أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية
  • مُتاح عدد جديد من سلسلة "ملفات المستقبل" بعنوان: (هاريس أم ترامب؟ الانتخابات الأمريكية 2024.. القضايا والمسارات المُحتملة)
  • د. أحمد سيد حسين يكتب: (ما بعد "قازان": ما الذي يحتاجه "بريكس" ليصبح قوة عالمية مؤثرة؟)
  • أ.د. ماجد عثمان يكتب: (العلاقة بين العمل الإحصائي والعمل السياسي)

الدبلوماسية أولاً:

مسارات تعامل الصين مع التوترات في شبه الجزيرة الكورية

18 يناير، 2024


دعا المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية، وانغ وين بين، في 5 يناير 2024، الكوريتين إلى الهدوء وضبط النفس، والامتناع عن القيام بخطوات تؤجج التوترات، وتجنب تصعيد الوضع، فضلاً عن توفير الظروف لاستئناف الحوار الهادف.

جاء ذلك في سياق رده على سؤال لوكالة الأنباء الفرنسية، حول موقف بلاده إزاء قيام كوريا الشمالية، يوم 5 يناير 2024، بإطلاق قذائف مدفعية باتجاه الساحل الغربي لجارتها الجنوبية، وهل تؤيد بكين أم ترفض التحرك الذي قامت به بيونغ يانغ؟

دوافع الصين:

ثمّة دوافع واعتبارات عديدة تفسر الاهتمام الكبير الذي تُبديه بكين تجاه التوترات المتزايدة في شبه الجزيرة الكورية خلال الآونة الأخيرة، ويمكن رصد أبرزها في الآتي:

1- العلاقات الوطيدة مع كوريا الشمالية: ترتبط الصين بعلاقات تاريخية وثيقة مع كوريا الشمالية، إذ يُنظر إلى بكين باعتبارها الحليف الأقرب إلى بيونغ يانغ، ولاسيما في ظل ارتباط البلدين بمعاهدة تعاون ومساعدة متبادلين، وكذلك ارتباطهما بحدود مشتركة يصل طولها إلى 1.146 كيلومتراً، فضلاً عن التعاون العسكري والأمني الوثيق بين البلدين، إذ قامت الصين بمساعدة كوريا الشمالية ما بين عامي 1950 و1953، إبان أزمة الحرب الكورية، وأرسلت عدداً كبيراً من الجنود الصينيين لدعم القوات الكورية الشمالية.

هذا بجانب التشابه الأيديولوجي بين البلدين، وقوة العلاقات الاقتصادية بينهما، ناهيك عن الارتباط القوي بين الأمن القومي لكلا البلدين. وتتعدد الملامح الدالة على قوة ومتانة العلاقات بين بكين وبيونغ يانغ، ولاسيما على صعيد الزيارات المتبادلة، والتبادلات رفيعة المستوى بين قيادتي البلدين. فقد قام الرئيس الصيني، شي جين بينغ، يومي 20 و21 يونيو عام 2019، بزيارة دولة إلى كوريا الشمالية، بهدف تحسين العلاقات التي تدهورت بين البلدين آنذاك، بسبب تجارب بيونغ يانغ النووية، ودعم بكين لعقوبات دولية عليها.

كما زار وفد صيني برئاسة عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الحاكم لي هونغ تشونغ، يوم 25 يوليو 2023، بيونغ يانغ، للمشاركة في احتفالاتها بالذكرى السبعين لإبرام الهدنة في شبه الجزيرة الكورية.

وعلى الجانب الكوري الشمالي، قام كيم جونغ أون، بأربع زيارات إلى الصين، ثلاث منها جرت خلال عام 2018، فيما جاءت زيارته الرابعة في أوائل يناير 2019، والتي عقد خلالها رابع قمة له مع نظيره الصيني شي جين بينغ.

