أخبار المركز
  • أحمد عليبة يكتب: (هاجس الموصل: لماذا يخشى العراق من التصعيد الحالي في سوريا؟)
  • محمود قاسم يكتب: (الاستدارة السريعة: ملامح المشهد القادم من التحولات السياسية الدرامية في كوريا الجنوبية)
  • السيد صدقي عابدين يكتب: (الصدامات المقبلة: مستقبل العلاقة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية في كوريا الجنوبية)
  • د. أمل عبدالله الهدابي تكتب: (اليوم الوطني الـ53 للإمارات.. الانطلاق للمستقبل بقوة الاتحاد)
  • معالي نبيل فهمي يكتب: (التحرك العربي ضد الفوضى في المنطقة.. ما العمل؟)

تحركات متقاطعة:

تداعيات المشاركة المحتملة لـ"الحشد الشعبي" في معركة الموصل

03 نوفمبر، 2016


تخطت ميليشيا "الحشد الشعبي" حدودَ الدور المقرر لها في المشاركة ضمن عملية تحرير الموصل الذي يقتصر على المهام اللوجستية، حيت سعت للانخراط في عمليات القتال الرئيسية، وفرض خطة عمل في إطار تحرك منفرد، بل وربما توسيع نطاق حدود العمليات ذاتها من العراق إلى سوريا، الأمر الذي يعكس الدور الذي تقوم به هذه الميليشيات في خدمة أهداف إيران، خاصة فيما يتعلق بالمشاركة في صياغة الترتيبات السياسية في العراق، ودعم نظام الأسد في سوريا، بشكل سوف يفرض تداعيات وخيمة على مستقبل الدولتين.

وتُنافس ميليشيا "الحشد الشعبي" باقي الأطياف العسكرية المشارِكة في عملية تحرير الموصل، بالنظر إلى قدراتها العسكرية وتموقعها الاستراتيجي في تلعفر خارج الموصل، ومنها قوات الجيش العراقي ذاته، وميليشيا "البيشمركة" الكردية التي تجاورها على محاور التمركز والانتشار في سنجار.

وفي واقع الأمر، تعبر تلك المنافسة بين قوتين محليتين في المجال العراقي عن تنافس إقليمي أكثر قوة بين إيران وتركيا ظهر في صور متعددة، لكن أبرزها يتمثل في التنافس العسكري الذي يمهد لفرض ترتيبات مستقبلية خاصة بوضع الموصل بعد انتهاء عملية التحرير.

مهام متعددة:

تتمثل المهام التي تسعى ميليشيا "الحشد الشعبي" إلى القيام بها في إطار معركة الموصل في:

1- تقديم دعم لوجيستي: وهو الدور الذي تم الاتفاق عليه بين الحكومة العراقية والإدارة الأمريكية في أعقاب تورط ميليشيا "الحشد الشعبي" في جرائم طائفية خلال عملية تحرير تكريت في إبريل 2015، والذي عُرف- حسب بعض التقارير- باتفاق "قواعد تكريت"، وينص على قصر دور "الحشد الشعبي" على المهام اللوجيستية في محيط مناطق القتال الرئيسية، وهو ما تم التأكيد عليه مرةً أخرى بسبب عدم التزام ميليشيا "الحشد" التي شاركت في عملية تحرير الفلوجة في يونيو 2016 وارتكبت انتهاكات عديدة ضد سكانها، بشكل دفع الحكومة العراقية- بعد الضغوط العديدة التي تعرضت لها- إلى اتخاذ قرار بإلحاق الميليشيا رسميًّا بالحكومة، ووضعها تحت قيادة القائد الأعلى للقوات المسلحة رئيس الوزراء، وهو ما اعتبرته اتجاهات عديدة خطوة لاستيعاب تلك الضغوط وإضفاء "إطار قانوني" على "الحشد" قبل مشاركته في معركة الموصل.

