انعقد مؤتمر ميونخ للأمن في ذكراه الستين خلال الفترة من 16 إلى 18 فبراير 2024 تحت شعار "هل يخسر الجميع"، وسط تطورات أمنية لافتة على صعيد الحرب الروسية الأوكرانية، والتخوف من نشوء حرب إقليمية شاملة بالشرق الأوسط مع استمرار حرب غزة، وتصاعد إدراك الرأي العام العالمي للمخاطر غير التقليدية على حالة الأمن العالمي. وبالرغم من توقع الكثيرين أن تترتب على مؤتمر ميونخ للأمن نتائج ملموسة بالنظر إلى كثافة المشاركة الدولية في فعالياته وتصاعد حدة الأزمات التي يناقشها، فإن طبيعة انعقاد المؤتمر من عام 1963 تؤكد كونه منصة حوار وتبادل للرؤى غير الرسمية بين قادة العالم والمسؤولين الأمنيين حول توجهات الأمن العالمي أكثر منه مكاناً لانتظار الوصول إلى "قرارات سريعة" أو "نتائج حاسمة".
وفي ضوء ذلك، يتناول هذا التحليل الملابسات المحيطة بانعقاد مؤتمر ميونخ للأمن هذا العام، وأهم الاتجاهات الرئيسية التي شهدتها مناقشاته، وصولاً إلى استعراض بعض النتائج المترتبة عليه.
سياق عالمي:
اتسم السياق السياسي والاقتصادي العالمي غير المستقر الذي انعقدت فيه فعاليات مؤتمر ميونخ للأمن 2024، بما يلي:
1- سيادة حالة من التشاؤم العالمي بشأن التنافس الجيوسياسي المتزايد، والتباطؤ الاقتصادي العالمي، وعدم رضا الأطراف الرئيسية الفاعلة في النظامين العالمي والإقليمي عن التوزيع غير المتكافئ للمنافع المُطلقة للتعاون فيما بينها وتركيزها على أنها تحقق مكاسب أقل من غيرها من المنافسين، وهو ما عبّر عنه شعار المؤتمر "خسارة -خسارة"، وأشار إليه تقرير ميونخ للأمن لعام 2024 بحديثه عن "عدم وفاء المجتمع الدولي بوعده بتنمية المنافع لصالح الجميع". وأكدت كلمة الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، في الجلسة الافتتاحية للمؤتمر هذا المعنى، إذ أعرب فيها عن قلقه من انقسام المجتمع الدولي بالرغم من التحديات الوجودية التي تواجهه، ومن تخوفه من أزمة المناخ وخطر خروج الذكاء الاصطناعي عن السيطرة، ومن تصاعد انتهاكات القانون الدولي الإنساني بصورة تتجاوز حقبة الحرب الباردة.
ويُلاحظ أن حالة التشاؤم لا تقتصر فقط على مواطني دول الجنوب، بل تمتد لتشمل كافة سكان دول مجموعة السبع الذين تم استطلاع رأيهم في مؤشر ميونخ لهذا العام، وتوقعوا أن تصبح الصين وقوى أخرى من جنوب الكرة الأرضية أكثر قوة في السنوات العشر المقبلة، وأن بلدانهم سوف تكون في حالة ركود أو تراجع.
2- استمرار الأزمات في النظام الدولي، وذلك مع دخول الحرب الروسية الأوكرانية التي نشبت في فبراير 2022 عامها الثالث، وسط فشل استراتيجية الهجوم المضاد الذي تقوم به أوكرانيا، وإعلان روسيا أثناء فعاليات اليوم الثاني لمؤتمر ميونخ للأمن عن السيطرة على مدينة أفدييفكا التي تقع على بعد نحو 10 كيلومترات شمال مدينة دونيتسك شرق أوكرانيا، وهو أكبر انتصار حققته روسيا منذ الاستيلاء على باخموت في مايو 2023. وكذلك مع استمرار العدوان الإسرائيلي على غزة للشهر الخامس على التوالي منذ هجوم حركة حماس في 7 أكتوبر الماضي، والتخوفات بشأن التكلفة الإنسانية من تهديدات حكومة بنيامين نتنياهو بشأن حملة عسكرية برية على مدينة رفح، واضطراب حركة التجارة العالمية نتيجة استمرار الهجمات الحوثية ضد السفن التجارية في البحر الأحمر.
