في إطار اهتمام مركز "المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة" بتغير المناخ باعتباره أحد أهم القضايا التي تتصدر أجندة الاهتمام الإقليمي والعالمي، وفي ضوء العمل على استشراف سيناريوهاتها وتقديم أُطر عامة لهذه السيناريوهات من مركز فكر إماراتي، بعيداً عن السيناريوهات التي قد تطرحها مراكز الفكر الغربية؛ عقد مركز المستقبل سلسلة ورش عمل امتدت على مدار ثلاثة أيام في الفترة من 20 إلى 22 فبراير 2023 حول سيناريوهات تغير المناخ في منطقة الشرق الأوسط، وذلك وفقاً لأحدث الأدوات المنهجية في هذا المجال، وهو إطار عمل هيوستن "Houston framework".
واستضاف المركز في ورش العمل الدكتور جون سويني، مستشار الاستشراف المستقبلي لدى العديد من المؤسسات الدولية خاصة المفوضية الأوروبية والأمم المتحدة، والذي قاد المناقشات وتدريب الفريق البحثي بالمركز على بناء السيناريوهات حول تغير المناخ في المنطقة، وركزت النقاشات على تطبيقات الاستشراف الاستراتيجي وتوظيفه في استكشاف البدائل للتعامل مع فرص وتحديات هذه القضية.
خطوات النموذج:
يحظى تغير المناخ باهتمام واسع في تطبيقات الاستشراف الاستراتيجي، خاصة من قِبل المؤسسات الحكومية والمنظمات المعنية بقياس الآثار المترتبة على تغير المناخ. ويتجاوز استشراف تغير المناخ التفاصيل التقنية لارتفاع درجات الحرارة، حيث يسعى إلى وضع بدائل سياسية واقتصادية واجتماعية للتعامل مع التداعيات المحتملة لهذه الظاهرة.
وفي هذ الصدد، قام فريق العمل بمركز المستقبل بإجراء تمرين عملي لاستشراف تغير المناخ في منطقة الشرق الأوسط من خلال توظيف إطار عمل جامعة هيوستن. وأسفرت النقاشات عن وضع إطار تحليل يستند إلى عدة خطوات، تتمثل في الآتي:
1- وضع خريطة بكل القضايا المرتبطة بالظاهرة محل الدراسة. وفي هذه الخطوة، يتم بناء قواعد للبيانات والقضايا (Domain Map).
2- بناء تقييم أولي وحالي حول أوضاع الظاهرة محل الدراسة Current Assessment.
3- ربط هذه الظاهرة الصاعدة بأدلة ملموسة (signals)، سواء كانت هذه الأدلة ضعيفة أم قوية، وعمل مسح لكل الأدلة (Scanning).
4- تحديد المحركات الأساسية (Drivers) التي ستقود الظواهر من خلال أداة "مثلث المستقبل" الذي يتشكل من العناصر التي تشكل وزن الماضـي، والعوامل التي تسحب الظاهرة إلى المستقبل، وتلك التي تدفعها في الوقت الحالي.
5- تصميم أربعة سيناريوهات ضمن المحركات التي تم تحديدها والظواهر التي تم رصدها.
6- وضع السيناريوهات يسمح بتحديد الخيارات المتاحة (Options).
7- وضع الاستراتيجية المناسبة للتعامل مع القضية محل الدراسة (Integrated strategic approach).
عناصر الإطار:
نظراً لأن بناء الإطار المُستهدف من أجل وضع السيناريوهات المستقبلية، يحتاج إلى عدة أشهر، وعدد أكبر من فرق العمل، بدأ باحثو مركز المستقبل بوضع إطار تجريبي كخطوة أولى لاستشراف تغير المناخ في المنطقة، ولتعزيز القدرة على بناء السيناريوهات. وتضمن هذا الإطار التجريبي العناصر التالية:
1- رسم خريطة عوامل تغير المناخ في المنطقة: خلص المشاركون إلى أن النقاش حول تغير المناخ في المنطقة يدور حول تأثير العوامل السياسية والأمنية (مثل حالة الاستقرار السياسي، والصراعات الدائرة، وصراعات القوى الكبرى، ومساحة الاهتمام بالمناخ في النظام الدولي الحالي، وأنماط التعاون الدولي والإقليمي حول المناخ والبيئة)، وكذلك العوامل التقنية والتكنولوجية التي من شأنها أن تعزز سياسات التكيف مع تغير المناخ، والعوامل الاقتصادية المرتبطة بأوضاع الموارد الطبيعية، وأيضاً العوامل المجتمعية ذات الصلة بالتغيرات السكانية والهجرة، وغيرها.
