أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يصدر العدد الثاني من مجلة "اتجاهات آسيوية"
  • أ. د. نيفين مسعد تكتب: (عام على "طوفان الأقصى".. ما تغيّر وما لم يتغيّر)
  • د. إبراهيم فوزي يكتب: (بين موسكو والغرب: مستقبل جورجيا بعد فوز الحزب الحاكم في الانتخابات البرلمانية)
  • د. أيمن سمير يكتب: (هندسة الرد: عشر رسائل للهجوم الإسرائيلي على إيران)
  • أ. د. حمدي عبدالرحمن يكتب: (من المال إلى القوة الناعمة: الاتجاهات الجديدة للسياسة الصينية تجاه إفريقيا)

الإرهاب البدائي:

تحولات غير تقليدية لأعمال العنف في المنطقة

17 يونيو، 2014

الإرهاب البدائي:

إعداد: هالة الحفناوي


نظم مركز المستقبل للدراسات والأبحاث المتقدمة يوم الاثنين الموافق 16 يونيو 2014 "ورشة عمل" تحت عنوان "الإرهاب البدائي: التحولات غير التقليدية لأعمال العنف في المنطقة العربية"، ترأسها الدكتور محمد عبدالسلام المدير الأكاديمي للمركز، وذلك في مقره الرئيسي بأبوظبي.

وهدفت الورشة إلى تحديد وفهم التحولات الجديدة في أنماط الإرهاب، فثمة تصاعد لظاهرة عوة الإرهاب البدائي، الذي يتمثل في قيام فرد أو مجموعة صغيرة جداً من الأفراد بتفجيرات بسيطة تستخدم أدوات بدائية في إحداث العنف؛ ما يستدعي ضرورة تبادل الأفكار وإعادة النظر في هذا النوع من الإرهاب، وأسبابه ودوافعه، وعناصره، وأهدافه، وأدواته، ومدى خطورته، وقابليته للانتشار في مناطق أخرى، وكيفية التعامل معه.

وأشار الدكتور محمد عبدالسلام في بداية الورشة إلى أن ظاهرة الإرهاب تشهد تحولات غير نمطية، منها تنامي الأشكال غير التقليدية مثل الإرهاب البدائي، وذلك مع بقاء الأشكال التقليدية المعروفة، التي تقوم بها جماعات عنيفة لديها أسماء محددة وأيديولوجية متطرفة وقيادة مركزية وتنظيم حديدي.

وتطرق الدكتور محمد عبدالسلام إلى محاولة تفسير بعض أسباب تنامي الإرهاب البدائي في بعض الدول العربية، حيث أدى التفكك الرسمي لبعض تنظيمات الإسلام السياسي والجماعات الجهادية واعتقال قياداتها، إلى ظهور ما يسمى الأسراب الهائمة Swarming Birds، وتتمثل في قيام عناصر الشُعَب والأسر، وربما "المتعاطفين" بتشكيل مجموعات صغيرة محلية في المحافظات والمدن والأحياء، للقيام بأعمال عنف ضد الأهداف القريبة مثل أقسام الشرطة، وسيارات الضباط، وكمائن الطرق، والمنشآت العامة وغيرها، باستخدام المواد المتاحة في الأسواق العادية، لتصنيع أسلحة أو عبوات بدائية، لكن على نطاق واسع، لتقترب ملامح هذا النوع من الإرهاب من بعض سمات الإرهاب المحلي Home grown terrorism.

تطورات ظاهرة الإرهاب في المنطقة العربية

وتناول المتحدث الرئيسي للحلقة النقاشية الأستاذ شادي عبدالوهاب، منسق برنامج الاتجاهات الأمنية بمركز المستقبل، التطورات الخاصة بظهور الإرهاب البدائي، والذي يختلف عن التنظيمات الكبيرة مثل القاعدة وما تبعها فيما بعد من بروز الوكلاء الإقليميين، ليخلص إلى أن ثمة عاملين جوهريين قادا إلى ظهور هذا النمط الجديد، هما اتساع نطاق تهديد العائدين من أفغانستان ويوغوسلافيا سابقاً، والعراق وسوريا حالياً، ثم بروز الإرهاب بدون قيادة، والذي تصاعد مع سقوط حكم جماعة الإخوان المسلمين في مصر، وهو ما أفرز شكلين جديدين، أولهما الذئاب المتفردة وثانيهما الخلايا المستقلة.