3- التخوفات من عودة ترامب للبيت الأبيض بعد انتخابات نوفمبر 2024، وتزامن ذلك مع تصريحات الرئيس الأمريكي السابق، ترامب، بتشجيع روسيا على مهاجمة الدول الغربية التي لا تفي بالتزاماتها المالية تجاه حلف "الناتو"، وهي التصريحات التي أثارت غضب القادة الأوربيين ومسؤولي الأمن بها، ودفعت الأمين العام لحلف "الناتو"، ينس ستولتنبرغ، إلى إصدار بيان في 11 فبراير، يحذر فيه من أن هذه التصريحات تقوض أمن الحلف بما في ذلك الولايات المتحدة، وتعرض الجنود الأمريكيين والأوروبيين لخطر متزايد.
4- تغير أولويات الرأي العام العالمي، فوفقاً لمؤشر ميونخ للأمن لعام 2024، والذي شارك فيه أكثر من 12 ألف شخص من دول مجموعة السبع و"بريكس" (ماعدا روسيا) وأوكرانيا خلال شهري أكتوبر ونوفمبر 2023، وشملت أسئلته معرفة توجهات هؤلاء الأفراد تجاه 31 خطراً عالمياً عبر خمسة أسئلة رئيسية، فقد تصدرت التهديدات البيئية والهجرة الناتجة عن الحروب وظاهرة تغير المناخ سلم المخاطر الأمنية، وذلك لتحل محل روسيا التي جاءت في المركز الأول في مؤشر ميونخ للأمن العام الماضي، والتي ربما لم تعد لحربها في أوكرانيا وتهديداتها أولوية في عام 2023 سوى لدى مواطني المملكة المتحدة واليابان فقط من مجموعة الدول السبع.
وأبرز ذلك إدراك مواطني العالم لخطورة التهديدات الأمنية غير التقليدية، وتململ الرأي العام العالمي، والأوروبي تحديداً، من استمرار الحرب الروسية الأوكرانية وعدم وجود أفق سياسي لحلها، والتعامل معها على أنها "أمر نمطي معتاد" يضطر المواطنون الأوروبيون معه إلى إنفاق المزيد من أموال ضرائبهم على دفاعهم عن أنفسهم، وعلى دعمهم لأوكرانيا.
اتجاهات المؤتمر:
تمثلت الاتجاهات الرئيسية التي شهدتها أجواء مؤتمر ميونخ للأمن وجلساته ونقاشاته هذا العام، بما يلي:
1- الاستمرار في عزل روسيا وإيران: في ظل عدم توجيه إدارة المؤتمر الدعوة إليهما لحضور فعالياته للعام الثاني على التوالي؛ وذلك بسبب عدم استعداد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للتفاوض مع حكومة أوكرانيا الحالية، وإيران بسبب عدم اهتمامها باستئناف المحادثات المتعثرة بشأن برنامجها النووي مع نظرائها من الدول الغربية. واستعاضت إدارة المؤتمر عن حضور ممثلي الحكومتين بتوجيه الدعوة إلى ممثلي المنظمات غير الحكومية والقيادات السياسية المعارضة من البلدين.
2- الحضور اللافت لممثلي دول الجنوب: إذ مثّلوا 27% من إجمالي المتحدثين في فعاليات المؤتمر (250 متحدثاً)، ومع أن هذه النسبة لا تفي بتطلعات دول الجنوب لممارسة دور أكبر في تشكيل النظام العالمي أو مناقشة قضاياه الرئيسية، فإنها تُعد النسبة الأكبر منذ انعقاد مؤتمر ميونخ الأول في عام 1963. ويرجع السبب الرئيسي في زيادة تمثيل دول الجنوب إلى رغبة منظمي المؤتمر في توسيع دائرة النقاش العالمي حول القضايا المطروحة، والتي مزجت بين القضايا التقليدية مثل: الرؤى المختلفة للنظام العالمي، ودور أوروبا في الأمن والدفاع عن القارة، والحرب في كل من أوكرانيا وغزة، وبين القضايا الأمنية غير التقليدية مثل: الهجرة واللجوء وتغير المناخ والذكاء الاصطناعي والحروب السيبرانية.
