أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية
  • مُتاح عدد جديد من سلسلة "ملفات المستقبل" بعنوان: (هاريس أم ترامب؟ الانتخابات الأمريكية 2024.. القضايا والمسارات المُحتملة)
  • د. أحمد سيد حسين يكتب: (ما بعد "قازان": ما الذي يحتاجه "بريكس" ليصبح قوة عالمية مؤثرة؟)
  • أ.د. ماجد عثمان يكتب: (العلاقة بين العمل الإحصائي والعمل السياسي)
  • أ. د. علي الدين هلال يكتب: (بين هاريس وترامب: القضايا الآسيوية الكبرى في انتخابات الرئاسة الأمريكية 2024)

نقاط غير مضيئة فوق الحروف الليبية

14 يونيو، 2021


وصل مساء الجمعة الماضية فجأة إلى قاعدة معيتيقة الجوية بليبيا وزير الدفاع التركي، ضمن وفد يضم وزيري الخارجية والداخلية ورئيس الاستخبارات ورئيس دائرة الاتصال برئاسة الجمهورية ومتحدث الرئاسة. ولا أدري عن أي وفد رفيع المستوى يتحدثون عن نيته زيارة ليبيا إن لم يكن هذا هو الوفد اللهم إلا إذا كان أردوغان شخصياً ينوي زيارتها. وكان للشكل الذي تمت به الزيارة ومضمونها دلالات بالغة الأهمية بالنسبة للوضع الراهن في ليبيا. وإذا كان من الممكن تفسير عدم الإعلان عن الزيارة مسبقاً والطريق الذي سلكته (عبر رحلة مجهولة قادمة من صقلية) باعتبارات أمنية، فمن غير الممكن تجاهل دلالاتها الشكلية والمضمونية. فأما عن الشكل فقد تمت الزيارة وكأنها رحلة داخل الأراضي التركية، فلم تُخطر بها السلطات الليبية، في مخالفة لأبسط قواعد البروتوكول الدبلوماسية. ومَن يدري؟ فربما يكون قادة الميليشيات التابعة لتركيا في ليبيا وعملائها السياسيين قد أُخطروا بالزيارة، والأسوأ والأكثر فجاجة أن الحراس الأتراك في قاعدة معيتيقة أمروا القوات الليبية الموجودة بالقاعدة بعدم الاقتراب من مكان هبوط الطائرة التي تقل المسؤولين الأتراك، في معنى لا يخفى على أحد، وهو أننا إزاء حالة احتلال أجنبي سافر يتستر على نحو ما سنرى باتفاقات غير شرعية. وقد ذكرني هذا المشهد بسلوك رجال الأمن الأتراك الذين صاحبوا أردوغان في زيارته لمصر إبان السنة الكئيبة لحكم «الإخوان المسلمين» في تعاملهم مع نظرائهم المصريين الذين مُنِعوا بفجاجة من ممارسة مسؤولياتهم.

هذا عن الشكل، أما عن المضمون فحدث ولا حرج. فقد ألقى وزير الدفاع التركي كلمة خلال زيارته لمقر قيادة مجموعة المهام التركية في ليبيا قال فيها إن القوات التركية المنتشرة في ليبيا ليست قوات أجنبية! بل هي أهم مؤشر على الصداقة والتضامن مع ليبيا، وأكد المعنى المتكرر الذي دأب المسؤولون الأتراك على ترديده، وهو أن هذه القوات جاءت بناءً على دعوة من الحكومة الليبية واتفاقية معها، ضاربين عرض الحائط بالحجج الدامغة التي تقوّض هذه المزاعم، فلا الحكومة التي وقّعت معهم الاتفاقية كانت شرعية، إذ تجاوزت أمدها الزمني بموجب «اتفاق الصخيرات» بكثير، ولا البرلمان الليبي صدّق عليها.. ومن ثم فما بُني على باطل هو البطلان بعينه. ناهيك بموقف الحكومة الوطنية الليبية المؤقتة التي وإن كانت ممنوعة من إلغاء أي اتفاقيات قائمة أو إبرام أخرى جديدة إلا أنها لم تترك مجالاً لأدنى شك على لسان وزيرة خارجيتها في أنها تريد الخلاص من القوات الأجنبية والمرتزقة على نحو فوري. غير أن اللافت في تصريحات وزير الدفاع التركي أنه هذه المرة لم يعتبر القوات التركية الموجودة في ليبيا قوات أجنبية أصلاً، وهي نغمة تعزز التصرف الاستعلائي الذي بُنيت عليه الزيارة منذ البداية والذي يعتبر ليبيا أرضاً مستباحةً يتم دخولها والخروج منها دون إذن أصحابها، والرسالة القديمة الجديدة واضحة والتي يرددها كل الحريصين على استقلال ليبيا وسيادتها، ومفادها أن لا انتخابات نزيهة ولا تسوية مستقرة مضمونة طالما بقيت أي قوات أجنبية أو مرتزقة على الأراضي الليبية.

أرادت تركيا بهذه الزيارة أن تقوم بمناورة سياسية وعسكرية تؤكد بها أن لها يداً عليا في ليبيا قبل مؤتمر برلين2، وعلى المؤتمر أن يفهم الرسالة جيداً، وأن يكون على تمام الوعي بأنه ما لم تتم مواجهة حاسمة لوجود القوات الأجنبية والمرتزقة في ليبيا تضمن خروج كافة هذه الأجسام الغريبة منها، فإن أي حديث عن تسوية متوازنة مستقرة للأوضاع في ليبيا لن يكون سوى الهراء بعينه.

*نقلا عن صحيفة الاتحاد