والمتمثل في تشكل حركة مضادة تستهدف وضع القيود الضابطة بما يكفل حماية الحريات الفردية والمبادئ الديمقراطية. ومن ثم، يعد ذلك التحذير بمثابة نداء من أجل صحوة اجتماعية حول ضخامة التغييرات التي تفرضها التكنولوجيا على الحياة السياسية والاجتماعية.

تشكل رأسمالية المراقبة

أرجعت الكاتبة نشأة ذلك النمط الجديد من الرأسمالية إلى مسيرة التطور التي انتهجتها شركة جوجل، والتي تأسست عام 1998، حيث سرعان ما أصبحت تسيطر على محركات البحث على الإنترنت. ويمكن تتبع مراحل تحول تلك الشركة من تقديم الخدمات للمستخدمين إلى ممارسة أنشطة رأسمالية المراقبة على النحو التالي:

1. مرحلة النشأة: لم يكن لدى الشركة في البداية خطة إعلانية واضحة تستهدف من خلالها تحقيق الأرباح؛ إلا أنها وضعت رؤية جديدة يمكن من خلالها استخدام البيانات المستمدة من عمليات البحث مثل أرقام المستخدمين، وأنماط البحث، وصياغتها، وأنماط نقرات الناس، وما إلى ذلك، لتحسين نتائج محرك البحث الخاص بها، وإضافة خدمات جديدة للمستخدمين. وهو ما أدى إلى جذب المزيد من المستخدمين، وتحسين محرك البحث في دورة متكررة من التعلم والتوسع.

2. مرحلة الصعود التجاري: جاء التقدم التجاري لشركة جوجل في عام 2002، وهي المرحلة التي حاولت من خلالها الشركة استثمار بيانات المستخدمين في تعزيز أرباحها التجارية، من خلال استهداف الإعلانات بدقة وكفاءة وتوجيهها للأفراد. وبدلًا من أن تقدم لهم جوجل الخدمات أصبح المستخدمون أنفسهم بمثابة موردي المواد الخام لمحرك البحث، والذين تستخلص منهم الشركة ما يمكن تسميته بـ"الفائض السلوكي" (Behavioral Surplus) الذي يتشكل من البيانات التي تستخدمها الشركة لتحسين الخدمات المقدمة للمستخدمين.

3. مرحلة التحول نحو الذكاء الاصطناعي: ساهمت الإمكانات الهائلة للشركة في مجال الذكاء الاصطناعي، في تأمين تدفقات البيانات الهائلة بشكل أكثر دقة وسرعة واستمرارية، وهو الأساس الحقيقي لصناعة المراقبة وما ينبثق عنها من "منتجات التنبؤ السلوكي"، والتي تتوقع ما سيفعله المستخدمون "الآن، وقريبًا، وفيما بعد"، وذلك على كافة الأصعدة التجارية والسياسية والاجتماعية. 

4. مرحلة توسيع طرق الإمداد المعلوماتي: سعت الشركة من خلال مجموعة من الخدمات التي تجاوزت نشاطها الأساسي في محركات البحث مثل البريد الإلكتروني (Gmail)، وخرائط جوجل، ونظام التشغيل أندرويد ويوتيوب وجوجل هوم وحتى السيارات ذاتية القيادة، بالإضافة إلى عدد من المشاريع المتنوعة والعديد من عمليات الاستحواذ؛ إلى توسيع طرق الإمداد الخاصة بالشركة للحصول على بيانات المستخدمين، سواء داخل الشبكة أو خارجها. كما أنها في تلك العملية لم تهتم كثيرًا بطلب إذن الحصول على هذه البيانات، سواء من جانب الأفراد أو الدول، وهو ما يعني أنه في مجال المراقبة يُعد كل شيء متاحًا طالما أنه غير محمي.

