أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يصدر العدد الثاني من مجلة "اتجاهات آسيوية"
  • أ. د. نيفين مسعد تكتب: (عام على "طوفان الأقصى".. ما تغيّر وما لم يتغيّر)
  • د. إبراهيم فوزي يكتب: (بين موسكو والغرب: مستقبل جورجيا بعد فوز الحزب الحاكم في الانتخابات البرلمانية)
  • د. أيمن سمير يكتب: (هندسة الرد: عشر رسائل للهجوم الإسرائيلي على إيران)
  • أ. د. حمدي عبدالرحمن يكتب: (من المال إلى القوة الناعمة: الاتجاهات الجديدة للسياسة الصينية تجاه إفريقيا)

التطرف العنيف:

تحولات ظاهرة الإرهاب ومستقبلها في منطقة الشرق الأوسط

23 يونيو، 2024

التطرف العنيف:

استضاف مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة الدكتور يوسف الديني، الخبير المتخصص في ظواهر الإسلام السياسي ودراسات الإرهاب، للحديث عن "تحولات ظاهرة التطرف العنيف ومستقبلها في منطقة الشرق الأوسط"، وذلك وسط مخاوف من إعادة إنتاج مظاهر التطرف مرة أخرى؛ وهي المظاهر التي شهدت تراجعاً ملحوظاً في المنطقة خلال الفترة الماضية، وذلك من خلال استغلال حالة التعاطف الشعبي والاستياء من الحرب الجارية في غزة، سواء داخل الدول العربية أم الغربية. 

أكد الديني في بداية حديثه أن قراءة الظاهرة الدينية تُعد من المسائل المعقدة للغاية، فإلى الآن يمكننا القول إن الأدبيات والوثائق ما زالت غير قادرة على تفسير ظهور الفكرة الدينية، فما زالت الاكتشافات التاريخية قائمة، فعلى سبيل المثال، تم الإعلان مؤخراً عن نقش ديني في السعودية يرجع إلى 7 آلاف عام، فكل الوثائق التاريخية والفتوحات الأنثروبولوجية تشير إلى منطقة متدينة منذ ظهور النشاط الإنساني فيها. فالظاهرة الدينية من أكثر الظواهر المعقدة التي تبين رحلة بحث الإنسان عن ذاته، وعن نمط لتدينه، كما أنها تظهر ثلاثية العلاقة بين أزمات الهوية والعنف والتطرف.  

قصور فهم الظاهرة الإرهابية: 

لم يكن هناك اهتمام كافٍ بظاهرة الإرهاب خلال فترة السبعينيات؛ إذ كان تعامل الغرب مع الظاهرة بارداً خاصة مع عدم تعرض المجتمعات الغربية حينها لتهديدات متعلقة بالإرهاب، ولكن عندما بدأت المجتمعات الغربية تواجه امتدادات التطرف والإرهاب بصورة أو بأخرى، بدأت نظريات التطرف والإرهاب في الظهور والتطور، بينما ظل عدم قدرتنا على فهم جذور التطرف والإرهاب يمثل عائقاً أمام معالجة ظاهرة التطرف، وتُعد تجربة طالبان أوضح دليل على ذلك القصور في فهم الظاهرة؛ ومن ثم التعامل معها. 

ومن أهم الأسباب أيضاً التي أدت إلى صعوبة التعامل مع التطرف، هو اعتماد الكتابات الغربية، والشرقية أيضاً، في أوقات كثيرة على أدبيات الاستشراق بصورة حصرية في التعامل مع المنطقة العربية والشرق أوسطية، ففي واقع الأمر، لا يمكن فهم ظاهرة التطرف إلا من خلال الرجوع إلى الأسس الاجتماعية واللغة والثقافة. ففهم الثقافة وديناميكياتها أهم من المراجع، خاصة وإن كانت لا تُعبر بالضرورة عن المنطقة؛ بل إنها في الغالب انطباعات وصور ذهنية ثابتة لا تلتفت للمتغيرات الجديدة أو عمق الثقافة ذاتها. 

