استضاف مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة الدكتور عبدالمنعم سعيد، مدير المركز الإقليمي للدراسات الاستراتيجية بالقاهرة، يوم 4 فبراير 2016، في لقاء عام تحت عنوان: "عام المتاعب: هل يمكن إنقاذ الشرق الأوسط عام 2016؟، حيث تطرق خلاله إلى توصيف الوضع الراهن في منطقة الشرق الأوسط، وتوضيح الأسباب التي أدت إلى عدم استقرار المنطقة، وصولاً إلى تحديد استراتيجية للخروج بالمنطقة من المأزق الذي تعانيه.
تشريح الوضع في المنطقة (خريطة الصراعات)
بدأ الدكتور عبدالمنعم سعيد اللقاء بتوصيف الأوضاع الحالية في الإقليم، مشيراً إلى وجود عدد من الدول الفاشلة في المنطقة مثل (سوريا، العراق، اليمن، ليبيا، شمال وجنوب السودان، وأفغانستان) ودول شبه فاشلة (باكستان). وهذه الدول مؤسساتها شبه غائبة، وتعاني صراعات مسلحة تدور حول السلطة السياسية، والهوية سواء كانت ذات طبيعة عرقية أو مذهبية، وصراعات أخرى حول الموارد.
وفيما يتعلق بأطراف هذه الصراعات، هناك قوات نظامية تحارب جماعات جهادية، وفي حالات أخرى ثمة بقايا لقوات نظامية تحارب قوات عرقية، وقوات مسلحة جهادية ضد قوات جهادية أخرى مثل "القاعدة" و"داعش". كما توجد تركيبات قبلية تحارب تنظيمات جهادية مثلما هو الحال في ليبيا، وتركيبات قبلية ضد قوات قبلية أخرى.
ومن ناحية أخرى، فإن هذه الصراعات يحدث لها نوع من التحولات، فهناك تنظيم مثل "القاعدة" خرج من رحمه تنظيم آخر وهو "داعش". وأيضاً قد يتحول الصراع الداخلي إلى صراع إقليمي مثل سوريا، وكذلك إلى صراع دولي. وهكذا يتم الوصول إلى ما يُسمى "الصراع المركب" الذي يتكون من فاعلين كثر.
كما أكد الدكتور سعيد أن صراعات الإقليم يوجد بها نوع من أنواع الاقتصادات غير الرسمية، وهذه الاقتصادات تعاني، مثلاً، ارتفاعاً مستمراً في أسعار الغذاء والسلع الأساسية عكس وجود انخفاض في أسعار المخدرات، وهو ما يعكس انتشار الجريمة المنظمة في أماكن تلك الصراعات.
وتؤدي هذه الحركة الاقتصادية غير الرسمية إلى تكوين ما يُسمى "دولة افتراضية" توجد بها منظمات إرهابية. ولاشك أن تمويل هذه النشاطات عبر طرق غير مشروعة يعطي لها نوعاً من الاستمرارية وعدم الانهيار.
كيف وصلت المنطقة إلى هذه الحالة؟
حدد الدكتور سعيد ثلاثة أسباب رئيسية تفسر حالة الاضطرابات وعدم الاستقرار التي أصبحت عليها منطقة الشرق الأوسط حالياً، وهي:
1- تحول ثورات الربيع العربي عن السلمية: فالثورات العربية كانت قائمة في البداية على السليمة، ثم ارتبطت بعد ذلك بالعنف. وبالتالي فتحولات الربيع العربي عكست أن أحداثه لم تكن بالسلاسة التي تخيلها الشباب.
2- الدور الأمريكي: فالولايات المتحدة عندما جاءت إلى المنطقة دمرت دولة عربية كانت قوية ومهمة وهي العراق، وبما أدى في النهاية إلى تزايد النفوذ الإيراني فيه. وعندما فكرت واشنطن في الانسحاب من المنطقة أدى ذلك إلى خلق حالة فراغ كبيرة.