3- تأكيد الدعم الأوروبي لأوكرانيا عبر استكمال سلسلة الاتفاقيات الأمنية الثنائية معها: تزامن مع أولى أيام فعاليات المؤتمر، إعلان ألمانيا عن توقيع اتفاق أمني مع كييف بقيمة مليار يورو، وذلك بعد أيام من توقيع فرنسا لاتفاق مماثل وبعد مرور شهر من توقيع بريطانيا لاتفاق ثنائي آخر مدته عشرة أعوام خلال زيارة رئيس الوزراء البريطاني، ريشي سوناك، لكييف في يناير 2023. وتهدف هذه الاتفاقيات إلى توفير "بنية أمنية جديدة لأوكرانيا" في ظل التخوفات من تجمد الصراع، ووصوله إلى نقطة اللاحسم من المنظور الغربي بعد قرار الكونغرس الأمريكي بتعليق المساعدات العسكرية لكييف التي بلغت قيمتها 60 مليار دولار، وعرقلة المجر لحزمة المساعدات الأوروبية لأوكرانيا المقدرة بقيمة 50 مليار يورو، وذلك بعد استخدامها لحق النقض خلال قمة الاتحاد الأوروبي في ديسمبر الماضي.
وجاء هذا الدعم الأوروبي لأوكرانيا بعد المطالبات المستمرة للرئيس فولوديمير زيلينسكي بزيادة الدعم العسكري لبلاده، ومطالبة وزير خارجيته، دميترو كوليبا، نظيره الأمريكي، أنتوني بلينكن، أثناء محادثاتهما في المؤتمر، بتسليم واشنطن كييف أسلحة جديدة خاصةً من صواريخ "أتاكمز" الأمريكية التكتيكية بعيدة المدى التي تمكن أوكرانيا من مهاجمة العمق الروسي، والتي كان زيلينسكي قد ألح في طلبها، بجانب الذخائر ومنظومة الدفاع الجوي "باتريوت"، خلال لقائه الأسبوع السابق لانعقاد المؤتمر مع وفد الكونغرس الأمريكي برئاسة مايك تيرنر، رئيس اللجنة الدائمة لشؤون الاستخبارات بمجلس النواب. وبالرغم من هذا الدعم المتزايد، فإن تصريحات القادة الأوروبيين قد حافظت على مواقف دولهم الاستراتيجية منذ اندلاع الحرب الأوكرانية بعدم انخراطها المباشر في هذه الحرب. فعقب توقيع الاتفاق الأمني مع كييف، صرح المستشار الألماني، أولاف شولتز، بأن ذلك لن يعني جعل بلاده طرفاً في الصراع مع روسيا، أو يؤدي إلى إرسال أية قوات ألمانية إلى ساحة الحرب في أوكرانيا.
4- بحث أوروبا عن بديل لمظلة الأمن الأمريكية: فمع التخوفات من عودة ترامب للبيت الأبيض، ونجاح الجيش الروسي في الحفاظ على وجوده في شرق أوكرانيا وتحقيق انتصارات عسكرية جديدة على الأرض؛ بدأت تظهر اقتراحات محددة بشأن كيفية اتباع نهج متدرج للاستقلال الاستراتيجي عن الولايات المتحدة في المجال الأمني، أهمها زيادة الإنفاق الدفاعي، وسعي أوروبا لتعزيز قدراتها الذاتية للدفاع عن نفسها، وعودة الحديث عن خيار الردع النووي.
وأكد هذا التوجه تصريح المستشار الألماني، شولتز، عن عمل بلاده مع فرنسا وبريطانيا على تطوير أسلحة دقيقة قادرة على الوصول إلى مسافة بعيدة لتطوير استراتيجية الردع الخاصة بها، وتأكيد رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، أهمية بناء "أوروبا قوية ومتعاونة" مع الاعتراف بالطبع بدور حلف "الناتو"، وتصريح وزير المالية الألماني، كريستيان ليندنر، خلال فعاليات المؤتمر، بأنه من الضروري أن تقوم بلاده بإنشاء قوة ردع نووية أوروبية بالتعاون مع فرنسا وبريطانيا بوصفهما القوتين النوويتين في القارة، وذلك بالرغم من رؤية المستشار الألماني في ديسمبر 2023 لعدم جدوى مناقشة هذه الفكرة. وفي هذا السياق، دافع رئيس اللجنة العسكرية للاتحاد الأوروبي، روبرت بريغر، عن مشروعية أفكار الردع النووي باعتبار أن لها أسبابها التي تبررها بالنظر إلى "موقف روسيا من المواجهة".
