أخبار المركز
  • د. أمل عبدالله الهدابي تكتب: (اليوم الوطني الـ53 للإمارات.. الانطلاق للمستقبل بقوة الاتحاد)
  • معالي نبيل فهمي يكتب: (التحرك العربي ضد الفوضى في المنطقة.. ما العمل؟)
  • هالة الحفناوي تكتب: (ما مستقبل البشر في عالم ما بعد الإنسانية؟)
  • مركز المستقبل يصدر ثلاث دراسات حول مستقبل الإعلام في عصر الذكاء الاصطناعي
  • حلقة نقاشية لمركز المستقبل عن (اقتصاد العملات الإلكترونية)

علاقات تعاقدية:

تداعيات "أوكوس" على تحالفات واشنطن العالمية والإقليمية

27 سبتمبر، 2021


أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية، في 15 سبتمبر الجاري، عن تشكيل تحالف أمني استراتيجي جديد في منطقة المحيطين الهندي والهادئ تحت مسمى تحالف "أوكوس" (AUKUS)، يضمّ كلاً من الولايات المتّحدة وبريطانيا وأستراليا، وقد جاء الإعلان على هامش قمة افتراضية، استضافها الرئيس الأمريكي جو بايدن، وشارك فيها عبر الفيديو كلّ من رئيسي الوزراء البريطاني بوريس جونسون والأسترالي سكوت موريسون. 

وعلى الرغم من التباعد الجغرافي الذي يجمع الدول الثلاث، فإن المصالح والقيم المشتركة كانت الدافع وراء تأسيس هذا التحالف، كما أن البلدان الثلاثة هي أعضاء في "تحالف العيون الخمس" (FVEY)، وهو تحالف استخباراتي يشمل كلاً من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وكندا وأستراليا ونيوزيلندا. وتوصف أوكوس بأنها "تحالف الحرب الباردة في المحيطات"، ولاقت العديد من الانتقادات من قبل الصين وفرنسا وروسيا نتيجة مخاوفهم من تبعات هذه الشراكة.

أبعاد التحالف مع أستراليا 

تتمثل أبرز أبعاد الشراكة الثلاثية في العناصر التالية:

1- تسليح أستراليا بغواصات أمريكية نووية: تتضمن الشراكة أن تقوم الولايات المتحدة بتسليم أستراليا غواصات تعمل بالدفع النووي، وهي أول مرة تزود بها واشنطن تلك التكنولوجيا إلى دولة أخرى غير بريطانيا؛ وعلى هذا النحو، ستكون أستراليا الدول التالية لبريطانيا التي تحصل على مثل هذا النوع من التكنولوجيا الحساسة، والتي حصلت عليها بريطانيا في خمسينيات القرن الماضي. 

وتجدر الإشارة إلى أن الغواصات التي تعمل بقوة الطاقة النووية هي أكثر استقلالية من غواصات الدفع التقليدي التي تعمل بالديزل وتكون غير مزوّدة بالسلاح النووي. 

كما ستحصل أستراليا على صواريخ كروز أمريكية بعيدة المدى من طراز "توماهوك"، وعلاوة على ذلك، ستعمل الشراكة على تعزيز التعاون في مجالي الدفاع السيبراني والذكاء الاصطناعي، وستحفز من تعزيز القدرات المشتركة وإمكانية التشغيل البيني العسكري بين البلدان الثلاثة.

2- التخلي عن الغواصات الفرنسية التقليدية: نتج عن تزويد أستراليا بالغواصات الأمريكية تخلي كانبرا عن صفقة مع فرنسا، كان بموجبها ستشتري أستراليا نحو 12 غواصة تقليدية (غير نووية) من فرنسا تُقدر بنحو 50 مليار يورو. 

3- موازنة النفوذ الصيني في المحيطين: سيتم دعم أستراليا بالغواضات النووية، نظراً لموقعها الاستراتيجي الحيوي في المحيطين الهادئ والهندي، وكذلك كونها الفناء الخلفي للصين. ولذلك يمكن القول إن هذه الشراكة ستسمح لأستراليا أن تصبح لاعباً قوياً بطريقة قد تغير توازن القوة البحرية في منطقة كانت، ولاتزال، ضمن الأهداف التوسعية للنفوذ الصيني.

دوافع الشراكة الثلاثية

على الرغم من أن البلدان الثلاثة لم تذكر الصين بالاسم في بيان المعاهدة، ولكن تبقى مواجهة النفوذ الصيني الدافع الرئيس لمثل هذه الشراكة. ومع ذلك، فإن الأهداف الاستراتيجية لكل دولة تختلف عن نظيرتها: 

1- تنفيذ الولايات المتحدة استراتيجية التوجه شرقاً: يرى المحللون أن الهدف الرئيس للولايات المتحدة من وراء هذه المعاهدة يتلخص في النقاط التالية: 

‌أ- تنفيذ استراتيجية التوجه شرقاً: تمثل هذه الشراكة مؤشراً على اتباع واشنطن سياسة التحول نحو آسيا، وهي السياسة التي رسمها الرئيس الأمريكي الأسبق بارك أوباما، وكان بايدن نائباً له حينها. 