وأوضح أنه في هذا الإطار فإنه في الوقت الذي يظهر فيه تصاعد التنظيمات الكبرى مثل تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام "داعش" واقترابه لأن يكون أشبه بنموذج "الجيوش الإرهابية الصغيرة"؛ فإنه قد تصاعدت في الاتجاه الآخر ظاهرة "الإرهاب بدون قيادات"، مشيراً إلى أن أهم سمات هذا الاتجاه تتمثل في أنه يقوم على فرد واحد أو مجموعة صغيرة لا تنتمي تنظيمياً لأي من الجماعات المتطرفة أو التنظيمات الكبرى، إلا أنها تتبعها فكرياً، وقد ساعد الإنترنت بشكل أساسي على استمرار اتصال هذه المجموعات أو الأشخاص بفكر هذه الجماعات وتعبئتهم بشكل غير مباشر، وكذلك إتاحة معلومات كثيرة ونوع من التدريب على كيفية تحضير واستخدام متفجرات بدائية من المواد المتاحة؛ وهو الأمر الذي أدى إلى ظهور عمليات "إرهابية بدائية" من أفراد لا يتوقع منهم القيام بهذه الممارسات.

وأشار عبدالوهاب إلى اختلاف الآراء والتقييمات حول مدى تأثير وخطورة هذا النوع من الإرهاب، فبينما يوجد اتجاه يقلل من أهمية "الإرهاب البدائي" نظراً لصغر حجم الخسائر الناتجة عنه، وبدائية العملية ذاتها، يوجد اتجاه مناقض يؤكد خطورته لأسباب تتعلق بصعوبة التنبؤ بتلك الممارسات، ولا يمكن الوصول لباقي أعضاء الخلية بالرغم من سهولة القبض على الفاعلين، فهم ليسوا كالتنظيم التقليدي الذي يمكن فيه الوصول لباقي أعضاء الخلية وتصفيتها بمجرد القبض على القيادات.

تداعيات سقوط أنظمة حكم الإسلام السياسي

من جانبه عقب الأستاذ علي بكر، الباحث المتخصص في شؤون الحركات الإسلامية بمجلة السياسية الدولية بمؤسسة الأهرام الصحفية، بالقول: "إن خروج جماعة الإخوان المسلمين من المشهد السياسي أنتج ثلاثة مستويات من العنف، هي: الشغب خلال المظاهرات، والعنف العشوائي الذي يظهر في شكل مجموعات صغيرة جداً تتكون ما بين فردين أو ثلاثة يشكلون تنظيماً صغيراً، ويحاولون القيام ببعض عمليات العنف البدائية، وأخيراً المستوى الأكثر خطورة المتمثل في العمليات والتفجيرات الكبرى المتعمدة وتصفية بعض الشخصيات، والتي يتم تنظيمها من قبل التنظيمات الداعمة مثل تنظيم بيت المقدس.

أما عن طبيعة الإرهاب البدائي، فأشار بكر إلى أنه "عمل عنيف تقوم به مجموعات صغيرة ليس لديهم الخبرة الكافية، وعادة ما يستخدمون مواد بدائية في عملياتهم الإرهابية، وغالباً ما يوجهون عملياتهم تجاه أهداف بسيطة مثل مقتل شخص أو اثنين، وسرعان ما يقعون في قبضة الأمن لعدم خبرتهم في الهرب وإجراء العمليات المنظمة". وتعد مصر من أكثر الدول في المنطقة العربية التي ظهر فيها هذا النمط من الإرهاب، خاصة في الفترة التالية لإسقاط حكم جماعة الإخوان.

ويرى الباحث أن أسباب ظهور العنف البدائي، خاصة في مصر، يعود إلى عدة عوامل أبزرها: نجاح جماعة الاخوان المسلمين في تحويل طبيعة الصراع من البعد السياسي إلى الديني، والاختلاط بين التنظيمات المختلفة، الإسلام السياسي والتنظيمات الجهادية، وهو الأمر الذي أدى إلى تسلل مجموعة من الأفكار والمفاهيم المتطرفة بين التنظيمات قادت إلى استدعاء مفاهيم الجهاد بالقوة، ثم إطلاق سراح مجموعة من المجاهدين وظهورهم في الإعلام باعتبارهم رموزاً، الأمر الذي أدى إلى استدعاء فكر الجهاد العنيف من جديد واستعادة مفاهيم العنف.

أسباب ودوافع الإرهاب الفردي

وعقب الأستاذ إبراهيم غالي، رئيس تحرير الموقع الإلكتروني بمركز المستقبل، مؤكداً على أن ظاهرة الإرهاب البدائي، وتحديداً النمط الفردي منه، له سوابق تاريخية في دول مختلفة شهدت صراعات سياسية عنيفة، ولذا فهو غير مرتبط فقط بتحولات التيارات الإسلامية في الوقت الراهن، أي لا يمكن عزله عن سياقات البيئة العامة التي تتسم بتنامي العنف وانتشاره في الفترة الأخيرة، وظهور ما يمكن أن نطلق عليه "الموجة الثانية من الاحتجاج على الأنظمة السياسية"، في ظل استمرار غياب الاستقرار السياسي، وتراجع أداء الحكومات في مقابل ارتفاع سقف المواطنين، ما يجعل إمكانية اللجوء إلى العنف سمة للتيارات المعارضة، مثل حالة بعض المجموعات في مصر كالاشتراكيين الثوريين.

