أخبار المركز
  • بهاء محمود يكتب: (ضغوط ترامب: كيف يُعمق عدم استقرار حكومتي ألمانيا وفرنسا المأزق الأوروبي؟)
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)
  • د. أيمن سمير يكتب: (بين التوحد والتفكك: المسارات المُحتملة للانتقال السوري في مرحلة ما بعد الأسد)

شرايين الملاحة:

لماذا تزايدت محورية الموانئ في تفاعلات الإقليم؟

11 يونيو، 2018


تصاعدت الأهمية الاستراتيجية للموانئ، سواء التجارية أو النفطية، في تفاعلات الإقليم، لعدد من الأسباب، التي تتعلق بقطع خطوط الإمداد عن الميلشيات المسلحة، ومنع عمليات القرصنة ونهب سفن الإغاثة، وتطوير الأوضاع الاقتصادية الداخلية لسلطنة عُمان، والتعامل مع مصاعب المقاطعة العربية التي تتعرض لها الدوحة منذ عام، واستمرار الحصار على الشعوب التي احتلت أراضيها مثلما تفعل إسرائيل بمنع الرحلات البحرية الفلسطينية، ودرء تهديدات الهجرة غير النظامية القادمة من ليبيا إلى الدول الأوروبية، ومد النفوذ لدول القارة الإفريقية على نحو ما تقوم به تركيا وإيران، وتعزيز المكانة الاستراتيجية للقوى الدولية مثل روسيا والصين. 

وقد شهدت الفترة القليلة الماضية تزايد الاهتمام من جانب القوى المحلية والأطراف الإقليمية والدولية بموانئ قائمة أو جديدة مثل موانئ دبى العالمية وموانئ النفط الليبية والحديدة اليمني والدقم العُماني وحمد القطري وجوادر الباكستاني وتشابهار الإيراني وسواكن السوداني واللاذقية وطرطوس السوريين وغيرها. وبوجه عام، يمكن القول إن ثمة حزمة من العوامل التي تفسر تصاعد أهمية موانئ الشرق الأوسط في التفاعلات سواء الداخلية أو الإقليمية، التعاونية أو الصراعية، تتمثل في:

معركة الحديدة: 

1- قطع خطوط الإمداد عن الميلشيات المسلحة: على نحو ما يجسده دور قوات الجيش اليمني الداعم للشرعية في حصار ميلشيا الحوثيين بالقرب من ميناء الحديدة المطل على البحر الأحمر، والذي يعتبر شريان الحياة الرئيسي لمناطق سيطرة الميلشيا، إضافة إلى أهمية قربه من الملاحة الدولية، التي هددت قيادات الميلشيا باستهدافها عبر قوارب مفخخة.

ولا تستبعد اتجاهات عديدة احتمال اقتحام "قوات التدخل السريع" للمدينة والميناء خلال المرحلة المقبلة، لا سيما أنه تمر عبره مصادر التسليح من طهران فضلا ًعن غالبية المساعدات والمواد الغذائية. إلى جانب أن هزائم الحوثيين في معقلهم التقليدي (صعدة) أربكت تعزيزاتهم في الساحل الغربي. وتجدر الإشارة إلى أن البوارج البحرية ساهمت بدور كبير في استهداف مواقع ميلشيا الحوثيين في الحديدة.

وقال العقيد صادق دويد المتحدث الرسمي باسم قوات "المقاومة الوطنية"، في 31 مايو 2018، أن "هذه القوى تتعزز بقوات جديدة وستشارك في استعادة مدينة الحديدة.. في البدء سنعمل على قطع خطوط الإمداد، خصوصًا بين صنعاء والحديدة، ثم محاصرة الحوثيين داخل المدينة وإسقاطها حتى دون قتال"، وهو ما تدعمه مؤشرات فرار قيادتهم وتهريب عائلاتهم وبيع عقاراتهم وسياراتهم ونقل أسلحتهم إلى مواقع مجهولة.

ويبدو أن حسم معركة السيطرة على ميناء الحديدة من جانب القوات الموالية للحكومة الشرعية بات قريبًا، على نحو يؤدي إلى إغلاق آخر المنافذ المهمة التي يتحكمون بها. وما يؤكد ذلك التصريحات التي وردت على لسان مساعد وزير خارجية إيران عباس عراقجي وقال فيها أن الأخيرة ترفض الربط بين الاتفاق النووي وتصنيع الصواريخ الباليستية والتفاوض حول دورها الإقليمي في أكثر من دولة في محيطها (العراق وسوريا ولبنان)، باستثناء اليمن.