‌ب- تحجيم النفوذ الصيني: تسعى واشنطن لبناء تحالفات جديدة لمواجهة نفوذ بكين، ويبدو أن بايدن يستكمل سياسة المواجهة مع الصين، بالاعتماد على التحالفات العسكرية، وليس فقط سياسة العقوبات الاقتصادية، التي كان يعتمدها الرئيس السابق ترامب.

‌ج- تأكيد محورية دور واشنطن: تسعى واشنطن للتأكيد على قوتها على الساحة الدولية في أعقاب الانتقادات اللاذعة التي وُجهت إليها إثر انسحابها المهين من أفغانستان. 

2- تعزيز دور بريطانيا العالمي بعد بريكست: تعاني بريطانيا تداعيات سلبية بعد انسحابها من الاتحاد الأوروبي. ولذلك تسعى حكومة المحافظين البريطانية للتأكيد أن الانسحاب من الاتحاد لم يؤثر على وضع بريطانيا كقوة دولية، بل على العكس، زادت بريطانيا من نفوذها العالمي، خاصة أن الشراكة ستعزز من مكانة بريطانيا كقوة نووية ولاعب مركزي في منطقة المحيطين الهندي والهادئ.

3- دعم أستراليا في مواجهة تهديدات الصين: تتلخص الاعتبارات الاستراتيجية لكانبرا من الشراكة في دافعين رئيسيين: 

‌أ- مواجهة النفوذ الصيني: تشعر كانبرا أنها دولة غربية تقف وحيدة عند أبواب العملاق الصيني، وهي تخشى الصين عسكرياً واستراتيجياً واقتصادياً أكثر من أي دولة أخرى، خصوصاً أنها ليست بمستوى قوة الصين، اقتصادياً أو عسكرياً، إذ يبلغ عدد سكانها 26 مليون نسمة، بينما لا يتجاوز ناتجها المحلي الإجمالي ترليون وأربعمئة مليار دولار، مقارنة بالصين التي يقترب ناتجها المحلي الإجمالي من 15 ترليون دولار.

‌ب- تعزيز القدرات العسكرية لأستراليا: أدرك المسؤولون الأستراليون أن صفقة الغواصات ستجعل أستراليا الدولة السابعة في العالم التي تمتلك قدرات تشغيل غواصات تعمل بالطاقة النووية إلى جانب الولايات المتحدة والصين وبريطانيا وفرنسا وروسيا والهند.

التداعيات الدولية للشراكة

أثار الإعلان عن صفقة الغواصات، والذي جاء على هامش التحالف الدفاعي الجديد، صدمة وغضب الخصوم والحلفاء في آن واحد، فبينما انتقد الخصوم المتمثلون في الصين وروسيا هذه الصفقة، كانت لها صدى أكبر على الحلفاء المتمثلين في فرنسا والاتحاد الأوروبي، وفيما يلي أسباب غضب كل منهما:

1- تحجيم بكين وتهديدها: تدرك بكين جيداً أن هذا التحالف الأمريكي موجهاً إليها في المقام الأول، بهدف تحجيم نفوذها في بحر الصين الجنوبي ومنطقة المحيطين الهادئ والهندي، وبالتالي، فإن القادة الصينيين يتوقعون أن يكون هذا التحالف البداية الحقيقية للعودة إلى "مرحلة الحرب الباردة"، إذ يتوقع أن تتجه بكين إلى توسيع وتحديث قواتها البحرية والجوية.

وسوف تمتلك أستراليا، بموجب هذه الاتفاقية، غواصات أسرع تعمل بالطاقة النووية، يصعب اكتشافها من خلال الأساطيل البحرية التي تعمل بالطاقة التقليدية، كما أن بإمكانها أن تظل في المياه لأشهر، فضلاً عن أنها سوف تكون قادرة على إطلاق صواريخ لمسافات أطول. 

وعلى الرغم من أن الصين كانت أكبر شريك تجاري لأستراليا، فإن العلاقات بينهما شهدت توتراً بسبب انتقادها معاملة الصين لأقلية الإيجور، فضلاً عن حظر كانبرا شركة هواوي من بناء شبكة الجيل الخامس، كما دعمت أستراليا التحقيق حول أسباب جائحة كورونا في اتهام ضمني لبكين بالمسؤولة عن تفشي وباء كورونا عالمياً. 

ودفعت هذه التوترات الصين، العام الماضي، للضغط على كانبرا اقتصادياً لكي تتراجع عن سياساتها؛ حيث فرضت ضرائب على النبيذ الأسترالي تصل إلى 200%، ومع ذلك، لم تتراجع أستراليا عن مواقفها السياسية، بل من الواضح أن واشنطن دخلت على الخط لدعمها سياسياً وعسكرياً. 

2- مخاوف روسية من توسيع تحالف أوكوس: عبّرت موسكو عن قلقها من أوكوس؛ حيث يرى القادة الروس أن هذا التحالف هو بمنزلة كتلة عسكرية أخرى موجهة ضد الصين، ويعرض هيكل الأمن الآسيوي للخطر، بالنظر إلى أنه سوف يؤدي إلى سباق تسلح نووي. 