أما عن الأسباب الدينية، فقال غالي إنها تتمثل في تراجع دور الأنظمة الدينية الرسمية، وتنامي دور المؤسسات الدينية الخاصة وانتشار ظاهرة الفتاوى السياسية والاجتماعية لأهداف خاصة، الأمر الذي ترتب عليه تراجع الإسلام "المؤسسي" وتصاعد "الإسلام الجهادي".

وفيما يتعلق بمستويات الإرهاب البدائي، أوضح أنه يمكن الحديث عن وجود ثلاث فئات، أولها: فئة مضللة بالدين، تسير خلف شعارات مثل الشرعية الدينية. وثانيها: فئة أكثر عنفاً تؤمن وتقتنع تماماً بـالأفكار الجهادية. وثالثاً: هناك فئة المحبطين اجتماعياً ونفسياً، وهو مستوى شخصي يجعل الفرد أكثر ميلاً لاستخدام العنف للتعبير عن إحباطه. ووفقاً لذلك تختلف أهداف الإرهاب البدائي بحسب الفئة التي تمارسه، وتتراوح بين الاعتقاد في نصرة الدين كدين، أو نصرة تيار إسلامي بعينه، أو بإمكانية الحصول على منافع مادية جراء اللجوء للعنف، وحتى بإمكانية التجريب الذاتي من باب التعبير عن هدف شخصي.

خبرات مواجهة نمط الإرهاب البدائي

وأشار الأستاذ حسام حسن في تعقيبه على ظاهرة الإرهاب البدائي وكيفية مواجهتها إلى خبرة الولايات المتحدة الأمريكية التي واجهت أنماطاً مشابهة من الإرهاب  في العراق وأفغانستان في محاربة عناصر غير واضحة المعالم، حيث اعتمدت الولايات المتحدة على عمليات المواجهة الاستباقية من خلال الاستخبارات عن مجموعات يمكن أن تشكل خطراً في المستقبل. ويعد أحدث تطور في هذا الاتجاه ما ظهر في خطاب الرئيس أوباما مؤخراً حول فكرة إنشاء صندوق مخصص لمواجهة الإرهاب لمنع الخطر قبل حدوثه من خلال أساليب الاستخبارات والإنذار المبكر.

استنتاجات وتساؤلات

أنتجت المناقشة العامة مجموعة من الخلاصات، والأسئلة أيضاً، حول مستقبل الإرهاب البدائي في المنطقة، من أبرزها:ـ

ـ تعد مواجهة الإرهاب البدائي القائم على أساس ديني تحدياً كبيراً لأن سماته السابقة تجعله صعب المواجهة، سواء عن طريق القبض أو المنع.

ـ ثمة تساؤل يدور حول الإرهاب البدائي وعلاقته بالتنظيمات الكبيرة، فمن يقدم على الإرهاب لأسباب جهادية غالباً يلجأ إلى التنظيم البدائي إذا ما فشل في الالتحاق بالتنظيم الكبير، لأن القاسم المشترك بينهم كبير في الفكر، ولو أتيحت له الفرصة لن يتردد في الالتحاق به.

ـ يمثل الإرهاب البدائي حرجاً للتنظيمات الكبيرة لأنه يربك تحركاتها في المنطقة من ناحية، ويتنافس معها دون قصد من ناحية أخرى، وهذا ما يقود هذه التنظيمات الكبيرة ربما إلى الإقدام على عمليات أكثر عنفاً، لأن ثمة قاعدة تقول إن العلاقة بين التنظيمات الجهادية تنافسية أكثر من كونها تعاونية.

ـ ثمة تخوف من زيادة مدى الإرهاب البدائي حتى في حالة تصالح الدولة في مصر على سبيل المثال مع جماعة الإخوان المسلمين، لأنه غالباً ما ينتج أفرداً يعارضون ذلك، ويلجأون إلى العنف بعيداً عن التنظيم، وهذا ما حدث في حالات مختلفة في كامبوديا وتايلاند وأيرلندا.

ـ ثمة تساؤل آخر يدور حول إمكانية تطور الإرهاب البدائي ليصل مرحلة القيام بعمليات انتحارية، وهو ما لم يثبت حتى الآن، لأن من يقدم على العمليات الانتحارية يستلزم تشربه الفكر الجهادي بشكل كبير جداً، وهو أمر لا ينطبق في حالة الإرهاب البدائي الذي لا يمارسه سوى أفراد لديهم أفكار متناثرة عن الفكر الجهادي.