"سنغافورة الخليج":

2- إحداث نقلة لتطوير الأوضاع الاقتصادية الداخلية: تسعى سلطنة عُمان لتطوير ميناء الدقم، ليكون محور التجارة في المنطقة، بحيث تتحول السلطنة، وفقًا لاتجاهات عديدة، إلى "سنغافورة جديدة". وتكمن ميزة ميناء الدقم في أنه يقع خارج مياه الخليج العربي، أى أن السفن لا تضطر للمرور عبر مضيق هرمز. لذلك تعمل مسقط على إنشاء مطار، ومنطقة اقتصادية، ومصافي بترول، وخزانات نفط، وأحواض للسفن، ومنتجعات سياحية، وطرق وسكك حديدية منطلقة من الدقم. ويقود كل ذلك إلى تحسين الوضع الاقتصادي الداخلي لسلطنة عُمان.

مأزق الدوحة: 

3- التحايل على مصاعب المقاطعة العربية: وهو النهج الذي تبنته الحكومة القطرية بعد تفاقم أزمتها مع الدول العربية الداعية لمكافحة الإرهاب (السعودية والإمارات والبحرين ومصر) منذ 5 يونيو 2017، عبر التوقيع على اتفاقات ملاحة جديدة لا تعتمد على دول مجلس التعاون التي أغلقت موانئها في وجه السفن القطرية المتجهة إليها. وفي هذا الإطار، يمكن تفسير مساهمة قطر في تمويل تطوير ميناء جوادر، الذي ترى أنه يعطي لها ميزة نسبية في مواجهة موانئ جيرانها، فضلاً عن أنه سيساهم في توفير الغاز الذي ستحتاجه الصين.

كما ستنشئ الدوحة، وفقًا للاتفاق الموقع في 26 مارس الماضي، منطقة تجارية حرة في جزيرة سواكن بالسودان، حيث ستبدأ رحلات للسفن من ميناء حمد القطري إلى ميناء سواكن. ويعد ذلك هو الاتفاق الثاني من نوعه، بعد أن أعلنت السلطات السودانية، في نوفمبر 2017، عن إبرام اتفاق مع قطر لإنشاء مدينة بورتسودان، حيث تطمح في أن يكون واحدًا من أكبر موانئ الحاويات على ساحل البحر الأحمر. هذا بخلاف فتح خط للشحن المباشر بين ميناء حمد في قطر وميناء صُحار في سلطنة عُمان.

حصار تل أبيب:

4- استمرار الحصار على الشعوب المحتلة: منعت القوات البحرية الإسرائيلية، في 29 مايو 2018، رحلة تنطلق من قطاع غزة عبر البحر المتوسط للوصول إلى ميناء ليماسول في قبرص، وقامت باعتقال 17 فلسطينيًا كانوا على متنها، ومنهم مصابون بالسرطان وجرحى بحاجة للعلاج، فضلاً عن عدد من الطلاب، واقتيادهم مع السفينة إلى ميناء أسدود الإسرائيلي دون حدوث مشكلات أمنية، بذريعة تجاوز المساحة التي تتراوح بين 6 إلى 9 أميال، والتي حددها الاحتلال الإسرائيلي للصيادين الفلسطينيين.

على جانب آخر، حمل أدهم أبوسلمية المتحدث باسم الهيئة الوطنية العليا لكسر الحصار، الاحتلال الإسرائيلي المسئولية الكاملة عن حياة المرضى والطلاب ممن كانوا على متن السفينة، مؤكدًا أن ما جرى "قرصنة" تفرض على المجتمع الدولي التدخل لضمان أمن المواطنين الفلسطينيين الذين كانوا على متن السفينة، وأضاف: "إن هؤلاء خرجوا من غزة يحملون رسالة إلى العالم للتأكيد على حقهم في الحياة ورفض الحصار الإسرائيلي المشدد على القطاع والذي يطال كافة مناحي الحياة".

قوارب الهجرة:

5- درء تهديدات الهجرة غير النظامية: خاصة القادمة من الموانئ والسواحل الليبية إلى دول أوروبا الغربية، إذ يتخذ أغلب المهاجرين السريين القادمين من دول المنبع الإفريقية من موانئ زوارة وصبرة والزاوية وطرابلس منطلقًا لركوب الزوارق نحو دول شمال المتوسط وبصفة خاصة إيطاليا، لا سيما في ظل تصاعد نشاط عصابات تهريب البشر التي تتخذ شكل "شبكة" تضم وكلاء سفر ومحامين ومصرفيين ومكاتب تشغيل ومترجمين فوريين ووكلاء إسكان وسائقين لنقلهم إلى نقاط التجميع،وموظفين فنادق لاستقبالهم.

وتضم شبكات التسفير من سبق لهم خوض تجربة الهجرة غير النظامية، بهدف تحديد خطوط السير سواء برًا أو بحرًا، على نحو يعكس الإتقان والتنظيم والتخصص المحكم، من الناقل الصغير إلى المسئولين الكبار، بشكل يجعلها عملية متعددة الأطراف، حيث تستغل حالة الفوضى والسيادة المتعددة في ليبيا لإنعاش تجارتها التي تدر أرباحًا بالملايين على المشتغلين بها.