5. مرحلة المنافسة مع الشركات الأخرى على عائدات الذكاء الصناعي والمراقبة: حيث أصبحت محددات نجاح تلك الشركات تقترن بما تستطيع كل منها الحصول عليه من تدفقات هائلة ومتنوعة من البيانات، وذلك من خلال إعمال آليات الذكاء الاصطناعي وتطوير الخوارزميات المرتبطة بها، وكذلك الاستفادة من عائدات المراقبة. وقد ذكرت الكاتبة أن تلك المنافسة في ظل عالم من رأسمالية المراقبة تجري على قدم وساق بين كل من شركة جوجل وأمازون وفيسبوك ومايكروسوفت وشركات الاتصالات والتكنولوجيا الكبرى الأخرى التي تمتلك نفس التوجهات التوسعية.

6. مرحلة توسيع المراقبة: وهنا سعت جوجل إلى توسيع نطاق المراقبة من خلال الجمع بين مراقبة الأفراد، سواء في العالم الافتراضي أو العالم الواقعي، وكذلك تعميق عملية المراقبة بحيث تشمل كل ما يمس حياة الأفراد، وتجميع البيانات عن شخصياتهم، والحالات المزاجية، والعواطف، وغيرها.

آليات التأثير 

تنتقل الكاتبة إلى مستوى آخر تكشف من خلاله أن امتلاك الشركات التكنولوجية لتلك الكميات الضخمة من بيانات المستخدمين من خلال عمليات المراقبة جعلها تفكر في سلعنة تلك البيانات، والتحول من التأثير على العالم الافتراضي إلى التأثير على العالم الواقعي من خلال مجموعة من الآليات، والتي أوضحتها الكاتبة على النحو التالي:

1. الآليات التشغيلية (Actuation): حيث تقوم تلك الشركات ببناء قواعد بيانات متكاملة عن المستخدمين من خلال البيانات التي تصف أنماط حياتهم وسلوكياتهم، وهو ما يسمح بتحديد الروابط والأنماط السلوكية، واستخدام آليات الاستدلال على المعلومات المتعلقة بالأفراد، ثم وضع التنبؤات المستقبلية بسلوكهم المستقبلي. بل وتحسين تلك التنبؤات ذاتها من خلال عملية مسبقة تقوم من خلالها بالتأثير على توجهات المستخدمين وسلوكياتهم، وهو ما عبرت عنه الكاتبة من خلال مصطلح "التشغيل" (Actuation)، وهي عملية تقوم من خلالها الشركات التكنولوجية بمحاولة تشكيل سلوك المستخدمين، وتنميطه، وضبطه وتعديله وتوجيهه في اتجاهات محددة من خلال تنفيذ مجموعة من الإجراءات الدقيقة والمستهدفة، مثل إدراج عبارات معينة في موجز الأخبار (Newsfeed) في الفيسبوك، أو التحكم في توقيت ظهور زر الشراء لمنتجات معينة، أو إﻏﻼق ﻣﺤﺮك اﻟﺴﻴﺎرة بشكل تلقائي في حال التأخر عن دفع مبلغ التأمين. 

وفي محاولة لإثبات حجم ذلك التأثير الذي تمتلكه الشركات التكنولوجية على سلوكيات المستخدمين استعانت الكاتبة بمثالين من واقع دراستين أجراهما فيسبوك، حيث تم تطبيق الدراسة الأولى على عينة عشوائية محكومة من حوالي (61 مليون مستخدم)، وذلك أثناء انتخابات الكونجرس الأمريكي عام 2010. تم خلالها تقسيم المستخدمين إلى ثلاث مجموعات، واستهداف مجموعتين منهم بمعلومات حول التصويت (مثل موقع أماكن الاقتراع) في مقدمة موجز الأخبار الخاص بفيسبوك. كما تلقى المستخدمون في إحدى هذه المجموعات أيضًا مجموعة من الرسائل الاجتماعية التي تحتوي على صور لأصدقاء لهم عبر فيسبوك قاموا بالتصويت بالفعل، بينما لم تتلقَّ المجموعة الثالثة أي معلومات حول التصويت. وأبرزت النتائج أن التدخل كان له أثر واضح في التعبئة الانتخابية، والدفع بحوالي نحو (340 ألف) صوت انتخابي في صناديق الاقتراع. وقد خلصت التجربة الثانية إلى ما يمكن تسميته بدور كبير وفاعل للعدوى العاطفية نحو تبني التوجهات الإيجابية أو السلبية بين مستخدمي الشبكات الاجتماعية. 