3- التوسع الإيراني: فإيران دولة ذات نزعة توسعية عبر التاريخ، وفي العصر الحديث أدت الثورة الدينية في إيران إلى تمددها على الأقل في المجتمعات الشيعية، وبدأت طهران تدَّعي أنها تمثل كل الشيعة في المنطقة على الرغم من وجود اختلاف بين الشيعية العرب وغيرهم في إيران.
استراتيجية لإنقاذ الشرق الأوسط
ثمة نظرية ذائعة في الولايات المتحدة والغرب مفادها أن سبب ما يحدث في منطقة الشرق الأوسط هو أن بعض حكوماتها فاشلة ولم تحقق مطالب مواطنيها، وهو ما يُولد الإرهاب والراديكالية، من وجهة النظر الغربية.
وهناك تناقض واضح في توجهات هذا المعسكر الغربي، حيث إنه من ناحية يرغب في الإطاحة ببعض الحكومات في المنطقة، وفي الوقت نفسه يطلب منها التعاون في ملفات مثل مكافحة الإرهاب.
وبشكل عام، هناك أربعة تهديدات كبرى للأمن الإقليمي في الشرق الأوسط، وهي:
1- وجود عدد من الدول الفاشلة، وهو ما يؤدي إلى انتشار الإرهاب والجريمة المنظمة.
2- وجود صراع حول المياه والنفط.
3- الصراع العربي – الإسرائيلي، وهو صراع ساكن.
4- التهديدات الإيرانية، خاصةً بعد الاتفاق النووي الذي أبرمته إيران مع الغرب مؤخراً، ودخل حيز التنفيذ منتصف يناير 2016.
ويبقى السؤال: ما الذي يمكن عمله؟ طرح الدكتور سعيد استراتيجية كبرى grand strategy لإنقاذ الشرق الأوسط، وتهدف إلى استرجاع الدولة ونظام الأمن الإقليمي مرة أخرى، وأيضاً استعادة الفهم الصحيح للدين بعدما حدث له من تحريف وتغيير في السنوات الأخيرة.
ويتعين وجود نوع من الاتفاق حول مجموعة من المبادئ تكون حجر الزاوية في حل مشكلات المنطقة، وأول هذه المبادئ عدم تغيير حدود المنطقة، وثانيها هو حقوق الأقليات حتى لا يتحولون إلى ممارسة أعمال إرهابية، وثالثها هو دعم اللامركزية وهذا المبدأ يحل مشكلة الأقليات ويفتح باباً كبيراً للتنمية، واللامركزية هنا لا تعني المحاصصة.
ويمكن تنفيذ هذه الاستراتيجية من خلال الآليات التالية:
1- وجود تحالف عربي يضم دول الخليج العربية ومعها مصر والأردن والمغرب.
2- الإصلاح الاقتصادي، فمن أهم ما تحتاجه الدول العربية هو الإصلاح الاقتصادي الذي لن يحدث إلا بوجود اقتصاد السوق الحر ووجود مناخ استثماري جاذب للاستثمارات الخارجية.
3- إصلاح القطاع الأمني، وإعادة هيكلته وتطويره في بعض البلدان العربية.
4- تجديد الفكر الديني، والاهتمام أيضاً بالسلوك الديني.
ولكن ثمة عقبات قد تحول دون تنفيذ الاستراتيجية المقترحة بشكل فعَّال، ومنها إعطاؤها محتوى دينياً، ووجود مناطق أخرى هشة في العالم مثل أوكرانيا وشرق آسيا (بحر الصين الجنوبي) بما يجذب اهتمام الدول الكبرى إليها، فضلاً عما يوجد في الإدراك الأمريكي من أن الشرق الأوسط أصبح أقل أهمية بالنسبة لها، وهي لا تحتاج إلى اشتباك جديد فيه.