وعلى صعيد التبادلات رفيعة المستوى، تعهد كيم جونغ أون، رئيس كوريا الشمالية، في رسالة إلى نظيره الصيني شي جين بينغ، في أول يوليو 2021، بمناسبة الذكرى المئوية لتأسيس الحزب الشيوعي الصيني، بتطوير علاقات الصداقة مع الصين إلى "مستقبل مشرق"، وترقيتها إلى نقطة استراتيجية جديدة.

2- تنامي التهديدات والمخاطر المحيطة بالأمن الصيني: توجد الصين في إطار جغرافي وإقليمي يموج بالتحديات والأزمات التي تنعكس على البيئة الأمنية لبكين، وتُعد التوترات التي تشهدها شبه الجزيرة الكورية، أحد هذه التهديدات الجوهرية التي تؤثر في الأمن القومي الصيني، وذلك بالنظر إلى ما يترتب عليها من توترات أمنية وإقليمية تؤثر في الأمن والاستقرار الإقليمي في شبه الجزيرة الكورية، وكذلك في منطقة شرق آسيا والتي تُعد الإطار الجغرافي الأقرب للصين بحكم حدودها المشتركة مع العديد من الدول التي تتعرض للاضطرابات والأزمات الأمنية والسياسية، وعلى رأسها كوريا الشمالية.

3- تزايد ملامح التوتر في شبه الجزيرة الكورية: استمراراً للتوترات التي شهدتها شبه الجزيرة الكورية خلال العام الماضي، بدأ عام 2024 بداية ساخنة، تجلت في التصعيد العسكري بين الكوريتين، وذلك على خلفية التحركات والتصريحات التي صدرت عن كوريا الشمالية، وما قابلها من ردود فعل من جانب الشطر الجنوبي لشبه الجزيرة. فقد أصدر قائد النظام الكوري الشمالي، خلال زيارته يوم 5 يناير 2024، لأحد مصانع إنتاج العتاد العسكري، أوامره لجيش بلاده بالاستعداد لاحتمال الدخول في حرب مع كوريا الجنوبية والولايات المتحدة، يمكن أن تندلع في أي وقت في شبه الجزيرة الكورية. كما أطلق تهديدات جديدة باستهداف كوريا الجنوبية بالسلاح النووي.

ورداً على التصعيد العسكري الكوري الشمالي، أجرت كوريا الجنوبية في 3 يناير 2024، أول تدريبات ومناورات بحرية لهذا العام، شاركت فيها العديد من المدمرات، وذلك بهدف تأمين الاستعداد القتالي، عبر التدريب المكثف الذي يتوافق مع المهمات الرئيسية والبنية العلمياتية في جميع المناطق البحرية.

4- التنافس الجيوسياسي مع الولايات المتحدة: لا يمكن فصل التوترات التي شهدتها شبه الجزيرة الكورية خلال الفترة الأخيرة بين سيول وبيونغ يانغ، عن التنافس الجيوسياسي على الزعامة والنفوذ في المنطقة بين الصين والولايات المتحدة. فإلى جانب المناورات العسكرية المشتركة التي تجريها واشنطن مع كل من سيول وطوكيو بهدف ردع كوريا الشمالية، فقد عقدت واشنطن أيضاً اتفاقاً جديداً مع سيول لنشر غواصات نووية أمريكية في كوريا الجنوبية، وهو التطور الذي أثار قلق الصين، لكونه مؤشراً على إمكانية اتجاه سيول تدريجياً لدعم الاستراتيجية الأمريكية لاحتواء بكين.

