أخبار المركز
  • بهاء محمود يكتب: (ضغوط ترامب: كيف يُعمق عدم استقرار حكومتي ألمانيا وفرنسا المأزق الأوروبي؟)
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)
  • د. أيمن سمير يكتب: (بين التوحد والتفكك: المسارات المُحتملة للانتقال السوري في مرحلة ما بعد الأسد)

تسييس الإنترنت:

دلالات حجب تطبيق "تلجرام" في إيران

07 مايو، 2018


دفعت القيود الشديدة التي تفرضها السلطات الإيرانية على شبكة الإنترنت بعض المنظمات الدولية المعنية بحرية الرأى والتعبير إلى تصنيف إيران ضمن أكثر الدول عداءً للإنترنت، وعلى رأسها منظمة مراسلون بلا حدود، التي وضعت إيران في المرتبة الـ164 ضمن 180 دولة في قائمة حرية الإعلام لعام 2018، كما عدتها من بين أكثر 5 دول تقوم بسجن الصحفيين والناشطين علي الإنترنت.

ورغم شعبية مواقع التواصل الاجتماعي داخل إيران، لا سيما تطبيقى "تلجرام" و"انستجرام"، إلا أن بعض المؤسسات النافذة في النظام تمتلك صلاحيات رقابية كبيرة على هذه المواقع، سواء على صعيد توفير سرعة إنترنت ضعيفة مقارنة بالتقدم الذي شهده هذا المجال في دول عديدة، حيث لا تتجاوز ما بين 4 إلى 6 ميجابايت في الثانية وبتكلفة تتخطي 65 دولارًا شهريًا، وهى تكلفة تعد باهظة بالنسبة للوضع الاقتصادي في إيران، وذلك حسب مسح أجراه موقع "آر إس تيك" البريطاني، أو على مستوى حجب ومنع الوصول إلى هذه المواقع مؤقتًا لأكثر من مرة خلال الفترة الماضية.

ومنذ عام 2009، تلجأ تلك المؤسسات إلى حجب مواقع التواصل الاجتماعي بشكل مستمر، وكان آخرها تطبيق "تلجرام "، الذي تم الإعلان عن حجبه قبل تنفيذه بفترة، على نحو يطرح تساؤلات عديدة حول أهمية هذا التطبيق، ومدى تأثيره على التفاعلات السياسية الداخلية التي تشهدها إيران بفعل الأزمات المتصاعدة التي لم تتمكن حكومة الرئيس حسن روحاني من احتواء تداعياتها بشكل كبير، بشكل دفعها إلى توجيه انتقادات ضمنية لبعض تلك المؤسسات، وهو ما بدا جليًا في حرص روحاني على تأكيد أن قرار حجب "تلجرام" لم يحظ بتأييد الحكومة.

تمهيد مسبق:

سارعت السلطات الإيرانية عقب اتساع نطاق الاحتجاجات الشعبية التي شهدتها البلاد في نهاية ديسمبر 2017 إلى إغلاق تطبيقى "انستجرام" و"تلجرام" بهدف الحد من تنظيم التظاهرات عبر وسائل التواصل الاجتماعي، على غرار ما حدث  في تظاهرات عام 2009، التي أطلق عليها حينها "انتفاضة تويتر". وركزت في هذا السياق على هذين التطبيقين الأوسع انتشارًا وشعبية، خاصة بعد قيامهما بتغطية هذه الاحتجاجات بشكل آني، حيث استمر الحجب لفترة حتي أعلنت السلطات رفعه عنهما في 14 يناير 2018، إلى أن عادت لتمهد لإغلاق تطبيق "تلجرام" من جديد قبل تنفيذها للقرار في بداية مايو الحالي.

وعلى عكس ما حدث في الفترة الماضية، حرصت السلطات على الإعلان عن إغلاق التطبيق بشكل مسبق، وإتاحة الفرصة لمستخدميه لتوفيق أوضاعهم والبحث عن بديل، لا سيما مع اعتماد عدد كبير من التجار على هذا التطبيق بهدف الترويج لمنتجاتهم، إذ يصل عدد مستخدمي التطبيق، حسب بعض التقديرات، إلى نحو 45 مليون مستخدم، ويستعين به حوالي 15 ألف تاجر لتسويق سلعهم، بشكل يوفر فرصة عمل لما يقرب من 180 ألف عائلة.

وفي رؤية اتجاهات عديدة، فإن التمهيد للقرار يهدف إلى الحد من الخسائر التي تعرضت لها فئة التجار والمعلنين علي التطبيق، حيث أدت الإجراءات السابقة إلى فقدان ما يقرب من 100 ألف شخص لوظائفهم، في وقت تصل فيه نسبة البطالة بين الشباب إلى نحو 40%، على نحو دفع الجهات الرقابية المختصة إلى إعادة فتح التطبيق بعد إغلاقه لأقل من شهر.