2- تبني خطة عمل من جانب أحادي: لم تلتزم ميليشيا "الحشد" بحدود الدور المتفق عليه سلفًا في معارك التحرير السابقة، ولم تلتزم أيضًا بالقواعد ذاتها في عملية تحرير الموصل. فمع نهاية الأسبوع الأول من العمليات العسكرية التي شهدت تحرير بعض القرى في محيط الموصل، تم إعلان وقف العمليات العسكرية من جانب القوات المشتركة (الحكومية والتحالف الدولي) بهدف إعادة تقييم خطة العمل المشتركة، والتأكيد على تثبيت السيطرة على المناطق المحررة خلال المرحلة الأولى من العمليات، وهو ما لم تؤيده الميليشيا التي خاضت عمليات عسكرية في تلعفر ومحيطها بعد ذلك.

 وفي هذا السياق قال نائب رئيس هيئة "الحشد الشعبي" أبو مهدي المهندس، في تصريحات لبعض وسائل الإعلام، أن "دور الحشد هو الأكثر مساحة والأكثر صعوبة والأهم استراتيجيًّا"، وأضاف أن "هذه المعركة لا تستهدف فقط مركز مدينة الموصل، بل مناطق شاسعة محيطة بالمدينة، وهي عبارة عن أوكار ومراكز قيادة لداعش، فضلا عن خطوط إمداد تربط المدينة بمحافظتي صلاح الدين والأنبار، والأهم من ذلك الحدود السورية".

3- دور إقليمي عابر للحدود: في إطار التوافق مع السياسة الإيرانية، أعلن المتحدث باسم "الحشد الشعبي" أحمد الأسدي أن الميليشيا ستقوم بالانخراط في مهام رئيسية وذات طبيعة خاصة لا تتجاوز حدود دورها فحسب، بل تتعدى حدود أدوار الأطراف الأخرى، وتقفز على خطة العمل، وأبرزها إعلان قطع طريق "الموصل– الرقة" بدعوى عرقلة تعزيز "داعش" لقواته على الجانبين أو هروب عناصره من العراق باتجاه سوريا، على الرغم من أن هذا الطريق يقع بشكل أساسي في دائرة تمركز القوات الكردية في سنجار. ويبدو أن هذه الخطوة تحديدًا ساهمت في وقف خطة العمل الرئيسية من جانب قيادة التحالف لإجراء تعديلات في ضوء التحرك الأحادي لـ"الحشد".

وقد بدأت الميليشيا في التلميح إلى انخراطها في المستقبل في عملية تحرير الرقة، الأمر الذي يعني أنها رفعت من سقف طموحاتها في ممارسة دور المؤسسة الأمنية المركزية في العراق كبديل للجيش الوطني، في إطار دور إقليمي يتسم بطابع طائفي لدعم السياسة التي تتبناها إيران ونظام الأسد.

تداعيات مختلفة:

ومن دون شك، فإن تلك التحركات التي تقوم بها ميليشيا "الحشد الشعبي" سوف تفرض تداعيات مباشرة يمكن تناولها على النحو التالي:

1- تكريس الطابع الطائفي: وفقًا للسوابق الخاصة بتداعيات إشراك "الحشد الشعبي" في عمليات القتال السابقة في تكريت والفلوجة، بل وحتى طبقًا لبعض التقارير التي تم رصدها في مرحلة القتال في عملية الموصل؛ فإن سلوك "الحشد الشعبي" لم يتغير تجاه البعد الطائفي في الأداء القتالي.

فعلى الرغم من أن الموصل ذات غالبية سنية، إلا أن "الحشد الشعبي" حمل الرايات والشعارات الطائفية بشكل بدا أكثر كثافة من المعارك السابقة، وهو ما يُشكل خطرًا متوقعًا على زيادة حدة العمليات الطائفية المحتملة حال دخول "الحشد" إلى مدينة الموصل ذاتها رغم التحذيرات السابقة.