2- تقييم تغير المناخ إقليمياً: توصل المشاركون إلى التأثير العميق الذي يحمله تغير المناخ إلى مجتمعات المنطقة بسبب طبيعتها الجغرافية والمناخية، ومعاناة كثير من دولها من أزمات شح المياه والطاقة والغذاء، وتأثر بعض تجمعاتها السكانية بآثار ارتفاع منسوب مياه البحر. بيد أن هذا الانكشاف دفع المنطقة لتكون رائدة من خلال جهود دولها مثل الإمارات ومصر في تأكيد أولوية تغير المناخ عالمياً، كما اتضح في جهود "COP27" في شرم الشيخ عام 2022، ونموذج التنمية المستدامة في دولة الإمارات التي تستعد العام الحالي لاستضافة "COP28".
3- تحديد المحركات الأساسية لتغير المناخ: وذلك من خلال توظيف "مثلث المستقبل" على النحو التالي:
4- بناء سيناريوهات أولية: يشمل النطاق الزماني لهذه السيناريوهات في المنطقة العقدين المقبلين وذلك كالتالي:
- السيناريو الأول يتعلق بالاستمرارية، حيث يفترض أن معدلات تغير المناخ ستكون مطردة ولكن لن تكون بالحدة الكافية لإحداث تغييرات راديكالية أو اتخاذ سياسات جذرية، وبالتالي لن تتغير طبيعة السياسات الحالية.
- السيناريو الثاني يفترض حدوث تحول إيجابي وشامل في التكيف مع آثار تغير المناخ ومعالجتها في المنطقة، وذلك استناداً لبروز الاتجاهات التعاونية على المستوى الدولي والإقليمي، والنجاح في توظيف الفرص التقنية والبيئية المتولدة في صياغة سياسات أكثر قوة ومرونة، واتجاه أنماط التنمية نحو الاستدامة.
- السيناريو الثالث هو الانهيار، وهو ناتج عن عدم التحرك لمجابهة آثار تغير المناخ في المنطقة، ما سيؤدي إلى تزايد حدة الصراعات الداخلية، وتدفق ملايين اللاجئين المتضررين من آثار تدهور البيئة والصراع على الموارد المتناقصة، وحدوث تغيرات اجتماعية وشاملة تزيد من حالة عدم الاستقرار.
- السيناريو الرابع يتعلق بالتغير الحاد الذي يزيد المخاطر ويولد الفرص على السواء، وفي هذا السيناريو، تزداد آثار تغير المناخ وتتصاعد الاضطرابات، إلا أن المجتمعات ستشهد تحركات جادة لإعادة تأسيس أنماط التنمية على قاعدة الاستدامة ومجابهة الصراعات.
وتحمل كل هذه السيناريوهات فرصاً ومخاطر، أي فائزين وخاسرين، على السواء، لذا يمكن ترجمتها إلى خيارات سياسية وخطط واستراتيجيات في الوقت الحالي.
تجدر الإشارة إلى أن الدكتور جون سويني الذي شارك فريق عمل مركز المستقبل في هذه الورش، لديه خبرة كبيرة، حيث عمل في العديد من الجامعات، وهيئات التنمية والمساعدات الإنسانية غير الربحية، والمؤسسات الاقتصادية والثقافية مثل بنك آسيا للتنمية، والاتحاد الدولي لجمعيات الصليب والهلال الأحمر، و"أوكسفام"، ومركز الأبحاث المشترك التابع للمفوضية الأوروبية، ومنظمة الصحة العالمية وغيرها من هيئات الأمم المتحدة. كذلك، يتمتع سويني بخبرة في العمل مع القطاع العام من خلال وحدات الاستشراف الحكومية مثل مركز سنغافورة للمستقبلات الاستراتيجية، ووكالة التنمية والخدمات العامة بولاية جورجيا الأمريكية، ومركز محمد بن راشد للابتكار الحكومي. كما عمل مع شركات متخصصة في التعليم مثل شركة "ديوك" التعليمية، وهو أيضاً عضو في الاتحاد الدولي للدراسات المستقبلية ورابطة المستقبليين المحترفين. ونشر سويني العديد من الأوراق والأبحاث في دوريات محكمة مثل (Futures، Futures & Foresight Science، World Futures Review).