أخبار المركز
  • د. أمل عبدالله الهدابي تكتب: (اليوم الوطني الـ53 للإمارات.. الانطلاق للمستقبل بقوة الاتحاد)
  • معالي نبيل فهمي يكتب: (التحرك العربي ضد الفوضى في المنطقة.. ما العمل؟)
  • هالة الحفناوي تكتب: (ما مستقبل البشر في عالم ما بعد الإنسانية؟)
  • مركز المستقبل يصدر ثلاث دراسات حول مستقبل الإعلام في عصر الذكاء الاصطناعي
  • حلقة نقاشية لمركز المستقبل عن (اقتصاد العملات الإلكترونية)

أزمات محتملة:

إلى أين تتجه التوقعات حول الاقتصاد العالمي عام 2019؟

24 ديسمبر، 2018


عرض: إبراهيم سيف منشاوي - مدرس العلوم السياسية المساعد بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية - جامعة القاهرة

يجري الحديث في أروقة صنع القرار الاقتصادي على مستوى العالم عن احتمال تعرض العالم لأزمة اقتصادية جديدة على غرار تلك التي شهدها في عام ٢٠٠٨، خاصة في ظل ارتفاع المديونية العالمية، وارتفاع سعر الفائدة، والمخاطر الناشئة عن الاختلالات الهيكلية في منطقة اليورو، بالإضافة إلى استعار الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين.

وفي هذا الصدد، تناولت مجلة "الإيكونومست" في توقعاتها لحالة العالم في العام القادم (٢٠١٩) حالة الاقتصاد العالمي من خلال أربعة تقارير، تتناول المخاوف الأربعة السابقة. ويبدو أن النظرة المستقبلية للاقتصاد العالمي أكثر تشاؤمية في ظل الخوف الكبير من تكرار الأزمة المالية في منطقة اليورو، وحدوث ركود في الاقتصاد الأمريكي نتيجة ارتفاع معدلات الفائدة، وانخفاض الإيرادات الضريبية، وتراجع الاقتصاد الصيني بسبب الحرب التجارية مع الولايات المتحدة.

اضطراب متوقع:

يُشير Leo Abruzzese، إلى احتمالية حدوث اضطراب اقتصادي في عام 2019 بسبب ارتفاع تكاليف الإقراض، وزيادة مخاطر الديون، والتقلبات التي تشهدها الأسواق العالمية، وهجرة النقد من الأسواق الناشئة. ومما يزيد من هذا الخطر، وجود حرب تجارية مستعرة بين أكبر اقتصادين في العالم، الولايات المتحدة والصين. 

فالعوائد المالية المرتفعة في كلٍّ من الولايات المتحدة وأوروبا واليابان ستسحب رأس المال بعيدًا عن الأسواق المالية الناشئة، مما يؤثر على استقرارها. إذ إن ارتفاع أسعار الفائدة على النقد الأجنبي -خاصة الدولار- سيجعل من الصعب على الدول النامية تسديد ديونها الخارجية، وسوف ينعكس ذلك على تعثر العملة الوطنية في عدد من تلك الدول مثلما حدث في تركيا والأرجنتين وجنوب إفريقيا والبرازيل. بالإضافة إلى أن الخطر الأكبر، ليس فقط على الأسواق الناشئة بل على الاقتصاد العالمي، يتمثل في زيادة مخاطر المديونية العالمية، التي وصلت إلى مستويات غير مسبوقة، حيث وصل الدين العالمي إلى 217% من إجمالي الناتج المحلي الإجمالي لعام 2017، بزيادة أكثر من 20% عن عام 2007.

كما أن السياسة الاقتصادية الأمريكية لا تساعد على تطور الاقتصاد العالمي، فالتخفيضات الضريبية التي اتخذها الرئيس "دونالد ترامب" ستزيد العجز في ميزانية البلاد إلى 6% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2019، وهو أعلى معدل على الإطلاق في الظروف العادية. كما أن رفع معدلات الفائدة من خلال البنك الفيدرالي قد أثر على ارتفاع الأسعار. وكذلك فإن الحرب الاقتصادية مع الصين تؤثر على حركة الاقتصاد العالمي نتيجة توجس المستثمرين والمصدّرين، وقد تؤدي تلك الحرب إلى انخفاض غير مسبوقٍ في الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة في عام 2019. 