2- تعزيز مساعي التغيير الديمغرافي: يتوازى تدخل "الحشد" في المواجهات المسلحة مع تصاعد المخاوف من عملية تغيير ديمغرافي محتملة لإنهاء طبيعة الموصل باعتبارها المجال الأكثر استيعابًا للطائفة السنية في العراق.

3- تصعيد حدة المنافسات المحلية والإقليمية: لا يُمكن القول إن تجاوز ميليشيا "الحشد" لحدود دورها في عملية الموصل هو أمر مفاجئ، إذ إن موقع التمركز في تلعفر ذات الأغلبية التركمانية الشيعية، وإن كان في مقابل القوة الكردية، يعكس صراعًا آخر متعدد الأبعاد إثنيًّا وقوميًّا وطائفيًّا، ويعبر عن أكثر من دلالة يُمكن أن تُضاف إلى التداعيات السابقة.

الدلالة الأولى، تتمثل في أن التنافس بات معلنًا بين ميليشيا "الحشد" والقوات الكردية، وهو تنافس تقليدي برز في معارك مرحلية سابقة، منها معارك تحرير سنجار في 2014، لكنه أصبح أكثر وضوحًا في المرحلة الراهنة في مناطق التمركز من منطلق الأهداف الحقيقية لكل من الطرفين من الانخراط في عملية الموصل، إذ إن "البيشمركة" الكردية لديها هدف توسعي في نطاق جغرافيا الموصل، باعتبارها تمثل، في رؤيتها، امتدادًا طبيعيًّا للجغرافيا الكردية للإقليم الذي لم ترتسم حدوده النهائية بعد.

وفي هذا السياق، برزت العديد من التصريحات الكردية التي تشير إلى أن المناطق التي سيتم تحريرها على أيدي "البيشمركة" ستئول إلى الإقليم الكردي، وأن "هذا ثمن طبيعي لعملية التحرير وليس مجرد مكافأة على المشاركة فيها". وفي المقابل، فإن موقف "الحشد الشعبي" يتبلور في السياق الطائفي، باعتبار أن بعض سكان المدينة شيعة.

والدلالة الثانية، تنصرف إلى أن التنافس المحلي يبدو أكثر انعكاسًا في حالة التنافس الإقليمي بين طهران وأنقرة اللتين تتبنيان سياسة ذات طابع قومي وطائفي متباين إزاء التعامل مع التطورات التي تشهدها تلك المناطق. 

وفي هذا السياق تصر أنقرة على الدفاع عن الطائفة السنية الغالبة على الموصل، وترتكن إلى السياقات التاريخية، حيث تبرر تواجدها باتفاق عثماني خاص بالموصل يقضي بالدفاع عن الإطار الطائفي بما يبرر تواجدها هناك، وتأسيس قاعدة عسكرية تابعة لها في بعشيقة. 

 ويمكن القول إن كلا الطرفين ينافس الآخر في مراكز النفوذ، ويهدد خطط العمل المستقبلية، فإيران تبحث عن توازن قوى في مقابل تركيا من خلال بناء قاعدة عسكرية إيرانية في القيارة جنوب الموصل، وهى المدينة التي تتخذ منها قوات التحالف مركزًا لقيادة العمليات حال استمرار تركيا في قاعدة بعشيقة.

هذه التحركات المتقاطعة تشير في مجملها إلى أن تجاوُز "الحشد الشعبي" لمهامها في كافة مراحل المعارك مع "داعش" يعود إلى طبيعة التكوين وليس فقط إلى طبيعة المهام والاتفاقيات الرسمية، إذ إنها أكثر تعبيرًا عن حالة غير رسمية ككيان موازٍ للجيش الوطني، يمارس دورًا لصالح أطراف إقليمية، وتحديدًا إيران.

ومن هنا يمكن القول في النهاية إن تحرير الموصل من "داعش" لا يمثل، في الغالب، بداية مرحلة استقرار وضعها، بقدر ما يمثل بداية معارك أخرى سوف تتخذ، على ما يبدو، طابعًا إقليميًا بامتياز.