5- الاحتواء الغربي للصين: بالرغم من إشارة تقرير ميونخ للأمن لعام 2024 إلى أهمية تقليل الدول الغربية اعتمادها على التجارة مع الصين، واستمرار النهج العملي في التعامل معها على أنها تمثل "تحدياً لأمن حلف الناتو ومصالحه وقيمه"، فإن المسعى العام الذي أكدته فعاليات المؤتمر هو السعي إلى احتواء بكين، والعمل على منع تصعيد الخلافات الحادة معها بشأن استقلال تايوان واستقرار بحر الصين الجنوبي ومنطقة "الإندوباسيفيك"، اللتين تعتبرهما الصين منطقتين تقع مسؤولية حفظ الأمن فيهما في الأساس على الآسيويين فقط. وأبرز ذلك لقاء وزيري الخارجية الأمريكي، بلينكن، ونظيره الصيني، وانغ يي على هامش فعاليات المؤتمر، في 16 فبراير، والذي اتسم بالتشديد على وجود منهجية لإدارة الخلافات بينهما، وضرورة بقاء خطوط الاتصال مفتوحة بين البلدين.
6- التباين بين الرؤيتين الإسرائيلية والعالمية بشأن غزة. فقد شهدت مناقشات المؤتمر، التي شارك فيها الرئيس الإسرائيلي إسحاق هيرتسوغ وكل من وزيري الخارجية الحالي يسرائيل كاتس والسابقة تسيبي ليفني، تأكيد إسرائيل حقها في الدفاع عن نفسها، وعدم نيتها حكم قطاع غزة أو تهجير الفلسطينيين منه عقب القضاء على حركة حماس، على حد تعبيرها. وفي المقابل، اتسمت التصريحات الأمريكية والأوروبية بتأكيد حل الدولتين للصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وأهمية اتخاذ إجراءات عاجلة لمواجهة الأزمة الإنسانية الكارثية في غزة، وإبداء القلق العميق من العواقب المدمرة المُحتملة على السكان المدنيين من جراء التهديد الإسرائيلي بتنفيذ عملية عسكرية شاملة في رفح، وذلك كما برز في اجتماع وزراء خارجية مجموعة السبع برئاسة إيطاليا على هامش أعمال المؤتمر، وهو الأمر الذي أكدته أيضاً الوفود العربية المشاركة في ميونخ.
ولم يقتصر التباين على المواقف الرسمية، فقد تباينت أيضاً رؤى الخبراء ومسؤولي الأمن في أروقة المؤتمر للقضايا المتعلقة بوضع مفاوضات الرهائن بين إسرائيل وحركة حماس، والنقاش حول مستقبل غزة بعد اليوم التالي لانتهاء الحرب، وكيفية إصلاح السلطة الفلسطينية. وجاء ذلك في سياق عام من التخوف من أن تشهد منطقة الشرق الأوسط حرباً إقليمية شاملة، في ضوء استمرار الهجمات الحوثية في باب المندب، واستهداف الفصائل المسلحة في العراق أماكن تركز القوات والقواعد الأمريكية، وهو ما دفع بنائبة الرئيس الأمريكي، كامالا هاريس، إلى تحذير رئيس الوزراء العراقي، محمد السوداني، عقب لقائهما على هامش المؤتمر، من إمكانية شن واشنطن ضربات على بلاده في حال تكرر هذه الهجمات.