ساحة تنافس: 

6- مد النفوذ لدول القارة الإفريقية: باتت منطقة القرن الإفريقي ساحة للصراع الإقليمي، بشكليه العسكري والتجاري، على نحو ما تعكسه تحركات عدد من القوى الإقليمية مثل تركيا وقطر وإيران وإسرائيل بخلاف قوى دولية مثل الصين، للحصول على حق إدارة وانتفاع لموانئ في دول إفريقية مثل الصومال وإريتريا والسودان. ولعل إعلان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في 26 ديسمبر 2017، عن موافقة السودان على وضع جزيرة سواكن تحت الإدارة التركية، لفترة لم يتم تحديدها، بغرض إعادة بنائها، يؤكد صحة هذا التحليل.

كما حصلت تركيا، عبر شركة البيرق، على حق إدارة وتشغيل ميناء مقديشيو من الحكومة الصومالية لمدة عشرين عامًا في سبتمبر 2014، على أن تعطي 55 في المئة من عائداته السنوية لخزانة الحكومة الصومالية. وافتتحت إيران، في 3 ديسمبر 2017، توسعات في ميناء تشابهار بتكلفة مليار دولار، بحيث يكون طريقًا رئيسيًا للنقل إلى أفغانستان وآسيا الوسطى، بما يعزز حضورها الاقتصادي الإقليمي، لا سيما أنها مقبلة على مرحلة جديدة من العقوبات الأمريكية بعد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي في 8 مايو 2018.

مدار دولي:

7- تعزيز المكانة الاستراتيجية للقوى الدولية: وهو ما ينطبق جليًا على الوجود الروسي في سوريا، حيث أسست موسكو قاعدة عسكرية بحرية في ميناء طرطوس لمدة 49 عامًا في إطار اتفاقية موقعة مع دمشق في يناير 2017، الأمر الذي يعكس اهتمام روسيا بدعم بقاء نظام الأسد في الحكم منذ تدخلها العسكري في 30 سبتمبر 2015، على نحو أدى إلى حدوث تحول في موازين القوى لصالح قوات الجيش النظامي في مواجهة قوى المعارضة المسلحة والتنظيمات الإرهابية والأكراد. هذا فضلا عن عدد من الموانئ الأخرى مثل اللاذقية.

فضلاً عن ذلك، يتصاعد الدور الصيني في المنطقة تدريجيًا، بعد دخول بكين كشريك تنفيذي وممول رئيسي لميناء جوادر في باكستان، لمدة 40 سنة، بصفقة بلغت 4,5 مليار دولار، بما يؤدي إلى نقل البضائع بشكل أسرع وبتكلفة أقل إلى بعض الدول الأكثر سكانًا في العالم ويعزز دور الصين في التجارة العالمية ويقلل من اعتماد بعض الدول على الولايات المتحدة، حيث أن هناك اتجاهًا في الأدبيات يشير إلى أن جوادر سيصبح البوابة البحرية الرئيسية لآسيا الوسطى، ويعتبر الميناء مشروعًا رئيسيًا في مبادرة "حزام واحد، طريق واحد" لبناء علاقات اقتصادية قوية بين الصين والدول الواقعة على طريق الحرير القديم.

وبناءً عليه، ستصبح باكستان بوابة التجارة إلى الصين. وفي مواجهة ذلك، تبحث الهند تطوير ميناء تشابهار على نحو يعكس سباق النفوذ بين الصين والهند أيضًا لتخوف نيودلهي من مرور المشروع الصيني الطموح في إقليم كشمير المتنازع عليه مع باكستان، وهو ما يعني – وفقًا لأحد التحليلات- أن الإقليم سيخضع لحماية الصين بعد أن أصبح ممرًا لبضائعها. كما شهد عام 2017 تدشين أول قاعدة عسكرية للصين خارج البلاد في جيبوتي قبالة سواحل اليمن والصومال، بما يؤدي إلى توسيع نفوذها خارج أراضيها خاصة بالقرب من مناطق تشهد عمليات مكافحة الإرهاب التي تقودها الولايات المتحدة.

فرض النفوذ:

خلاصة القول، لقد ظلت الموانئ ذات أهمية استراتيجية في تفاعلات الشرق الأوسط بين الدول، سواء بين القوى الإقليمية أو الدولية، أو داخل الدول بين الكيانات النظامية والميلشيات المسلحة والتنظيمات الإرهابية، ومن المرجح أن تزداد محورية تلك الموانئ في ظل اشتعال الأزمات الإقليمية وغياب أفق تسويتها وصراع الأدوار للقوى الإقليمية والدولية لتحقيق مكاسب مختلفة، على اعتبار أن الموانئ هى الشريان الرئيسي لحركة الملاحة الدولية والتجارة العالمية في ظل اعتقاد راسخ بأن من يسيطر على البحار يمتلك زمام القوة كما يقول ألفريد ماهان.