مسارات عديدة:

بناءً على الدوافع السابقة، تعمل الصين على الحد من تأثيرات وتداعيات التوترات في شبه الجزيرة الكورية عليها، ويمكن رصد المسارات والآليات التي تبنتها بكين، أو التي قد تلجأ إليها مستقبلاً بهذا الصدد، في الآتي:

1. المسار الدبلوماسي: يرتبط لجوء الصين إلى هذا المسار في التعامل مع توترات شبه الجزيرة الكورية، بالعديد من المحددات ذات الصلة بموقف بكين تجاه الأزمة الكورية من جهة، وكذلك بعلاقات الصين مع الأطراف ذات الصلة الوثيقة بالأزمة، ولاسيما الولايات المتحدة وروسيا، من جهة أخرى. ويمكن توضيح أبعاد هذا المسار على النحو التالي:

أ- دعم موقف كوريا الشمالية: يلاحظ أنه رغم ما يترتب على مواقف وتصرفات كوريا الشمالية المؤججة للتوترات في شبه الجزيرة الكورية، من تأثير في الأمن القومي للصين، فإن الأخيرة تدعم وتساند موقف بيونغ يانغ. وتبرر بكين ذلك بعدم وجود آلية واضحة وهيكل أمني لضمان السلام في شبه الجزيرة الكورية.

إذ أكدت على لسان وزير خارجيتها، وانغ يي، خلال لقائه مع نائب وزير الشؤون الخارجية الكوري الشمالي، باك ميونغ هو، في 18 ديسمبر 2023، دعمها "الثابت" لكوريا الشمالية، وذلك رغم قيام الأخيرة بإطلاق صاروخ بالستي جديد في ديسمبر 2023.

كذلك، حدد الرئيس الصيني، شي جين بينغ، وزعيم كوريا الشمالية، كيم جونغ أون، عام 2024، عاماً للصداقة بين البلدين. وقد أكد الرئيس شي في رسالة تهنئة لنظيره كيم بمناسبة العام الجديد، استعداد بلاده لتعزيز التعاون وتعميق الثقة الاستراتيجية المتبادلة مع كوريا الشمالية.

وهو ما يعكس اعتزام الصين تقديم المزيد من الدعم والتأييد لمواقف كوريا الشمالية تجاه الأزمة في شبه الجزيرة الكورية. وبالتالي، فقد تتخذ بيونغ يانغ، بناءً على دعم بكين لها، مواقف متشددة تجاه كل من الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية خلال العام الجاري.

ب- رفض تدخل واشنطن في شبه الجزيرة الكورية: يُعد انخراط واشنطن الوثيق في الأزمة الكورية، أحد المحددات الرئيسية للتحرك السياسي للصين في التعامل مع تلك الأزمة، وما يرتبط بها من توترات في شبه الجزيرة الكورية، وهو ما يتجسد في رفض الصين لتدخل الولايات المتحدة في شبه الجزيرة الكورية. لكونه يرتكز، طبقاً للرؤية الصينية، على استغلال واشنطن للتوترات الإقليمية في شبه الجزيرة الكورية لتكريس تحالف مناهض لعرقلة الصين. وهو ما يرتبط باستراتيجية واشنطن في المحيطين الهندي والهادئ، والتي يرتبط جزء منها بتعزيز التعاون مع حلفائها، ولاسيما كوريا الجنوبية واليابان، بهدف التصدي للنفوذ المتزايد للصين.

وتتهم بكين كلاً من واشنطن وسيول بالعمل على زعزعة الأمن والاستقرار وزيادة حدة التوترات في شبه الجزيرة الكورية، وتطالب جميع الأطراف بضرورة التركيز على جوهر قضية شبه الجزيرة الكورية والقيام بدور بناء في تعزيز التسوية السلمية للقضية، كما أنها ترى أن التحركات الأمريكية "تؤدي إلى تفاقم التوترات في شبه الجزيرة الكورية وتقويض السلام والاستقرار الإقليميين، وتتعارض مع هدف إخلاء شبه الجزيرة من الأسلحة النووية".