نتائج مُحتملة:
في ضوء ما سبق، يمكن القول إن مؤتمر ميونخ للأمن 2024 لم يحقق تقدماً ملموساً على صعيد مناقشة أي من القضايا المطروحة فيه، وأبقى على نفس التوجهات الرئيسية السائدة قبله، والتي مثّلت خسارة لجميع أطراف المنظومة الدولية. وربما تتمثل أهم النتائج المُحتملة للمؤتمر فيما يلي:
1- سرعة قيام المفوضية الأوروبية بتقديم مقترحها لاستراتيجية الدفاع الأوروبية الموحدة، والتي حددت رئيسة المفوضية، أورسولا فون دير لاين، أهدافها، خلال مؤتمر ميونخ للأمن، في زيادة الإنفاق الدفاعي، وتحسين آلياته من خلال إبرام مشتريات مشتركة واتفاقيات لتوفير القدرة على التوقع وتحسين العمل المشترك بين القوات المسلحة الأوروبية، وذلك بجانب تعزيز القاعدة الصناعية العسكرية. وسوف يكون في القلب من تلك الاستراتيجية دمج أوكرانيا في برامج الدفاع الأوروبية، وافتتاح مكتب للابتكار الدفاعي فيها.
2- تأكيد الإدارة الأمريكية التزامها بأمن أوروبا ودعم حلف "الناتو"، مع السعي إلى الضغط على الكونغرس لتمرير صفقة المساعدات الخاصة بأوكرانيا باعتبار أن توقفها قد سمح لموسكو مؤخراً بتحقيق أكبر انتصاراتها العسكرية منذ مايو 2023. ومن الأرجح أن تحتل قضية الدور الأمريكي في أمن أوروبا أولوية متقدمة على سلم أولويات القضايا الخارجية للحملات الانتخابية لمرشحي الحزبين الديمقراطي والجمهوري لانتخابات الرئاسة المقررة في نوفمبر 2024.
3- احتمالية إعادة الصين طرح مبادرة مُعدلة للسلام بشأن أوكرانيا، بعد رفض كييف والدول الغربية مبادرتها السابقة التي كانت قد قدمتها في فبراير 2023، والتي وافقت عليها روسيا وقتها. ويعزز ذلك التصور إشارة وزير الخارجية الصيني، وانغ يي، خلال اجتماعه مع نظيره الأوكراني، كوليبا، خلال فعاليات المؤتمر، إلى أن بكين "تعمل من أجل إجراء محادثات سلام بشأن أوكرانيا".
4- إمكانية حلحلة الخلافات بين أذربيجان وأرمينيا، من أجل المُضي قُدماً في التفاوض حول توقيع معاهدة سلام بين البلدين، وذلك بعد توتر العلاقات بين باكو ويريفان في أعقاب سيطرة أذربيجان على كامل إقليم ناغورنو كاراباخ في سبتمبر 2023، وتجدد تبادل إطلاق النار على الحدود بين البلدين قبل أيام من بدء فعاليات مؤتمر ميونخ للأمن. فقد كان من أهم الاختراقات التي حققها المؤتمر هذا العام هو نجاح المستشار الألماني، شولتز، في عقد محادثات بين الرئيس الأذري، إلهام علييف، ورئيس الوزراء الأرميني، نيكول باشينيان، لحل الخلافات بينهما بالطرق السلمية ومن دون استخدام القوة، وهي المحادثات التي تلاها لقاء ثنائي بين كل من علييف وباشينيان. وبالرغم من تجهم وجهي الرجلين، وعدم مصافحة بعضهما بعضاً عقب انتهاء اللقاء، وذلك أمر معتاد في مثل هذه الحالات، فإنهما توافقا على مواصلة إجراء المباحثات بهدف رسم الحدود وتطبيع العلاقات بين أذربيجان وأرمينيا. وربما تسرع من هذه الجهود إثارة وزير الخارجية الأمريكي، بلينكن، موضوع معاهدة السلام خلال لقائه الرئيس علييف على هامش فعاليات المؤتمر، والاهتمام الألماني والتركي بتسوية الخلاف بين باكو ويريفان بما يمنع دخولهما في حرب شاملة، واستضافة أذربيجان هذا العام مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ (كوب29).
ختاماً، تبقى مسألة إصلاح النظام الدولي الحالي وإقامة نظام بديل قائم على التعددية القطبية من القضايا محل النقاش الدائم في كافة المؤتمرات الدولية، ولم يكن مؤتمر ميونخ للأمن 2024 استثناءً من ذلك، إذ لم يفلح تكرار الأمين العام للأمم المتحدة، غوتيريش، لدعواته الإصلاحية في كلمته الافتتاحية بالمؤتمر في حشد التأييد اللازم لها إلا في أوساط الدول التقليدية المؤيدة وعلى رأسها الصين وروسيا.