ومن جهة أخرى، يتحسب الكرملين من محاولة واشنطن توسيع التحالف ليضم دولاً أخرى وأن يوظف لاحتواء وتحجيم، ليس فقط الصين، ولكن روسيا كذلك.

3- استياء فرنسي من الاستبعاد الأنجلوأمريكي: غضبت فرنسا من تحالف أوكوس لثلاثة أسباب مترابطة، وهي إلغاء أستراليا صفقة الغواصات مع فرنسا، ومن ثم، خسرت باريس صفقة مالية ضخمة كانت ستنعش الخزانة الفرنسية، فضلاً عن تبرير كانبرا هذا التملص، على أساس أن الإمكانيات التي تملكها غواصات "أتاك" الفرنسية لن تتوافق مع مصالحها الاستراتيجية، وهو ما يشكك في القدرات التنافسية للسلاح البحري الفرنسي. ومن جهة ثالثة، وجدت فرنسا نفسها خارج تحالف أنجلو أمريكي ثلاثي، يتكون  من  الولايات المتحدة وبريطانيا وأستراليا، وهو ما يمثل إقصاء لها عن استراتيجية واشنطن لمنطقة المحيطين الهندي والهادئ.

ولذا استخدمت فرنسا عبارات لم تستخدم من قبل، إذ وصفت أوكوس بأنه "غاشم" و"طعنة في الظهر" و"صفعة على الوجه"، بل واتخذت باريس في 17 سبتمبر الجاري خطوة لم تحدث من قبل، وهي استدعاء سفرائها لدى واشنطن وكانبرا واتهمت إدارة بايدن بأنها تصرفت لإزاحة وعزل فرنسا.

وتسبب التحالف في أزمة ثقة بين الأقطاب الغربية، فقد كشفت الخطوة الأمريكية تناقضاً مع تعهدات بايدن بأنه يرغب في العودة إلى السياسات متعددة الأطراف والتعاون الوثيق مع الشركاء والحلفاء، خاصة الأوروبيين. 

4- استمرار الانكشاف الأوروبي: تبنت المفوضية الأوروبية، في 20 سبتمبر الجاري، موقفاً حذراً، إذ أكدت أنها تعمل على تحليل ودراسة تداعيات معاهدة الأوكوس على مختلف المستويات قبل أن تتخذ قرارات أو تدابير محددة بشأنها. 

وقد تدفع هذه الشراكة الثلاثية الاتحاد الأوروبي لتبني مفهوم "الاستقلال الاستراتيجي الأوروبي" في الفترة القادمة، وهو المسار الذي يؤيده الرئيس الفرنسي "إيمانويل ماكرون". ومع ذلك، فإن أغلب الخبراء الأوروبيين يؤكدون أن دول الاتحاد لاتزال تواجه تحدي توفير التمويل اللازم من أجل تعزيز صناعاتها العسكرية بصورة مستقلة عن الحليف الأمريكي، أي أنه ليس من الوارد أن تتمكن أوروبا من تحقيق هذا الاستقلال في أي وقت قريب.

ومع ذلك، فإن هذا الخيار لا يعد ذا جدوى حقيقية، إذ إن فرنسا والاتحاد الأوروبي لايزالان يعتمدان على المظلة الأمنية الأمريكية لمواجهة التهديدات الأمنية النابعة من روسيا والصين. كما أن أوروبا لديها هواجسها الأمنية تجاه الصين، إذ إن مساعيها لإقامة علاقات اقتصادية قوية مع دول شرق أوروبا ينذر بإضعاف قدرة بروكسل عليهم، وهو ما يمثل تهديداً لمصالح الاتحاد.

ومن جهة أخرى، تعهد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ورئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، في 21 سبتمبر الثلاثاء بـ "العمل معاً" في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، بل وأكد ماكرون لمودي التزام فرنسا المستمر بـ "تعزيز الاستقلالية الاستراتيجية للهند بما يشمل قاعدتها الصناعية والتكنولوجية". ونظراً لأن الهند تبدي مخاوف من هيمنة الصين، فإن التحالف الفرنسي – الهندي سوف يكون موجهاً بصورة أساسية تجاه الصين، وهو ما يعني أنه سوف يمثل استكمالاً، وليس خصماً، من التحالفات الأمريكية ضد بكين. 

وفي الختام، يمكن القول إن واشنطن تمضي قدماً لانتهاج سياسة ترامب نفسها الرامية إلى خفض الأعباء المادية عن كاهل واشنطن، ومحاولة استفادة الولايات المتحدة من المخاوف الأمنية لحلفائها، وترجمتها في صورة عقود سلاح مربحة لشركاتها الدفاعية. كما أن التحالف مع أستراليا يؤشر إلى اتجاه واشنطن إلى تنفيذ سياستها التي سعت لتحقيقها، وهي تعزيز وجودها العسكري في جنوب شرق آسيا لتطويق الصين.