على الجانب الآخر، تشير الخبرات العملية إلى أن العودة إلى النصوص الصادرة عن الجماعات المتطرفة فقط؛ لم تهدنا إلى أي شيء، فهذه النصوص في واقع الأمر فيها انتقائية شديدة، وتعكس فقط ما تريد الجماعات المتطرفة أن تسوق به نفسها. ففي الواقع العملي أكثر من 80% من المنضمين للجماعات الجهادية أو المتطرفة لم يقرأوا تلك النصوص أو الكتب، في المقابل، كانت المؤثرات العاطفية أكثر تأثيراً في الشباب وأكثر قدرة على جذبهم لتلك الجماعات؛ وهو ما يعرف بتكتيكات علم نفس الإرهاب، وفي الغالب لا توجد فوارق جوهرية بين التكتيكات النفسية التي تستخدمها الجماعات الإرهابية؛ فجميعها تعتمد ذات الطرق. 

التطرف مسألة سياسية أيضاً:

تُعد مسألة الإرهاب والتطرف مسألة حديثة تماماً مرتبطة بما بعد الحداثة، وتكتيكاتها مأخوذة بالأساس من الجماعات اليسارية التي ظهرت في هذه الفترة، مثل: جماعة اللواء الأحمر وغيرها. وعلى الرغم من ذلك؛ فإن هناك مبالغات في التفسيرات المرتبطة بالإرهاب الجهادي، فعلى سبيل المثال، كانت هناك مبالغة في مسألة الفقر باعتباره الدافع الأساسي وراء التطرف والإرهاب، وقد تمادت الأدبيات الغربية في المبالغة في مسألة الفقر، ولكن عند النظر إلى خلفية المجندين والمتطرفين نجد أن غالبيتهم من خلفيات علمية (مهندسون، أطباء...) ومن بينهم الأثرياء، فأسامة بن لادن لم يكن فقيراً، بل كان من عائلة ثرية، وحصل على تعليم بجودة عالية، وبالرغم من ذلك أصبح ما كان عليه. 

على الجانب الآخر لا نغفل التوظيفات السياسية، التي تسببت هي الأخرى في تصعيد بعض التيارات على حساب أخرى، ثم خرجت الأمور عن السيطرة وتحولت لتيارات متطرفة مثلت عبئاً حتى على داعميها. وعلى الجانب الآخر، يمكننا القول إن هناك نوعاً من توظيف الإرهاب من قبل غالبية الأطراف التي تقوم أيضاً بمحاربة الإرهاب. فمن المهم أيضاً التفرقة في التعامل مع الظاهرة الإرهابية بين الجماعات الطارئة، وتلك التي تنتج وتظهر من داخل نسيج المجتمع على غرار حركة حماس. 

أخيراً، إذا كان هناك كمون في الظاهرة؛ فهذا لا يعني أنها انتهت، فالإرهاب يعيد نفسه مرة أخرى في غرب إفريقيا. وما زالت أزمة مخيم الهول في شمال سوريا معلقة دون حسم؛ وهو المخيم الذي يضم ما بين 20 إلى 50 ألفاً من زوجات وأبناء العناصر الإرهابية بداعش، وبعض الذين تم تجنيدهم من جنسيات عديدة. فماذا لو استمرت هذه الحالة؟ وماذا لو استطاعوا الهرب؟ وماذا لو استيقظ المارد بعد أحداث غزة؟ هناك مخاوف شديدة بهذا الشأن خاصة في الوقت الذي يواجه فيه الشباب في العالم نوعاً من العدمية السياسية التي أفرزتها صدمات تلقي الأخبار والتقلبات السياسية الجارية وتجريد السرديات، وغيرها من حالة السيولة التي يشهدها العالم الآن.