وعلى صعيد آخر، يشهد الاقتصاد الصيني تقلبات مماثلة، فهناك تشديد من الحكومة على سياسة الائتمان بعد فترات سابقة من التوسع في الإقراض، إلى جانب تضخم سوق العقارات، وارتفاع ديون الأسر إلى 110% من الدخل، وهي نسبة أعلى مما كانت عليه في الولايات المتحدة واليابان وفرنسا، وقد أثّر هذا على نمط الاستهلاك للشعب الصيني الذي كان من المفترض أن يدفع الاستهلاك العالمي.

وتستمر المشكلات قائمة في منطقة اليورو، بسبب تباطؤ وتيرة النمو الاقتصادي، واعتزام البنك المركزي الأوروبي رفع أسعار الفائدة، وقد تؤثر المديونية الإيطالية المتفاقمة على تراجع العملة الموحدة "اليورو"، ووضعها في أزمة.

اختلالات هيكلية:

تذكر Rachana Shanbhogue أن الأسس التي قامت عليها العملة الأوروبية المشتركة "اليورو" أضحت في غاية الضعف، ومما كشف عن ذلك ما حدث من أزمات في اليونان وأيرلندا والبرتغال وإسبانيا. ويرجع ذلك إلى العجلة التي تمت بها الإصلاحات الهيكلية. فعلى الرغم من المرونة التي تشهدها منطقة اليورو، والتي من المحتمل أن تستمر في عام 2019، ومن مؤشراتها حل مشكلات الإقراض، والتوسع في سياسات إقراض الدول المتعثرة، بالإضافة إلى التوسع الاقتصادي الذي شهدته المنطقة على مدار السنوات الخمس الماضية؛ إلا أن هناك العديد من الاختبارات التي ستتعرض لها منطقة اليورو. منها على سبيل المثال، أن البنك المركزي الأوروبي سيشهد تغييرًا في سياسته التي اتبعها لسنوات عدة، حيث سيعمل على سحب الدعم النقدي تدريجيًّا، مما سيؤثر على الأسواق المالية وسعر الفائدة. 

ومن المتوقع أن يكون رفع سعر الفائدة أحد الإجراءات التي سيتخذها الرئيس الحالي للبنك "ماريو دراجي"، الذي ستنتهي ولايته في أكتوبر 2019. وعلى صعيد آخر، فإن المرشحين لخلافته سيتبعون نفس السياسة، وعلى رأسهم رئيس البنك المركزي الألماني "جينس وايدمان" الذي ينتقد بشكل رئيسي السياسات الحالية للبنك المركزي الأوروبي.

وقد يرتبط تعثر منطقة اليورو بالدرجة الأولى بالخروج البريطاني من الاتحاد الأوروبي، خاصة إذا تم الخروج بطريقة غير منظمة، مما سيؤدي إلى حدوث خلل في الاقتصاد الأوروبي. كما أن الحرب التجارية التي يشنها الرئيس الأمريكي "ترامب" على الدول الأوروبية -وخاصة ألمانيا- ستزيد الأمور صعوبة.

بالإضافة إلى ذلك، فإن هناك عوامل داخلية قد تقود إلى تفكك منطقة اليورو، فالوعود الكثيرة التي قطعها الائتلاف الشعبوي الإيطالي للناخبين من الممكن أن تؤدي إلى نوبات من التشكيك في منطقة اليورو. فإذا كانت إيطاليا، باعتبارها أكبر ثالث اقتصاد في منطقة اليورو، ستشهد أزمة، فإن منطقة اليورو ستبدأ في الانهيار. 

مستقبل الأسواق العالمية:

في تقريرٍ آخر نشرته "الإيكونومست"، أوضح John O’Sullivan، أن الظاهرة المميزة هي السوق الصاعدة في الولايات المتحدة، حيث حققت الأسهم الأمريكية الرائدة أداء أفضل بكثير من الأسواق الناشئة أو الأسهم الأوروبية، إذ تضاعفت أسهم ستاندرد آند بورز 500 أربع مرات منذ عام 2009. 