ج- التنسيق مع روسيا بشأن دعم كوريا الشمالية: تحرص الصين على تنسيق مواقفها بخصوص التوترات في شبه الجزيرة الكورية مع روسيا، حليفتها الاستراتيجية، وهو ما يتضح من خلال دعم كل من بكين وموسكو لكوريا الشمالية في مجلس الأمن الدولي، عبر منع إدانة قيام نظام بيونغ يانغ بإجراء تجارب صاروخية تهدد الأمن والاستقرار في شبه الجزيرة الكورية. فقد رفضت الصين الانضمام إلى بقية الأعضاء في مجلس الأمن الدولي بخصوص إدانة كوريا الشمالية لإطلاقها صواريخ بالستية عابرة للقارات في مايو 2022، كما استخدمت بكين، ومعها موسكو، حق النقض (الفيتو)، في نوفمبر 2022، ضد مشروع قرار قدمته واشنطن لتعزيز العقوبات ضد بيونغ يانغ.

وترى الصين أن روسيا ما تزال شريكاً موثوقاً به لنزع السلاح النووي في شبه الجزيرة الكورية، إذ تشترك الدولتان في العمل من أجل إحلال السلام والاستقرار في شبه الجزيرة الكورية.

2- مسار التدخل العسكري: صدرت عن الصين في الآونة الأخيرة العديد من التصريحات التي مفادها ضرورة استعداد وجاهزية الجيش الصيني لخوض الحروب الإقليمية والانتصار فيها، وذلك في ظل ما يشوب البيئة الأمنية في آسيا من تعقيدات وأزمات متعددة على المستوى الإقليمي.

وفي هذا الإطار، تظل الأداة العسكرية أحد الأدوات والمسارات التي يُحتمل أن تلجأ إليها بكين للتعامل مع التوترات التي تشهدها شبه الجزيرة الكورية، بيد أن اللجوء إلى هذا المسار يظل مرتبطاً بشروط ومحددات عدة. وحتى الآن تكتفي بكين بالرد على التوترات الناشبة في شبه الجزيرة الكورية، من خلال التدريبات والمناورات العسكرية البحرية التي تجريها مع حليفتها الاستراتيجية روسيا، للرد على المناورات الثلاثية بين الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية واليابان، لردع كوريا الشمالية.

وفي هذا السياق، تشير تقديرات إلى أن اندلاع تصعيد عسكري كبير في شبه الجزيرة الكورية، قد ينذر بتوسيع دائرة الصراع لتشمل الصين، الحليف الاستراتيجي لكوريا الشمالية. وثمة اتجاه يُرجح تدخل بكين في الحرب إلى جانب بيونغ يانغ، بهدف الحيلولة دون انهيار نظام كيم جونغ أون. وذلك من خلال تقديم الدعم العسكري التقليدي لكوريا الشمالية لمنع سقوطها. ومن المستبعد أن تنخرط الصين في مواجهة نووية مع الولايات المتحدة دفاعاً عن كوريا الشمالية، خاصة وأن تكلفة مثل هذا الخيار سوف تكون مرتفعة لكلا الطرفين الصيني والأمريكي.

3- مسار الضغط الاقتصادي على كوريا الشمالية: يُعد هذا المسار أحد المسارات المهمة التي قد تلجأ إليها الصين للتعامل مع التوترات في شبه الجزيرة الكورية، ولاسيما في ظل تزايد الاعتماد الاقتصادي لكوريا الشمالية على بكين، وخاصة في الجانب التجاري، والذي وصل إلى أعلى مستوى له في عام 2022، منذ تولي كيم جونغ أون الرئاسة قبل عشر سنوات. إذ بلغ حجم التجارة بين البلدين في العام المذكور 1.53 مليار دولار، بزيادة قدرها 125% مقارنة بعام 2021.