2. التضليل المعلوماتي (Disinformation) والمنشورات الداكنة (Dark Posts): أما الآلية الثانية من آليات تأثير رأسمالية المراقبة على العالم الواقعي، فيتمثل في عمليات التضليل المعلوماتي للمستخدمين وتوجيههم لتحقيق نتائج معينة، ومن أبرز الأمثلة على ذلك ما كشفته الانتخابات الرئاسية الأمريكية، وكذلك استفتاء خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (Brexit). وفي كلا الحالتين تم استخدام ما يُعرف باسم "المنشورات الداكنة" التي تسمح للمعلنين باستهداف مستخدمي فيسبوك بشكل دقيق دون ربط الإعلانات بالمعلنين أنفسهم، كما أنها تُعد غير مرئية للجمهور ككل، حيث تظهر للمستخدمين كجزء من مواجيز الأخبار الخاصة بهم إلى جانب المحتوى العادي، وفي حال إعجابهم بها أو التعليق عليها أو مشاركتها تظهر لأصدقائهم. وتكمن خطورة هذا النمط في أنه غير مرئي بالنسبة لجميع المستخدمين، ومن ثم لا يمكن اكتشافه من جانب آليات الرقابة على المحتوى عبر منصات التواصل الاجتماعي. وفي حين قام فيسبوك بحذف تلك المنشورات، إلا أنه تبين حجم الأدوات السرية التي يمكنه من خلالها التأثير على توجهات وسلوكيات المستخدمين في ظل عدم وجود ضوابط اجتماعية أو قانونية لعمل تلك الشركات.

3. التوجيه والتحكم من خلال استغلال مجموعة من "الأدواتية" (Instrumentarian): أحدثت الكاتبة محاولة للربط بين ما تقوم به الشركات التكنولوجية، وما طرحه عالم النفس ب. ف. سكينر (B. F. Skinner)، والذي جادل بأن الاعتقاد بوجود إنسان حر تمامًا هو بمثابة وهم في ظل عالم متناغم يعمل من خلال منظومة تخضع للتحكم الكامل. فمن وجهة نظر الكاتبة، فإن صناعة التكنولوجيا تعمل على تطوير وسائل تعديل السلوك لتنفيذ برنامج "سكينر". علمًا بأن ذلك النظام الجديد الناشئ ليس شموليًّا أو سلطويًّا، إذ ليست هناك حاجة للعنف أو فرض التوجهات الأيديولوجية. بدلًا من ذلك، تتمثل آلية فرض الهيمنة من خلال ما أسمته الكاتبة (الأدواتية) حيث تستخدم تلك الشركات أساليب المراقبة والتحفيز اليومي من خلال الإعلانات والمنشورات التي تستهدف الأفراد بشكل فردي أو جماعي لتوجيههم في الاتجاهات التي يفضلها أولئك الذين يسيطرون عليها. وهنا ضربت الكاتبة المثال الخاص بجهود الصين لتطبيق نظام الائتمان الاجتماعي الجديد، والذي يستهدف الأفراد من خلال مراقبة وتتبع سلوكيات الأفراد وأصدقائهم والجوانب الأخرى من حياتهم، ثم يعيد استخدام تلك النتائج لتحديد وصول كل فرد إلى الخدمات والامتيازات التي يحتاجها. 