واللافت في هذا السياق، أن السلطات كانت حريصة على تأكيد أن المرشد الأعلى للجمهورية علي خامنئي قام بإغلاق حسابه عليه قبل الإعلان رسميًا عن تبني الخطوة السابقة، حيث قالت أنه "حرصًا على الأمن القومي للبلاد ومنعًا للاحتكار الذي يمارسه التطبيق قام بإغلاق حسابه على تلجرام".

وحاول القضاء الاستناد إلى اعتبارات عديدة لتبرير قرار حجب التطبيق عن الإيرانيين، حيث أشار المدعي العام إلى مجموعة من التهم الموجهة إلى التطبيق ومن ضمنها "الدعاية ضد الجمهورية الإسلامية" و"العمل ضد الأمن القومي" و"إهانة القيم الإسلامية" و"التحريض على الفوضى" و"نشر الفساد والبغاء".

بدائل محلية:

بالتوازي مع ذلك، أعلن المجلس الأعلى للفضاء الإلكتروني، قبل حجب "تلجرام" رسميًا، عن استبدال التطبيق بتطبيقات أخرى محلية، تمكن السلطات من التحكم في المحتوى المنشور عليها، وذلك بعد أن أخفقت في السيطرة علي خوادم التطبيق والتنسيق مع إدارة الشركة بشأن إمكانية مراقبة حسابات مواطنيها، وإغلاق بعض القنوات على التطبيق التي يتهمها النظام بتأليب الرأى العام، مثل قناتى "أمد نيوز " و"صداى مردم "، حيث تجدر الإشارة في هذا السياق إلى أن مؤسس تطبيق "تلجرام" Pavel Durov‏ قال عبر حسابه على موقع "تويتر" أن السلطات الإيرانية قامت بحجب التطبيق بعد رفض إدارة الموقع إغلاق القناتين السابق ذكرهما، بسبب تغطيتهما للاحتجاجات وتشجيعهما على مواصلة التظاهرات والمشاركة فيها، بعد أن اعتبرت السلطات هذه القنوات المعارضة "إرهابية ومعادية للنظام".

وتتمثل أهم التطبيقات المحلية التي وفرتها السلطات الإيرانية في: 

1- تطبيق "يپام رسان سروش": ويعد من أحدث التطبيقات المحلية، حيث أنشأته مجموعة من الطلبة الجامعيين، ويبلغ عدد مستخدميه نحو 3 مليون مستخدم، بحسب تصريحات رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان علاء الدين بروجردي، وتعول السلطات على إمكانية تحول هذا التطبيق إلى بديل لـ"تلجرام".

2- تطبيق "كلوب": ويعتبر بديلاً لموقعى "فيس بوك" و"تويتر"، وتم إنشاءه عام 2004، ليخدم متحدثي اللغة الفارسية في إيران وخارجها، ويصل عدد مستخدميه إلى أكثر من 2 مليون داخل إيران، وقد تعرض هذا التطبيق للرقابة الصارمة قبل أن يغلق من قبل القائمين عليه في عام 2017.

3- تطبيق "آپارات": وهو تطبيق بديل لموقع "يوتيوب"، وتم إنشاءه عام 2000، ويشاهد مستخدمو هذا البرنامج أكثر من 4 ملايين مقطع فيديو يوميًا.

ثقة مفقودة: 

رغم ذلك، فإن مستخدمي الإنترنت في إيران يبدون شكوكًا عديدة إزاء تلك البدائل المحلية، وهو ما تعكسه، على سبيل المثال، مقارنة عدد مستخدمي تطبيق "سروش" مع مستخدمي تطبيق "تلجرام".

وقد ساهم اختراق موقع "سروش" وبعض حساباته في بداية إبريل 2018، من قبل قراصنة ونشر معلومات عن مسئولين يستخدمون التطبيق من بينهم وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات محمد جواد آذري جهرمي، في تراجع شعبية التطبيق، خاصة في ظل تزايد مخاوف المستخدمين من إمكانية تعرض حساباتهم للمراقبة.

فضلاً عن ذلك، لا توفر التطبيقات المحلية لمستخدميها خاصية الانفتاح على الخارج، على غرار وسائل التواصل الاجتماعي التقليدية، وهو الأمر الذي يتطلع إليه أغلب مستخدمي هذه المواقع داخل إيران.

وفي النهاية يمكن القول إن استمرار سياسة حجب مواقع وتطبيقات التواصل الاجتماعي تفقد أهميتها تدريجيًا بالنسبة للسلطات، لا سيما في ظل إمكانية الحصول على برامج لفك هذا الحظر، أو استخدام المتاح منها بشكل مكثف، إلى جانب ما يسببه هذا الحجب من رد فعل غاضب من قبل الرأى العام الذي اتسع نطاق استياءه من الإجراءات التي تتخذها مؤسسات النظام بدرجة قد لا تستطيع التعامل مع تداعياتها بالآليات نفسها خلال المرحلة القادمة.