وفي إطار هذا المسار، يمكن أن تستخدم الصين نفوذها الاقتصادي الكبير على كوريا الشمالية، للضغط على الأخيرة لمنعها من الإقدام على أي تصعيد عسكري كبير، ولاسيما فيما يخص إقدام الأخيرة على إطلاق صواريخ نووية في حرب مع كوريا الجنوبية والولايات المتحدة. ذلك أنه ليس من مصلحة الصين اندلاع حرب في شبه الجزيرة الكورية، لما سيترتب على تدخل الصين في هذه الحرب إلى جانب كوريا الشمالية من تداعيات كارثية على الاقتصاد الصيني.

تداعيات وسيناريوهات مُحتملة:

سوف تؤدي التوترات الحادثة في شبه الجزيرة الكورية إلى تداعيات وسيناريوهات عديدة محتملة، سواءً بالنسبة للصين، أم بالنسبة لطرفيها الرئيسيين، كوريا الشمالية وكوريا الجنوبية، بجانب الولايات المتحدة، ويمكن توضيح ذلك على النحو التالي:

1- تزايد الانخراط الصيني في الأزمة الكورية: إن استمرار الأزمة في شبه الجزيرة الكورية من دون حل أو تسوية، سوف يؤدي إلى تزايد الضغوط الأمنية التي يمكن أن تؤثر في الأمن القومي الصيني، في ضوء الاعتبارات السابق الإشارة إليها. وبالتالي، يتوقع أن تشهد الفترة المقبلة مزيداً من التدخل من جانب بكين في محاولات تهدئة هذه التوترات، وذلك عبر قيام بكين بمحاولة توظيف نفوذها الكبير على كوريا الشمالية، لدفعها إلى تخفيف حدة مواقفها، ما قد يسهم في تهدئة مقابلة من جانب سيول وواشنطن، وهو ما يصب في المجمل في تهدئة الأوضاع في تلك البقعة الملتهبة من آسيا، الأمر الذي يمثل مصلحة أكيدة ومكسباً كبيراً بالنسبة للصين. فمن ناحية، سوف تتمكن بكين من التخلص من القلق والصداع الذي تسببه لها تلك الأزمة، ولاسيما تصرفات بيونغ يانغ الاستفزازية. ومن ناحية أخرى، فإن التهدئة ستتيح لها فرصة تخفيف حدة التوتر في علاقاتها مع واشنطن.

2- تصعيد مُتزايد من جانب كوريا الشمالية: يشير قيام النظام الكوري الشمالي بتصعيد مواقفه تجاه كل من كوريا الجنوبية والولايات المتحدة في بديات العام الجديد، وتهديده بإبادة الدولتين بالأسلحة النووية في حالة إقدامهما على استهداف بلاده عسكرياً، إلى أن هذا العام قد يشهد تصعيداً حاداً للتوترات في شبه الجزيرة الكورية، وهو ما يمكن استقراء واستشراف ملامحه من خلال ما صدر عن نظام بيونغ يانغ من أفعال استفزازية ضد سيول، وكذلك تصريحات بيونغ يانغ شديدة اللهجة بشأن توجهاتها وسياساتها العسكرية المتوقعة خلال هذا العام، وما قوبلت به هذه الأفعال والتصريحات من ردود أفعال قوية من جانب الشطر الجنوبي. فخلال اجتماعات اللجنة المركزية لحزب العمال الحاكم في كوريا الشمالية، في الأيام الأخيرة من العام 2023، أعلنت بيونغ يانغ عن خطوات وإجراءات تصعيدية على صعيد التطوير العسكري خلال العام الجاري، والتي تشمل إطلاق ثلاثة أقمار اصطناعية أخرى للتجسس، وصناعة طائرات من دون طيار، وتطوير قدرات الحرب الإلكترونية، فضلاً عن تعزيز القوات النووية والصاروخية، وفقاً لوكالة الأنباء المركزية الكورية الرسمية.