وفي هذا الإطار، يشير الكاتب إلى أن هناك وجهتي نظر حول الاقتصاد الأمريكي وبقية العالم. الأولى وجهة النظر الحذرة، وتنظر بعين الشك إلى قدرة الاقتصاد الأمريكي على البقاء على نفس الدرجة من التوسع والتطور نتيجة لتباطؤ نمو الناتج المحلي الإجمالي مع تلاشي التحفيز من التخفيضات الضريبية لعام 2018، إلى جانب الخطر المتزايد من الاحتياطي الفيدرالي المرتبط برفع أسعار الفائدة، والذي قد يدفع الاقتصاد إلى الركود. أما بقية الاقتصاد العالمي فيبدو أكثر عرضة للخطر، فالأسواق الناشئة في حالة من الفوضى، ولا تزال منطقة اليورو أيضًا معرضة للخطر لعدم وجود آلية موحدة لدعم الاقتصاد في المنطقة، بينما فَقَدَ الاقتصاد الصيني زخمه نتيجة للحرب التجارية التي يشنها الرئيس الأمريكي "ترامب".

أما وجهة النظر الثانية فتمثل النظرة المتفائلة للاقتصاد العالمي، والتي تشير إلى قدرة الاقتصاد الأمريكي على تجنب الركود من خلال اتباع سياسات نقدية أكثر حذرًا، مع احتمال كبير بتقاسم المخاطر المالية في منطقة اليورو مما سيحد من أزمتها، إلى جانب تحفيز معدلات النمو الاقتصادي في الصين. ويبدو أن معظم المستثمرين يشتركون في النظرة الأولى، وهو ما أكده استطلاع رأي أجراه Bank of America Merrill Lynch، الذي أوضح أن هناك وجهة نظر أكثر تشاؤمًا حول الاقتصاد العالمي منذ نوفمبر 2008.

مأزق الاقتصاد الصيني:

يرى Simon Rabinovitch أن الخطر الأبرز الذي سيواجه الاقتصاد الصيني في عام 2019 يتمثل في الرسوم الجمركية، حيث تعتزم الولايات المتحدة الأمريكية زيادة الرسوم الجمركية على الواردات الصينية من 10% إلى 25%. وإذا كان بعض مستشاري "ترامب" يعتقدون انهيار الاقتصاد الصيني نتيجة لزيادة هذه الرسوم، إلا أن الأثر الأبرز لذلك هو حدوث انخفاض في نمو الاقتصاد الصيني من 7% إلى أقل من 6%.

وهذه الحرب التجارية بين الدولتين ستجبر الصين على تغيير سياستها الاقتصادية، مثل تثبيت مستوى الديون، واتخاذ مزيد من إجراءات التقشف، وتخفيض الضرائب على الشركات، واتباع سياسات مختلفة لإدارة العجز المالي، ومن الممكن أن تقود تلك الإجراءات إلى تخفيف حدة ضعف الصادرات الصينية. وسيكون على الصين أيضًا أن تحارب من أجل دعم عملتها "اليوان"، فإذا أرادت أن يكون "اليوان" عملة دولية فإنه يجب عليها تعزيزها، خاصة في ظل تقلص الفائض التجاري الصيني في عام 2019. 

سيدفع تباطؤ نمو الاقتصاد الصيني بكين إلى إجراء بعض الإصلاحات لدعم النمو، منها: أن الحكومة المركزية ستعمل من خلال حصيلتها الضريبية على منح بعض الامتيازات المالية للمدن والمقاطعات المختلفة، من أجل خلق نوع من التوازن المالي الداخلي. وقد تستمر في تخفيض الرسوم الجمركية في عام 2019، حيث شهد عام 2018 قيام الصين بتخفيض الرسوم الجمركية على الآلات والمنسوجات من 9,8% إلى 7,5%، كما ستتيح للمستثمرين الأجانب فرصة العمل في القطاع المالي بشكل أكبر.

وعلى صعيد آخر، هناك بعض السياسات الاقتصادية التي لن تغيرها الصين، مثل التخلي عن نظام الإعانات الصناعية، أو إجبار الشركات الأجنبية على نقل التكنولوجيا الحديثة إلى شركاتها. وهذا الأمر يُنبئ بأن الحرب التجارية بين البلدين لن تضع أوزارها في المدى القريب، وأن الرهان سيظل قائمًا على مدى قدرة اقتصاد البلدين على تحمل الأضرار الناشئة عن تلك الحرب. ويبدو في الأفق أن الاقتصاد الصيني سيكون الأكثر قدرة على تحمل تلك الأضرار من نظيره الأمريكي.