ضبابية المستقبل

وفي ختام الكتاب، حاولت الكاتبة التدليل على حتمية دور رأسمالية المراقبة في تعديل سلوك المستخدمين من خلال إحداث نوع من المقارنة المنطقية بين الرأسمالية الصناعية ورأسمالية المراقبة. ففي حين كانت الرأسمالية الصناعية مدفوعةً في سبيل تطورها بالتكثيف المستمر لوسائل الإنتاج؛ فإن رأسماليي المراقبة مدفوعون بالضرورة إلى التكثيف المستمر لوسائل التعديل السلوكي. إلا أن الكاتبة اتسمت بالتناقض في ذلك الطرح، حيث عادت لتؤكد رفضها مبدأ الحتمية أو ما أسمته "ديكتاتورية عدم وجود بدائل" فيما يخص تجنب تقنيات التحكم الجديدة من جانب الشركات التكنولوجية، حيث لم تقدم بدائل محددة في ذلك السياق. بل إنها جادلت بأن تفكيك شركات التكنولوجيا الكبرى لن يحل المشكلات التي تثيرها. كما أنها لم تُلقِ الضوء على الاقتراح الذي تقدم به بعض الخبراء حول إمكانية إنشاء هيكل تنظيمي جديد، يعهد إليه بمحاولة تقنين وتنظيم أدوات القوة التي تمتلكها تلك الشركات، وتحسين عملية "المساءلة الخوارزمية" من خلال تحديد التداعيات الناتجة عن تلك الخوارزميات ومعالجتها. 

وفي حين يُمثّل الكتاب محاولة حقيقية من أجل دق ناقوس خطر حول تشكل أنماط جديدة من رأسمالية المراقبة وتداعياتها على المستقبل؛ فإن جوهر الحل الحقيقي -من وجهة نظر الكاتبة- يتمثل في تشكل قوة عالمية معارضة لتلك الرأسمالية الجديدة التي تستهدف التحكم في سلوكيات المستخدمين، والانطلاق منها نحو تمرير قوانين تهدف إلى إلزام الشركات التكنولوجية الأمريكية بالحفاظ على القيم الديمقراطية الليبرالية. وهنا، اتسمت الكاتبة بالتحيز الشديد لتلك الشركات، حيث وجدت أن الهيمنة الأمريكية في خطر في ظل صعود التوجه نحو إنشاء شركات تكنولوجية وطنية، قد لا تلتزم بالمبادئ الديمقراطية الأمريكية مثل الشركات الصينية.

وهنا، لا يمكن إنكار وجود بوادر لتشكل تلك الحركة المضادة، وهو الأمر الذي تمثل في قيام بعض الدول بفتح باب التحقيقات لمراجعة معايير الثقة في تلك الشركات، ودرجة تسريبها أو استغلالها لبيانات المستخدمين. أما النمط الآخر، فتمثل في النمط الأوروبي من فرض الغرامات على الشركات التكنولوجية العملاقة. 

وختامًا، يمكن القول إن الكتاب يمثل نقطة انطلاق حقيقية نحو رؤية أكثر وضوحًا لتشكل نمط جديد من أنماط الرأسمالية التي تتحكم فيها شركات التكنولوجيا العملاقة، وهو النمط الذي يضع الدول والأفراد في موقف حرج في مواجهة القوة الهائلة التي تمتلكها تلك الشركات من خلال إعمال قدرتها على المراقبة، بما يشكل تهديدًا مستقبليًّا شديد الخطورة على حريات الأفراد والمبادئ الديمقراطية. ويطرح تساؤلًا حول أي مدى يمكن أن تشكل رأسمالية المراقبة أداة حقيقية في عمليات الهندسة الاجتماعية وتعديل توجهات الأفراد وسلوكياتهم، بل وإدخال أشكال جديدة غير مسبوقة من عدم المساواة بين من يملك البيانات ومن لا يملكها، الأمر الذي قد يدفع وبشدة نحو محاولة تبني الطرح الذي قدمته الكاتبة نحو تشكل حركة عالمية مضادة تستهدف ضبط ذلك النمط الرأسمالي الجديد.

بيانات الكتاب: 

Shoshana Zuboff, "The Age of Surveillance Capitalism: The Fight for a Human Future at the New Frontier of Power", (New York: PublicAffairs Books, 2019).