3- تضاؤل فرص المصالحة وإعادة توحيد شطريْ الجزيرة الكورية: تعكس المواقف الأخيرة الصادرة عن بيونغ يانغ في مضمونها نوعاً من فقدان الثقة والتشكيك في إمكانية تحقيق المصالحة وإعادة التوحيد السلمي مع كوريا الجنوبية، وهو ما يجعل شبه الجزيرة الكورية أقرب إلى حالة الحرب منها إلى حالة السلام. فقد أكد كيم جونغ أون، خلال الاجتماع المشار إليه، بأنه لن يسعى بعد الآن إلى المصالحة وإعادة التوحيد مع كوريا الجنوبية، مشيراً إلى استمرار ما وصفه "الأزمة التي لا يمكن السيطرة عليها"، والتي تسببت فيها سيول وواشنطن. وقد أصدر كيم أوامره باتخاذ إجراءات لإعادة تنظيم الإدارات التي تتعامل مع الشؤون عبر الحدود، من أجل ما أسماه "تغيير الاتجاه بشكل جذري".

وبالتالي، يُمكن توقع اتجاه العلاقات بين الكوريتين خلال العام الجاري، إلى مزيد من التدهور بمستوى ربما يكون أسوأ بكثير من مستوى التدهور الذي شاب تلك العلاقات خلال العام المنصرم، والذي وصلت فيه إلى أدنى مستوياتها.

4- تدخل الولايات المتحدة لإسقاط نظام كيم جونغ أون: يُعد تدخل واشنطن لإسقاط نظام بيونغ يانغ، أحد الاحتمالات والسيناريوهات التي يمكن توقع حدوثها في حالة استمرار الاستفزازات والتصعيد العسكري من قبل كوريا الشمالية في شبه الجزيرة الكورية. فقد جدّدت واشنطن في 16 ديسمبر 2023، تحذيرها لكوريا الشمالية من أن أي هجوم نووي على الولايات المتحدة أو كوريا الجنوبية سيؤدي إلى نهاية نظام كيم جونغ أون.

وقد سبق للرئيس الأمريكي جو بايدن، التعبير صراحة، عن هذا التوجه، خلال لقائه مع نظيره الكوري الجنوبي، يون سوك يول، بواشنطن، في أواخر إبريل 2023، بتحذيره كيم جونغ أون، بأن واشنطن قد تُسقط نظامه في حالة إقدامه على شن هجوم نووي ضد الولايات المتحدة، أو أحد حلفائها.

وفي التقدير، يُمكن القول إن التوترات التي تشهدها شبه الجزيرة الكورية بين الحين والآخر، تمثل تهديداً كبيراً للأمن القومي للصين، في ضوء العلاقات التاريخية الوثيقة التي تربطها بكوريا الشمالية، بجانب اعتبارات التنافس على الزعامة والنفوذ في شرق آسيا مع الولايات المتحدة، وهو ما يدفع الصين إلى التعامل مع التأثيرات والتداعيات المحتملة لهذه التوترات على أمنها القومي، من خلال مسارات دبلوماسية وعسكرية واقتصادية، مع منح الأولوية في هذا السياق للمسارين الدبلوماسي والاقتصادي، لكونهما الأقل تكلفة للصين مقارنة بالمسار العسكري الذي قد يترتب على لجوء بكين إليه لحماية حليفتها الاستراتيجية بيونغ يانغ تداعيات تفوق قدرة النظام الصيني على تحمل نتائجها استراتيجياً واقتصادياً. وبرغم المسارات التي تتبناها الصين للتعامل مع توترات شبه الجزيرة الكورية، انطلاقاً من مصالحها الوطنية، فإن الأوضاع في هذه المنطقة تظل مرشحة لمزيد من التصعيد خلال العام الجاري. فبخلاف الصين، التي تحرص على منح الأولوية للدبلوماسية كسبيل لحل الأزمة في شبه الجزيرة الكورية، فإن هناك أطرافاً أخرى رئيسية في الأزمة لا يمكن التنبؤ بسلوكها، ما قد يجعل المنطقة على شفا الانزلاق إلى أتون حرب لا يتمنى أحد اندلاعها.